القوة القاهرة:
موقف حكومة الدبيبة من خطة احتواء الأزمة الليبية

القوة القاهرة:

موقف حكومة الدبيبة من خطة احتواء الأزمة الليبية



يُعارض رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبدالحميد الدبيبة المسار المقترح حالياً لمعالجة الانسداد السياسي الليبي في إطار الحراك الأخير الذي يقوده رئيسا مجلسى النواب عقيلة صالح والأعلى للدولة خالد المشري.

وفي حين لم يُظهِر الدبيبة معارضة لمقترح الوثيقة الدستورية للانتخابات، التي سيجري التصويت عليها خلال الأسبوع المقبل في المجلس الأعلى للدولة، والتي قد تسفر عن حسم الخلاف الدستوري، لا سيما إذا ما تم الانتهاء من حل إشكالية مزدوجي الجنسية وترشح العسكريين، في ضوء اقتراح طرحهما للاستفتاء الشعبي للخروج من هذا المأزق؛ فإنه يعارض بشكل واضح التخلي عن السلطة لصالح حكومة موحدة ضمن خريطة الطريق التي يتبناها صالح والمشري.

إحكام السيطرة

تعكس التطورات السياسية والأمنية في طرابلس مساعي الدبيبة لإحكام السيطرة على العاصمة بالقوة، حيث تجري حكومة الوحدة العديد من الاجتماعات الأمنية ما بين عسكريين وقادة فصائل مسلحة، تحت عنوان “إطلاق الخطة الأمنية لفرض الأمن في العاصمة”، إضافة لتطور آخر هو عقد اجتماع بشأن الترتيبات المالية للعام الجديد 2023، ضم رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، والدبيبة، ورئيس المصرف المركزي الصديق الكبير، ورئيس ديوان المحاسبة خالد شكشك، وعدداً من المسئولين في تلك الجهات، حيث لم يقر البرلمان خطة موازنة في ضوء إقالة الحكومة، وبالتالي تراهن تلك الأطراف على تسيير الوضع المالي للحكومة لعام إضافي.

وتحمل مشاركة المنفي في هذا الاجتماع مؤشراً خاصاً بموقفه من تلك التطورات، لا سيما وأنه شارك في اجتماع بالقاهرة الأسبوع الماضي مع المشير خليفة حفتر القائد العام للجيش الليبي كشفت تقارير إعلامية أنه ناقش خطة بديلة في حال فشل مسار صالح-المشري بشأن الإطار الدستوري الجديد.

على هذا النحو، من المتصور أن مقترح رسم خريطة طريق تتضمن تشكيل حكومة جديدة قد يتراجع أمام “القوة القاهرة” التي تشكلها حكومة الدبيبة التي تسيطر على السلطة في الغرب، خاصة وأنه لن يكون هناك ضغط بالقوة العسكرية على تلك الحكومة من جانب القيادة العامة.

فوفقاً لمخرجات لقاء القاهرة بين المنفي وحفتر، يبدو أن هناك تركيزاً على إنجاز الإطار الدستوري للانتخابات كخطوة أولى في كل الأحوال، إضافة لمحاولة دفع بنود وقف إطلاق النار العالقة من أجل تقويض دور الفصائل المسلحة في العملية السياسية من خلال إطلاق برنامج لدمج البعض منها في القوات المسلحة، وإطلاق مبادرة لجمع السلاح بهدف احتكار الدولة للقوة، وهي البنود التي تشكل التحدي الرئيسي أمام إنجاز أي عملية سياسية.

وعلى الرغم من تأييد رئيس المجلس الأعلى للدولة لرسم خريطة طريق تتضمن تشكيل حكومة جديدة، إلا أن مستوى التأييد قد لا يكون بنفس موقف رئيس مجلس النواب الذي يبدو أكثر إصراراً على تلك الخطوة، حيث قال المشري في تصريحات إعلامية إنه مع تشكيل حكومة “إن تعذر” إجراء الانتخابات في ظل ظروف الانقسام السياسي. لكنه أشار في الوقت ذاته إلى التحدي الذي يشكله الدبيبة، حيث قال أنه “سيقاتل وسيدفع المليارات لعدم إنجاح تلك الخطوات بشكل عام”، ويؤخذ في الاعتبار في هذا السياق أن المشري سبق واتهم الدبيبة بعرقلة انعقاد جلسة لمجلس الدولة في نوفمبر الماضي، ومن المحتمل تكرار الخطوة ذاتها.

ويتهم العديد من المسئولين، ومنهم أعضاء في مجلس النواب، رئيس حكومة الوحدة بأنه كان أحد الأطراف التي شكلت “القوة القاهرة” أمام الانتخابات التي كان من المفترض إجراؤها في ديسمبر 2021. كما ألمحت المبعوثة الأممية الخاصة إلى ليبيا ستيفاني وليامز إلى أنه خالف شروط مقررات جنيف، حيث كان قد جرى الاتفاق على عدم ترشح من يتولى السلطة التنفيذية، وهي الاتهامات التي يرفضها الدبيبة.

