نظّم مركز “العالم العربي للأبحاث والدراسات المتقدمة”، بالقاهرة، بتاريخ 6 ديسمبر 2023، جلسة استماع بعنوان “تحولات ضاغطة: هل تنجح إجراءات الدول العربية في مواجهة التغيرات المناخية؟” واستضاف المركز الدكتور إبراهيم عبد الجليل مستشار الطاقة والبيئة، ورئيس جهاز شؤون البيئة المصري الأسبق (كمتحدث رئيس في الجلسة)، كما شارك في الجلسة عدد من الخبراء والباحثين المتخصصين في مجالات مختلفة، وهم: الدكتور محمد عز العرب، والدكتور حمدي بشير، والدكتور هيثم عمران، والأستاذ عمرو عبد العاطي، والأستاذ كرم سعيد، والأستاذ حسين معلوم، والأستاذ محمد عمر، والأستاذ علي عاطف، والأستاذة ميرفت زكريا، والأستاذة نادين المهدي، والأستاذة نهلة عبدالمنعم.
مسارات الاهتمام
تطرق الدكتور إبراهيم عبد الجليل إلى مسارات وتاريخ الاهتمام الدولي بتغيرات المناخ ودور الدول العربية في هذا المسار والذي تكلل باستضافة مصر قمة “كوب 27” عام 2022 ودولة الإمارات العربية المتحدة “كوب 28” في عام 2023، موضحاً أن الاهتمام الدولي بقضية تغيرات المناخ بدأ منذ قرون خاصة منذ الثورة الصناعية، ورصد تداعياتها على البيئة خاصة ارتفاع درجات الحرارة وزيادة نسبة ثاني أكسيد الكربون.
1- قمة ريو دي جانيرو: عقدت عام 1992 وعرفت باسم “قمة الأرض” حيث اعتمدت خلالها دول العالم اتفاقية إطارية وهي بمثابة إطار عام غير ملزم للدول بشأن مجابهة تغيرات المناخ، كما دعت للتعاون بين الدول في إطار هذه المجابهة، لكن مع بدء العمل بها عام 1994 لم يتم الحديث عن الإجراءات اللازم اتخاذها من قبل كل دولة، ومع هذا مثلت خطوة دولية متقدمة نحو الاهتمام بقضايا تغير المناخ وتداعياتها على كوكب الأرض.
2- قمة كوب 1: عقدت عام 1995 في العاصمة الألمانية برلين، حيث تمّ الحديث عن وضع آلية ملزمة للدول بشأن مجابهة تغيرات المناخ، ولكن ظهرت مشكلة بين الدول ومدى إلزامية الاتفاق الذي سيصدر عنها، فقد نشأت خلافات بين الدول الصناعية المتقدمة والدول النامية، ولمحاولة حل هذه الإشكالية نصت على مبدأ المسؤولية المشتركة والمتدرجة وفق قدرات كل دولة، لكن ذلك لم يساهم في حل الخلاف أيضاً، ومع هذا كانت القمة نقطة متقدمة نحو الدفع بوجود إطار دولي يجمع الدول بشأن مجابهة التغيرات المناخية.
3- بروتوكول كيوتو: تم التوصل إليه عام 1997 وهي اتفاقية كيوتو (UNFCCC or FCCC)، وهي معاهدة دولية مددت اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغير المناخي، وتم اعتماد اتفاقية كيوتو في اليابان، بتاريخ 11 ديسمبر عام 1997، ودخلت حيز التنفيذ في 16 فبراير 2005، ونجحت هذه المرة في تقسيم العالم إلى قسمين: مجموعة الدول الصناعية، ومجموعة الدولة النامية، وحددت لكل دولة نسبة من الانبعاثات الضارة التي يجب خفضها سنوياً، وقد دخلت حيز التنفيذ عام 2005، ثم بدأت فترة الالتزام الأولية بالاتفاقية في عام 2008، وانتهت في عام 2012.
