أزمة عالقة:
هل تنجح الصومال في رفع حظر التسليح؟

أزمة عالقة:

هل تنجح الصومال في رفع حظر التسليح؟



ما زالت الصومال تخضع لحظر أممي على التسليح منذ عام 1992، بموجب قرار مجلس الأمن الذي يُجدد سنوياً منذ ذلك العام، وكانت آخر جلسة لنظر الأمر في مجلس الأمن، خلال شهر نوفمبر 2022، حيث قرر استمرار الحظر المفروض. لكن يبدو أن ثمة حلحلة للموقف، من خلال تخفيف إجراءات وضوابط حظر التسليح، إذ أعلن مستشار الأمن الوطني الصومالي حسين معلم، في 18 يوليو الجاري، تمكن بلاده من شراء أسلحة ثقيلة عام 2022، بعد تخفيف الأمم المتحدة الشروط المفروضة على التسليح.

ووفقا لمعلم، فإن الحكومة الصومالية تمكنت من شراء “أسلحة مضادة للطائرات، ومدافع الهاون، وطائرات مروحية”، ولم يقدم معلومات تفصيلية عن مصدر تلك الأسلحة وأنواعها، مع الإشارة إلى تجديد طلب بلاده لمجلس الأمن في نوفمبر المقبل، لرفع حظر التسليح المفروض عليها، لدعم جهودها في مكافحة الإرهاب.

استجابة بطيئة

رغم مطالبات الصومال على مدار السنوات الماضية برفع حظر التسليح المفروض عليها لدعم عمليات مكافحة الإرهاب، إلا أن الاستجابة من قبل مجلس الأمن اتسمت بالبطء، في ضوء عمليات تقييم للوضع الميداني، وقدرات الجيش الصومالي في مواجهة حركة “الشباب”، بما سمح بتخفيف لاشتراطات التسليح على فترات.

وتصاعدت مطالب الصومال برفع حظر التسليح، خاصة مع وصول الرئيس الحالي حسن شيخ محمود للحكم في 16 مايو 2022، في ضوء إطلاقه حرباً شاملة على الإرهاب، حيث يسعى محمود إلى تصعيد المطالب برفع الحظر خلال شهر نوفمبر المقبل.

وخلال زيارة محمود إلى الولايات المتحدة في 23 يونيو الماضي، طالب في كلمة أمام مجلس الأمن برفع حظر استيراد الأسلحة المفروض على بلاده منذ 1992، وقال: “إن حظر السلاح على الصومال أصبح عقبة بارزة تواجه البلاد في مسيرتها لتحقيق السلام”.

ضرورة ضاغطة

في مقابل الاستجابة البطيئة، وضغوط الصومال لرفع حظر التسليح الشامل لتعزيز القدرات العسكرية لمواجهة الإرهاب، فإن ثمة ضغوطاً تواجه الحكومة الصومالية، على مستوى عمليات مكافحة الإرهاب، وبالتالي فإن رفع حظر التسليح قد يكون ضرورة بالنسبة لرؤيتها، وذلك بناءً على الاعتبارات التالية:

1- استمرار نشاط التنظيمات الإرهابية: رغم نجاح الصومال في تحجيم نشاط حركة “الشباب”، وطرد عناصرها من المناطق التي كانت تحت سيطرتها أو نفوذها منذ مايو 2022 وحتى الآن، وتحديداً في وسط البلاد، خاصة مع انخراط أبناء العشائر في المواجهات مع عناصر الحركة، واستمرار العمليات العسكرية، والتجهيز لمراحل متقدمة للهجوم على مناطق نفوذ الحركة في جنوب الصومال، إلا أن النشاط العملياتي للحركة لا يزال مستمراً.

وبغض النظر عن تقييم سيطرة الجيش ومليشيات عشائرية موالية للحكومة على مناطق نفوذ الحركة وسط البلاد، وما إذا كانت هزيمة للحركة أو انسحاب تكتيكي، فإن تهديدات “الشباب” ما زالت قائمة، خاصة في الولايات الجنوبية، لا سيما في ظل تصعيد النشاط العملياتي باتجاه دول الجوار، وتحديداً كينيا، من خلال سلسلة عمليات داخل الحدود الكينية خلال الأشهر القليلة الماضية.

