اختراق محدود:
هل تنجح الجهود الأردنية في حشد الدعم العربي للأزمة السورية؟

اختراق محدود:

هل تنجح الجهود الأردنية في حشد الدعم العربي للأزمة السورية؟



في ضوء الحرص الأردني المتواصل على إيجاد حلٍّ للأزمة السورية منذ اندلاعها شريطة أن يكون هذا ضمن الإطار العربي، وبدون أي تدخل لأطراف إقليمية ودولية؛ أفاد وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي خلال حوار له مع صحيفة “ذا ناشيونال” الإماراتية، في 26 سبتمبر الماضي، بأن هناك مبادرة (لم يعلن عن تفاصيلها بالكامل) تقودها عدة دول عربية في مقدمتها السعودية بحثت مع واشنطن وبعض الدول الغربية “خطة شاملة” للحل السياسي في سوريا، تستند إلى تطبيق قرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة، وخاصة القرار رقم 2254 المعني بوقف إطلاق النار والوصول إلى تسوية سياسية في سوريا، وتنفيذ القرار الدولي رقم 2642 بشأن إزالة أية عراقيل أمام آلية إيصال المساعدات الإنسانية إلى سوريا، وتوفير البنية التحتية لإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، وإحلال الاستقرار في الجنوب السوري، واتخاذ جميع الإجراءات التي تضمن عودة دمشق إلى محيطها العربي.

وبعد أيام قليلة من إعلان “الصفدي” عن حشد أردني لإنهاء الحرب الجارية في سوريا؛ خرج العاهل الأردني الملك “عبدالله الثاني”، في 3 أكتوبر 2022، خلال اجتماعه مع عدد من الشخصيات السياسية بالبلاد، ليؤكد الأمر ذاته، قائلاً: “المملكة الأردنية تواصل الدفع باتجاه حل سياسي للأزمة السورية.. الأردن يريد حلاً يحفظ وحدة سوريا أرضاً وشعباً، ويضمن العودة الطوعية والآمنة للاجئين”.

دلالات التوقيت

اللافت -في هذ السياق- أنه رغم عدم تحدث كل من وزير الخارجية والملك الأردني بشكل تفصيلي عن عرض ذي ملامح واضحة للمبادرة العربية بشأن سوريا؛ إلا أن هناك جملةً من العوامل قد تكون السبب وراء دفع المملكة الأردنية لطرح المبادرة في هذا التوقيت، على النحو التالي:

1- استباق اجتماع القمة العربية في دورتها الـ31: يأتي الإعلان عن هذه المبادرة قبل شهر من القمة العربية المرتقبة في الجزائر مطلع نوفمبر 2022، خاصة أن حضور سوريا من عدمه أثار الجدل خلال الأيام القليلة الماضية حتى حسمت سوريا موقفها وقررت عدم المشاركة في القمة، مبينة على لسان وزير خارجيتها “فيصل المقداد” مطلع سبتمبر الماضي، أن هذا من منطلق حرص القيادة السورية على إنجاح العمل العربي المشترك لمواجهة التحديات الراهنة على الصعيدين الإقليمي والدولي. وعليه فإن طرح المبادرة الأردنية في هذا التوقيت يعكس وجود رغبة عربية لمشاركة سوريا في هذه القمة، أو على أقل تقدير أن يشغل “الملف السوري” المساحة الأكبر من مناقشات القادة العرب في الدورة الـ31.

2- تنامي جرائم مليشيا الملالي في الجنوب السوري: طرح المبادرة العربية جاء بالتزامن مع ارتفاع حدة التصعيد في مدينة درعا جنوب سوريا، جراء استمرار المليشيا الإرهابية الموالية لإيران في أعمالها غير المشروعة، خاصة المتعلقة بتهريب المخدرات والسلاح على الحدود الجنوبية للأردن، وهو ما دفع بالقوات العسكرية للمملكة خلال الأشهر الماضية إلى تكثيف نشاطها للتصدي لما أسمته “حرب مخدرات تُشن على الأردن من حدوده الجنوبية، تقودها مليشيات تؤمر من طرف النظام الإيراني”، لافتة إلى أنّ حدوث ذلك جاء بعد منح نظام الرئيس السوري “بشار الأسد” الضوء الأخضر لمليشيا إيرانية بتحويل مناطق سيطرته إلى أكبر مراكز تصنيع المخدرات في العالم، متخذاً حدوده مع الأردن طريقاً رئيسياً لتهريبها إليه، وإلى دول المنطقة والعالم، وهو ما يهدد في الأساس “أمن الأردن الوطني”. وعليه، يأمل العاهل الأردني في حشد دعم عربي لسوريا لمواجهة الجرائم الإرهابية لوكلاء إيران في المنطقة.