إلا أن موقف الولايات المتحدة أضعف هذه الاتفاقية، فقد أصدر الكونجرس الأمريكي عام 1997 قانوناً يمنع الحكومة الأمريكية من التصديق على أي اتفاقية ملزمة بشأن المناخ لا تكون ملزمة لجميع دول العالم أو تضر باقتصاد الولايات المتحدة، ولرفع الحرج عنها ودورها في إحباط الاتفاق العالمي طرحت فكرة “تجارة الانبعاثات” وهي تتعلق بخفض الانبعاثات الضارة عبر العالم من خلال وضع سقف للانبعاثات الضارة، وقيام الدول المتقدمة بالتعاون مع الدول النامية في هذا المجال، وتقديم دعم ومساندة لها في تنفيذ مشروعات تحد من الانبعاثات بتكلفة أقل مما لو نفذتها الدول المتقدمة لتعرف باسم “آلية التنمية النظيفة”.
4- قمة كوب 21: عُقدت في باريس عام 2015، ومثّلت تقدماً مهماً نحو الضغط تجاه آليات مجابهة دولية لتغيرات المناخ، فقد تم الحديث عن اتفاق ملزم لجميع الدول إلا أنه ترك المجال لكل دولة لتحدد نسبة خفض الانبعاثات الضارة التي تقدر على تحقيقها كل عام، مع الطلب منها تقديم تقرير كل خمس سنوات يوضح حجم وزمن وكيفية خفض الانبعاثات. كذلك تم الحديث ضمن اتفاق باريس للمناخ على الالتزام بخفض درجات الحرارة العالمية لأقل من درجتين مئويتين، والسعي للحد من الاحتباس الحراري لكي لا يتجاوز 1.5 درجة مئوية لضمان حماية كوكب الأرض.
5- قمة كوب 27: نجحت هذه القمة التي عُقدت في مدينة شرم الشيخ المصرية عام 2022 في الحديث عن الضرر الواقع على الدول النامية جراء تغيرات المناخ ومسؤولية الدول المتقدمة عن هذا الضرر، ووجوب دعمهم لمواجهته، وبالفعل تم الاتفاق على إنشاء صندوق “الخسائر والأضرار” المناخية لدعم الدول الفقيرة المتضررة من تغير المناخ، إلا أنه لم يحدد آلية تمويل الصندوق وحجم المشاركة ومدى إلزاميتها ومن سيحصل عليها، ومع هذا مثّل نقطة متقدمة نحو الضغط تجاه مبدأ عملية تمويل مجابهة التغيرات المناخية.
6- قمة كوب 28: انطلقت أعمالها في مدينة دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة منذ 30 نوفمبر 2023 وحتى 12 ديسمبر 2023، وسعت للفعل للبناء على النجاح المتحقق في “كوب 27” من خلال دعم صندوق الخسائر والأضرار، فقد أعلنت الإمارات التبرع بـ100 مليون دولار ليمثل نقطة مهمة نحو تحديد من سيدفع وكم سيقدم للصندوق وهل سيكون ذلك بشكل سنوي أم ماذا، فقد أعلنت الولايات المتحدة التبرع في هذه القمة بحوالي 17 مليون دولار فقط رغم أنها أكبر دولة صناعية وأكبر متسبب في الاحتباس الحراري، الأمر الذي يُثير تساؤلات بشأن عملية تمويل الصندوق.
إشكاليات المواجهة
وتطرق عبدالجليل إلى إشكاليات ومعوقات التعاون بين الدول في مجابهة تغيرات المناخ وتمثلت في التالي:
1- الخلاف على آليات ومصادر تمويل مجابهة التغيرات المناخية: يعد من أبرز عوامل الخلاف بين الدول، فالدول المتقدمة ترفض تحمل تبعات الثورة الصناعية والمسؤولية عن الانبعاثات الضارة ومن ثم تمويل الدول المتضررة من هذه التغيرات، وهو ما حال دون التوصل لاتفاق دولي ملزم وواضح بشأن مجابهة الأضرار الناجمة عن التغيرات المناخية.
