استحقاقات مؤجلة:
نتائج جولة الرئيس بايدن في الشرق الأوسط

استحقاقات مؤجلة:

نتائج جولة الرئيس بايدن في الشرق الأوسط



اختتم الرئيس الأمريكي جو بايدن أول جولة له في منطقة الشرق الأوسط استمرت لمدة أربعة أيام بعد ثمانية عشر شهراً من أدائه اليمين الدستورية في ٢٠ يناير ٢٠٢١، شهدت تراجعاً في اهتمام الولايات المتحدة الأمريكية بالمنطقة، بالتوازي مع العمل على فض الاشتباك مع قضاياها وأزماتها المتعددة. وعلى الرغم من أن تلك الجولة كانت مدفوعة بتداعيات الحرب الروسية-الأوكرانية، التي تقترب من تجاوز شهرها الخامس، على الداخل الأمريكي، خاصة فيما يتعلق بارتفاع أسعار النفط، الذي تسبب في وصول أسعار البنزين إلى ٥ دولار للجالون وارتفاع معدل التضخم إلى ٩,١٪، وهو مستوى غير معهود منذ أربعة عقود، قبل انتخابات التجديد النصفي للكونجرس، فإن بعض الملفات التي تقدمت أجندة الرئيس الأمريكي لم تشهد نتائج إيجابية ملموسة، فضلاً عن إغفالها ملفات أخرى من شأنها التأثير على مستقبل الدور الأمريكي في الشرق الأوسط، وهو ما عرَّضه لمزيد من الانتقادات الشديدة ليس من معارضيه الجمهوريين فقط، ولكن من داخل الحزب الديمقراطي أيضاً.

غياب الحسم

عكست جولة الرئيس بايدن في المنطقة بعض التغيير في السياسة الأمريكية تجاه أزماتها، على نحو بدا جلياً في تقديم تعهدات أمنية وسياسية لكسب ثقة بعض الحلفاء، بعد الخطوات التي اتخذتها واشنطن في الفترة الماضية، وفي مقدمتها الانسحاب العسكري من أفغانستان في ٣١ أغسطس الماضي. ومع ذلك، فإن اتجاهات مختلفة وجّهت انتقادات إلى النتائج التي حققتها الجولة، وذلك لاعتبارات عديدة يتمثل أبرزها في:

1- عدم تأثر الداخل الأمريكي بتداعيات الجولة: كان لافتاً أن الإدارة الأمريكية حرصت على الربط بين الجولة وبين أزمة الطاقة التي تصاعدت حدتها على المستويين الدولي والأمريكي. إلا أن الجولة انتهت دون أن يكون هناك تأثير مباشر، أو على الأقل دون أن تظهر مؤشرات توحي بأنها سوف تساهم، خلال المرحلة القادمة، في تقليص حدة تلك الأزمة، خاصة على الصعيد الداخلي.

2- إغفال العديد من أزمات المنطقة: لم تحظ العديد من الأزمات والصراعات باهتمام خاص من جانب الإدارة الأمريكية، خلال جولة الرئيس بايدن، رغم التهديدات التي تفرضها تلك الأزمات والصراعات على استقرار المنطقة، لا سيما مع تحول العديد من الدول التي تشهدها إلى دول فاشلة فاقدة للسيطرة على أراضيها، على نحو وفر ملاذاً آمناً للعديد من التنظيمات الإرهابية. وفي المقابل، لم تهتم الإدارة إلا بالقضايا التي لها ارتباطات بأجندة الناخب الأمريكي قبل انتخابات التجديد النصفي للكونجرس، أو القضايا المتعلقة بتداعيات الحرب الروسية-الأوكرانية على الحلفاء الأوروبيين. ومن هنا، كان لافتاً أن واشنطن لم تبد اهتماماً ملحوظاً بالأزمتين السورية والليبية، اللتين تشهدان تعثراً في أفق الحل السياسي وأدواراً لقوى دولية وإقليمية متعددة، بعد تراجع الدور الأمريكي فيهما خلال السنوات الأخيرة.

3- استمرار جمود عملية السلام: ركز الرئيس بايدن أكثر من مرة على السياسة التي اتبعها الرئيس السابق دونالد ترامب تجاه الفلسطينيين وعملية السلام الفلسطينية-الإسرائيلية، خاصة فيما يتعلق بـ”تخليه” عن خيار حل الدولتين، الذي حكم السياسة الأمريكية لعقود. ومع ذلك، وفي رؤية تلك الاتجاهات، فإن الرئيس الأمريكي، خلال جولته في المنطقة، لم يغير كثيراً من سياسات الإدارة الجمهورية السابقة، والإجراءات التي اتخذتها إزاء الفلسطينيين مثل إغلاق القنصلية الأمريكية في القدس الشرقية. وكذلك لم تنجح الجولة في تحسين صورة الولايات المتحدة الأمريكية في الضفة الغربية وقطاع غزة، مع تراجع آمال الفلسطينيين في إقامة دولة مستقلة. وقد اكتفى الرئيس الأمريكي بتقديم المساعدات الإنمائية، مثل تعهده بمبلغ ١٠٠ مليون دولار لتمويل المستشفيات الفلسطينية. لكن دعم واشنطن ما زال متواضعاً لمواجهة التحديات الداخلية الفلسطينية.