3- إجراء مباحثات أمريكية – أردنية حول سوريا: جاء إعلان وزير الخارجية الأردني “أيمن الصفدي” عن المبادرة العربية مع الصحيفة الإماراتية بعد أيام قليلة من اجتماع له مع نظيره الأمريكي “أنتوني بلينكن”، في 13 سبتمبر 2022، وبعد انتهاء المباحثات بين الطرفين الأردني والأمريكي، أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية بياناً عما تناولته تلك المباحثات، مشيرة إلى أن “بلينكن” جدد التأكيد على أن بلاده حريصة وملتزمة بأمن واستقرار المنطقة من خلال التوصّل إلى “تسوية سياسية” للأزمة السورية، وموجهاً الشكر إلى المملكة الهاشمية لدورها في استضافة نحو 1.3 مليون لاجئ سوري. وعليه، فإن عمان تعول على دعم أمريكي لجهودها المرتقبة لحل الصراع السوري.

4- اجتماع سوري – أردني في نيويورك: كشفت مصادر مطلعة أن إعلان وزير الخارجية الأردني يبدو أنه ليس من قبيل الصدفة، بل على الأرجح فإن المبادرة العربية التي تمت الإشارة إليها مدروسة من قبل، وقد يكون هذا تم بتوافق بعض الدول العربية مع الأردن، وعقب انتهاء المفاوضات بات من المفترض أن يتم الإعلان ولكن بشكل تدريجي لمعرفة ردود فعل الأطراف الأخرى على المستويين المحلي والدولي. وفي هذا الإطار، قد يكون “الصفدي” طرح على نظيره السوري “فيصل المقداد” خلال اجتماعه معه على هامش أعمال الاجتماع الـ77 للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك (22 سبتمبر الماضي) بنود هذه المبادرة وموقف النظام السوري منها، خاصة أن الاجتماع المشترك تطرق إلى بحث سبل التوصل لحل سياسي للأزمة في سوريا.

5- ارتفاع حدة التحركات التركية في الأراضي السورية: المبادرة الأردنية في هذا التوقيت قد تكون محاولة من قبل المملكة الهاشمية للتصدي للتحركات التركية الأخيرة في شمال سوريا بجانب محاولات النظام التركي بقيادة الرئيس “رجب طيب أردوغان” مؤخراً تغيير نهجه بعودة إصلاح العلاقات مع القيادة السورية برئاسة “بشار الأسد”. وعليه، تسعى عمان لإيجاد تحرك عربي تقوده السعودية وبوساطة أردنية للوقوف أمام محاولات بعض القوى الإقليمية (تركيا، إيران) الساعية للتمدد في سوريا مستغلة انشغال روسيا بحربها في أوكرانيا، وهو ما يكشف عن تخوف أردني من أن تؤدي التحركات التركية إلى إثارة الفوضى وإعادة انتشار التنظيمات الإرهابية خاصة في جنوب سوريا بالقرب من الحدود الأردنية، وهذا بدوره قد تنجم عنه موجة لجوء جديدة للأراضي الأردنية.