ومن شأن رفع حظر التسليح تمكين الجيش الصومالي من مواصلة عمليات مكافحة الإرهاب، خاصة مع إطلاق الرئيس حسن شيخ محمود حرباً شاملة على التنظيمات الإرهابية، وفي مقدمتها حركة “الشباب”، إذ أن المواجهات مستمرة، في ظل قدرة الحركة على التكيف مع المتغيرات الميدانية، وامتلاك قدرات تمويلية وتسليحية.

2- محورية تحقيق الجيش لتفوق نوعي: وهو ما يتصل بالنقطة السابقة، حيث تبدو الصومال حريصة على زيادة القدرات وتنويع مصادر التسليح خلال الفترة المقبلة، من أجل تحقيق تفوق نوعي ضد التنظيمات الإرهابية، وبالأخص حركة “الشباب”، التي تتمتع بقدرات تسليحية كبيرة، خاصة مع إنفاق ملايين الدولارات في شراء الأسلحة بطرق غير شرعية، رغم فرض حظر على التسليح للفاعلين غير الرسميين من قبل مجلس الأمن، ضمن قرار فرض حظر التسليح في الصومال.

وترتبط قدرة حركة “الشباب” بشراء الأسلحة بجمع إيرادات كبيرة تصل إلى 100 مليون دولار سنوياً، حسب بعض التقديرات، بما يحافظ على إمدادات مستمرة من الأسلحة، عبر شبكات غير شرعية عابرة للحدود، وتحديداً مع شبكات في اليمن، وهو ما يتضح من خلال فرض الولايات المتحدة عقوبات على شبكة لتهريب الأسلحة مرتبطة بالحركة في نوفمبر 2022.

وبالتالي، فإن الصومال تسعى لأن يكون للجيش تفوق نوعي على مستوى التسليح، مقارنة بحركة “الشباب”، وهو الهدف نفسه الذي دفع مجلس الأمن إلى تخفيف اشتراطات حظر التسليح، والسماح بامتلاك الجيش لأسلحة ثقيلة خلال جلسة نوفمبر 2022.

3- انسحاب قوات الاتحاد الأفريقي: تفرض المتغيرات التي طرأت على الساحة الصومالية، وتحديداً انسحاب القوات الأفريقية “أتميس”، تحديات صعبة للنظام الحالي، خاصة مع التخوف من تداعيات هذا الانسحاب على احتمالات تزايد النشاط العملياتي لحركة “الشباب”، في ظل فراغ قد يفرضه هذا الانسحاب.

ومن المقرر أن تنسحب القوات الأفريقية على مراحل، انتهت المرحلة الأولى خلال شهر يونيو الفائت، وبالتالي فإن الجيش الصومالي استلم مهام القوات التي انسحبت، بما يزيد من الضغوط التي يتعرض لها فيما يتعلق بتأمين الوضع الداخلي.

وفي ظل حظر التسليح، لجأت الصومال قبل أشهر قليلة من المرحلة الأولى من انسحاب القوات، إلى الاتفاق خلال قمة على مستوى قادة دول الجوار، على استراتيجية لمواجهة حركة “الشباب”، بالدفع بقوات مشتركة، ربما لتعويض انسحاب القوات الأفريقية “أتميس”.

4- الاعتماد على القدرات الداخلية: ارتبطت عمليات مكافحة الإرهاب في الصومال منذ سنوات طويلة بالدعم العسكري الخارجي سواء من الولايات المتحدة، أو دول الجوار، أو القوات الأفريقية، إذ أن فرض الاستقرار في الصومال كان مرهوناً بأطراف خارجية، في ظل ضعف القدرات العسكرية للجيش الصومالي.