2- تمويل التكيف مع تغيرات المناخ: تتطلب عمليات التكيف مع تغيرات المناخ أموالاً ضخمة، لذا ظهر مصطلح “تمويل التكيف” وذلك لدعم الدول النامية في التكيف مع التغيرات المناخية، وهذا الأمر يحتاج إلى ميزانية سنوية تُقدر بأكثر من 160 مليار دولا سنوياً، وهذا مبلغ لم يتم توفيره حتى الآن، مما يحول دول آليات المجابهة الناجعة في مجابهة التغيرات المناخية بشكل عام.
3- صراع المصالح بين القوى الدولية: يُعتبر صراع المصالح خاصة بين القوى الكبرى والدول المنتجة للنفط والفحم من أبرز مظاهر عرقلة التوصل لاتفاق دولي ملزم بشأن مجابهة التغيرات المناخية، وقد ساهمت المخاوف الاقتصادية من زيادة حدة هذا الصراع، فهي المتحكم الرئيس في مجابهة تغيرات المناخ، لذا صارت المصالح التجارية والاقتصادية المتحكم الرئيس في نجاح القمم والاتفاقيات الخاصة بمجابهة تغيرات المناخ، وهو ما يحول دون اتفاق دولي ملزم حتى الآن، سواء بخفض الانبعاثات أو تمويل عمليات المكافحة والتكيف.
4- فشل التوصّل إلى آليّة ملزمة للجميع: فشلت الاتفاقيات والقمم الخاصة بالمناخ التي عقدت في التوصل إلى آلية دولية ملزمة لجميع الدول، سواء بمجابهة تغيرات المناخ أو تمويل عمليات التكيف ودعم الدول المتضررة، فمثلاً برتوكول كيوتو فشل في تحقيق الهدف المرجو منه لأنه لم يشمل جميع الدول، وكذلك اتفاقية باريس عام 2015 فشلت في هذا الأمر فقد تركت حرية التنفيذ لكل دولة.
5- تعدد وتنوع تداعيات تغيرات المناخ: تسببت قضية تغير المناخ في تداعيات متنوعة بيئية وأمنية وسياسية واقتصادية وصحية واجتماعية وعسكرية وغيرها من التداعيات المتنوعة، وهو ما يصعب من التوافق بين الدول على الوصول لاتفاق واضح يشمل مجابهة جميع تداعيات هذه الظاهرة، فقد خلقت أزمات متنوعة ومتشعبة.
مستقبل مفتوح
وتطرق عبد الجليل إلى مستقبل المنطقة العربية في ظل ارتفاع مخاطر تغير المناخ وزيادة الاحتباس الحراري، باعتبار دول المنطقة من البلدان المتضررة جراء هذا التغير، خاصة في ظل معاناتها من التصحر، وندرة المياه، وارتفاع درجات الحرارة نتيجة الطبيعة الجغرافية لدول المنطقة، مشيراً إلى أن الدول العربية عملت بالفعل على تشكيل مجموعات للتنسيق فيما بينها خلال قمم المناخ من أجل دعم مصالحها.
واستبعد عبد الجليل وجود اتفاق عربي على تشكيل تكتل وآلية خاصة بهم لمجابهة تغيرات المناخ نتيجة تضارب المصالح بين بعض دول المنطقة، خاصة الدول المنتجة للنفط، رغم وجود تعاون الآن بينها بشأن مشروعات الطاقة النظيفة والمتجددة، فقد كانت هناك محاولة داخل جامعة الدول العربية لإنشاء صندوق عربي مشترك لدعم تمويل دول المنطقة في مواجهة تغيرات المناخ والتكيف معها، إلا أن هذا الأمر لم يتحقق حتى الآن.
وأشار عبد الجليل إلى أن بعض الدول العربية نجحت -بالفعل- في قطع أشواط مهمة في التكيف مع تغيرات المناخ، مثل دول الخليج المنتجة للنفط، من خلال مشروعات الطاقة النظيفة وخاصة الهيدروجين، ودعم فكرة اقتصاد الكربون الدائري رغم التحديات التي تحيط بها وصعوبة تنفيذها. كما كانت مصر من بين دول المنطقة التي اتبعت عدة آليات لمجابهة التغيرات المناخية والتكيف معها.