احتواء مزدوج:
هل تخطط واشنطن عسكرياً مع تل أبيب ضد طهران؟

احتواء مزدوج:

هل تخطط واشنطن عسكرياً مع تل أبيب ضد طهران؟



تسعى الإدارة الأمريكية عبر عرض خيار التخطيط العسكري المشترك مع إسرائيل ضد إيران إلى تحقيق أهداف عديدة، مثل: احتواء التهديدات العسكرية الإسرائيلية ضد إيران، وممارسة ضغوط أقوى على الأخيرة، وتقليص الضغوط الداخلية الأمريكية قبيل إجراء الانتخابات الرئاسية، والرد على التمدد الإقليمي لإيران في بعض دول الأزمات العربية.

رغم أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن ما زالت حريصة على الحفاظ على فرص إحياء الاتفاق النووي، في ظل الخلافات العديدة العالقة مع إيران والتي أدت إلى تعثر المفاوضات، إلا أنها في الوقت نفسه تُصر على توجيه رسائل مباشرة سواء إلى إيران أو إلى حلفائها بأنها جادة في التهديد باستخدام الخيار العسكري في حالة ما إذا واصلت إيران تطوير برنامجها النووي الذي وصل إلى مرحلة تثير كثيراً من الشكوك، بسبب اقترابها من مرحلة امتلاك القدرة على إنتاج القنبلة النووية.

موقع “فرارو” (المواجهة): طرح خيار التخطيط العسكري المشترك بين الولايات المتحدة وإسرائيل ضد إيران

وفي هذا السياق، قال موقع “أكسيوس”، في 17 مايو الجاري، إن الإدارة الأمريكية عرضت على إسرائيل فكرة التخطيط العسكري المشترك في مواجهة إيران، وذلك خلال الزيارات التي قام بها مسؤولون أمريكيون إلى إسرائيل خلال الفترة الأخيرة، على غرار وزير الدفاع لويد أوستن وقائد القيادة المركزية الأمريكية الجنرال أريك كوريلا.

صحيفة “دنياى اقتصاد” (عالم الاقتصاد): الكشف عن برنامج عسكري أمريكي إسرائيلي مشترك ضد إيران

دوافع عديدة

يمكن تفسير اتجاه الإدارة الأمريكية إلى تبني هذا الخيار خلال المرحلة الحالية في ضوء دوافع عديدة يتمثل أبرزها في:

1- احتواء التوجه العسكري الإسرائيلي: لا تستبعد الإدارة الأمريكية أن تتجه الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو، التي تتبنى توجهاً يمينياً متشدداً، نحو التعويل بشكل أكبر على الخيار العسكري لمواجهة ما تعتبره مخاطر محدقة بإسرائيل تفرضها الأنشطة النووية الإيرانية. وفي الواقع، فإن الإدارة ترى أن الضغوط الداخلية التي تتعرض لها الحكومة الحالية، والتي تهدد بتفكك الائتلاف اليميني الحاكم، يمكن أن تعزز من هذا الاحتمال، خاصة في ظل ما تعتبره اتجاهات إسرائيلية عديدة اقتراباً إيرانياً غير مسبوق من الحدود الإسرائيلية عبر دعم الفصائل الفلسطينية المسلحة، وهي الرؤية التي تصاعدت خلال المواجهة الأخيرة التي وقعت بين إسرائيل وحركة الجهاد الإسلامي خلال شهر مايو الجاري، وانتهت بتوقيع اتفاق وقف إطلاق النار برعاية مصرية.

