اختبار صعب:
هل تستطيع الصومال القضاء على الإرهاب في 2024؟

اختبار صعب:

هل تستطيع الصومال القضاء على الإرهاب في 2024؟



استطاعت الصومال خلال عام 2023 تحقيق عددٍ من الإنجازات على صعيد الحرب التي أطلقتها على تنظيمات العنف والإرهاب، وتحديداً ضد حركة “الشباب” الإرهابية. وقد أكد الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، في كلمته أمام القمة العربية التي عقدت في جدة في 19 مايو الماضي، أن بلاده أحرزت تقدماً كبيراً في مسيرة القضاء على الإرهاب داخل البلاد، مُشيراً إلى أن الجيش الصومالي استطاع تحرير 80 مدينة صومالية من سيطرة الحركة الإرهابية.

واللافت أن الرئيس شيخ محمود كان قد وضع إطاراً زمنياً، في أواخر أغسطس الماضي، للقضاء على الحركة، حدده بفترة خمسة أشهر، استناداً إلى العديد من العوامل الدافعة إلى ذلك، من أهمها تجفيف مصادر الإرهاب وتمويله في إطار من الدعم الدولي، وما ساهم به رفع الحظر عن السلاح من تعزيز قدرات الحكومة على استيراد السلاح دون قيود قانونية دولية، فضلاً عما تم تحقيقه من مكاسب نوعية ضد حركة “الشباب”.

ورغم هذه العوامل الدافعة للقضاء على الإرهاب في الصومال، تظل بعض العقبات التي يُمكن أن تحدّ من المسيرة الصومالية، أو في الحد الأدنى تُعطل من تناميها، من بينها: تداعيات انسحاب بعثة الاتحاد الأفريقي “أتميس”، والخلافات السياسية وأولوية الانتماء القبلي لدى أفراد الأجهزة الأمنية الصومالية والجيش، إضافةً إلى التباين في توجهات الوحدات العسكرية تبعاً لمصادر التمويل الخارجي لكلٍ منها.

عوامل دافعة

تتعدد العوامل الدافعة للصومال للمُضي قدماً في الحرب على الإرهاب، وإمكانية القضاء عليه خلال عام 2024، ويتمثل أبرزها في:

1- الدعم الدولي وتجفيف تمويل الإرهاب: بدا هذا الدعم جلياً في انعقاد مؤتمر “الأصدقاء والشركاء لدعم جهود الصومال في مُحاربة الإرهاب”، في نيويورك، في 12 ديسمبر الجاري، والذي حضره شركاء من 25 دولة، بجانب ثلاث منظمات دولية هى الأمم المتحدة، والاتحاد الأفريقي، وجامعة الدول العربية.

وقد توازى ذلك معنجاح الحكومة الصومالية في تجفيف معظم مصادر تمويل الإرهاب، عبر مراجعة السياسات المالية، بما في ذلك الاهتمام بإنشاء وكالات حكومية لمُراقبة التدفق المالي، وهو ما ساهم في اكتشاف حركة الأموال وأسلوب تهريبها لحركة “الشباب”. فضلاً عن تأسيس “وحدة الاستخبارات المالية” التي حققت نتائج إيجابية خلال عام 2023.

2- رفع حظر السلاح وتحرير عددٍ من المدن: أصدر مجلس الأمن الدولي، في 2 أغسطس الماضي، القرار رقم “2714” بشأن رفع حظر الأسلحة المفروض على الصومال منذ عام 1992، بما يُمهد للصومال الحصول على كافة أنواع الأسلحة دون قيود قانونية، وبما يُعزز من إمكانات الحكومة والجيش لتحقيق تقدم إضافي في مجال مكافحة الإرهاب.

أيضاً، تأتي الضربات المتلاحقة التي قام بها الجيش الصومالي ضد حركة “الشباب”، بما ساهم في خسارة الحركة المئات من مقاتليها، وهو ما ساعد على تحرير 80 مدينة صومالية من سيطرة الحركة الإرهابية، بحسب تصريح الرئيس شيخ محمود في 19 مايو الماضي.

3- تحقيق انتصارات بارزة في الحرب على الإرهاب: شهدت المرحلة الأولى من الحرب على الإرهاب، التي أطلقها الرئيس الصومالي في أغسطس 2022، تحقيق انتصارات نوعية على صعيد طرد عناصر الحركة الإرهابية من عدة مدن، في وسط وشمال البلاد، بما أدى إلى انحسار كبير في نطاق سيطرة الحركة، بل وفقدان الحركة أكثر من “ثُلث” مقاتليها تبعاً لبعض التقديرات.

لكن رغم المكاسب الميدانية والانتصارات التي حققها الجيش الصومالي والأجهزة الأمنية على الحركة خلال المرحلة الأولى من الحرب عليها وعلى الإرهاب الذي تُمارسه؛ فإن المرحلة الثانية تواجه العديد من التحديات، خاصةً في ظل قصر الفترة الزمنية التي حددها شيخ محمود بخمسة أشهر فقط، مضى منها شهران، ولا يبقى لهذه الفترة سوى ثلاثة أشهر من العام الجديد.

