الانسحاب الثاني:
هل تجمد واشنطن صفقة تبادل السجناء بعد طوفان الأقصى؟

الانسحاب الثاني:

هل تجمد واشنطن صفقة تبادل السجناء بعد طوفان الأقصى؟



يمكن أن يفرض أي انسحاب أمريكي محتمل من الشق الثاني لصفقة تبادل السجناء تداعيات عديدة يتمثل أبرزها في توقف التفاهمات النووية بين طهران وواشنطن، واتجاه الأولى نحو رفع مستوى أنشطتها النووية، والعودة إلى استهداف القوات الأمريكية في المنطقة، وتصاعد التوتر في علاقات قطر وكل من إيران والولايات المتحدة الأمريكية في آن واحد.

موقع “خبر فوري”: طوفان الأقصى وقصة الـ6 مليارات دولار الإيرانية في قطر.. هل تندم الولايات المتحدة على الدبلوماسية مع إيران مرة أخرى؟

بدأت ردود الفعل الإيرانية والأمريكية تتطور مع تصاعد حدة الحرب بين إسرائيل وحركة حماس، التي دخلت يومها الثامن، مع تزايد المؤشرات الخاصة بتدخل الأولى برياً داخل قطاع غزة. وفي هذا السياق، بدأت الضغوط تتزايد على إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن من أجل عدم استكمال صفقة تبادل السجناء التي أبرمت مع إيران، ونُفذ الشق الأول منها بالإفراج المتبادل عن السجناء المحتجزين لدى الطرفين، فيما يتبقى حصول إيران على 6 مليارات دولار من أموالها المجمدة لدى كوريا الجنوبية.

ورغم أن تلك الأموال وصلت بالفعل إلى قطر، إلا أن إيران لم تصل إليها بعد، فما زالت الإجراءات تتواصل من أجل ضمان إنفاق تلك الأموال على شراء أدوية وأغذية. واللافت في هذا السياق هو أن هذه الضغوط تتزايد في الوقت الذي ما زالت فيه الإدارة الأمريكية حريصة على عدم توجيه اتهام مباشر لإيران بالضلوع في العملية العسكرية التي شنتها حركة حماس داخل إسرائيل في 7 أكتوبر الجاري، تحت اسم عملية “طوفان الأقصى”.

أسباب عديدة

إن تأخير وصول إيران إلى تلك الأموال المجمدة والمودعة في قطر يعود إلى استمرار عدم الثقة في العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية. فالأخيرة تسعى إلى الوصول إلى أعلى مستوى من الضمانات التي يمكن من خلالها تقييد أي محاولة لإيران للاستفادة من تلك الأموال في تقديم مزيد من الدعم المالي لحلفائها في المنطقة. وقد بدأت بعض تفاصيل صفقة تبادل السجناء بين الطرفين في الظهور تدريجياً مع تصاعد الجدل حول إمكانية عدم استكمالها ومنع إيران من الوصول إلى هذه الأموال.

إذ قالت الولايات المتحدة الأمريكية، في 12 أكتوبر الجاري، إن إيران لن تتمكن في أي وقت قريب من الوصول إلى هذه الأموال، وإنها تحتفظ بالحق في تجميد الحساب بأكمله. وكان لافتاً أن إيران لم تنفِ ذلك، لكنها أكدت أن الأولى لا تستطيع الانسحاب من الاتفاق.

وفي كل الأحوال، يمكن القول إن تصاعد حدة الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية ربما يكون لها دور في تأخير تنفيذ هذا الشق من الصفقة، حيث قد ترى إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن أن الوقت ليس مناسباً لتسهيل وصول إيران إلى هذه الأموال في هذا التوقيت، وربما للاحتفاظ بورقة ضغط في مواجهة إيران، خاصة مع غموض المسارات المحتملة للحرب الحالية ومدى إمكانية توسع نطاقها لتشمل أطرافاً ودولاً أخرى في المنطقة.

تداعيات مختلفة

يمكن القول إنه في حالة إقدام الإدارة الأمريكية على تبني خيار عدم تسليم إيران هذه الأموال وتجميد الحساب البنكي المخصص لذلك، فقد يفرض تداعيات عديدة يتمثل أبرزها في:

1- التأثير على التفاهمات النووية القائمة بين إدارة بايدن وإيران: سوف يؤدي ذلك إلى توجيه ضربة قوية للتفاهمات والاتصالات التي كانت تجري بين الإدارة الأمريكية وإيران حول الاتفاق النووي، وهي التفاهمات التي كانت تسعى من خلالها الأولى إلى دفع الثانية نحو عدم تصعيد الموقف في البرنامج النووي لدرجة تصل إلى مستوى غير مسبوق من التحدي، إلى حين إجراء الانتخابات الرئاسية الأمريكية، حيث يمكن الوصول إلى اتفاق نووي جديد خلال الفترة الثانية المحتملة للرئيس بايدن.

ومن هنا، فإن إقدام الإدارة على تجميد الحساب البنكي ومنع إيران من الوصول إلى هذه الأموال سوف تعتبره إيران بمثابة استنساخ لتجربة إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب التي انسحبت من الاتفاق النووي في 8 مايو 2018 وأعادت فرض العقوبات الأمريكية على إيران بشكل أفرغ تقريباً الاتفاق النووي من مضمونه. وبمعنى آخر، فإن هذه الخطوة سوف تُعد بمثابة الانسحاب الأمريكي الثاني من اتفاق عُقد بالفعل مع إيران.

