تورط "داعش":
من يقف وراء الهجمات على الجيش السوري في البادية؟

تورط "داعش":

من يقف وراء الهجمات على الجيش السوري في البادية؟



تعرض الجيش السوري لهجوم مسلح في بادية تدمر بريف حمص الشرقي (6 مارس 2022)، أسفر عن مقتل 13 عسكرياً وإصابة 18 آخرين بحسب ما أعلنته وكالة الأنباء السورية الرسمية. ويأتي الهجوم ضمن سلسلة هجمات يتعرض لها الجيش السوري في منطقة البادية التي تقع بين عدد من المحافظات السورية باتجاه وسط سوريا. وعلى الرغم من اتجاه الاتهامات لتنظيم “داعش” بالوقوف وراء هذا الهجوم على الجيش السوري؛ إلا أن التنظيم لم يُعلن رغم انقضاء بضعة أيام على توقيت الهجوم، مسؤوليته، مما يثير علامات استفهام حول حدود تورط التنظيم، وعن عدم إعلانه عن هذا الهجوم وغيره من الهجمات في تلك المنطقة.

بيانات متضاربة

يُصنف الهجوم الأخير على حافلة مبيت لقوات الجيش السوري، كانت متواجدة في مواقع النظام السوري عند محطة T2 في عمق البادية السورية شرقي حمص، بأنه الأعنف، من ناحية عدد القتلى والمصابين، مقارنة بالهجمات على قوات الجيش السوري منذ بداية العام الجاري وخلال النصف الثاني من العام الماضي. وسبق الهجوم على الحافلة، وتحديداً في يوم (4 مارس 2022)، هجوم على سيارة عسكرية كانت تقل ثلاثة من قوات الجيش السوري، شرقي تدمر بريف حمص الشرقي، وفقاً للمرصد السوري لحقوق الإنسان.

ولم تتوقف العمليات التي تستهدف قوات الجيش السوري، وبالأخص في منطقة البادية التي تمتد بين جنوب الرقة وريف حماة الشرقي وريف حمص الشرقي وريف دير الزور وجنوب شرق حلب. وتشير أصابع الاتهام لتنظيم “داعش” بتورطه في تلك الهجمات، إذ إنه يتخذ من هذه المنطقة الكبيرة من ناحية المساحة، نقطة ارتكاز لترتيب صفوفه منذ طرد عناصره عقب معركة الباغوز في 2019، خاصة وأن تلك المنطقة يصعب إحكام السيطرة عليها بالكلية، رغم أنها تخضع لسيطرة النظام السوري.

وخلال الأشهر الثلاثة الماضية (ديسمبر 2021، ويناير وفبراير 2022)، نُسبت عمليات لتنظيم “داعش” في منطقة البادية السورية، أغلبها ارتبط بهجمات متنوعة على قوات الجيش السوري، وفقاً لبيانات مشروع مكافحة التطرف “counter extremism project”، كما يوضح المخطط التالي:

ويُظهر المخطط السابق عدد العمليات المنسوبة لتنظيم “داعش” موزعة على خمس محافظات رئيسية في سوريا، وهي: حمص، ودير الزور، والرقة، وحماة، وحلب، وتحديداً المناطق من تلك المحافظات التي تقع تحت سيطرة قوات الجيش السوري، وهي في الوقت ذاته جزء من منطقة البادية باتجاه وسط سوريا. ولم يتضمن المخطط إجمالي عدد عمليات تنظيم “داعش” في سوريا، سواء التي أعلن عنها أو المنسوبة له في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية في شمال شرقي سوريا خلال الفترة الزمنية نفسها.

وبالنظر إلى البيانات السابقة، فإن شهر يناير كان الأكبر من حيث عدد العمليات بمعدل 18 عملية، في حين كان شهر فبراير الأقل بمعدل 8 عمليات فقط، وجاء معدل العمليات في شهر ديسمبر بنحو 11 عملية. ووفقاً لمشروع مكافحة التطرف، فإن أغلب العمليات ارتبطت بزراعة الألغام الأرضية، بشكل أساسي ضد قوات النظام السوري أو المليشيات الموالية له، في حين سقط عدد من المدنيين بين قتلى وجرحى بفعل هذه الألغام، وارتبط عدد قليل من العمليات ضد المدنيين في مناطق رعاية الأغنام.

