تابعت فى الفترة بين الخامس والتاسع من يونيو الحالى، اجتماعات مجلس محافظى الوكالة الدولية للطاقة الذرية من داخل مقرها فى فيينا. كانت أجندة الاجتماع متخمة بالموضوعات المثيرة، وعلى رأسها الملف النووى الإيرانى، الذى كان يشغل بندين على جدول الأعمال، هما: التحقق والرصد فى إيران، واتفاقية ضمانات معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية مع إيران.
من خلال متابعة المداولات التى جرت فى اجتماعات مجلس المحافظين، يستطيع المراقب أن يلحظ دون عناء أن الغرب ممثلا فى الولايات المتحدة ومجموعة الدول الأوروبية المعروفة باسم E3 (بريطانيا، فرنسا، ألمانيا) صارت لا تضع الملف النووى الإيرانى على رأس بنك الأهداف التى تريد تصفيتها خلال المرحلة الراهنة، وأن مجهودها الرئيسى ينصب على مواجهة روسيا التى تخوض قتالا شرسا ضد أوكرانيا المدعومة من الغرب، الذى يرى أنه لن ينتصر على موسكو إلا بعزلها دوليا، خصوصا عن «الدول المارقة» المناوئة للغرب.
لذلك فإن هذه الحرب أجبرت الولايات المتحدة وحلفاءها الأوروبيين على تأجيل التصعيد ضد الملف النووى الإيرانى، حتى لا تجعل الإيرانيين يندفعون أكثر فى اتجاه روسيا التى تحتاج دعمهم، خصوصا فيما يتعلق بتزويدها بـ«الدرونز» الإيرانية التى أثبتت فعاليتها على المسرح الأوكرانى.. فى ظل تواتر تقارير تؤكد أن روسيا تعرض على إيران تعاونا دفاعيا غير مسبوق، وفى هذا السياق أعلنت إيران الشهر الماضى أنها انتهت من صفقة لشراء طائرات مقاتلة من طراز Suــ35 من روسيا.
لتعميق هذه الشراكة الدفاعية بين طهران وموسكو، بدا أن الأخيرة تريد الدفع مقدما لطهران سياسيا قبل أن يكون نقديا فى المنظمات الدولية؛ ففى الدقائق الأولى لاجتماع مجلس محافظى الوكالة الدولية للطاقة الذرية قال ميخائيل أوليانوف، مندوب روسيا الدائم لدى منظمات الأمم المتحدة فى فيينا للصحفيين: «إذا تقدم الغرب بمشروع قرار يدين إيران لعدم تعاونها مع الوكالة ستتصدى له روسيا».
واعتبر المندوب الروسى أن الغرب بتجميده الاتفاق النووى الموقع فى سنة 2015 هو الذى تسبب فى وجود فجوة فى معرفة الوكالة لحقيقة ما جرى داخل المنشآت النووية الإيرانية، بعد أن أوقفت طهران عمل كاميرات المراقبة كرد فعل على انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق سنة 2018، إلى أن أعادت تركيبها اعتبارا من مارس الماضى.
الغرب الذى لا يرى أولوية لديه مرحليا إلا هزيمة روسيا لم يمنح أوليانوف فرصة الدفع السياسى مقدما لطهران، فعلى الرغم من توافر معطيات قوية تبرر للولايات المتحدة وحلفائها إدانة إيران لعدم تعاونها مع الوكالة إلا أن دولة غربية واحدة لم تتقدم بمشروع قرار يدين طهران، من بين هذه المعطيات إعلان رفائيل جروسى، المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية فى افتتاح اجتماعات مجلس محافظى الوكالة أن المخزون الإيرانى من اليورانيوم المخصب ارتفع بأكثر من الربع منذ فبراير الماضى فقط، بما فى ذلك اليورانيوم المخصب بدرجة 20٪ والذى اقترب مخزونه من نصف طن، وكذلك مخزونها من اليورانيوم عالى التخصيب بنسبة 60٪ والذى وصل إجماليه 116 كيلوجراما، وهو ما يعنى أن إيران إذا أرادت صنع قنبلة نووية لن يفصلها عن ذلك إلا أسابيع قليلة، بحسب الكثير من الخبراء.
رغم ذلك انتهت البيانات الرسمية الغربية داعية للحلول السلمية، مع حض إيران على التعاون مع الوكالة، فقال البيان البريطانى الفرنسى الألمانى المشترك: «لا نرى أى تغيير جوهرى فى سلوك إيران، وأن تقرير المدير العام للوكالة يوضح أن إيران تواصل السير فى طريقها لتصعيد نووى كبير»، لكنه انتهى بالقول: «لا نزال ملتزمين باتخاذ كل خطوة دبلوماسية لمنع إيران من تطوير أسلحة نووية».
على ذات نهج المناشدة جاء البيان الذى ألقته المندوبة الأمريكية لورا هولجيت، قائلا: «إن إنتاج إيران لليورانيوم المخصب بنسبة تصل إلى 60% ليس له أغراض سلمية موثوقة، وندعوها مرة أخرى إلى إنهاء هذا النشاط المقلق للغاية».
نقلا عن الشروق