2- اتجاه طهران إلى تصعيد أنشطتها النووية: قد لا تكتفي إيران في هذا السياق بتجميد الاتصالات والتفاهمات مع الإدارة الأمريكية، وهو احتمال قائم بقوة، خاصة أن تيار المحافظين الأصوليين المتشددين داخل إيران سوف يدفع في هذا الاتجاه باعتبار أن هذه الخطوة سوف تكرس من حالة عدم الثقة من جانب إيران في الولايات المتحدة الأمريكية. وهنا، فإن إيران قد تتعمد، إلى جانب ذلك، رفع مستوى أنشطتها النووية مرة أخرى.

فقد كانت التفاهمات مع إيران سبباً في دفع الأخيرة إلى تخفيض كمية اليورانيوم التي قامت بإنتاجها في الفترة الماضية بنحو 949 كلجم، من 4744.5 كلجم إلى 3795.5 كلجم. لكن مع احتمال إقدام الإدارة الأمريكية على الانسحاب من تنفيذ الشق الثاني من صفقة تبادل السجناء، فإن إيران سوف تتجه ليس فقط إلى استعادة هذه الكمية، وإنما إلى تجاوز ذلك بكثير، وربما تتجه أيضاً إلى رفع مستوى تخصيب اليورانيوم ليتجاوز نسبة 60%، بشكل سوف يصل بالنشاط النووي الإيراني إلى مرحلة حرجة، بالتوازي مع احتمال فرض مزيد من القيود على التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهو أحد المتغيرات التي كانت سبباً في تأخر الوصول إلى اتفاق نووي جديد، بسبب عزوف إيران عن الإجابة على بعض الأسئلة التي طرحتها الوكالة بخصوص العثور على جزيئات يورانيوم في بعض المنشآت النووية، حيث قالت الوكالة إن موقعاً واحداً من المواقع الثلاثة المشتبه فيها تم التوافق حوله بين الطرفين، وهو موقع ماريوان، في حين يتبقى حسم الخلاف حول موقعي توركوزآباد وورامين.

3- العودة إلى مهاجمة القوات الأمريكية في المنطقة: قد يتوازى التصعيد في البرنامج مع العودة إلى استهداف القوات الأمريكية في كل من العراق وسوريا، بعد فترة من الهدوء فرضتها التفاهمات التي جرت بين طهران وواشنطن حول البرنامج النووي. وهنا، فإن إيران سوف تسعى من خلال ذلك إلى رفع كلفة الانسحاب الأمريكي المحتمل من الشق الثاني لصفقة تبادل السجناء، وممارسة ضغوط أكبر على الإدارة الأمريكية بسبب الدعم الكبير والمتواصل الذي تقدمه إلى إسرائيل لمساعدتها على إدارة عملياتها العسكرية ضد الفصائل الفلسطينية والمليشيات الأخرى التي انخرطت في اشتباكات عسكرية محدودة معها على غرار حزب الله اللبناني.

وربما يكتسب هذا الاحتمال مزيداً من الزخم في حالة ما إذا وجهت الإدارة الأمريكية اتهامات مباشرة لإيران بالضلوع في العملية العسكرية الأخيرة التي شنتها حركة حماس، خاصة أن الإدارة وإن بدت حريصة على نفي هذه الاتهامات حتى الآن، إلا أنها احتفظت بخيار تغيير هذا الموقف في حالة ما إذا تبلورت مؤشرات تؤكد ضلوع إيران فعلاً في هذه العملية.

4- التأثير على العلاقات الأمريكية-القطرية: كان لافتاً أن قطر سارعت إلى تأكيد استمرار العمل بالصفقة، حتى الآن، إذ قال رئيس الوزراء القطري وزير الخارجية محمد بن عبد الرحمن آل ثاني في لقائه مع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن بالدوحة، في 13 أكتوبر الجاري، إن “قطر تلتزم بأي اتفاق هي طرف فيه، ولن يتم اتخاذ أية خطوة دون التشاور مع الأطراف المعنية”، وهي الرسالة نفسها التي وجهتها الدوحة إلى طهران خلال اللقاء الذي عُقد بين محافظ البنك المركزي الإيراني محمد رضا فرزين ونظيره القطري بندر بن محمد بن سعود آل ثاني على هامش اجتماعات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في مراكش، حيث أكد الأخير أن قطر ملتزمة بتعهداتها مع إيران.

وهنا، فإن أي انسحاب محتمل من جانب الولايات المتحدة الأمريكية من الشق الثاني من صفقة تبادل السجناء سوف يضع قطر أمام موقف حرج في مواجهة إيران، التي يمكن أن توجّه اتهامات مباشرة للدوحة بالمشاركة في ذلك، على نحو سوف يفرض بالتالي تداعيات سلبية على علاقات قطر مع كل من الولايات المتحدة الأمريكية وإيران في آن واحد، وسيخصم من قدرتها على ممارسة دور الوسيط في بعض الملفات الإقليمية.

المتغير الحاكم

في ضوء ذلك، يمكن القول إن اندلاع الحرب الحالية في غزة سوف يكون له تأثير مباشر على المسارات المحتملة التي يمكن أن تتجه إليها التفاهمات التي كانت تجري بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية قبل الحرب. وربما يمكن القول إن المدى الذي سوف تصل إليه هذه الحرب سوف يكون المتغير الحاكم في هذا الصدد، لا سيما أنه كلما طال أمد الحرب واتسع نطاقها، اقتربت منها إيران بقوة، سواء بفعل الضغوط التي تمارسها الإدارة الأمريكية حيث اتهامها طهران بشكل مباشر بالضلوع في عملية “طوفان الأقصى”، أو بسبب اتجاه إسرائيل المحتمل لتوجيه مزيد من الضربات لإيران في الداخل والخارج، لرفع كلفة دعمها للفصائل الفلسطينية والمليشيات الأخرى الموجودة في دول الأزمات.