حرب بالوكالة:
هل تتجه أوكرانيا إلى الانخراط في الصراع السوداني؟

حرب بالوكالة:

هل تتجه أوكرانيا إلى الانخراط في الصراع السوداني؟



أبدت أوكرانيا خلال الفترة الماضية اهتماماً خاصاً بتعزيز العلاقات مع الجيش السوداني، وهو ما توازى مع ما كشفت عنه تقارير عديدة من انخراط قوات خاصة أوكرانية في الحرب التي تتصاعد حدتها بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، والتي قاربت على افتتاح عامها الثاني في منتصف أبريل القادم.

ويأتي هذا الانخراط المحتمل، حسب ما أشارت إليه تقارير عديدة، في الوقت الذي تستمر فيه موسكو في تصعيد عملياتها العسكرية ضد كييف، والتوسع في ضم أجزاء من الأراضي الأوكرانية. لذلك يبدو أن أوكرانيا تسعى من خلال انخراطها في الصراع السوداني إلى تحقيق جملةٍ من الأهداف الاستراتيجية، من أبرزها رفع تكلفة الحرب الروسية، وتهديد مصالح موسكو في السودان، وتوسيع نطاق الصراع مع “فاجنر”، وبناء تحالف استراتيجي مع الخرطوم.

دوافع عديدة

نشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، في 6 مارس الجاري، تقريراً حول انخراط قوات أوكرانية خاصة في تدريب عناصر من الجيش السوداني. وقد سبق ذلك نشر بعض وسائل الإعلام مقاطع فيديو تكشف عن مشاركة قوات خاصة أوكرانية في الحرب الدائرة في السودان.

ويمكن القول إن ثمة جملة من الدوافع التي تقف خلف توسيع أوكرانيا نطاق انخراطها في الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، يتمثل أبرزها في:

1- رفع تكلفة الحرب الروسية في أوكرانيا: يشير مراقبون إلى أن انخراط قوات خاصة أوكرانية إلى جانب الجيش السوداني في قتاله ضد قوات الدعم السريع يستهدف بالأساس تقويض المصالح الروسية في السودان، حيث تسعى أوكرانيا إلى تعطيل تدفق الذهب واستهداف المنشآت التي تديرها مجموعة “فاجنر”، لا سيما أن السودان هى ثالث أكبر منتج للذهب في أفريقيا، ويُعتقد أن السبائك الواردة منها هي إحدى الطرق التي اتبعتها روسيا لتقليص حد العقوبات المالية الغربية.

2- توسيع نطاق الحرب مع “فاجنر”: كشفت تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، في مؤتمر صحفي في الأمم المتحدة في 25 أبريل الماضي، عن وجود عناصر مجموعة “فاجنر” في السودان، حيث قال أن “السلطات السودانية لها الحق في استخدام مجموعة فاجنر”، ومن ثم تعمل أوكرانيا على توسيع نطاق القتال ضد روسيا إلى ما هو أبعد من حدودها، عبر استهداف القوات الروسية في أي مكان في العالم، ومطاردة الروس في أفريقيا بهدف رفع تكلفة الحرب التي تشنها موسكو في أوكرانيا. ومن هنا، يسعى الجيش الأوكراني إلى استهداف عناصر “فاجنر” في الخارج، وخاصة في ظل تقارير تتحدث عن انخراط المجموعة إلى جانب قوات الدعم السريع ضد الجيش السوداني، ومن ثم يمكن استهداف عناصرها في بيئة مضطربة وساحة حرب تتعدد فيها الأطراف المتحاربة وتختلف فيها التوازنات عن ساحة الحرب الروسية-الأوكرانية غير المتكافئة.

إذ تتفوق القدرات القتالية للجيش الروسي على القدرات القتالية للجيش الأوكراني، بينما تقاتل القوات الخاصة الأوكرانية في حرب مدن بين الجيش السوداني والدعم السريع. وقد أكد خبراء أن سلاح الجو التابع للجيش السوداني لا يمتلك طائرة قادرة على القصف والتصويب الليلي، حيث خلصت تقارير مختلفة إلى أنّ الضربات التي نفذت بطائرات من دون طيار تشبه الطراز الأوكراني، وأن العمليات نفذتها قوات خاصة من كييف.

3- بناء تحالف استراتيجي مع السودان: يستهدف الانتشار الأوكراني في السودان بناء تحالف استراتيجي مع الخرطوم، حيث يقدم الجيش الأوكراني مساعدات في تدريب الجنود السودانيين على بعض التكتيكات نفسها التي مكنته من إدارة العمليات مع الجيش الروسي بما في ذلك الطائرات المسيرة.

