تحذيرات مستمرّة:
هل تلمح إيران إلى امتلاك القنبلة النووية؟

تحذيرات مستمرّة:

هل تلمح إيران إلى امتلاك القنبلة النووية؟



يمكن تفسير التلميحات الإيرانية بشأن الوصول إلى مرحلة إنتاج القنبلة النووية في ضوء عوامل عديدة يتمثّل أهمها في استغلال التهديدات النووية الإسرائيلية التي برزت خلال الحرب على قطاع غزة، والرد على تجميد المفاوضات مع الولايات المتحدة الأمريكية وترحيلها إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وممارسة ضغوط أقوى على واشنطن لكبح اتجاه تل أبيب نحو تصفية الحسابات مع طهران في مرحلة ما بعد انتهاء حرب غزة الخامسة.

موقع “فرارو”: سؤال غريب لمذيع التليفزيون: ألم يحن موعد وصول إيران إلى السلاح النووي؟

مع تصاعد حدة الخلافات بين إيران وكل من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، على خلفية التداعيات التي فرضتها الحرب التي تشنها الأخيرة داخل قطاع غزة ضد حركة حماس، إلى جانب العمليات العسكرية التي تنفذها واشنطن ضد المليشيا الحوثية منذ 12 يناير الجاري، بدأت إيران في توجيه رسائل تحذيرية بشأن الخيارات المحتملة التي يمكن أن تلجأ إليها في مرحلة ما بعد انتهاء الحرب في غزة.

ففي حواره مع القناة الثانية بالتليفزيون الإيراني، في 14 يناير الجاري، طرح المذيع على رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية محمد إسلامي سؤالاً مباشراً عن “مدى إمكانية اتجاه إيران إلى إنتاج القنبلة النووية من أجل موازنة القوة”. ورغم أن إسلامي رد على ذلك بنفي رغبة طهران في الانخراط في هذا المسار؛ إلا أن مجرد طرح السؤال، الذي من المفترض أن يكون ضمن الأسئلة المعدة والمتفق عليها مسبقاً، يشير إلى أنه يعبر عن توجه متعمد لتوجيه تحذيرات غير مباشرة بأن إيران قد تغير موقفها في أية لحظة إزاء هذا الملف خلال المرحلة القادمة.

دوافع عديدة

يُمكن تفسير هذا التوجه الذي قد تتكرر مؤشراته خلال المرحلة القادمة في ضوء اعتبارات عديدة يتمثل أبرزها في:

1- الرد على التهديدات الإسرائيلية باستخدام السلاح النووي: حاولت إيران خلال الفترة الماضية التركيز على التهديدات التي أطلقها وزير التراث الإسرائيلي عميحاي إلياهو، في 11 نوفمبر الماضي، باستخدام القنبلة النووية في تدمير قطاع غزة، وقد سعت عبر ذلك إلى تحقيق أهداف عديدة منها التركيز على الازدواجية التي يتعامل بها المجتمع الدولي مع البرنامجين النوويين لكل من إيران وإسرائيل، وفي الوقت نفسه الترويج إلى أن إسرائيل قد لا تتوانى عن استخدام الخيار النووي في إدارة صراعها مع خصومها، بهدف إضفاء نوع من الزخم على الأنشطة النووية التي تقوم بها إيران، رغم إصرارها على تأكيد أن هذه الأنشطة سوف تستخدم للأغراض السلمية.

2-  الاستعداد لمرحلة جديدة من التصعيد مع إسرائيل: ترى إيران أن التصعيد مع إسرائيل لن يتراجع بعد انتهاء الحرب في قطاع غزة، بل قد يتزايد خلال المرحلة القادمة، في ظلّ إصرار إسرائيل على المضيّ قدماً في تصفية حساباتها مع القوى المناوئة لها، خاصةً في ظل إصرارها على الترويج لأن الدعم الإيراني المتواصل لحماس والفصائل الأخرى هو السبب الرئيسي الذي دفع حماس إلى شن عملية “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر الماضي.

وفي هذا السياق، لا تستبعد إيران أن تحاول إسرائيل تصفية عدد آخر من قادتها العسكريين، وفي مقدمتهم قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري إسماعيل قاآني، فضلاً عن استئناف العمليات الاستخباراتية لاختراق المنشآت النووية، ولا سيما التي تحظى باهتمام خاص من جانب النظام الإيراني، على غرار مفاعل ناتانز، إلى جانب منشأة فوردو، بالتوازي مع شن المزيد من الهجمات السيبرانية.

وقد كان لافتاً أن اتجاهات عديدة اعتبرت أن تعمد بعض وسائل الإعلام الأمريكية والإسرائيلية، في 9 يناير الجاري، الإشارة إلى قضية العميل الهولندي إريك فان سابين، الذي قام بزرع “فيروس ستاكسنت” داخل أجهزة الكمبيوتر في المنشآت النووية، ما أدى إلى تدمير ألف جهاز طرد مركزي في عام 2010؛ يمثل مؤشراً على أن كلاً من واشنطن وتل أبيب قد تحاولان الانخراط في المسار نفسه خلال المرحلة القادمة، وذلك للرد على نجاح الفصائل المدعومة من جانب إيران، ولا سيما حركة حماس الفلسطينية وحزب الله اللبناني، في اختراق الإجراءات الأمنية الإسرائيلية.

