هل التقارب ممكن بين بايدن والتحالف العربي؟ – الحائط العربي
هل التقارب ممكن بين بايدن والتحالف العربي؟

هل التقارب ممكن بين بايدن والتحالف العربي؟



يعلم القاصي والداني في الشرق الأوسط أن العلاقات ما بين دول التحالف العربي وإدارة جو بايدن لم تكن في أفضل حالاتها منذ مطلع 2021، وقد وصلت إلى مستوى منخفض في عام 2022، وإن كان ذلك بتهذيب دبلوماسي. فإن البعض في واشنطن بات يرى أن هنالك احتمالاً، ولو متنامياً، بأن تسعى الإدارة إلى تحسين تلك العلاقات في هذه المرحلة بسبب تعقد الأمور، وحرب أوكرانيا، والموقف الإيراني، والأوضاع الداخلية في الولايات المتحدة الأميركية. فالأسئلة هنا تطرح بالتسلسل: لماذا الجفاء بين الإدارة والتحالف؟ هل تغيرت الظروف؟ هل يمكن إصلاح العلاقات؟ هل بدأت الإدارة بذلك؟

جذور الجفاء

وجذور التباعد بين دول التحالف العربي وإدارة الرئيس بايدن معروفة لدى الرأي العام في تلك الدول، وهي تاريخياً تسبق هذه الإدارة، وتعود بمعظمها إلى فترة الرئيس باراك أوباما ما بين 2009 و2016. فالأزمة الأولى بين إدارة أوباما ومصر، حصلت في 2013، عندما تظاهر ملايين المصريين ضد نظام محمد مرسي كانت واشنطن تبني شراكة مع الإخوان المسلمين. وفي 2015، عندما وقعت إدارة أوباما الاتفاق النووي مع إيران، حصل شرخ نفسي وسياسي بين الإدارة الأميركية وأهم الدول العربية الحليفة لأميركا. وتعمق التباعد مع السعودية والتحالف، مع تصاعد الضغط من واشنطن لوقف الحملة العربية للتصدي لميليشيات الحوثي في اليمن. وتوسعت الخلافات بين المنطقة العربية وإسرائيل، التي انتقدت توقيع الاتفاق النووي وتزويد طهران بمليارات الدولارات وعقد شراكة مع القوى الإسلاموية المقاتلة من ليبيا إلى سوريا، عبر ما سمي “الربيع العربي”. وسار الاختلاف في الرأي بين قوى الشرق الأوسط المؤيدة تقليدياً للولايات المتحدة، وإدارة أوباما، بشكل متوازٍ مع الخلاف الداخلي بين المعارضة الجمهورية في الكونغرس والإدارة التي يؤيدها الحزب الديمقراطي، في مختلف ملفات الشرق الأوسط، هذا الجفاء الذي بات جزءاً من التاريخ الحديث للعلاقات بين واشنطن وحلفائها في المنطقة، لم يكن سرياً، وكتب عنه كثير في المنطقة، ولكن لم يكن معروفاً بشكل واسع في أميركا نفسها.

أسباب الجفاء

أسباب الاختلاف بين الحلفاء العرب والإسرائيليين من ناحية، وإدارة أوباما، الذي كان جو بايدن نائباً للرئيس فيها، تمحورت حول شراكتين حاولت إدارته أن تقيمهما في المنطقة، شعر الحلفاء أنهما تهددانهم. فالخليج الذي كان يتواجه مع إيران، خشي أن يعزز الاتفاق النووي قوة إيران على حساب دوله. ودول شمال أفريقيا شعرت بأن الشراكة بين واشنطن والإخوان، لا سيما خلال “الربيع العربي”، ستفيد الإسلامويين في هذه الدول. أما إدارة أوباما، فكانت تعتبر الشراكتين جزءاً من استراتيجيتها الجديدة لنشر استقرار ثابت عبر “استيعاب الأخصام” Absorbing foes، ولكن إدارة أوباما شملت مدرستين: مدرسة راديكالية ضمت أقصى اليسار وأنصار الانفتاح على إيران والإسلاميين الراديكاليين، ومدرسة السياسيين البراغماتيين، ومن بين هؤلاء الآخرين نائب الرئيس وقتها، بايدن. فهذا الأخير يتمتع بخبرة في العلاقات الخارجية كونها على مدى عقود داخل مجلس الشيوخ، وقد تواصل مع قيادات وشخصيات إقليمية لسنوات. لذا، فإن الفريق الراديكالي في إدارة أوباما تصرف عقائدياً تجاه حكومات المنطقة، بينما البراغماتيون في تلك الإدارة تصرفوا وفق حسابات مبنية على تقييم يمكن أن يتبدل.

