جلسة استماع:
“موقع الدول العربية من صياغة المؤشرات العالمية ومعضلة الإنذار المبكر”

جلسة استماع:

“موقع الدول العربية من صياغة المؤشرات العالمية ومعضلة الإنذار المبكر”



نظم مركز “العالم العربي للأبحاث والدراسات المتقدمة”، بالقاهرة، بتاريخ 23 نوفمبر 2021، حلقة نقاشية عن “موقع الدول العربية من صياغة المؤشرات العالمية من جانب المؤسسات والمنظمات الدولية ومعضلة الإنذار المبكر في التعاطي مع الأزمات العالمية”. واستضاف المركز السفير عمرو حلمي كمتحدث رئيسي في الجلسة، بجانب مشاركة عدد من الخبراء والباحثين المتخصصين في مجالات مختلفة، وهم: الدكتور محمد عز العرب، والدكتور محمد عباس ناجي، والأستاذ أحمد عليبة، والأستاذ محمد بسيوني.

الصدمات التاريخية

استهل السفير عمرو حلمي الحلقة بالتأكيد على أنه توجد مشكلة في عملية استشراف المستقبل والتحديات التي تواجهها الدول، وبالرغم من التقارير التي تحاول استشراف التحديات المستقبلية والتي تصدرها مجموعة من أجهزة الأمم المتحدة ومؤسسات التمويل الدولية، وعدد من منظمات المجتمع المدني، ومراكز الأبحاث، وبعض الأجهزة والمنظمات الاقتصادية؛ فقد جاءت أزمة فيروس كورونا المستجد لتثبت مجدداً أن العالم لا يزال يفتقر إلى الأجهزة اللازمة للإنذار المبكر، وإلى الآليات القادرة على توقع مختلف التحديات العالمية.

في هذا الإطار، أشار السفير حلمي إلى أن الإخفاق في توقع صدمة كورونا يتشابه مع صدمات مماثلة سبق أن تعرض لها العالم، ومنها -على سبيل المثال- الأزمة التي تعرضت لها الدول الآسيوية عام 1997، والتي قبلها خرجت العديد من المؤسسات الدولية لتشيد باقتصاديات الدول الآسيوية، وذلك على غرار التقرير الصادر عن البنك الدولي عام 1993 تحت عنوان “المعجزة الاقتصادية في دول شرق آسيا”، ومن ثمّ بدت المؤسسات الدولية عاجزة عن توقع الأزمة التي تعرضت لها الدول الآسيوية.

وبالرغم من التحرك الذي قام به صندوق النقد الدولي عقب تفجر الأزمة المالية الآسيوية من أجل إقامة نظام للإنذار المبكر، فقد تفجرت الأزمة المالية العالمية في الولايات المتحدة عام 2008، والتي سرعان ما انتقلت إلى أوروبا وإلى مختلف دول العالم لتنتج أزمة مالية هي الأكبر التي يشهدها العالم منذ “الكساد الكبير” في عقد الثلاثينيات من القرن الماضي.

إشكاليات رئيسية

أوضح السفير عمرو حلمي أن عملية الإنذار المبكر في مواجهة الأزمات العالمية تستدعي عدداً من الإشكاليات الرئيسية المتمثلة فيما يلي:

1- يبدو أن العالم ليست لديه أجهزة إنذار مبكر كافية، ناهيك عن افتقار الأجهزة الموجودة إلى الكفاءة المطلوبة لمواجهة الأزمات واستشراف التحديات المختلفة التي تواجهها الدول، وهو الأمر الذي يسري على أجهزة الأمم المتحدة المختلفة، ومؤسسات التمويل الدولية، وكذلك منظمات المجتمع المدني الدولي.

2- تعاني المؤشرات والتقارير الصادرة عن المؤسسات والمنظمات الدولية من مشكلات حقيقية، وهو أمر يؤثر على إمكانية التنبؤ بالأزمات والاستعداد لها. وفي هذا السياق، يمكن القول إن أدوات التقييم لدى هذه المؤسسات والمنظمات تنطوي على أخطاء جسيمة تؤثر على مصداقيتها، وتفضي إلى التشكك في التقارير والتقييمات الصادرة عنها. ولا يمكن إغفال أن هذه الأخطاء أفضت إلى تزايد وتيرة الانتقادات الموضوعية التي وُجهت إلى العديد من التقارير الصادرة عن المؤسسات الدولية، ولذا قام -على سبيل المثال- البنك الدولي في أغسطس 2021، بتعليق إصدار تقريره السنوي doing business بعد أن ثبت وجود عدد من المخالفات في البيانات التي قامت عليها عملية تصنيف وترتيب الدول.