مقومات النجاح

وفي ظل التطورات السابقة، تجدر الإشارة إلى أن المبادرة الأردنية كي تكلل بالنجاح فهي تتطلب ضغوطاً من قبل بعض قوى المجتمع الدولي وتوافقاً على المستوى الإقليمي بجانب رغبة في الداخل السوري للحل، على النحو التالي:

1- رغبة أطراف النزاع السوري في تنفيذ بنود المبادرة العربية: إنّ ما يعيق أي مبادرة بشأن سوريا، سواء أكانت دولية أم عربية، هو موقف أطراف النزاع السوري المكونة من النظام برئاسة “بشار الأسد” وقوى المعارضة السورية، إذ يرفض كل منهم الجلوس على طاولة واحدة وتقديم تنازلات لحل الأزمة التي تشهدها البلاد، وهو ما سبق وأكده المبعوث الدولي إلى سوريا “غير بيدرسون” حينما أعلن في فبراير الماضي أن فشل المبادرة التي طرحها بعنوان “خطوة مقابل خطوة” كان بسبب الانقسام وغياب الثقة بين أطراف الصراع السوري، ولذا فإن مساعي الأردن لإنجاح مبادرته هذه المرة سيتوقف على مدى قبول طرفي الصراع بها، وإبرام “توافق سياسي” يحظى بدعم جميع السوريين. ومن ناحيةٍ أخرى، فإن النظام السوري قد يقبل بهذه المبادرة في حال قدمت المملكة الهاشمية دعماً لاقتصاد دمشق، وهو ما قد يُفسر سبب توجه “غرفة تجارة الأردن”، منتصف أكتوبر 2022، لتدشين فعاليات المنتدى الاقتصادي الأردني السوري في دمشق بالتعاون مع اتحاد غرف التجارة السوري ووزراء من حكومة “النظام”.

2- حشد الدعم الأمريكي لمساندة المبادرة العربية: بجانب دعم دول المنطقة فإن الأردن لا يزال يعول على الدور الأمريكي في تسوية الأزمة السورية، رغم عدم إعطاء إدارة الرئيس الأمريكي “جو بايدن” خلال الفترة الماضية الاهتمام الكافي للملف السوري لانشغالها بعدد من الملفات التي طرأت على الساحة الدولية خلال الفترة الماضية، كالحرب الروسية مع أوكرانيا، والتوغل الصيني، ومفاوضات إحياء الاتفاق النووي مع إيران، خاصة أن مصادر دبلوماسية أمريكية مطلعة كشفت لوسائل إعلام عن موقف إدارة “بايدن” من المبادرة الأردنية الجديدة، بالقول: إن واشنطن تُصر حالياً على عدم تحسين علاقاتها الدبلوماسية مع النظام السوري، فضلاً عن رفضها أية جهود يمكن من خلالها إعادة تأهيل نظام “الأسد” وإعطاءه مكاسب على الأرض. ومع ذلك فإن هناك رؤية دولية مفادها أن حل الأزمة السورية في الوقت الراهن لن يتم بدون قيادة عربية (سعودية – أردنية) ومباركة أمريكية صامتة.

3- إجبار القوى الإقليمية الفاعلة داخل سوريا على تحجيم نفوذها: يتوقف نجاح هذه المبادرة على مدى استجابة القوى الإقليمية التي تلعب دوراً في المشهد السوري منذ اندلاع الصراع (مثل: إيران، تركيا، روسيا) للنداءات العربية، وإن نجحت المملكة الهاشمية في التصدي لنفوذ هذه القوى التي استغلت ظروف الصراع السوري للتوغل والانتشار، فإنه سيترتب عليه إعادة الاعتبار للدور العربي في التوصل لحل سياسي لتسوية هذه الأزمة التي فشلت التحركات الدولية والإقليمية في حلها، وهذا بدوره سيعيد اللحمة السورية – العربية ومواجهة معاناة الشعب السوري وتحديات إعادة الإعمار، وفي الوقت نفسه تعيد اللاجئين السوريين إلى بلادهم، ولن يقع هذا إلا بوجود “آلية عمل مشتركة” يكون هدفها الرئيسي ضبط التحركات الإيرانية والتركية في الأراضي السورية، ويشارك فيها مختلف القوى سواء العربية أو الدولية المعنية بالأزمة السورية والرافضة للوجود الإيراني في هذا البلد، كإسرائيل، وأمريكا، بجانب روسيا.