ما بعد أوباما

العلاقات العربية – الأميركية سرعان ما عادت إلى الدفء خلال رئاسة دونالد ترمب، لا سيما منذ قمة مايو (أيار) 2017 في الرياض، وكأنها انقلبت 180 درجة، إذ قامت واشنطن بدور العراب في إطلاق “التحالف العربي” بالتنسيق مع السعودية وزعماء أكثر من خمسين دولة عربية وإسلامية، وتأسس مركز لمواجهة الإرهاب ومكافحة التطرف في المملكة، ودعم جهود مصر والإمارات في الرد العقائدي على التيارات التكفيرية، ووضع “الحرس الثوري الإيراني” على لائحة الإرهاب، وأخيراً وليس آخراً الانسحاب من الاتفاق النووي ومواجهة ميليشيات القدس ومتفرعاتها في المنطقة. بدأت العلاقات بين التحالف العربي تتحسن مع واشنطن بين 2017 و2020، وحافظت إدارة ترمب على علاقات قريبة مع قطر على الرغم من التباعد الذي طرأ على العلاقات الخليجية. فإن قمة التقارب العربي الأميركي تجسدت في توقيع المعاهدة الإبراهيمية في صيف 2020 بين إسرائيل ودول عدة في التحالف العربي.

ومع انطلاقة إدارة بايدن مطلع 2021، عادت السياسة الخارجية إلى أجندة إدارة أوباما للشرق الأوسط. فافتتحت الإدارة عهدها الجديد برفع الحوثيين من لائحة الإرهاب، ومن ثم السماح لبعض الدول بالإفراج عن سيولة لإيران، وإعادة المفاوضات مع طهران بشأن الاتفاق النووي، ما عكر الأجواء، ولو تحت الطاولة، مع الخليج وإسرائيل. أما الانسحاب الدراماتيكي من أفغانستان في صيف 2021، فقد أثار قلق دول المنطقة التي تواجه القوى الإسلاموية القتالية، ومنها مصر والعراق وليبيا والأردن والإمارات واليمن. واعتبر البعض أن عودة طواقم أوباما إلى إدارة بايدن ستعيد التشنج بين واشنطن والأصدقاء التقليديين في المنطقة، ولكن بعض العوامل والظروف باتت تظهر تطوراً لم يكن في الحسبان.

حدود الابتعاد

تحت إدارة أوباما، والآن تحت إدارة بايدن، هنالك حدود موضوعية لأي ابتعاد أميركي عن الحلفاء التاريخيين في المنطقة، بغض النظر عن الحماسة لمشاريع صفقات مع القوى الراديكالية. وأهم هذه الحدود، هي الآتية:

أولاً، حجم التعامل الاقتصادي بين السوق الأميركية، والأسواق الشرق أوسطية، بما فيها الخليجية، هو كبير بشكل يضع ضغطاً على القطاعين الخاص والعام لدى الطرفين لعدم قطع الشريان المالي بسبب اختلاف سياسي. فعلى الرغم من أي تباعد، أو تقارب، ما هو ثابت في العمق، هو شبكة صلبة وقديمة من المصالح الاقتصادية والنفطية بين الطرفين، تفوق بحجمها المصالح التي قد تأتي مع الاتفاق النووي، حتى الآن.

ثانياً، الاستقرار الإقليمي الذي تقدمه الدول العربية، بما فيها الخليجية، وإسرائيل، للمصالح الأميركية. بما في ذلك على الصعيد الدبلوماسي، والأمني، والدفاعي.

ثالثاً، المساحة والمواقع الجيوسياسية لتلك الدول، حيث القواعد العسكرية، والممرات المائية، والجوية، والتعاون مع القوات المسلحة الإقليمية.

لهذه الأسباب، من الصعب تصور طلاق بين واشنطن وتلك العواصم، ينهي الشبكة الهائلة من المصالح التي باتت جزءاً من التاريخ الحديث. مما قد يخلص إلى اعتبار موضوعي، هو أن الإدارة الحالية لا يمكنها بشطبة قلم أن تستبدل العلاقات الاقتصادية للولايات المتحدة وغيرها مع العرب وإسرائيل للحصول على اتفاق مع إيران. المنطق يقول إنه في نهاية المطاف لا بد من أن تصل إدارة بايدن إلى استنتاج ما يظهر لها أن المصلحة الأميركية العليا تلزم بوجود علاقات طيبة مع الأصدقاء التقليديين في المنطقة.