من هنا، فإن إيران تسعى عبر تلك التلميحات إلى ممارسة ضغوط قوية على إسرائيل، ومن خلفها الولايات المتحدة الأمريكية، بأن بدء مرحلة جديدة من استهدافها في فترة ما بعد انتهاء الحرب في غزة قد يدفعها إلى تغيير المقاربة الحالية التي تتبناها بشأن برنامجها النووي.

3- ممارسة ضغوط على واشنطن: لم تُحقق المفاوضات التي أُجريت بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية حول الاتفاق النووي، خلال المرحلة الماضية، أية نتائج إيجابية، باستثناء المساعدة في الوصول إلى صفقة تبادل السجناء التي بدأ تنفيذ بنودها في 18 سبتمبر الماضي بالإفراج المتبادل عن بعض السجناء الأمريكيين والإيرانيين. وبدا واضحاً أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن تسعى إلى تأجيل البت في الملف النووي الإيراني إلى مرحلة ما بعد إجراء الانتخابات الرئاسية الأمريكية في 5 نوفمبر القادم.

وانطلاقاً من ذلك، فإن إيران تحاول ممارسة ضغوط استباقية على الإدارة الأمريكية، عبر التهديد بأنها قد تغير نهجها الحالي، من أجل دفعها إلى مواصلة المفاوضات مع إيران والوصول إلى صفقة تستوعب حسابات ومصالح إيران، لتجنّب اتجاه الأخيرة -حسب تلميحاتها- إلى تبني مسار الوصول إلى مرحلة امتلاك القدرة على إنتاج القنبلة النووية.

4- تزايد ضغوط المتشددين في الداخل الإيراني: رغم أن معظم المسؤولين في إيران، وآخرهم رئيس منظمة الطاقة الذرية محمد إسلامي، يستندون في رفضهم لخيار امتلاك القنبلة النووية، إلى الفتوى التي أصدرها المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي بتحريم إنتاج وتخزين الأسلحة النووية، إلا أن ذلك لا ينفي أن ثمة اتجاهات داخلية خاصة في أوساط تيار المحافظين الأصوليين تمارس ضغوطاً من أجل الانخراط في هذا السياق.

وتستند تلك الاتجاهات إلى أن الصراع مع الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل بالنسبة للنظام في إيران ليس صراعا سياسياً أو أيديولوجياً، وإنما هو صراع وجودي، بما يعني أن الدولتين تسعيان، في رؤية تلك الاتجاهات، إلى إسقاط النظام الإيراني، وتأسيس نظام بديل يتبنى سياسة تتوافق مع مصالحهما وحساباتهما، بدليل سعيها إلى دعم الاحتجاجات التي اندلعت في إيران في منتصف سبتمبر 2022 واستمرت حتى بداية يناير 2023.

وربما يتزايد تأثير هذه الاتجاهات، التي يمتلك بعضها نفوذاً داخل العديد من مؤسسات النظام، في حالة ما إذا واصلت إسرائيل سياسة الاغتيالات والتصفية التي تستهدف بعض القادة العسكريين والعلماء النوويين، كجزء من محاولة تحميل إيران القسم الأكبر من المسؤولية عن عملية “طوفان الأقصى”.

وفي رؤية هذه الاتجاهات، فإن الوجود العسكري الأمريكي الذي بات يحاصر إيران من جهات عديدة، ويضم -في بعض الأحيان- بعض الغواصات النووية، يوحي بأن الولايات المتحدة الأمريكية لم تعد تستبعد الخيار العسكري في إدارة خلافاتها مع إيران خلال المرحلة القادمة، خاصة في حالة ما إذا وصل الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إلى الرئاسة مجدداً بعد الانتخابات التي سوف تجرى في 5 نوفمبر القادم، وهو الرئيس الذي انسحب من الاتفاق النووي في 8 مايو 2018، وأصدر الأمر باغتيال القائد السابق لفيلق القدس التابع للحرس الثوري قاسم سليماني في 3 يناير 2020.

إشارات متكررة

في ضوء ذلك، يمكن القول إن توجيه إشارات إيرانية متكررة بشأن احتمال التوجه نحو تبني الخيار النووي العسكري قد يكون احتمالاً قائماً خلال المرحلة القادمة، خاصة مع استعداد إسرائيل لرفع مستوى التصعيد مع إيران ووكلائها في المرحلة القادمة، بعد أن تنتهي الحرب في غزة، وتنتفي بالتالي الحاجة إلى ضبط مستوى التصعيد في الجبهات الأخرى، ولا سيّما جبهة جنوب لبنان.