وتُشير بعض التقارير إلى استخدام أوكرانيا للسودان كنقطة عبور للحصول على الأسلحة من دول أخرى. وقد التقى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي برئيس مجلس السيادة قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، في مطار شانون بأيرلندا في 23 سبتمبر الماضي، وقال الرئيس الأوكراني في ذلك الوقت: “ناقشنا التحديات الأمنية المشتركة بيننا، وتحديداً أنشطة الجماعات المسلحة غير الشرعية التي تمولها روسيا”.

4- تحقيق انتصارات دعائية في الخارج: تنتهج أوكرانيا استراتيجية تعتمد على تنفيذ عمليات خارجية للقوات الخاصة كمحاولة لتسجيل انتصارات دعائية ضد خصمها، على الرغم من أنها نادراً ما تكون ذات أهمية عسكرية. إذ يدير الجيش السوداني حالياً ما يمكن تسميته بالتوازنات الحرجة، وهذا يعني أن انخراطه في تنسيق معلن مع الجيش الأوكراني قد يؤثر على علاقاته المعلنة مع روسيا، والمرجح أن عمليات للجيش الأوكراني في السودان تتم عبر دائرة محدودة داخل الجيش السوداني، خاصة أن هناك تعدداً في مراكز اتخاذ قرارات العمليات الميدانية داخل الجيش، كما أنّ هناك تقارير تشير إلى أن كتيبة “البراء بن مالك” المحسوبة على نظام الرئيس السابق عمر البشير، تقاتل مع الجيش، وتدير غرفاً لتسيير المسيرات دون تنسيق كامل مع القيادة العليا للأخير.

تداعيات محتملة

يتوقع أن يفرض الانخراط المحتمل للقوات الخاصة الأوكرانية في الحرب المستمرة في السودان تداعيات عديدة يتمثل أبرزها في:

1- تصاعد الصراع الروسي-الأوكراني: يرجح أن تستمر أوكرانيا في هذه الحالة في تصعيد حدة عملياتها القتالية في السودان، وذلك لرفع تكلفة الحرب الروسية في أوكرانيا، وخاصة بعد أن كشفت روسيا عن استراتيجيتها الأمنية الجديدة في أفريقيا بعد إعلانها عن تشكيل هيكل عسكري جديد تحت مسمى “الفيلق الأفريقي”، والذي يتوقع أن يقوم بتنفيذ مهام عسكرية خاصة لحماية مصالح روسيا وحلفائها، وهو ما يرجح معه اتساع نطاق الصراع الروسي-الأوكراني ليشمل مناطق عديدة في أفريقيا، من بينها السودان.

2- اتّساع نطاق مشاركة أطراف أخرى: لا يمكن استبعاد أن يدفع الصراع الأوكراني-الروسي في السودان أطرافاً أخرى إلى تبني سياسة “الحرب بالوكالة” في السودان، حيث يمكن أن تدعم الولايات المتحدة الجيش السوداني والوحدات الأوكرانية في السودان في مواجهة روسيا وتحركاتها السرية، خاصة أن واشنطن تسعى إلى تحجيم النفوذ الروسي وتطلعات موسكو إلى إقامة قاعدة بحرية لها في السودان على ساحل البحر الأحمر.

3- تعرض المصالح الروسية للاستهداف: يتوقع مراقبون أن تُهيِّئ الهجمات الأوكرانية على المصالح الروسية في السودان المجال أمام وقوع هجمات مماثلة ضد التحركات والمصالح الروسية في الشرق الأوسط وأفريقيا، وسبق أن وضعت أوكرانيا خطة لمهاجمة القوات الروسية في سوريا سراً، ربما من أجل دفع موسكو إلى عدم استقدام مزيد من القوات للمشاركة في العمليات الميدانية في أوكرانيا.

ختاماً، يمكن القول إن انخراط القوات الخاصة الأوكرانية في الحرب الدائرة في السودان يرتبط بشكل خاص بالاستراتيجية التي تتبناها كييف وتقوم في الأساس على محاولة رفع تكلفة الحرب التي تشنها روسيا داخل أراضيها، عبر فتح جبهات جديدة للمواجهة معها ووضع مصالحها في مناطق مختلفة من العالم في دائرة الاستهداف، وذلك بالتوازي مع السعى للحصول على مزيد من الدعم الغربي لتعزيز القدرة على مواجهة العمليات العسكرية التي تشنها موسكو داخل أراضيها.