أسباب مستجدة

إضافة إلى المصالح الأميركية الثابتة والقديمة، هنالك أسباب باتت بارزة وطارئة قد تفرض تفكيراً جديداً لدى أوساط الإدارة، بالتالي تحوز مراجعة جديدة في المنطقة، بغض النظر عن مسألة إعادة بناء الثقة بين الأطراف. ومن بين هذه الأسباب الداهمة ما يلي:

الحرب في أوكرانيا، التي خلطت الأوراق عالمياً وإقليمياً. مع رفض روسيا تسهيل الاتفاق النووي في ظل العقوبات الأطلسية.

تشبث إيران بشروطها التعجيزية للعودة إلى الاتفاق، مما يضع إدارة بايدن أمام ضغوط إضافية.

أزمة نفط وغاز حادة، تدفع بواشنطن إلى الطلب من السعودية وشركائها زيادة الإنتاج.

انفلات إيران في المنطقة، مما يجعل إسرائيل في وضع ضاغط على واشنطن كي تتحرك.

تحرك دول المنطقة للتموقع في مسافة محايدة إزاء الصراع مع روسيا.

وهناك بالطبع فترة دقيقة أمام الإدارة وهي انتخابات الكونغرس في الخريف المقبل، بالتالي سيصعب على براغماتيي الإدارة أن يواجهوا الناخبين الأميركيين بسياسة خارجية تأتي بتردي العلاقات مع إسرائيل ودول معاهدة إبراهام والتحالف العربي.

تحرك مميز

في أبريل (نيسان) الماضي، كثفت إدارة بايدن تحركاتها في اتجاه عواصم المنطقة، ولا سيما التحالف العربي وإسرائيل، بهدف “تطمين الحلفاء حول متانة العلاقات واستعداد واشنطن للوقوف إلى جانبهم ضد أي اعتداء”. فكانت زيارات لمسؤولين أميركيين إلى مصر التي وصفت بـ”الحليف القديم”. وزيارات لمستشار الأمن القومي ووزير الخارجية إلى السعودية والالتزام بـ”الدفاع المشترك ضد الاعتداءات”. وصدر من الخارجية تنديدات بالقصف الحوثي للسعودية والإمارات. وعند وفاة رئيس دولة الإمارات الشيخ خليفة بن زايد، وصلت نائبة الرئيس الأميركي ووزيرا الدفاع والخارجية إلى أبو ظبي للتعزية كرسالة دبلوماسية عالية الأهمية. بالتوازي، جرت زيارات واتصالات عالية الأهمية مع إسرائيل، ومشاركة أميركية واسعة في مناورات إسرائيلية جوية، في سيناريو قصف على إيران.

مؤشر

ذلك كله مؤشر واضح إلى أن الإدارة تبغي إعادة الربط مع التحالف العربي وإسرائيل، أي الشركاء الدائمين للولايات المتحدة في المنطقة. ويأتي ذلك في إطار إعادة ترتيب البيت الأطلسي والغربي في مواجهة روسيا والصين، وفي ظل عدم الوضوح تجاه الملف الإيراني. في اللغة الدبلوماسية البحتة، ذلك يعني أن التقارب ولو البطيء بين إدارة بايدن والتحالف العربي بات ممكناً، ولو لم يكن ساطعاً. فالتقاطع في المصالح بسبب الوضع الدولي ينطلق من واقعين. الأول هو محاولة واشنطن قطع الطريق على موسكو وبكين، كي لا تستدرجان العرب إلى معسكرهما، والثاني هو استفادة مصلحية لدى حكومات التحالف لكي ترمم الجسور مع واشنطن وربما أن تؤخر نتائج توقيع محتمل للاتفاق النووي إذا ما حصل. إذاً، التقارب على الرغم من الجفاء الماضي ممكن، ولكن الأسئلة تبقى على الطاولة. هل مقاربة فريق بايدن هي استراتيجية وخيار حقيقي بوجه إيران، أم تحرك تكتيكي لحماية وثبة آتية للتوقيع مع إيران؟

وفي المقابل، هل لأعضاء التحالف ثقة بالمقاربة الأميركية الجديدة، أم أنهم يتبعون البراغماتية الدبلوماسية، ويستفيدون من نتائجها الآنية؟ وأخيراً، ما قدرة اللوبي الإيراني على تعطيل تقارب كهذا؟

سنرى.

نقلا عن اندبندنت عربية