4- إعادة إحياء الدور العربي في الملف السوري: تنفيذ الأهداف السالف ذكرها سيتوقف على مدى قدرة الدول العربية على التسويق بشكل موسع للمبادرة الأردنية، والالتفاف حول القيادة العربية التي ستقود الحراك العربي بشأن سوريا خلال الفترة المقبلة، وترك الخلافات العربية المشتركة جانباً حتى يتم التوافق على آلية عربية توافقية يكون هدفها الرئيسي التركيز على عودة سوريا إلى محيطها العربي ومواجهة جميع المشكلات السياسية، والاقتصادية، والإنسانية، والأمنية التي يشهدها هذا البلد ولكن بـ”نهج عربي مشترك”، وطرح هذه النقطة يرجع إلى وجود تخوفات من قبل بعض القوى العربية المعارضة لعودة سوريا ومنح الرئيس “بشار الأسد” مكافأة دون الحصول على أي مقابل. وعليه فإن حل ذلك سيكون من خلال تقديم النظام السوري حزمة من العروض والتنازلات تضمن له الحصول في المقابل على حزمة من المطالب التي يتوجب تلبيتها، استناداً لمبدأ “خطوة مقابل خطوة”.

5- الحصول على الموافقة الروسية: رغم أن الحرب الأوكرانية ساهمت في تراجع موسكو ولو قليلاً عن الساحة السورية، خاصةً أن قيامها بسحب عدد من قواتها من سوريا للمشاركة في حربها الدائرة مع أوكرانيا ساهم في توسع عمل المليشيا الموالية لإيران داخل دمشق، وهو ما حذر منه العاهل الأردني الملك “عبد الله الثاني” بأن الأردن يواجه تهديداً متزايداً من المليشيات الشيعية المتورطة في تهريب المخدرات والأسلحة، وعزا هذه المشكلة إلى تراجع نفوذ روسيا في سوريا لانشغالها بالحرب في أوكرانيا، وهو ما أدركته الإدارة الروسية لتعلن استعدادها مؤخراً للعودة إلى سوريا وعدم ترك الساحة أمام القوى الإقليمية الأخرى التي استغلت الفراغ الروسي للتمدد والانتشار، ومشددةً على رفضها لأية أعمال عسكرية جديدة في سوريا وفقاً لوزير الخارجية الروسي “سيرجي لافروف” منتصف أغسطس الماضي. وعليه فإن الأردن يعول على الحصول على دعم روسي للمبادرة العربية كـ”قوة رادعة” للتحركات الإقليمية في هذا البلد، وقد يكون “الصفدي” عرض على نظيره الروسي خلال اجتماع مشترك في نيويورك بنود هذه المبادرة؛ إذ كشفت مصادر مطلعة أن الاجتماع الأردني السوري ناقش التوصل لحل سياسي للأزمة السورية بما يلبي طموحات الشعب السوري ويحفظ حقوقه.

نجاح مشروط

خلاصة القول، إن طرح الأردن لهذه المبادرة للمرة الثانية بعد أخرى قدمتها في صيف 2021 وواجهت عدداً من العراقيل أعاقت تنفيذها؛ يعني أن نجاح الجهود التي تقودها المملكة الهاشمية ستظل مرتبطة بتحقيق العوامل السالف ذكرها، وعلى الأخص مدى رضا كل الأطراف المشاركة في العملية السياسية في سوريا ودول المنطقة والقوى الدولية الفاعلة حول أي تحرك يمكن من خلاله عودة سوريا إلى محيطها العربي بعد أن استأثرت بها بعض القوى الإقليمية. وبناءً على ذلك فمن المتوقع ألّا يحدث أي اختراق بشأن المبادرة الأردنية الجديدة، خاصة أن بعض الدول العربية لا تزال رافضة لتطبيع علاقاتها مع دمشق، وهو ما قد يواجه معوقات أمام تمرير أي مشروع يخص سوريا في القمة العربية المقبلة، وسينجم عن ذلك اختراق “محدود” مقتصر على توجه الأردن وحدها للعب دور الوسيط بين أطراف النزاع السوري بعيداً عن إجماع عربي حول التقارب مع دمشق قد لا يتحقق قريباً.