ملفّات مترابطة:
هل تؤثر حرب غزة على الاتفاق النووي الإيراني؟

ملفّات مترابطة:

هل تؤثر حرب غزة على الاتفاق النووي الإيراني؟



لا يبدو أن إيران تستبعد أن تفرض تطورات الحرب في قطاع غزة، في ظل استمرار التصعيد العسكري الإسرائيلي ضد حركة حماس، رداً على عملية “طوفان الأقصى” التي شنّتها الأخيرة داخل إسرائيل في 7 أكتوبر الفائت، تداعيات مباشرة على الاتفاق النووي، الذي ما زال يواجه اختباراً صعباً بفعل تعثر المفاوضات التي أُجريت في الفترة الماضية بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، بسبب استمرار الخلافات العالقة بين الطرفين حول العديد من القضايا الرئيسية المرتبطة بهذا الاتفاق.

ففي هذا السياق، كان لافتاً أن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني قال، في 30 أكتوبر الفائت: “إن طريق المفاوضات مفتوح في إطار مبادرة سلطان عمان، لكن أهمية القضية الفلسطينية يمكن أن تؤثر على بعض القضايا. وستتبع إيران نفس المسار كما كان من قبل. ربما يكون هناك تسارع يتماشى مع التطورات، لكن كلما تطلب الأمر ذلك -بطبيعة الحال- سنخبر وسائل الإعلام بالموضوع”.

هذه التصريحات تطرح دلالتين رئيسيتين: الأولى، أن إيران لا تفصل بين تطورات الحرب في غزة والتوتر القائم مع الولايات المتحدة الأمريكية، والدول الغربية بشكل عام، حول الاتفاق النووي، خاصة أن استمرار الحرب توازى مع تطور مهم شهده الاتفاق، في 18 أكتوبر الفائت، ويتمثل في رفع الحظر الأممي عن الأنشطة المرتبطة ببرنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية، والذي لم تستطع الدول الغربية منعه لكنها استعاضت عن ذلك بتأكيد استمرار فرض عقوباتها على إيران في هذا الصدد.

والثانية، أن إيران لا تستبعد أن تتخذ خطوات جديدة في الملف النووي، كجزء من عملية إدارة التصعيد مع كل من إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، بالتوازي مع استمرار تهديداتها بإمكانية توسيع نطاق الحرب الحالية لتشمل أطرافاً ودولاً أخرى بدلاً من حصرها في قطاع غزة فقط، رغم حرصها -في الوقت ذاته- على نفي ضلوعها في شن عملية “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر الفائت.

اعتبارات عديدة

في ضوء ذلك، لا يمكن استبعاد أن تواصل إيران سياستها التصعيدية في برنامجها النووي، خاصة فيما يتصل بالعلاقة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي ما زالت توجه انتقادات قوية للأولى بسبب تراجع مستوى التعاون بين الطرفين. لكن إيران سوف تحرص على وضع حدود لهذا التصعيد، بحيث لا ينتج في النهاية عواقب قد لا تتوافق مع حساباتها ومصالحها في التوقيت الحالي. هذه الحدود تفرضها اعتبارات عديدة يتمثل أبرزها في:

1- استكمال تنفيذ صفقة تبادل السجناء: لم تستكمل بعد صفقة تبادل السجناء بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، رغم الإفراج المتبادل من جانب الطرفين عن السجناء الأمريكيين والإيرانيين الذين كانوا محتجزين لديهما. إذ يتبقى القسم الأهم بالنسبة لإيران، وهو الحصول على 6 مليارات من أموالها المجمدة لدى كوريا الجنوبية، والتي ستودع في حسابات مصرفية في قطر، ستستخدمها إيران، وفقاً لضوابط معينة، في الإنفاق على شراء سلع غذائية أو دوائية.

ومع ذلك، فإن هناك مخاوف في طهران من إمكانية عرقلة تنفيذ هذا البند، خاصة بعد أن تعرضت لاتهامات من جانب اتجاهات عديدة في واشنطن بأنها ضالعة في عملية “طوفان الأقصى”، وأنها سوف تستخدم هذه الأموال في مواصلة تقديم مزيد من الدعم لحلفائها في المنطقة، وهو ما دفع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إلى تأكيد أن “واشنطن تحتفظ بحقها في إعادة تجميد المليارات الستة”، مضيفاً: “لم يتم إنفاق أي شيء من الأموال التي تم تحويلها إلى قطر، ولم تصل إليها أي جهة من إيران”.

ومن هنا، فإن أي تصعيد محتمل في البرنامج النووي قد يدفع واشنطن إلى تنفيذ تهديدها، وبالتالي عدم استكمال الشق الثاني من هذه الصفقة، على نحو سوف يتسبب في نشوب أزمة قوية داخل إيران.

