تعزيز النفوذ:
هل تسعى إيران إلى إقامة قاعدة بحرية في السودان؟

تعزيز النفوذ:

هل تسعى إيران إلى إقامة قاعدة بحرية في السودان؟



رغم نفي إيران والجيش السوداني للتقارير التي أشارت إلى سعي الأولى لتأسيس قاعدة بحرية في السودان، إلا أن إيران قد تسعى بالفعل لتحقيق هذا الهدف لاعتبارات عديدة منها: مراقبة حركة التجارة الإسرائيلية، وممارسة ضغوط على تل أبيب، والاستعداد لتصعيد محتمل مع الولايات المتحدة الأمريكية، في ظل ارتفاع مستوى الوجود العسكري الأمريكي، وامتلاك أوراق ضغط في مواجهة دول عربية عديدة من بينها السعودية والإمارات ومصر.

موقع “راديو فردا”: السودان يرفض اقتراحاً إيرانياً بتأسيس قاعدة بحرية

تُبدي إيران اهتماماً خاصاً بتطوير العلاقات مع الجيش السوداني على مستويات مختلفة. فبعد أن أشارت تقارير عديدة، في 25 يناير الماضي، إلى أن إيران قامت بتسليم الجيش السوداني طائرات من دون طيار من طراز “مهاجر 6″، بدأت تقارير أخرى، على غرار تقرير لصحيفة “وول ستريت جورنال”، في 3 مارس الجاري، تكشف أن إيران طلبت من الجيش السوداني إقامة قاعدة بحرية في البحر الأحمر، وأنها عرضت في مقابل ذلك تسليم الجيش سفينة حربية على متنها مروحية، وأنها ربما قدمت هذا العرض خلال الزيارة التي قام بها وزير الخارجية السوداني بالإنابة علي الصادق إلى طهران في 5 فبراير الفائت.

ورغم أن إيران والجيش السوداني نفيا هذه التقارير، إلا أن ذلك في النهاية لا ينفي أن إيران ربما تسعى بالفعل إلى تحقيق هذا الهدف، خاصة أنه سبق أن تبنت السياسة نفسها في عهد الرئيس السوداني السابق عمر البشير، عندما حاولت في بداية التسعينيات من القرن الماضي إقناع النظام السوداني بالسماح برسو سفن حربية في بورتسودان.

موقع “همشهري”: هل خبر تأسيس قاعدة بحرية إيرانية في السودان صحيح؟ رد وزير الخارجية السوداني

دوافع عديدة

يمكن تفسير احتمال إقدام إيران على تبني تلك الخطوة في ضوء اعتبارات عديدة يتمثل أبرزها في:

1- انعكاسات حرب غزة الخامسة: وصلت ارتدادات الحرب التي تشنها إسرائيل في قطاع غزة إلى البحر الأحمر، بعد أن بدأت المليشيا الحوثية في مهاجمة السفن المارة بمضيق باب المندب، وهو ما دفع الولايات المتحدة الأمريكية إلى تشكيل تحالف دولي لمنع المليشيا من مواصلة تلك الهجمات أطلقت عليه “حارس الازدهار”، في 18 ديسمبر الماضي، وبدأ في توجيه ضربات عسكرية ضد مواقع الحوثيين منذ 12 يناير الماضي.

ورغم أن إيران قامت بإرسال بعض السفن العسكرية إلى المنطقة، مثل “بهشاد” و”ألبرز”، إلا أن ذلك لا يبدو -في رؤيتها- كافياً للتحول إلى طرف مهم في تلك المنطقة، على نحو ربما يدفعها لاحقاً إلى محاولة ممارسة ضغوط أقوى على الجيش السوداني للاستجابة إلى هذا الطلب تحديداً، خاصة بعد أن بدأت في تقديم دعم عسكري للجيش ممثلاً في المسيرة “مهاجر 6″، والتي أشارت تقارير عديدة إلى أنه تم استخدامها في المواجهات الميدانية الأخيرة التي جرت بين الجيش وقوات الدعم السريع.

2- مراقبة السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر: تتيح هذه القاعدة التي يمكن أن تسعى إيران إلى تأسيسها في البحرين للأولى الفرصة لمراقبة حركة التجارة الإسرائيلية أو المتجهة إلى إسرائيل، وبالتالي امتلاك ورقة ضغط جديدة تستطيع أن تستخدمها ضد إسرائيل في حالة ما إذا تصاعدت حدة التوتر بين الطرفين مجدداً، على خلفية استمرار الأخيرة في تحميل الأولى المسؤولية عن عملية “طوفان الأقصى” التي شنتها كتائب القسام (الذراع العسكرية لحركة حماس) في غلاف غزة وكانت سبباً في الحرب التي شنتها إسرائيل -وما زالت- داخل قطاع غزة. وقد أشارت التقارير بالفعل إلى أن إيران أبلغت الجيش السوداني بأنها تسعى عبر تلك القاعدة إلى الحصول على أكبر قدر من المعلومات الاستخباراتية، ولا سيما حول إسرائيل.

3- توسيع نطاق العمليات ضد تل أبيب: كان لافتاً أن الردود الإيرانية على الضربات التي شنتها إسرائيل ضدها خلال المرحلة الماضية، ولا سيما تلك التي استهدفت المنشآت النووية والعسكرية داخل إيران نفسها، امتدت لتشمل استهداف المصالح الإسرائيلية في المياه الدولية. وكان آخر العمليات التي وقعت في هذا الصدد، الهجوم الذي استهدف سفينة تجارية إسرائيلية في بحر العرب، قبالة سواحل الهند، في 23 ديسمبر الماضي، والذي تم شنه بواسطة طائرة من دون طيار.