وعلى الرغم من البيانات التي قدمها مشروع مكافحة التطرف بشأن العمليات في البادية السورية ونسبها لتنظيم “داعش”، فإن التنظيم لم يُعلن عن تنفيذ أي عمليات في منطقة البادية السورية خلال الفترة الزمنية نفسها، عقب مراجعة إجمالي عدد عمليات التنظيم في سوريا التي نشرتها وكالة أعماق الموالية لـ”داعش”، وهو ما يتضح من خلال الجدول التالي:

يوضح الجدول عدم إعلان “داعش” أي عمليات ضد قوات الجيش السوري وعمليات محدودة لاستهداف مصالح اقتصادية لبعض شركات النفط المحلية، في حين تركزت أغلب العمليات باتجاه مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية في شمال شرق سوريا، وهنا يمكن الإشارة إلى أنه مع شهر سبتمبر 2021 بدأ في تكثيف العمليات باتجاه مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية مقارنة بتراجع العمليات ضد قوات الجيش السوري والمليشيات الموالية له، عقب مراجعة العمليات التي أعلن عنها عبر وكالة “أعماق”، وهو أيضاً ما أشار إليه مشروع مكافحة التطرف.

ولكن اللافت أن التنظيم أعلن عن تنفيذ عمليتين فقط في شهر نوفمبر2021 لاستهداف قوات الجيش السوري ومليشيا موالية له في البادية، في حين أشار مشروع مكافحة التطرف إلى أن عدد العمليات المنسوبة لـ”داعش” في الشهر نفسه بلغت 12 عملية.

وهنا نحن بصدد حالتين، أولاً: إعلان تنظيم “داعش” عدد عمليات أقل عن تلك المبلغ عنها في منطقة البادية السورية، وثانياً: عدم إعلان التنظيم عن تنفيذ أي عمليات مقارنة بالعمليات المبلغ عنها.

مؤشرات متعددة

ومع حالة التضارب في البيانات التي سبقت الإشارة إليها، يمكن تحديد بعض المؤشرات التي تشير إلى تورط “داعش” في هذه الهجمات في البادية السورية، كالتالي:

1- القيام بهجمات خاطفة: بالنظر إلى طبيعة الهجمات التي تستهدف قوات الجيش السوري في منطقة البادية، فإنها تتنوع بين تكتيك الهجوم المسلح المباشر على أهداف محددة أو استهداف آليات عسكرية عبر ألغام أو عبوات ناسفة خلال تسيير بعض الدوريات في نطاق منطقة البادية التي تخضع لسيطرة النظام السوري، وسط غياب لعمليات على مواقع أو ثكنات تتحصن فيها قوات الجيش السوري، ويتفق ذلك مع تكتيكات تنظيم “داعش” في عمليات الاستهداف في البيئات المماثلة، إذ لا يُقدم التنظيم على تنفيذ عمليات موسعة، في ضوء تحول التنظيم إلى حروب العصابات عقب طرد عناصره من الباغوز عام 2019.

2- استنزاف قوات الجيش: طبيعة الهجمات على قوات الجيش السوري والمليشيات الموالية له، يمكن أن تحدد الهدف منها، والتي تتمثل في عملية استنزاف لهذه القوات ومحاولة تقييد حرية التحرك في منطقة البادية، وفي المقابل يعطي المسؤول عن الهجمات حرية حركة أكبر، وهذا ينطبق على طبيعة تحركات “داعش” في سوريا خلال العامين الماضيين، بالنظر إلى أن المجموعات المسلحة أو المليشيات الأخرى على الساحة السورية تتحرك في عملياتها وهجماتها من منطلق تحقيق قدر أكبر من السيطرة الميدانية، ومع ذلك فإن المعادلة تغيرت منذ عام 2020 في إطار التفاهمات بين تركيا وروسيا فيما يتعلق بخطوط التماس التي بموجبها تحتفظ كل الأطراف على الساحة السورية بمناطق سيطرتها. ويمكن الإشارة إلى إقدام قوات الجيش السوري بالتعاون مع القوات الروسية على تسيير دوريات مستمرة بمنطقة البادية بداية من مطلع العام الجاري لمواجهة تنظيم “داعش”.

