تعقيدات ضاغطة:
هل تسهم قمة “الإيجاد” في تسوية الصراع السوداني؟

تعقيدات ضاغطة:

هل تسهم قمة “الإيجاد” في تسوية الصراع السوداني؟



رغم السعي الحثيث من قبل قمة الإيجاد لحل الأزمة في السودان، إلا أن تحفظات شكلية لدى كل من حميدتي، وأجنحة داخل الجيش السوداني، ربما تتسبب في تعثر المسار الذي لجأ إليه البرهان دفعاً لحل قضية بلاده عقب تعثر مسار جدة، وتراجع الاهتمام الدولي والعربي على وقع تطورات الحرب في غزة، فضلاً عن الموقف الملتبس للقوى المدنية السودانية من بيان الإيجاد، إلى جانب غياب وفد حميدتي عن المشاركة في القمة رغم حضوره مقرها اعتراضاً على مشاركة البرهان بصفته رئيساً لمجلس السيادة السوداني، وهو ما اعتبره البرهان نوعاً من الإهانة، وهو الشعور الذي يبدو أنه غزا أجنحة في الجيش غير راضية عن تقديم البرهان أي تنازلات محتملة إنقاذاً للبلاد.

فقد أطلقت قمة “الإيجاد” الطارئة بشأن السودان محاولة جديدة لوضع حد للصراع الدائر، إذ أكد بيانها الختامي على دعم منبر جدة، وخريطة الحل الأفريقية، والتزام قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان والدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي” بالالتقاء وجهاً لوجه خلال 15 يوماً للاتفاق على إنهاء الحرب المستمرة منذ منتصف أبريل، مع وقف إطلاق النار غير المشروط.

قمة البرهان

ووسط ترجيحات بأن القمة الطارئة عُقدت بطلب من البرهان، الذي استبق انعقادها بزيارات للرئيس الكيني وليام روتو في نيروبي، ورئيس الوزراء الأثيوبي آبي أحمد في أديس أبابا، ثم التقى برئيس جيبوتي إسماعيل غيلي الذي استضافت دولته القمة، ولذا أبدى قادة ورؤساء دول الهيئة الحكومية للتنمية “إيجاد” تفاؤلاً بشأن إيجاد حل للأزمة السودانية، وربما هو ما يفسر بعضاً من قرارات القمة، ومنها حل اللجنة الرباعية التي كانت تترأسها كينيا، إذ إن الحكومة السودانية كانت معترضة بشدة على رئاسة كينيا للجنة الإيجاد الرباعية المعنية بالأزمة السودانية، بل ذهبت إلى أكثر من ذلك، وهددت بالخروج عن منظومة إيجاد، واعتبرت حينها كينيا منحازة لقوات الدعم السريع، وبالتالي فهي ليست وسيطاً محايداً، ليتغير الموقف ويزور البرهان كينيا، التي سبق وأن هدد الفريق ياسر العطا بمهاجمتها بقوات عسكرية.

القمة الاستثنائية أقرت تمهيد الطريق أمام العملية السياسية، وحل الآلية الرباعية السابقة برئاسة كينيا، والاستعاضة عنها بلجنة واسعة تضم دولاً وجهات جديدة إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية، ومنها فرنسا ومصر والسعودية والإمارات، ودول إيجاد الثماني، بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي والجامعة العربية، إذ من المرتقب أن يسعى الرئيس الجيبوتي لوضع ترتيبات عقد اللقاء بين البرهان وحميدتي في بلاده خلال الأسبوعين المقبلين تحت إشراف اللجنة الموسعة الجديدة التي تضم الولايات المتحدة، مع تجديد التأكيد على أن هناك التزاماً بوقف الأعمال العدائية، وقيادة مناقشات بنّاءة، والتوجه لمعالجة النزاع في السودان.

كما تم تأكيد أنه جرت موافقة البرهان غير المشروطة على إنهاء النزاع، والاجتماع مع حميدتي، ووضع حد للمواجهات، والانتقال لعملية سياسية حقيقية، مع المحافظة على التقدم الذي تحقق في منبر جدة بين الطرفين خلال المحادثات السابقة، مع تكرار الدعوة لأطراف النزاع لوقف الأعمال العدائية فوراً دون قيد أو شرط، والسماح بمرور المساعدات الإنسانية دون عوائق، وحماية المدنيين في المناطق المتضررة، مع إدانة التدخلات الخارجية في النزاع بين الجيش والدعم السريع، سواء من الحكومات أو من الجهات غير الحكومية، وأقرت ممارسة الضغط اللازم على تلك الأطراف لوقف توفير العتاد الحربي لأطراف النزاع.

