أثار الظهور الإعلامي لزعيم جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين”، إياد أغ غالي، في 15 ديسمبر الجاري، جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والإعلامية، حيث توعد أغ غالي، في مقطع فيديو، روسيا بالهزيمة في منطقة الساحل الأفريقي. ويأتي هذا الظهور بعد مضيّ سبع سنوات على اختفائه، فيما تشهد منطقة الساحل الأفريقي تحديات أمنية متنامية بعد خروج فرنسا من مالي والنيجر، واتجاه روسيا إلى تعزيز وجودها في المنطقة، وانخراط مجموعة “فاجنر” في عمليات الجيش المالي ضد الجماعات المسلحة في شمال مالي.
ومن ثم يبدو أن توعد قائد الجماعة باستهداف روسيا وهزيمتها في منطقة الساحل يعود إلى جملة من الأسباب، يأتي على رأسها انخراط مجموعة “فاجنر” في عمليات الجيش المالي في شمال البلاد، ورغبة الجماعة في استغلال وتوظيف هذه الأحداث في استقطاب مزيد من العناصر من جماعة الطوارق من خلال توجيه خطاب يتوعّد روسيا، علاوة على سعى قائد الجماعة لتأكيد استمرار زعامته لها بعد الشائعات التي تشكك في وجوده على قيد الحياة.
دوافع عديدة
ثمة جملة من الدوافع التي تقف خلف توعد جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” روسيا بهزيمتها في منطقة الساحل، ومن أبرزها:
1- انخراط قوات “فاجنر” في القتال: يأتي هذا الخطاب والوعيد والتهديد بالهزيمة في الوقت الذي تنخرط فيه مجموعة “فاجنر” الروسية في العمليات القتالية التي يقودها الجيش في شمال مالي ضد الجماعات المسلحة المرتبطة بالطوارق، ومنها “تنسيقية تحرير أزواد”، حيث أدى ذلك إلى تعزيز قدرة الجيش المالي على السيطرة على كيدال، معقل الطوارق، وهو ما تعتبره الجماعة بمثابة إعلان حرب من جانب موسكو على الطوارق والمدنيين في شمال مالي.
2- التوظيف الإثني ودعم الاستقطاب: طالب أغ غالي المسلمين في المنطقة بدعم العمليات القتالية التي تنفذها الجماعة ضد روسيا. وقبل يومين من بث هذا الفيديو، نشرت “الزلاقة”- الذراع الإعلامية لتنظيم “القاعدة في بلاد المغرب”- شريطاً مصوراً مدته 22 دقيقة، ظهر فيه أغ غالي بزي الطوارق التقليدي الأبيض، وهو ما يشير إلى رغبة الرجل في تأكيده انتماءه الإثني لجماعة الطوارق، ومن ثم إثارة حماسة العناصر التي تنتمي إليها من أجل استقطابهم وضمهم للجماعة، على نحو يمكن أن يساهم في توسيع قاعدتها وزيادة قدراتها القتالية التي تسعى إلى تعزيزها في مواجهة تنظيم “داعش”.
3- تأكيد استمرار قيادة الجماعة: تشير بعض التقارير إلى أن هذا الظهور الإعلامي الأخير لزعيم جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” هو أول ظهور إعلامي له منذ اختفائه من حوالي سبع سنوات، حيث راجت شائعات كثيرة حول صحة الرجل الذي يلقب في الأوساط الإرهابية بـ”أبي الفضل”، وذهب بعضها إلى التشكيك في وجوده على قيد الحياة، فيما ذهب البعض الآخر إلى أنه يتلقى العلاج في أحد المستشفيات التي تقع في دولة مجاورة، ولذلك جاء ظهوره في هذا التوقيت لكي ينفي كل الشائعات التي تُروَّج حول وفاته.
انعكاسات مختلفة
يُتوقع أن يكون لخطاب زعيم جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” تداعياته على عمليات الجماعة والوضع الأمني في المنطقة، وذلك على النحو التالي:
1- تنفيذ عمليات ضد “فاجنر”: لا يمكن استبعاد أن تتجه الجماعة إلى تنفيذ عمليات تستهدف عناصر “فاجنر” المنتشرة في العديد من المواقع والمناطق، ولا سيما في شمال مالي، وكذلك العناصر التي تنخرط في عمليات استخراج الذهب، وخاصة في ظل حالة التوتر الأمني التي تستغلها الجماعة لشن عملياتها، وفي وقت يبدو فيه الجيش منشغلاً بشكل أكبر بحشد كل طاقته للحفاظ على المدن التي استطاع السيطرة عليها وتحريرها من قبضة الجماعات المسلحة الأزوادية، ومن ثم فإن تصعيد الجماعة عملياتها القتالية سوف يربك خطط الجيش وقد يقلص من قدرته على الرد في مختلف الجبهات، ويجعل من عمليات قنص عناصر “فاجنر” هدفاً سهل الوصول إليه من جانب الجماعة.
2- تعزيز التحالف مع الجماعات المسلحة: وهو احتمال يستند إلى وجود تفاهمات بين “نصرة الإسلام والمسلمين” وهذه الجماعات على ضرورة التنسيق والتحالف في مواجهة خصم مشترك هو مجموعة “فاجنر” الروسية وكذلك الجيش المالي. ومن المتوقع أن يعزز تصعيد الجماعة عملياتها من قدرة هذه التنظيمات على ترتيب صفوفها، وربما استعادة السيطرة على بعض المدن، وتوسيع نطاق عملياتها القتالية ضد الجيش و”فاجنر” في شمال مالي.
3- إدراج الجماعة على لائحة الإرهاب الروسية: ربما تتجه الحكومة الروسية إلى اتخاذ بعض الخطوات التصعيدية ضد الجماعة وقيادتها، كأن تعلن مثلاً عن مكافآت مالية لمن يدلو بمعلومات حول زعيم الجماعة، وقد تعمد إلى توسيع النشاط الاستخباراتي واختراق صفوف الجماعة من أجل استهداف قيادتها، وأيضاً دعم النشاط الإعلامي للتحذير من الانضمام للجماعة والانخراط في عملياتها ضد روسيا.
4- دعم التفاوض مع التنظيمات الإرهابية: كانت روسيا من أهم القوى الدولية الداعمة للمسار التفاوضي مع هذه الجماعات، وذلك على عكس فرنسا التي حذرت من هذا الخيار. وبالتالي، قد تدفع هذه التهديدات الإرهابية موسكو إلى العمل على دفع الحكومات العسكرية في مالي وبوركينافاسو والنيجر إلى التفاوض مع الجماعات الإرهابية، وكذلك إطلاق جولة جديدة من الحوار بين الحكومة المالية والجماعات المسلحة في شمال مالي، خاصةً في ظل انشغال موسكو بالحرب مع أوكرانيا، بما يعني أنها ليست في وضع يسمح لها بتوسيع نطاق عملياتها ضد التنظيمات الإرهابية، لذلك ربما تتبنى خيارات سياسية لمواجهة هذه التهديدات.
على ضوء ذلك، يمكن القول في النهاية إن نجاح روسيا في تعزيز حضورها في منطقة الساحل الأفريقي، في ظل تراجع نفوذ الدول الغربية، ولا سيما فرنسا، لا يبدو مهمة سهلة، بل إنه قد تكون له تكلفة عالية، في ظل وجود أطراف محلية وتنظيمات عابرة للحدود لن تتغاضى عن تلك المحاولات، بل إنها سوف تسعى إلى عرقلتها من أجل منع موسكو من ملء الفراغ الناتج عن الانسحاب الفرنسي.