وقد كان لافتاً أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حرص على إعادة تجديد تحذيراته من التهديدات التي تنتجها الأنشطة النووية الإيرانية، حيث قال خلال استقباله وفداً أمريكياً يضم نواباً من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، في 4 مايو الجاري، إن “إيران التي تعتبر الولايات المتحدة الشيطان الأكبر، إذا أصبحت قادرة على تهديد أي مدينة أمريكية من خلال الابتزاز النووي، فسيؤدي ذلك إلى تغيير التاريخ، وخارطة العالم”، مضيفاً أن “إيران أخطر 50 مرة من كوريا الشمالية”. ويعني ذلك أن نتنياهو يسعى إلى توجيه انتقادات غير مباشرة للسياسة التي تتبعها الإدارة الأمريكية تجاه إيران، حيث تمنح الأولوية لتبني خيارات لاحتواء مخاطر البرنامج النووي لكوريا الشمالية، في الوقت الذي تتصاعد فيه تهديدات الأنشطة النووية الإيرانية دون أن تتخذ الإدارة -في رؤيته- ما يكفي لوقفها أو على الأقل احتواء تداعياتها.

هنا، فإن الإدارة الأمريكية تخشى من أن تسعى إسرائيل إلى التحرك منفردة لإدارة الصراع مع إيران، على نحو قد يؤدي إلى إرباك حسابات واشنطن، التي لا تبدو في الوقت الحالي معنية بمنح الأولوية لمخاطر البرنامج النووي الإيراني، ومن هنا فإنها تحاول أن تقيد خيارات إسرائيل تجاه إيران عبر عرض فكرة التخطيط العسكري المشترك بين الجانبين.

2- فرض ضغوط كبيرة على إيران: تسعى واشنطن عبر هذا العرض إلى ممارسة ضغوط أكبر على إيران، لا سيما أنها ترى أن الأخيرة ما زالت مصرة على المضي قدماً في تطوير برنامجها النووي. صحيح أنها لم ترفع نسبة تخصيب اليورانيوم بشكل يتجاوز حاجز الـ60%، إلا أن الصحيح أيضاً أنها تراكم مزيداً من المواد المخصبة بهذه النسبة، بسبب استمرار عمليات التخصيب في مفاعلي ناتانز وفوردو، وبواسطة أجهزة طرد مركزي أكثر تطوراً من الجهاز الأول الذي يقضي الاتفاق النووي باستخدامه حصراً.

وهنا، فإن هدف واشنطن لا ينصرف إلى توجيه رسالة ردع لإيران فحسب، بل إلى إقناعها بضرورة تبني سياسة أكثر مرونة يمكن أن تساهم في تجديد المفاوضات مرة أخرى التي تعثرت في أغسطس الماضي عقب رفض إيران مسودة الاتفاق التي عرضها منسق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل. إذ ترى واشنطن أن الظروف الحالية تفرض ضرورة منح الأولوية للخيار الدبلوماسي للوصول إلى تسوية للأزمة الحالية تؤدي إلى إحياء الاتفاق النووي مجدداً، وتؤجل المشكلة النووية الإيرانية حتى إشعار آخر.

3- استيعاب الضغوط الداخلية الأمريكية قبيل إجراء الانتخابات الرئاسية: تتعرض الإدارة الأمريكية الحالية لضغوط داخلية قوية بسبب السياسة التي تتبناها في التعامل مع إيران، وهي ضغوط ترى أنها يمكن أن تنتج ارتدادات سلبية عليها خلال المرحلة القادمة، خاصة مع بدء الاستعداد للانتخابات الرئاسية الأمريكية التي يسعى الرئيس جو بايدن إلى إعادة الترشح فيها لتجديد ولايته الرئاسية لمدة أربعة أعوام أخرى.

وقد لا يكون تعرض الإدارة الأمريكية الحالية لضغوط داخلية أمراً جديداً، إنما الجديد في هذا السياق هو أن هذه الضغوط لم تعد تقتصر على الحزب الجمهوري، بل باتت تمتد إلى الحزب الديمقراطي بدوره، حيث يرى بعض أعضائه أن السياسة التي تتبناها الإدارة الأمريكية الحالية كان لها دور في دفع أو بمعنى أدق “تشجيع” إيران على التصعيد في المجال النووي، مطمئنة إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية ليس لديها خيارات عديدة للتعامل مع هذا التصعيد.

