مَن يضبط كل هذه الفوضى الإقليمية؟ – الحائط العربي
مَن يضبط كل هذه الفوضى الإقليمية؟

مَن يضبط كل هذه الفوضى الإقليمية؟



بالوتيرة التي يستمر فيها التصعيد في الشرق الأوسط، سيكون من العسير إبقاء مسار الأحداث مضبوطاً أو مسيطراً عليه. وهذه إيران تقصف الثلثاء أهدافاً في ثلاث دول بفارق ساعات، من سوريا والعراق إلى باكستان، وباسم “الحق المشروع في الدفاع عن النفس”، مخاطرةً بذلك بدفع المنطقة بكاملها إلى آتون الاضطراب. ولم يتأخّر الردّ الباكستاني قبل أن يتفق البلدان على “خفض التصعيد”.

وبالتوازي مع الضربات الإيرانية، كانت تركيا أيضاً تقصف شمالي العراق وسوريا، وأيضاً باسم “الحق المشروع في الدفاع عن النفس”، وحقّها في الانتقام لمقتل 9 من جنودها في كمين نصبه لهم “حزب العمال الكردستاني”.

وفي غزة، تواصل إسرائيل حربها على “حماس” وسكان القطاع للشهر الرابع، وأيضاً “الحق المشروع في الدفاع عن النفس”، غير عابئة بعشرات آلاف الضحايا بين قتيل وجريح وتشريد 1.9 مليون شخص إلى جنوب القطاع، وسط تفشّي الجوع والأمراض المعدية وانعدام المياه والكهرباء وصعوبة وصول إمدادات الغذاء.

وصورة الشرق الأوسط، تزداد اضطراباً مع هجمات الحوثيين على خطوط الملاحة البحرية في باب المندب “نصرةً لغزة”، في وقت تتعاظم الآثار الاقتصادية لإحجام شركات بحرية كبرى عن سلوك قناة السويس وتفضيل الالتفاف حول رأس الرجاء الصالح، في الطريق من أوروبا إلى آسيا وبالعكس. واستفحل الموقف مع الردّ الأميركي-البريطاني بقصف مواقع حوثية داخل اليمن، فيما ردّ هؤلاء على الردّ، ليدخل الجميع في حلقة مفرغة ودوامة لا خروج منها.

تقود هذه التوترات جميعها إلى رسم مشهد إقليمي بائس، بينما القوى الكبرى وفي مقدّمها الولايات المتحدة، عاجزة عن التعامل مع هذا الوضع المتفجّر، تماماً كما عجزت عن التعامل مع الحرب الروسية-الأوكرانية وحوّلتها إلى صراع مفتوح لا تلوح له نهاية، خارج منطق الحلول العسكرية.

وهكذا يبدو الشرق الأوسط اليوم الذي تحكمه النزعة العسكرية، ولا من يبادر إلى إطفاء الصراعات بواسطة التقدّم بمبادرات أو تسويات تُخرج المنطقة من عنق الحروب.

لا بل أنّ التوقعات كلها تبدو كئيبة وتتوقع الانزلاق إلى السيناريوات الأسوأ، كأن يشتعل لهيب إقليمي واسع، لا يُبقي ولا يذر. وهذا بدوره يطرح سؤالاً بديهياً: هل أفلت الزمام من أيدي الولايات المتحدة التي تقود النظام العالمي منذ أكثر من 33 عاماً، بحيث أنّ القوى الإقليمية باتت لها اليد العليا في تقرير مستقبل منطقة كانت أميركا تعتبرها ولا تزال من المصالح الحيوية لأمنها القومي. ما يحدث اليوم لا يؤشر إلى أنّ مستوى الجهود الأميركية المبذولة، يرتقي إلى مستوى التحدّيات. هناك فوضى إقليمية عارمة من الممكن أن ترتد سلباً على واشنطن.

وحتى ولو كانت الولايات المتحدة في سنة انتخابية، فذلك لا يبرّر عدم مبادرة الرئيس جو بايدن إلى التحرّك من أجل وقف الحرب في غزة، بما ينعكس تهدئة على جبهات لبنان وسوريا والعراق واليمن، فينخفض التصعيد مقدّمة لطرح تسوية للنزاع الفلسطيني-الإسرائيلي.

الفوضى الإقليمية سيتسلّل عبرها “داعش” ويعود ليطلّ برأسه مجدداً، لأنّ القوى التي هزمت التنظيم الإرهابي، منشغلة الآن في محاربة بعضها البعض. الحشد الشعبي يقاتل أميركا وأميركا تردّ عليه، وأزمة بين العراق وإيران بعد القصف على أربيل، وتوتر بين باكستان وإيران. إنّه الوضع المثالي لعودة “داعش” الذي ضرب في كرمان الإيرانية أوائل الشهر الجاري، في ظلّ جرأة أكثر على مهاجمة قوافل الجيش السوري في البادية.

إذا لم تتنبّه أميركا سريعاً إلى خطورة الوضع الناشئ في الشرق الأوسط اليوم، فإنّ الأحداث تمضي في اتجاه يصعب التكهن بما سيجرّه من ويلات أخرى.

وقبل كل شيء، يجب البدء من النقطة الأكثر سخونة. أي من غزة التي من دون وقف الحرب الإسرائيلية عليها، فإنّ كل جهود احتواء التوترات الأخرى، لن تصادف أي حظ من النجاح.

نقلا عن النهار العربي