ترحيب أمريكي

نتائج القمة لاقت ترحيباً من الولايات المتحدة، وأكدت واشنطن أنه يجري التنسيق مع الاتحاد الأفريقي والشركاء الدوليين والإقليميين الآخرين لضمان الوقف الفوري للقتال بين الجيش وقوات الدعم السريع، وطالبت الخارجية الأمريكية طرفي القتال بالوفاء بالالتزامات المعلنة، والوقف غير المشروط لإطلاق النار، و”الدخول في محادثات دون تأخير”، وجددت التأكيد على رؤيتها بأنه لا يوجد حل عسكري مقبول للصراع الحالي في السودان، مع التزام الولايات المتحدة بالتنسيق الوثيق مع الإيجاد والاتحاد الأفريقي والشركاء الآخرين لتسهيل حوار مدني شامل يملكه ويقوده السودانيون لمعالجة القضايا الانتقالية وقضايا الحكم، واستئناف التحول الديمقراطي “المتعثر” في السودان.

تحفظات حكومية

لكن وزارة الخارجية السودانية رفضت البيان الختامي للقمة، عقب إعلانه، واعتبرته لا يعبر عمّا خرجت به القمة، وأنه “لا يعتبر وثيقة قانونية”، ودعت لحذف بعض فقرات البيان وتصحيح موافقة البرهان على لقاء قائد الدعم السريع، لأنه “اشترط وقفاً دائماً لإطلاق النار، وخروج القوات من الخرطوم”، وتعديل الفقرة التي تدين التدخلات الخارجية بحيث لا تتضمن المساواة بين الجيش والدعم السريع.

خطة الحل الأفريقي

وتستند خطة الحل الأفريقية إلى 6 نقاط أساسية تركز على:

1- وقف إطلاق النار الدائم، وتحويل الخرطوم لعاصمة منزوعة السلاح.

2- إخراج قوات طرفي القتال إلى مراكز تجميع تبعد 50 كم عن الخرطوم.

3- نشر قوات أفريقية لحراسة المؤسسات الاستراتيجية في العاصمة.

4- معالجة الأوضاع الإنسانية السيئة الناجمة عن الحرب.

5- إشراك قوات الشرطة والأمن في عملية تأمين المرافق العامة.

6- البدء في عملية سياسية لتسوية الأزمة بشكل نهائي.

مناطق الاتفاق

طرح كلٌّ من البرهان وحميدتي (طرفي الأزمة في السودان) نقاطاً تُعد أهدافاً محل اتفاق، ومنها تشجيع المساعي الدولية لتوحيد المبادرات لإيجاد حل سياسي تقوده الإيجاد والاتحاد الأفريقي، وقبول التفاوض السياسي كمسار لحل الأزمة يفضي لوقف لإطلاق النار، يعقبه المضي في تحقيق توافق وطني على إدارة الفترة الانتقالية، وإجراء انتخابات عامة، وتكوين جيش وطني يحتكر السلاح، والقبول بالمسار الأفريقي لحل الأزمة عبر وساطة الإيجاد والاتحاد الأفريقي.

في هذا السياق، رحبت القوى الديمقراطية المدنية “تقدم” ببيان الإيجاد الختامي الذي أكد فيه الأعضاء أن البرهان أكد التزامه غير المشروط بوقف إطلاق النار، وحل النزاع من خلال الحوار السياسي، ووافق على اقتراح عقد اجتماع فردي مع قائد قوات الدعم السريع بتيسير من الإيجاد.

معوقات متعددة

يُعد من الإشكاليات التي ربما تُفشل جهود قمة الإيجاد الرامية إلى تسوية الصراع السوداني، ما يلي:

1- إصرار طرفي الصراع على فرض وجهتي نظرهما لعقد لقاء مباشر: فالبرهان اشترط أولاً وقفاً دائماً لإطلاق النار، وخروج القوات من الخرطوم، وهو الأمر الذي قد يقبل حميدتي بشطره الأول وهو وقف إطلاق النار، لما فيه من منطقية، أما خروج قوات الدعم السريع فهو مطلب لن يتحقق إلا بعد التسوية النهائية. وفيما يخص الجيش فقد طرح البرهان ضرورة وجود جيش وطني يحتكر وحده السلاح دون غيره، بينما يرى حميدتي ضرورة إصلاح المسألة من الجذور عبر تأسيس جيش وطني قومي ومهني جديد ينأى عن السياسة، فيما وافق حميدتي على لقاء البرهان شريطة أن يحضر بصفته قائداً للجيش وليس رئيساً لمجلس السيادة، وهي مسألة يرجح ألا يقبل بها البرهان، وهنا تبدو لدى الجنرالين إشكالية الشرعية، فالبرهان عزل حميدتي من منصبه كنائب لرئيس مجلس السيادة، وكذلك يرد حميدتي بالطريقة ذاتها وكأن الرجل يعتقد أنه هو الآخر عزله من منصبه كرئيس للمجلس نفسه الذي تشاركا من خلاله في إدارة شؤون البلاد.

