خيارات محدودة:
هل تؤثر عقوبات مجموعة السبع ضد إيران؟

خيارات محدودة:

هل تؤثر عقوبات مجموعة السبع ضد إيران؟



تُبدي مجموعة السبع قلقاً خاصاً تجاه التعاون العسكري بين إيران وروسيا والذي باتت ترى أنه يفرض تداعيات سلبية على مصالحها وسياساتها إزاء العديد من الملفات الإقليمية والدولية التي تحظى باهتمام خاص من جانبها. ورغم أن هذا التعاون ليس جديداً، حيث سبق أن وجهت دول المجموعة، فضلاً عن أوكرانيا، اتهامات إلى إيران بإرسال طائرات من دون طيار إلى روسيا لمساعدتها على إدارة عملياتها العسكرية في أوكرانيا؛ إلا أنه قد يتخذ منحى جديداً في حالة إقدام إيران على رفع مستواه ليصل إلى مرحلة إرسال صواريخ باليستية.

وفي هذا السياق، وجهت المجموعة، في 15 مارس الجاري، تهديدات جدية إلى إيران بفرض عقوبات جديدة عليها في حالة إقدامها على تلك الخطوة، التي يمكن أن يكون لها دور في إحداث تغيير على المستوى الميداني لصالح روسيا. وأشارت دول المجموعة في بيانها إلى أن “قيام إيران بهذه الخطوة سيزيد من زعزعة الاستقرار الإقليمي، ويمثل تصعيداً كبيراً في دعمها للحرب الروسية في أوكرانيا”، مضيفةً أن “طهران زوّدت روسيا بالفعل بطائرات مسيّرة استخدمتها ضد مدنيين”.

اعتبارات أساسية

رغم ذلك، لا يتوقع أن تفرض تلك الإجراءات التي يحتمل أن تقدم عليها دول المجموعة تداعيات مباشرة على السياسة الإيرانية في هذا الصدد، في حالة ما إذا كانت لدى إيران بالفعل رغبة في توسيع نطاق التعاون العسكري مع روسيا عبر إمدادها بصواريخ باليستية، وذلك لاعتبارات عديدة:

1- خبرة التعامل مع الإجراءات العقابية: تفيد خبرة تعامل إيران مع الإجراءات العقابية التي تتخذها بعض الدول الغربية أنها لا تتراجع بسهولة عن القرارات التي تتخذها وتكون سبباً في إقدام بعض الدول على اتخاذ تلك الإجراءات. بل إنها سعت دوماً إلى الالتفاف على العقوبات، سواء الدولية أو الغربية، التي تتعرض لها بسبب اتساع نطاق الخلافات بين الطرفين. فعلى سبيل المثال، فإنه رغم العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران منذ 7 أغسطس 2018 عقب انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق النووي في 8 مايو من العام نفسه، فإن إيران استطاعت مواصلة تصدير نفطها، بل إن التقديرات تشير إلى أن متوسط الصادرات الإيرانية من النفط الخام والمكثفات وصل إلى حوالي 1.4 مليون برميل نفط يومياً خلال عام 2023.

2- تجنب التداعيات المحتملة للحظر: تتردد بعض دول المجموعة في فرض مستوى معين من العقوبات على إيران تجنباً للتداعيات المحتملة التي يمكن أن يفرضها ذلك. إذ إن هذا الإجراء قد يدفع إيران إلى افتعال خلاف آخر في ملف مختلف لممارسة ضغوط مضادة على بعض تلك الدول. وقد كان لافتاً أن إيران استخدمت ملف مزدوجي الجنسية كملف ضاغط في هذا الصدد، وكان لذلك تأثير على قرارات بعض الدول إزاء فرض عقوبات على إيران. فعلى سبيل المثال، نشب خلاف في بريطانيا، في 7 أغسطس الماضي، حول سبل التعامل مع التهديدات التي تفرضها أنشطة الحرس الثوري الإيراني، بين وزير الخارجية السابق جيمس كليفري ووزيرة الداخلية السابقة سويلا برافرمان، حيث اعتبرت الثانية أن العملاء التابعين للحرس الثوري يسعون إلى اغتيال شخصيات معارضة على أراضٍ بريطانية، في حين رأى الأول أن ذلك قد يدفع إيران إلى اتخاذ إجراءات تصعيدية مضادة في ملف مزدوجي الجنسية.