وأضاف السفير “حلمي” أن تقارير مجموعة البنك الدولي كانت قد تعرضت لانتقادات حادة طوال الأعوام الثلاثة الماضية، خاصة بعد قيام “بول رومر” -كبير الاقتصاديين بالبنك- بتقديم استقالته، وتصريحه بأن عدداً من التقارير والتقديرات التي يُصدرها البنك تنقصها الدقة والموضوعية. كما تواجه المؤسسات والمنظمات الدولية الأخرى مثل هذه الانتقادات وذلك على غرار برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، حيث يتضمن تقريره الأشهر عن التنمية البشرية مفارقات غير منطقية، علاوة على تعارض بعض استنتاجات التقرير مع مؤشر المعرفة العالمي الصادر عن البرنامج أيضاً.

3- عقدت بعض الاستراتيجيات الاقتصادية التي تبنتها المؤسسات الدولية من عملية الإنذار المبكر، لا سيما أن هذه الاستراتيجيات أدت إلى تعميق الأزمات التي تواجهها الدول، ولعل هذا ما اتضح -على سبيل المثال- مع تطبيق صندوق النقد الدولي ما يعرف باستراتيجية توافق واشنطن للتنمية، والتي تعتمد على التوسع في عملية التحرر الاقتصادي، والإسراع بالخصخصة، وإزالة كافة القيود على التدفقات المالية والاستثمارية. ومع ذلك، كان لتسرع الصندوق في تبني تطبيق هذه الاستراتيجية مجموعة من الآثار الكارثية في العديد من دول أمريكا اللاتينية بعضها لا يزال يعاني من تبعاتها حتى الآن، إلى أن قام الصندوق، خاصة بعد عام 2011، بتعديل بعض سياساته لتأخذ في الاعتبار مقتضيات تحقيق التوازن الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي والسياسي.

وخلص السفير حلمي إلى أن النظام العالمي بحاجة ماسة لتطوير آليات الإنذار المبكر لمواجهة أي تحديات مستقبلية، وخصوصاً مع التكاليف الهائلة التي نجمت عن أزمة فيروس كورونا المستجد، كما يتطلب الأمر تطوير أدوات التقييم والمؤشرات الصادرة عن المؤسسات والمنظمات الدولية لتلافي المشكلات التي تنعكس سلباً على مصداقيتها، ولحين تطوير هذه الأدوات يتعين على الباحثين والمختصين التعامل مع التقارير الدولية بدرجة من التدقيق والتفكير النقدي وعدم أخذها كمسلمات.

الانحيازات السياسية

وأكد السفير حلمي أن عدداً من الجهات والمنظمات الدولية التي تضع مؤشرات لترتيب الدول فيما يخص حكم وسيادة القانون وترسخ الديمقراطية وتنافسية الاقتصاد، يغلب عليها الانحيازات السياسية، على نحو ما ينعكس في وجود دول تعاني من هشاشة سياسية وأزمات اقتصادية حادة قبل دول أخرى تتمتع باستقرار نسبي ولديها قدرة على التعامل مع المشكلات الاقتصادية حتى في ظل أزمات فجائية مثل (كوفيد-19). علاوة على استبعاد ترتيب دول بعينها من مؤشر محدد، دون توضيح لذلك من الجهة والهيئة التحريرية للمؤشر، وهو ما لا يتسم بالعلمية في وضع المؤشرات الإمبريقية.

وأوضح السفير حلمي أنه في الكثير من الأحيان يتم تسييس المؤشرات الدولية عن أوضاع المنطقة العربية فيما يخص حقوق الإنسان والديمقراطية، على الرغم من التراجع في الممارسات الديمقراطية في أكثر دول العالم تقدماً وفي غيرها أيضاً، مؤكداً أن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي يدخل في إطارها العدوان والاحتلال، والتطهير العرقي، والجرائم ضد الإنسانية، والإبادة الجماعية، واستخدام المرتزقة، وتمويل الإرهاب، وكافة صور انتهاكات القانون الدولي المعني بحقوق الإنسان؛ لا تحظى عند تلك الدول بنفس درجة أهمية الحالات الفردية لانتهاكات حقوق الإنسان المعنية بالاحتجاز التعسفي وسجناء الرأي، وحرية التعبير، وحق التظاهر السلمي، والقيود المفروضة على منظمات المجتمع المدني.