3- الاقتراب الجغرافي لنطاق العمليات: بمقارنة نطاق الهجمات على قوات الجيش السوري في البادية السورية، مع عمليات “داعش” التي أعلن عنها عبر وكالة “أعماق” الموالية للتنظيم، فإن الهجمات التي لم يُعلن عنها التنظيم تأتي في نفس النطاق الجغرافي. فعلى سبيل المثال، نفّذ التنظيم هجمات في مدينة تدمر بمحافظة حمص خلال عام 2021، حينما أعلن في يناير 2021 عن تدمير آلية للجيش السوري إثر انفجار عبوة ناسفة فيها شمال شرق مدينة تدمر، كما أعلن في أغسطس 2021 عن إسقاط طائرة مسيرة روسية في ريف حمص، كما نفذ هجمات في بادية السخنة شرقي حمص، وهو النطاق الجغرافي للهجوم الأخير في بادية تدمر بريف حمص الشرقي.

4- غياب مجموعات مسلحة فاعلة: بالنظر إلى توزيع مناطق نفوذ وسيطرة الأطراف المختلفة على الساحة السورية، خلال عام 2021 ومنذ بداية العام الجاري، لم يحدث أي تغير ملحوظ في مناطق السيطرة وخطوط التماس منذ عام 2020، وظلت المساحات التي تخضع لسيطرة كل طرف كما هي، باستثناء بعض الاشتباكات والمناوشات عند خطوط التماس، بما يعني استمرار سيطرة الجيش السوري على منطقة البادية السورية، وغياب أي مجموعات مسلحة تعمل في هذا النطاق، سواء من قوات سوريا الديمقراطية أو أي مجموعة مسلحة محسوبة على المعارضة، بما يعزز أن “داعش” لا يزال ينشط بمفرده في البادية.

تفسيرات محتملة

أمام التضارب في البيانات بشأن عمليات “داعش” في البادية السورية وبعض المؤشرات التي تشير إلى تورط التنظيم في هذه الهجمات على الجيش السوري، يبقى السؤال: ما هي الأسباب المحتملة التي تدفع “داعش” إلى عدم إعلانه عن عملياته بتلك المنطقة؟ ويمكن تحديد بعض الاحتمالات على النحو التالي:

1- لا مركزية في العمليات ميدانياً: يعتمد تنظيم “داعش” في عملياته بسوريا على الخلايا في ضوء اتساع نطاق عملياته جغرافياً الذي يشمل مساحات واسعة دون سيطرة ميدانية، والتي تتنوع بين عمليات في نطاق سيطرة قوات الجيش السوري وأخرى في نطاق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية شمال شرق البلاد. وفي ظل الوضع الراهن للتنظيم في سوريا والعراق، وفقدان السيطرة على نطاق القيادة المركزية للتنظيم؛ فقد أتاح للخلايا قدراً من اللا مركزية العملياتية، في ضوء من تكيف تنظيمي مع المستجدات منذ عام 2019، وربما هذا ينطوي على مشكلة في التواصل بين هذه الخلايا وبعضها بعضاً، وأيضاً بين الخلايا والجناح الإعلامي للتنظيم.