2- وجود أجنحة داخل الجيش السوداني متحفظة على قمة الإيجاد: لكن يبدو أن شركاء القرار من قادة الجيش يخشون من عاقبة إنهاء الأزمة التي يبدو البرهان ماضياً في غسل يديه منها. وربما اللغة التي بدت في بيان الخارجية تشير لتحفظ قادة آخرين قريبين من البرهان على ما بدا الرجل مستعداً للتنازل عنه من أجل إنقاذ الموقف الآخذ في التعقيد في بلاد جرى القضاء على مقدراتها في حرب لا منتصر فيها بعد شهور من القتال المتواصل.

3- الموقف المتشكك للقوى المدنية في نجاح قمة الإيجاد: فقد رحبت قوى الحرية والتغيير بالبيان الختامي الصادر عن قمة دول الإيجاد، وبخاصة المضي في إعلان وقف إطلاق النار غير المشروط، واعتماد خيار الحل السلمي السياسي، معتبرين ذلك حال تنفيذه تطوراً إيجابياً وملحوظاً ويمكن البناء عليه لإنهاء معاناة الشعب السوداني، ولفتح الطريق لمعالجة الكارثة الإنسانية، وتسهيل عملية سياسية يقودها السودانيون لمناقشة قضايا أزمة بلادهم، واسترداد مسار التحول المدني الديمقراطي.

وأكد البيان أن أي عملية سياسية تهدف لإنهاء الحرب وتأسيس سلام مستدام يجب أن تكون شاملة لكل السودانيين عدا المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية المرتبطة به وواجهاتهما، داعين الطرفين المتقاتلين لتحكيم صوت العقل والانحياز لرغبات الشعب السوداني في تحقيق السلام والاستقرار وحماية الوطن من مخاطر الفوضى الشاملة والتقسيم. كما دعا البيانُ منسوبي القوات النظامية إلى أن يُحرروا أنفسهم ومؤسساتهم من هيمنة وسيطرة الفئة القليلة من عناصر النظام البائد، وأن يضعوا حداً لهذه الحرب العبثية التي يوقد نارها النظام وعناصره. ومن ثم فإن هناك تشككاً من قوى الحرية والتغيير في قيام عناصر من جماعة الإخوان لإفشال هذا الاتفاق حتى تستمر البلاد في دوامة من عدم الاستقرار الممتد.

4- تعثر مسار جدة وإنهاء عمل بعثة الأمم المتحدة في السودان: جاء انعقاد قمة الإيجاد في مسار مكمل لمستجدات عدة من بينها تعليق الوساطة المكونة من السعودية والولايات المتحدة الأمريكية في مطلع ديسمبر الجاري المفاوضات التي تستضيفها مدينة جدة إلى أجل غير مسمى دون أن توضح الأسباب. ولكن الطرفين -كما جرت العادة- اتهما بعضهما بإفشال جولة المفاوضات، وأنه منذ انقضاء قمة إيجاد السابقة عن السودان وحتى الآن جرت الكثير من التحولات السياسية في السودان، من بينها إنهاء عمل بعثة الأمم المتحدة في السودان المعروفة بـ”يونتاميس” بطلب من قادة الجيش.

وقبلها كان البرهان قد طالب بإبعاد رئيس البعثة الألماني الجنسية، فولكر بيرتس، عن منصبه باعتباره شخصاً غير محايد ومنحازاً لفئة سياسية بعينها، في إشارة إلى قوى الحرية والتغيير التي كانت بمثابة الحاضنة السياسية للحكومة الانتقالية والتي أطاح بها البرهان وحميدتي معاً في أكتوبر 2022، قبل أن يندلع الخلاف بينهما بنحو 6 أشهر، لتجدد الأمم المتحدة مساعيها للمضي في عملية إنهاء الأزمة في السودان ليعيّن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش الدبلوماسي الجزائري المخضرم رمضان العمامرة كمبعوث شخصي له للسودان.

وعلى الرغم من أن الخرطوم رحبت بتعيين العمامرة، إلا أن البرهان هدده بأنه سيواجه نفس مصير بيرتس لو سار في الطريق نفسه، غير أن العمامرة الذي شارك في قمة إيجاد أكد رغبته في العمل مع كافة الأطراف السودانية وصولاً إلى حل يؤدي إلى وقف لإطلاق النار، وإدخال المساعدات الإنسانية، ومن ثم البدء في حوار سياسي من أجل تشكيل حكومة يقودها المدنيون.

5- تراجع الاهتمام الدولي بالأزمة السودانية بعد حرب غزة الخامسة: مع اندلاع الأزمة في غزة يبدو أن إشكاليات جديدة بدت أكثر تعقيداً طفت على واجهة الاهتمام الدولي، وتراجع الاهتمام الدولي بالأزمة السودانية، ويبدو أن البرهان تنبه لهذا الأمر وتولى أمره بيده، ليدفع الأطراف الأفريقية والدولية والأمم المتحدة للمضي في عملية سياسية تنهي أزمة بلاده.