3- تبني إيران إجراءات تصعيدية في الملف النووي: دائماً ما ترد إيران على العقوبات التي تفرضها تلك الدول عبر اتخاذ مزيد من الإجراءات التي تهدف إلى تطوير برنامجها النووي. فقد بدأت تخفيض مستوى التزاماتها في الاتفاق النووي في 8 مايو 2019- أي بعد عام من الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي- حيث أعلنت عن عدم الالتزام بالكمية المنصوص عليها في الاتفاق النووي من اليورانيوم المخصب بنسبة 3.67% والماء الثقيل تحت سقف 130 طناً، مع وقف بيع المخزون الفائض منه.

وعندما اتجهت بعض الدول الغربية، ولا سيما الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وألمانيا، إلى التحرك داخل الوكالة الدولية للطاقة الذرية من أجل ممارسة ضغوط أكبر على إيران لتوسيع نطاق تعاونها مع الوكالة، خاصة فيما يتعلق بالإجابة على الأسئلة الخاصة بالعثور على جزيئات يورانيوم في منشأتي “توركوزآباد” و”رامين”، بعد أن تم إغلاق ملف منشأة “مريوان”، اتخذت إيران، في 16 سبتمبر الماضي، قراراً بسحب تراخيص 8 مفتشين من الوكالة، كلهم يحملون الجنسيتين الألمانية والفرنسية، على نحو مثل رسالة من جانبها بأن أي اتجاه للتصعيد من جانب الدول الغربية سوف يُواجَه بإجراءات مضادة من قبلها.

4- الانشغال بملفات إقليمية أخرى: ويأتي في مقدمتها الحرب الحالية التي تدور رحاها في منطقة الشرق الأوسط والتي تشنها إسرائيل في قطاع غزة منذ 7 أكتوبر الماضي، وما يرتبط بها من تصعيد على جبهات إقليمية مختلفة. إذ إن اندلاع هذه الحرب في هذا التوقيت فرض تغييرات على أولويات السياسة الخارجية لبعض تلك الدول، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية، التي سعت منذ بداية الحرب إلى تقليص احتمالات توسيع نطاقها لتشمل أطرافاً ودولاً أخرى، مثل إيران، واستخدمت في هذا السياق آليات عديدة تراوحت ما بين “الردع العسكري” عبر إرسال حاملتي طائرات إلى شرق المتوسط بالقرب من مسرح العمليات، وبين الانخراط في اتصالات وتفاهمات كان من شأنها تهدئة حدة التصعيد على جبهات متعددة، ولا سيما الجبهتين العراقية والسورية. وقد أشار المسئولون الأمريكيون والإيرانيون أكثر من مرة إلى أنه جرى تبادل رسائل بين الطرفين خلال الفترة الماضية من أجل تحقيق هذا الهدف تحديداً، خاصة في ظل انشغال إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن باقتراب موعد الانتخابات الرئاسية التي سوف تجرى في 5 نوفمبر القادم، وحرص إيران في الوقت نفسه على عدم المغامرة بالانخراط في مواجهة عسكرية مباشرة سواء كانت مع إسرائيل أو مع الولايات المتحدة الأمريكية.

إجراءات مضادة

إن ما سبق في مجمله يشير إلى أن إصرار بعض القوى الدولية على تبني خيار العقوبات ضد إيران يوجه -في الغالب- رسائل تقرأها الأخيرة على نحو يدفعها، بصفة دائمة، إلى الإمعان في السياسة نفسها التي تتبعها في الملفات المختلفة، ولا سيما الملف النووي، وبرنامج الصواريخ الباليستية، والتدخلات الإقليمية؛ حيث إنها تعتبر أن اتخاذ هذه القوى مزيداً من الإجراءات في هذا الصدد يعني أنها لا تمتلك هامشاً أوسع من الخيارات في التعامل معها، لا سيما الخيار العسكري الذي لا تتوافر شروط الاستناد إليه على الأقل في المرحلة الحالية.