2- صعوبة التأكد من بعض العمليات: بالنظر إلى تكتيك العمليات المستخدم في منطقة البادية، الذي يتنوع بين الهجوم المباشر عن طريق استهداف القوات، وبدرجة أكبر الهجمات باستخدام الألغام أو العبوات الناسفة؛ فإن ثمة احتمالاً يتعلق بعدم تأكد التنظيم من العمليات باستخدام تكتيك العبوات أو الألغام، في ضوء عدم التخطيط لها مقارنة بالاستهداف المباشر، وهنا يمكن الإشارة إلى إمكانية زراعة خلايا التنظيم هذه العبوات أو الألغام في مناطق معينة تحيط بمواقع مهمة يتحصن فيها بشكل عام لمنع أي دوريات تقترب منها، دون أن يكون الاستهداف مخططاً له عن قصد. ويمكن الإشارة في هذا السياق إلى استخدام تنظيم “داعش” هذا التكتيك في بيئات مماثلة مثل منطقة شمال سيناء، وهو ما دفع الجيش السوري بالتنسيق مع القوات الروسية إلى إرسال تعزيزات مدعومة بوحدات لتفكيك تلك العبوات أو الألغام في منطقة البادية بشهر فبراير الماضي.

3- عدم لفت الأنظار مع سقوط مدنيين: ربما يرغب تنظيم “داعش” في عدم لفت الأنظار إليه بإعلان مسؤوليته عن الهجمات في منطقة البادية، بالصورة التي لا تؤدي إلى زيادة تكثيف الجهود لملاحقته في تلك المنطقة، إضافة إلى أن عمليات التنظيم تتسبب في سقوط مدنيين في حالة الألغام والعبوات الناسفة، وفقاً لبيان مشروع مكافحة التطرف، وبالتالي فإن الإعلان عن العمليات ربما يؤدي إلى خسارة التنظيم المجتمع المحلي الذي ينشط فيه. ومن ناحية أخرى فإن بعض العمليات تستهدف المدنيين بغرض الحصول على مواد غذائية أو دعم لوجيستي للحفاظ على استمرار خلايا التنظيم في العمل، هذا على الرغم من إعلان التنظيم عن قتل مدنيين ولكن تحت تبريرات تعاونهم إما مع قوات سوريا الديمقراطية أو الجيش السوري.

4- انتظار الإعلان في صحيفة “النبأ”: قد يكون عدم إعلان التنظيم عن عملياته في البادية، يرتبط جزئياً ببعض الهجمات على قوات الجيش السوري، بانتظار الإعلان عنها في صحيفة “النبأ” الأسبوعية التابعة لـ”داعش”، خاصة إذا كانت العمليات مؤثرة وكبيرة، مقارنة بغيرها من العمليات مثل الهجوم الأخير الذي أسفر عما يزيد على 30 قتيلاً ومصاباً من قوات الجيش السوري. وعلى الرغم من عدم لجوء التنظيم إلى هذا الوضع كثيراً، إلا أنه يظل احتمالاً وارداً، ولكن لا ينطبق على كل العمليات والهجمات.

مكاسب متوقعة

وأخيراً، يبدو أن تنظيم “داعش” رغم رصد عدد من المؤشرات على تورطه في العمليات والهجمات بمنطقة البادية السورية، وتحديداً لاستهداف قوات الجيش السوري والمليشيات الموالية له؛ فإنه لا يرغب في الإعلان عن تلك الأنشطة أو على الأقل عدم الإعلان عن أغلبها، وربما هذا يتفق مع التوجه في عدم الإعلان عن عملياته في دول منطقة الساحل بشكل مستمر، واكتفى بالإعلان عن إجمالي العمليات خلال فترة أربعة أشهر في صحيفة “النبأ” في العدد (328) بتاريخ 4 مارس 2022.

وبشكل عام، فإن تنظيم “داعش” ربما يحقق مكاسب من خلال تحركاته في منطقة البادية السورية، وتوسيع نطاق عملياته لتشمل مناطق النفط في حمص، إضافة إلى الحفاظ على الربط بين خلاياها بين شرق وغرب الفرات، خاصة وأن المليشيات الموالية لإيران تعزز من نفوذها وسيطرتها تحديداً في دير الزور خلال عام 2021.