2- تكريس التوافق الغربي المناوئ لطهران: رغم تعدد الخلافات العالقة بين إيران والدول الأوروبية تحديداً، سواء حول البرنامج النووي، أو حول الدعم العسكري الذي تقدمه الأولى إلى روسيا لمساعدتها على إدارة عملياتها العسكرية في أوكرانيا؛ إلا أن الدول الأوروبية ما زالت حريصة على الاحتفاظ بقنوات تواصل مع إيران، وهو ما بدا جلياً في محاولات إقناع الأخيرة بممارسة ضغوط على حلفائها من أجل عدم توسيع نطاق الحرب الحالية.

ففي هذا السياق، أجرى وزير الخارجية البريطاني جيمس كليفرلي اتصالاً هاتفياً بنظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، في 4 نوفمبر الجاري، حثه فيه على استخدام إيران نفوذها لدى الجماعات في منطقة الشرق الأوسط لمنع تصعيد الصراع المستمر بين إسرائيل وحماس.

وقبل ذلك، أجرى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اتصالاً هاتفياً بنظيره الإيراني إبراهيم رئيسي، في 15 أكتوبر الفائت، أكد فيه الأول وجوب أن تفعل إيران كل ما في وسعها لتجنب أي تصعيد إقليمي.

ورغم أن هذه الاتصالات تضمنت تحذيرات غربية مباشرة إلى طهران، إلا أنها في الوقت نفسه توحي بأن الدول الأوروبية لا ترغب حالياً في قطع قنوات التواصل مع الأخيرة، باعتبار أن ذلك يمثل فرصة، وفقاً للرؤية الغربية، للتيار المتشدد داخل إيران من أجل الضغط لاتخاذ مزيد من الإجراءات التي يمكن أن تؤدي إلى تصعيد حدة الأزمات المختلفة، سواء على صعيد المواجهة بين إسرائيل وحركة حماس، أو على مستوى البرنامج النووي.

3- تجنب نقل الملف إلى مجلس الأمن: حرصت القوى الدولية خلال الفترة الماضية على تجنب اللجوء إلى الخيار الأصعب في إدارة الخلافات مع إيران حول البرنامج النووي، وهو العودة إلى مجلس الأمن عبر تقديم شكوى تفيد بتقاعس إيران عن تنفيذ التزاماتها العالقة في الاتفاق، وفقاً لما يسمى “آلية الزناد” أو “Snapback”. فرغم الانتقادات المتعددة التي وجهتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية لإيران بسبب تراجع مستوى التعاون بين الطرفين، على نحو بدا جلياً في الاجتماع الأخير لمجلس محافظي الوكالة، في 12 سبتمبر الماضي، إلا أن الدول الغربية حرصت على منح فرصة أخرى من أجل الوصول إلى تسوية للخلافات العالقة بين الجانبين.

لكن هذا الموقف قد لا يستمر خلال المرحلة القادمة، خاصةً في حالة استمرار الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة، وتزايد مساحة انخراط حلفاء إيران فيها، فضلاً عن تصاعد حدة التوتر بين إيران والدول الغربية بسبب الدعم العسكري الذي تقدمه الأولى لروسيا، وهو مسار لا يتوافق حالياً مع مصالح وحسابات طهران التي تسعى إلى تحاشي نقل ملفها مجدداً من الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى مجلس الأمن.

4- احتمال تجدد المفاوضات مع واشنطن: تأجلت المفاوضات التي أجريت بين طهران وواشنطن حول الاتفاق النووي، بعد أن تبيّن للطرفين صعوبة الوصول إلى تسوية للخلافات العالقة بينهما. وبدا أن الخيار الأفضل بالنسبة للطرفين هو “ترحيل” الصفقة المحتملة إلى حين استشراف ما سوف تؤول إليه الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي سوف تجرى بعد عام. إذ ترى إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن أنه في حالة فوز الأخير بولاية رئاسية جديدة، فإن المناخ سوف يصبح مواتياً بشكل أكبر لإبرام مثل تلك الصفقة، وهي رؤية لا يبدو أن إيران تبدي تحفظات تجاهها.

ومن هنا، فإن اتخاذ مزيد من الخطوات التصعيدية بالتوازي مع تصاعد حدة التوتر بسبب استمرار الحرب بين إسرائيل وحركة حماس، من شأنه إضعاف هذا الاحتمال، وبالتالي تعزيز فرص انهيار الاتفاق النووي الحالي، على نحو ترى إيران أنه سوف يفرض خيارات محدودة أمامها خلال المرحلة القادمة.

مواقف مزدوجة

انطلاقاً من ذلك، ربما تحرص إيران على تبني سياسة مزدوجة في هذا الصدد، تتراوح بين رفع مستوى بعض الأنشطة النووية، وفي الوقت نفسه عدم الوصول بها إلى المرحلة التي يصعب التراجع عنها، أو يصبح بعدها التفاوض بغير ذي معنى، دون أن ينفي ذلك أن إيران ربما تحرص على استغلال ما يحدث الآن من تصعيد في الأراضي الفلسطينية من أجل تعزيز فرص الوصول إلى هذه الصفقة النووية المحتملة، عبر استخدام نفوذها للإفراج عن الأسرى الأجانب المحتجزين لدى حماس، لا سيما الأمريكيين.