عقبات رئيسية

رغم الإنجازات التي تم تحقيقها، تتبدّى أهم العقبات التي تواجه الصومال في حربها على الإرهاب، كما يلي:

1- تداعيات انسحاب بعثة الاتحاد الأفريقي: مع نهاية عام 2024، تكون بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية في الصومال “أتميس” قد أتمت انسحابها من البلاد، خاصةً أن هذا الانسحاب يأتي تنفيذاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم “2710”، بما يعني نقل السيطرة على قواعد عملياتها إلى الجيش والأجهزة الأمنية الصومالية.

وعلى الرغم من أن استكمال “أتميس” الانسحاب من الصومال في عام 2024 يُعد شهادة على التقدم الذي أحرزته الصومال في مكافحة الإرهاب؛ فهناك بعض التداعيات الناتجة عن هذا الانسحاب، في مقدمتها التخوف من عدم قدرة الحكومة الصومالية، بكامل أجهزتها العسكرية والأمنية، على المحافظة على النجاحات التي تم تحقيقها، خاصة أن الإعلان عن انسحاب “أتميس” قد تواكب معه نشاط مكثف للحركة الإرهابية، من خلال الهجوم على بعض قواعد ارتكاز بعثة الاتحاد الأفريقي.

ويأتي مثل هذا التخوف ليس فقط من نشاط الحركة الهجومي مؤخراً، ولكن أيضاً من ملاحظة أن انسحاب “أتميس” يعني خروج 17.5 ألف عنصر من المشهد الأمني الصومالي، بما يمكن أن يؤدي إلى نوع من الفراغ الأمني في البلاد.

2- الخلافات السياسية وأولوية الانتماء القبلي: رغم النهج الإصلاحي والتصالحي للرئيس الصومالي، فإن بعض سياساته لا تحظى بالقبول والإجماع الداخلي من جانب النخب والمكونات السياسية والعشائرية الصومالية، بما يطرح الخلافات السياسية كإحدى العقبات التي تواجه الحملة التي أطلقها شيخ محمود للحرب على الإرهاب.

كذلك، يأتي التنافس بين المكونات القبلية والعشائرية في الصومال على الأدوار القيادية والتسليح ومغانم الحرب، ليمثل أبرز العقبات في جهود الصومال للنجاح في دحر الإرهاب. ويأتي هذا التنافس تعبيراً واضحاً عما تعاني منه الصومال من انعكاس عامل الانتماء القبلي في الخلافات الشخصية المتعددة بين أفراد الجيش، تبعاً لاختلاف القبائل، والتي سرعان ما تتحول إلى اشتباكات واقتتال بين الوحدات العسكرية.

3- التباين في توجهات تشكيل الوحدات العسكرية: فضلاً عن تعدد جهات دفع رواتب الوحدات العسكرية والأمنية في الصومال، وما يستتبعه ذلك من تباين بين الوحدات، وتهميش بعضها لحساب وحدات أخرى؛ فإن ثمة تبايناً آخر بين كافة الوحدات العسكرية والأمنية يتعلق باختلاف الجهات المسئولة عن التدريب والتأهيل، حيث تتلقى الوحدات تدريبات من جهات عدة وفي دول متعددة.

وبالتالي، يُثير تعدد الجهات والدول التي تقدم التدريب للقوات الصومالية تساؤلات حول اختلاف الأسلوب الذي يتعامل به جنود وضباط الوحدات العسكرية والأمنية المختلفة في الميدان وفي المهمات العسكرية التي تتطلب تنسيقاً عالياً، إذ تختلف العقائد العسكرية التي يتلقاها هؤلاء الجنود والضباط تبعاً لاختلاف جهات التدريب والتأهيل.

احتمالات مستقبلية

في هذا السياق، يُمكن القول إن الأهداف الطموحة التي تم إعلانها من جانب الرئيس الصومالي، وحكومته، في تحرير المناطق التي تسيطر عليها حركة “الشباب” الإرهابية بالكامل، بقدر ما تستند إلى عوامل متعددة تُساعد على تحقيقها، إلا أنه لا يُمكن صرف النظر عن بعض المعوقات التي تحد من المدى الزمني الذي يُمكن فيه تحقيق هذه الأهداف خلال عام 2024. ويعني ذلك أن الاحتمالات المستقبلية في الحرب الصومالية على الإرهاب تعتمد على مدى قدرة الحكومة الصومالية على تحقيق السيطرة الأمنية، في ظل انسحاب بعثة الاتحاد الأفريقي “أتميس” من البلاد، بما يفرضه هذا الانسحاب من تداعيات من المنظور الأمني، فضلاً عن معوقات أُخرى، منها ضعف قدرات الصومال المالية على استيراد المزيد من الأسلحة بعد رفع الحظر الأممي عنها.