4- عقبات مواجهة النفوذين الصيني والروسي: تعهد الرئيس الأمريكي خلال الجولة بأن الولايات المتحدة الأمريكية لن تغادر منطقة الشرق الأوسط وتترك فراغاً تملأه الصين أو روسيا أو إيران. إلا أن التحولات الملحوظة في السياسة الأمريكية خلال الفترة الماضية، فضلاً عن العلاقات التي تربط بعض دول المنطقة بكل من الصين وروسيا، اللتين عملتا على تعزيز نفوذهما وشراكاتهما في المنطقة خلال الفترة التي شهدت تراجعاً في مستوى الاهتمام الأمريكي بقضاياها وأزماتها لصالح التركيز على آسيا وقضايا الداخل الأمريكي، تكشف عن أن هناك حدوداً لفاعلية الاستراتيجية التي تتبعها الولايات المتحدة الأمريكية لمواجهة تزايد دور الصين وروسيا في المنطقة، ولا سيما مع تبني الدول العربية سياسات تقوم على توسيع نطاق الخيارات المتاحة أمامها على المستوى الدولي وتأسيس علاقات متوازنة مع القوى الكبرى في النظام الدولي، بالتوازي مع إشارة اتجاهات عديدة إلى أن العودة الأمريكية للمنطقة ربما تكون مرحلية في ظل المتغيرات الدولية والأمريكية الداخلية الراهنة.

5- التباين الأمريكي-الإسرائيلي حول إيران: لم ينه “إعلان القدس للشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وإسرائيل” الذي وقعه الرئيس الأمريكي جو بايدن مع رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد، في ١٤ يوليو الجاري، والذي ينص على التزام الولايات المتحدة الأمريكية بعدم السماح لإيران بامتلاك سلاح نووي، حتى لو اضطرت إلى استخدام كافة عناصر قوتها الوطنية لضمان ذلك، الخلاف الإسرائيلي-الأمريكي حول آليات التعامل مع التحدي الذي يفرضه التطور الملحوظ والمستمر في البرنامج النووي الإيراني، حيث قال لابيد صراحة أن “استخدام القوة يجب أن يكون خياراً، لأن الدبلوماسية والمباحثات مع إيران غير كافيتين”، في حين أكد الرئيس بايدن مجدداً على أن “الإدارة الأمريكية لا تزال تريد إعطاء الدبلوماسية فرصة رغم تعثرها خلال الأشهر الماضية لتعنت الجانب الإيراني في مطالبه”، واصفاً استخدام القوة بأنه “الملاذ الأخير” للتعامل مع المساعي الإيرانية لامتلاك قدرات نووية غير سلمية.

تحديات قوية

على الرغم من استغلال الرئيس بايدن جولته الأولى في منطقة الشرق الأوسط للتأكيد على نفوذ الولايات المتحدة الأمريكية فيها، والتعاون مع دولها الرئيسية في مجالات جديدة غير تقليدية على غرار التكنولوجيا وتغير المناخ والطاقة المتجددة، إلا أن النتائج التي حققها لم تكن، في رؤية اتجاهات مختلفة، على مستوى التكهنات التي راجت قبل إجراء الجولة، على نحو يكشف عن عمق التحديات التي تواجهها الإدارة الأمريكية على المستويين الخارجي والداخلي. إذ لن تعزز هذه النتائج من الشعبية المتراجعة للرئيس، ولا القدرة على إحداث تحول سريع في الأزمات الداخلية التي تهدد فرص الديمقراطيين في الحفاظ على أغلبيتهم الهشة بمجلسى الشيوخ والنواب في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس. فضلاً عن أن الجولة كشفت عن التحولات التي تشهدها المنطقة، والتي تطرح دلالة مهمة تتمثل في أن إعادة تشكيل الشرق الأوسط بين عشية وضحاها تواجه عقبات لا تبدو هينة، لا سيما في ظل تزايد نفوذ منافسي الولايات المتحدة الأمريكية (روسيا والصين) في العديد من الملفات والأزمات، وحرصهم على عقد شراكات استراتيجية مع حلفاءها وخصومها في آنٍ واحد.