هذه الضغوط المزدوجة من جانب الحزبين الجمهوري والديمقراطي بدت جلية في تقديم بعض المسؤولين في الإدارة إحاطة “سرية” حول إيران في مجلس الشيوخ، في 16 مايو الجاري، حيث كان زعيم الأقلية الجمهورية في المجلس ميتش ماكونيل قد قدم طلب الإحاطة، متهماً الإدارة الأمريكية بأنها “تساهلت” مع إيران لدرجة أصبح معها التهديد الإيراني أسوأ في عهدها.

4- توسع نطاق التهديدات الإيرانية: يبدو أن الإدارة الأمريكية الحالية تتبنى مقاربة مختلفة تقوم على أن الأنشطة النووية الإيرانية لا تفرض تهديداً “آنياً” بالنسبة لمصالح الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في المنطقة، خاصة أنه رغم أن إيران وصلت إلى تخصيب اليورانيوم بنسبة 60%، واقتربت من مرحلة امتلاك القدرة على إنتاج القنبلة النووية؛ إلا أنها ما زالت تفتقر لمكونات فنية أخرى لا يمكن الاستعاضة عنها إذا قررت بالفعل إنتاج القنبلة، ولا سيما فيما يتعلق بالمفجر النووي، وهي مهمة قد تستغرق وقتاً ولا يبدو أن إيران قطعت شوطاً طويلاً فيها.

ومن هنا، فإن التهديد “الآني” الذي تفرضه إيران ينطلق من مصدر آخر هو التمدد الإيراني في المنطقة، والذي بات يهدد المصالح الأمريكية بشكل مباشر، في ضوء رغبة إيران في رفع كلفة العقوبات الأمريكية المفروضة عليها، إلى جانب استكمال عملية “الثأر” لمقتل قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري قاسم سليماني، وهي الضربة التي لم تستطع إيران احتواء تبعاتها حتى الآن.

وقد بدا هذا التهديد جلياً في تكرار الهجمات العسكرية التي تشنها مليشيات شيعية موالية لإيران في سوريا والعراق، وكان أبرزها الهجوم الذي تم شنه على قاعدة أمريكية في شمال شرق سوريا، في 24 مارس الماضي، وأسفر عن مقتل متعاقد أمريكي وإصابة خمسة جنود آخرين. وقد أشارت صحيفة “وول ستريت جورنال”، في 15 مايو الجاري، إلى أن هذا الهجوم تحديداً نفذته مليشيا عراقية تسمى “لواء الغالبون” واستخدمت فيه طائرة إيرانية من دون طيار من طراز “قاصف 2″، واستهدف حظيرة صيانة أمريكية في الحسكة.

من هنا، فإن الإدارة الأمريكية لم تكتف بتوجيه ضربات عسكرية لمواقع تابعة لإيران والمليشيات الموالية لها في سوريا، وإنما بدأت في توجيه رسائل بأنها معنية برفع مستوى التنسيق مع إسرائيل لمواجهة النفوذ الإقليمي لإيران في المنطقة الذي بات يهدد المصالح الأمريكية والإسرائيلية بشكل مباشر.

تصعيد مستمر

على ضوء ذلك، يمكن القول إن المرحلة المقبلة سوف تشهد تصعيداً متبادلاً بين طهران من جهة وواشنطن وتل أبيب من جهة أخرى، ولا سيما في ظل تعدد الملفات الخلافية العالقة بين الأطراف الثلاثة، وسعي كل طرف إلى تعزيز موقعه في مواجهة الطرفين الآخرين، وإن كان هذا التصعيد لا ينفي في الوقت نفسه أن طهران وواشنطن قد تحرصان على مواصلة فتح قنوات تواصل بغية الوصول إلى تسوية لأزمة الملف النووي التي قد تكون مقدمة لتفاهمات حول ملفات أخرى في مرحلة لاحقة.