وكان هذا الضعف أحد الأسباب الرئيسية في فرض حظر التسليح على الصومال منذ عام 1992، لتخوفات من سقوط الأسلحة في يد العناصر الإرهابية، خاصة الأسلحة النوعية، وصعوبة تأمين تلك الأسلحة. ولكن مع إدخال برامج لتدريب الجيش الصومالي، ارتفع مستوى الكفاءة بصورة أسفرت عن رفع الحظر الجزئي على التسليح من قبل مجلس الأمن على مراحل.

ومع سعى الحكومة الحالية لزيادة الاعتماد على القدرات الداخلية، خاصة مع استمرار برامج التدريب، سواء مع القوات الأمريكية، أو غيرها من الدول، إضافة إلى رغبة الرئيس الصومالي في إعادة القوات التي تلقت تدريبات في إريتريا، وعددها 5 آلاف فرد، للمشاركة في العمليات ضد التنظيمات الإرهابية، فإن دفع الصومال لرفع حظر التسليح يمكن أن يؤدي إلى زيادة الاعتماد على القدرات الداخلية خلال الفترة المقبلة، مع استمرار الدعم الدولي والإقليمي.

5- السيطرة على المناطق المحررة: خفف مجلس الأمن اشتراطات التسليح خلال السنوات الماضية، بحيث سمح بتسليح القوات الأمنية في حدود معينة، لدعم عمليات فرض الأمن والاستقرار في الصومال، وهو شرط يكتسب أهمية خلال الفترة المقبلة، خاصة مع نجاح الجيش مع أطراف دولية وإقليمية، إضافة لأبناء بعض العشائر، في طرد العناصر الإرهابية من بعض المناطق في وسط البلاد، ولكنه في الوقت نفسه يفرض تحديات لتأمين المناطق المحررة من حركة “الشباب”.

وبالتالي، فإن فرض السيطرة والأمن على المناطق المحررة يعد مرحلة أصعب من طرد العناصر الإرهابية، على نحو يعني أن زيادة القدرات التسليحية برفع حظر التسليح سوف تمارس دوراً مهماً، إلى جانب عوامل أخرى، في منع عناصر حركة “الشباب” من التسلل لتلك المناطق، لاستعادة السيطرة عليها.

عقبات مستمرة

في مقابل التطورات التي تشهدها الصومال على مستوى عمليات مكافحة الإرهاب، والتي تدفع إلى المطالبة برفع حظر التسليح الكلي، لتعزيز القدرات العسكرية لمكافحة الإرهاب، فإن الأسباب التي أدت إلى اتخاذ هذا القرار لا تزال قائمة، وتمثل عقبة أمام الرفع الكلي للحظر المفروض.

إذ أن رفع الحظر الكلي عن التسليح يعني القدرة على شراء مزيد من الأسلحة النوعية، خاصة في ظل استعداد عدد من الدول لتوريد تلك الأسلحة، في ظل منافسة دولية على سوق الأسلحة، وبالتالي يمكن أن تقع بعض تلك الأسلحة في يد حركة “الشباب”، خاصة مع استمرار احتفاظ الحركة بقدرات عملياتية وقتالية كبيرة.

كما أن ذلك يرتبط أيضاً بحدود قدرات الجيش الصومالي على تقييد وصول تلك الأسلحة للحركة، من خلال تأمينها وتحصين مراكز تخزينها، وهي عملية تنطوي على صعوبات في تقييمها. ورغم أن رفع الحظر الجزئي على بعض الأسلحة يعكس تزايد قدرة الجيش على تأمين الأسلحة، إلا أن ذلك لا ينفي في المقابل أن حركة “الشباب” لديها القدرة على تنفيذ عمليات نوعية في مناطق متعددة في الجغرافيا الصومالية. وترتبط عقبات الرفع الكلي لحظر التسليح أيضاً بحدود وصول تلك الأسلحة النوعية للمليشيات الموالية للحكومة الصومالية، خاصة أن حظر التسليح يشمل الفاعلين غير الرسميين، بما فيهم تلك المليشيات، على نحو يثير تساؤلات عديدة حول مدى إمكانية ضمان عدم امتلاك تلك المليشيات قدرات تسليحية كبيرة.