محاور رئيسية

ربما يكون لدى الدبيبة فرصة لإعاقة طرح تشكيل سلطة جديدة اعتماداً على محاور رئيسية خمسة، هي:

1- رفض القوى الدولية للتغيير الحكومي: لا يوجد تأييد خارجي من جانب القوى الدولية المنخرطة في الساحة الليبية لهذه المقاربة، حيث تتواصل تلك القوى مع الدبيبة بشكل مستمر، وترى بشكل رئيسي أن الهدف المرحلي هو إنجاز القاعدة الدستورية، والوصول إلى الانتخابات بدون تغيير حكومي، بناءً على تصور أن الإجراءات الخاصة بتشكيل سلطة جديدة ستطيل أمد الفترة الزمنية، وتهدد العملية الانتخابية ذاتها. ويستفيد الدبيبة من هذه الفرصة في تقديم نفسه كطرف قادر على تحقيق مصالح تلك الأطراف، على نحو ما جرى في عملية تسليم أبو عجيلة مسعود أحد أركان منظومة استخبارات النظام السابق للولايات المتحدة.

2- اهتمام البعثة الأممية بحل الأزمة الدستورية: تكتفي البعثة الأممية لدى ليبيا بتأييد حل الأزمة الدستورية للوصول إلى الانتخابات، كما أن البعثة على تواصل مع الدبيبة شأن الأطراف الأخرى، ويبدو أنها لا تمتلك خطة واضحة الملامح أو رؤية حاسمة في هذا الشأن، ولا تزال تتعامل مع الأمور في سياق رد الفعل على التطورات الجارية ما بين الأطراف الفاعلة في المشهد.

3- استمرار السيطرة على العاصمة: وهي نقطة جوهرية يهدف من خلالها الدبيبة إلى الضغط على كافة الأطراف، وسبق وجرى اختبار هذه المسألة في أغسطس 2022 عندما أفشل محاولة غريمه فتحي باشأغا –رئيس الحكومة المعينة من البرلمان- وحلفائه في طرابلس الإطاحة بحكومته. ولا يعتقد أن إيجاد بديل جديد لحكومة خارج العاصمة سيكون واقعياً، وتجربة سرت التي تتواجد بها حكومة باشأغا حاكمة في اختبار هذه الفرضية.

4- التحالف مع الفصائل المسلحة: يشرف المكون العسكري في غرب ليبيا حالياً على خطة تأمين العاصمة، ومن الصعوبة بمكان تغيير موقف الفصائل المسلحة من دون ظهور شخصية بديلة تحقق لها المصلحة ذاتها، ولا يعتقد أن هناك منافساً للدبيبة في هذه النقطة، كما أن أي رئيس حكومة جديد لن يسعى في الاتجاه نفسه لكسب ولاء الفصائل المسلحة بالأموال.

5- ضعف الجبهة السياسية المضادة: على الرغم من التقارب ما بين صالح والمشري، إلا أن تلك الجبهة ليست قوية بالقدر الكافي لإزاحة الدبيبة من المشهد، بالإضافة إلى أن السوابق ما بين الطرفين تُشير إلى غياب الثقة الكافية لتبني اتجاه سياسي واحد على طول الخط، بل إن المشري نفسه سبق أن ألمح إلى عدم الثقة المتبادل بينه وبين صالح.

لكن في الوقت ذاته، قد تنطوي تلك الفرص على بعض التحديات التي قد يواجهها الدبيبة. فكما لا تريد الأطراف الدولية تأزيم الوضع الأمني والحفاظ على حالة وقف إطلاق النار، فإنها في الوقت ذاته لن تؤيد استخدام الدبيبة للقوة. والعامل الآخر يتعلق بغياب الضمانات الخاصة بتسريع العملية الانتخابية التي تتعارض مع مصالح الدبيبة، ففي حال لو دعمت تلك الأطراف بقاء الدبيبة بهدف تقصير مدة الوصول إلى الانتخابات فستكون النتيجة واحدة في الأخير.

توافق مشروط

في الأخير، من المتصور أن الفيتو الذي تفرضه حكومة الدبيبة بشكل صريح على رسم خريطة طريق جديدة للانتخابات يشكل “قوة قاهرة” أمام تحقيق اختراق في إطار الحراك السياسي الراهن. ومن دون توافق متوازن داخلياً وخارجياً على الخطوات المقبلة لإنهاء الأزمة فسيبقى الوضع على ما هو عليه. ومع ذلك، فإن إنجاز خطوة الوثيقة الدستورية قد يفتح الباب أمام إزاحة عقبة رئيسية في مسار الانسداد الحالي، لكن ستبقى العقبة الأخرى المتمثلة في تحدي تنفيذ العملية الانتخابية في ظل الأوضاع الحالية.