وهنا، فإن إيران ربما تهدف إلى توسيع نطاق مسرح العمليات ضد إسرائيل، التي تعتمد على البحر الأحمر كشريان رئيسي لتجارتها الخارجية، وبالتالي فإن تأسيس قاعدة بحرية في السودان يسمح لإيران برفع مستوى استهداف المصالح الإسرائيلية، على نحو يمكن أن يكون له دورٌ في تقليص مستوى وعدد العمليات الاستخباراتية التي تقوم إسرائيل بشنها وتحاول من خلالها عرقلة جهود إيران في تطوير برنامجيها النووي والصاروخي، واستهداف بعض القادة العسكريين المسؤولين عن نقل الدعم العسكري للمليشيات الموالية لإيران أو عن إدارة التصعيد الميداني مع إسرائيل عبر الحدود بين الأخيرة وكل من سوريا ولبنان.

4- تعزيز القدرة على استهداف المصالح الأمريكية: يبدو أن إيران لا تستبعد أن تُبقي الولايات المتحدة الأمريكية على وجود عسكري نوعي في البحر الأحمر، على خلفية الهجمات التي تشنها المليشيا الحوثية منذ 19 نوفمبر الماضي، والتي فرضت تأثيرات كبيرة على الصعيد العالمي، ولا سيما فيما يتعلق بتأخر سلاسل الإمداد والشحنات التجارية، بعد أن بدأت شركات الشحن في استخدام خيارات أخرى أكثر تكلفة وأطول زمنياً، على غرار طريق رأس الرجاء الصالح.

ومن دون شك، فإن الإبقاء على وجود عسكري أمريكي نوعي في تلك المنطقة يتعارض مع الاستراتيجية التي تتبناها إيران وتقوم في الأساس على ضرورة ممارسة ضغوط على الولايات المتحدة الأمريكية من أجل الانسحاب العسكري من المنطقة، باعتبار أن هذا الوجود يمثل أحد مصادر تهديد الأمن القومي الإيراني. وربما يفسر ذلك أحد أسباب حرص إيران على تكليف المليشيات الموالية لها باستهداف القواعد الأمريكية في العراق وسوريا والأردن، رغم أن هذا التوجه تراجع نسبياً، وبشكل تكتيكي، بعد أن قامت واشنطن بشن ضربات عسكرية قوية داخل العراق وسوريا، بداية من 2 فبراير الفائت، رداً على الهجوم الذي تعرضت له القاعدة الأمريكية في الأردن “البرج 22” والذي أسفر عن مقتل 3 جنود أمريكيين.

ومن هنا، فإن إيران ربما تحاول عبر الضغط على الجيش السوداني للموافقة على تأسيس قاعدة بحرية في السودان إلى موازنة الحضور العسكري الأمريكي في المنطقة، وتعزيز قدرتها على استهداف هذا الحضور في إطار سياستها القائمة على دفع واشنطن إلى سحب قواتها من المنطقة.

5- ممارسة ضغوط على الدول المُشاطِئة: رغم تحسن العلاقات بين إيران ودول عربية عديدة، خلال الفترة الماضية، على غرار السعودية ومصر؛ إلا أن ذلك لا ينفي أن إيران لا تحيد عن الثوابت الأساسية في سياستها الخارجية، ولا سيما فيما يتعلق بمواصلة محاولات التمدد وتأسيس نقاط انطلاق لتعزيز الحضور الإيراني في المنطقة وممارسة ضغوط على الدول الرئيسة.

ويعني ذلك أن إيران لا تقدم تنازلات كبيرة في سبيل تحسين علاقاتها مع تلك الدول، بل إنها تبحث دائماً عن فرص لتعزيز النفوذ في دول الصراعات، لا سيما إذا كانت مجاورة لبعض تلك الدول التي تسعى إلى تطوير وتحسين العلاقات معها. إذ تحاول من خلال ذلك تعزيز موقعها التفاوضي، وامتلاك أوراق ضغط يمكن استخدامها في إدارة التفاعلات مع تلك الدول.

مناورة سياسية

رغم نفي الجيش السوداني لتلك التقارير، إلا أن ذلك لا ينفي أنه قد يحاول الاستفادة منها أو استثمارها في توجيه رسائل تحذيرية إلى أطراف محددة. إذ يحاول الجيش التلويح بأن لديه القدرة على توسيع هامش الخيارات الإقليمية المتاحة أمامه في حالة ما إذا استمرت قوات الدعم السريع في اكتساب أرضية جديدة، أو في حالة استمرار الدعم من جانب دول يرى أنها تؤيد الدعم السريع في الصراع ضده.

لكن من دون شك، فإن الجيش يدرك العواقب التي يمكن أن يفرضها ذلك، ولا سيما على دول الجوار، التي لا يمكن أن تتسامح مع مثل تلك الخطوة المحتملة، ومن ثم فإنها تبدو على الأقل في المرحلة الحالية محاولة لتعزيز موقع الجيش واستغلال التطورات الميدانية التي تشهدها المنطقة، خصوصاً في البحر الأحمر، على خلفية استمرار الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة وما ارتبط بها من تصعيد عسكري في جبهات عديدة من بينها جبهة قريبة من السودان وهي اليمن.