منظمة الأمن العربية – الحائط العربي
منظمة الأمن العربية

منظمة الأمن العربية



لم تسأم الولايات المتحدة الأمريكية من البحث عن الشرق الأوسط الجديد أو الكبير منذ الرئيس الأسبق جورج بوش إلى الرئيس بايدن. وتستند فى ذلك إلى ثلاثة أسس مركبة ما بين الأسباب والنتائج، يدور أولها حول أن الدولة العربية الراهنة لا يمكن أن تستمر على ما هى عليه؛ حيث إن ترسيم الحدود جاء على حساب الأقليات العرقية أو الدينية، وأنه لابد من إعادة صياغة الدولة العربية لعلاج هذا القصور وكأن الدولة العربية هى الوحيدة التى تضم أقليات عرقية أو دينية أو لغوية، المقصود هنا تجزئة الدول العربية على أسس غير قومية، فالعراق والسودان وليبيا وغيرها هى دول مستهدفة. ويقوم الثانى على ضرورة إنشاء نظام إقليمى يضم دول الجوار غير العربية خاصةً إسرائيل وإيران وتركيا، ولكنه يركز على إسرائيل بصورة رئيسية، وهكذا عقدت ما يسمى الاتفاقات الإبراهيمية بين دول عربية وإسرائيل. أما ثالثها، فيقوم على أهمية تشكيل تحالف عسكرى إقليمى يضم إسرائيل بمساندة الولايات المتحدة لدرء المخاطر على الإقليم ومواجهة التهديدات الخارجية، ولذلك طرح مستشار الأمن القومى الأسبق للرئيس ترامب، مايكل فلين، أهمية إنشاء منظمة أمنية تضم إسرائيل ودول مجلس التعاون الخليجى بالإضافة إلى مصر والأردن، وتكررت الفكرة ذاتها قبل زيارة بايدن للمنطقة فى يوليو، وإن أضيفت العراق إليها، ويبدو أن الفكرة وُئدت كما حدث لها من عدة سنوات.

فى تناولنا للمخاطر الأمنية التى تشكل تهديدًا للوطن العربى، علينا أن نسلم بعدد من المعطيات الحاكمة، لقد تغير التركيب السكانى العربى تغيرًا جذريًا، ونمت أجيال جديدة لا يروقها أى نموذج عربى ليس فقط لأن طموحاتها أعلى، ولكن أيضًا لأنها إما تعلمت فى الغرب أو تأثرت به، من ثم، تحولنا من مفهوم الوطن العربى الأكبر إلى الدولة القومية أو المنظمات الأقاليمية وكلاهما أدنى من النظرة القومية التى عاشتها الأجيال القديمة، ومن جانب آخر؛ فإن الثورات العربية التى وقعت منذ نهاية 2010 لم تفرز نظمًا عصرية تجذب الشباب العربى إليها، على العكس تمامًا، لقد تسببت فى صدمة صاعقة للشعوب العربية دفعتها إلى التركيز على الداخل الوطنى وتحييد ما هو قومى، ويضاف إلى ما سبق أن التحول فى قيادة النظام الدولى إلى مزيد من التعددية، يدفع الأجيال العربية الشابة وقياداتها الجديدة إلى تنويع سياستها الخارجية دون التشبث بالحلفاء النمطيين، مما يعطيهم مرونة كافية لإقامة علاقات أوثق مع أطراف جدد دون قيود.

وربما يكون ذلك باعثًا على عدم الحماس لجامعة الدول العربية كمؤسسة قومية تحتاج بالقطع إلى إعادة هيكلة، وتجديد المهمة التى قامت عليها، وصياغة أهداف تتسق مع عالم اليوم، وعلى الرغم من إصرارنا على حتمية إصلاح الجامعة لكى يستجيب وجودها وعملها لطموحات الشباب العربى، ولكى تعبر عنهم وتربطهم بها؛ فلابد أن أشيد بالآباء المؤسسين لها، والأهم بهؤلاء المفكرون أو السياسيون الذين صاغوا عام 1950 معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادى بين الدول العربية، والتى تنص المادة (5) منها على الدفاع الجماعي, فأى عدوان على إحدى الدول أعضاء الجامعة يعد عدوانًا عليها جميعًا، بما يستدعى العمل العسكرى المشترك ضد هذا العدوان، بل ربطت المعاهدة بين الأمن والتعاون الاقتصادي.

بيد أنه فى إطار نظرة الشباب العربى إلى الجامعة، وعدم الحماس العربى لتفعيل معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادى، وبناءً على التغيرات الإقليمية والدولية الراهنة، فقد يكون من المفيد فى إطار حماية الأمن القومى العربى الذى هو حاصل جمع الأمن القومى لكل دولة عربية، أن نفكر فى إطار مؤسسى عصرى يحمى الأمن القومى العربى، والذى يختص بالشعوب والدول العربية دون غيرها، ويدرأ أكذوبة الأمن الإقليمى الذى يتخطى أمن العرب، ألا يمكن إنشاء منظمة الأمن العربية Arab Security Association ASA؟، وهى منظمة تختص بالأمن القومى العربى من حيث صياغته، وتحديد مقوماته، وتوضيح مصادر تهديده، ووضع استراتيجية حمايته الجماعية، منظمة الأمن العربية هى حلف عسكرى عربى يستهدف حماية الأمن القومى للدول العربية منفردة ومجتمعة، وهى منظمة مستقلة عن جامعة الدول العربية يرأسها رؤساء وملوك الدول العربية وتضم وزراء الدفاع العرب ويختار العرب مقرها. وإذا تزامن إنشاء منظمة الأمن العربية مع مزيد من الاندماج الاقتصادى العربى، وهو مهم فى الزمن القادم أكثر بكثير من السنوات التى مضت، لكان أفضل للعرب جميعًا، فالعالم يتحول ويتبدل فعلاً بصورة سريعة وجذرية، وربما لن يكون فيه مكان أو فرصة للاقتصاد الصغير أو الضعيف، ومن المعلوم للكافة الاحتمالات الاقتصادية غير المحدودة للوطن العربى ليس فقط فى مجال الطاقة، ولكن أيضًا فى الزراعة والصناعات التحويلية والسياحة. وقد يتساءل البعض: لماذا لا تنضم دول الجوار غير العربية أى إسرائيل وإيران وتركيا إلى منظمة الأمن العربي؟. هى دول توسعية على حساب الدول العربية، وتشكل كل منها مصدر تهديد للأمن القومى العربى، فإيران تحتل جزر الإمارات الثلاث، أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى، وتستخدم الانتماء المذهبى (الشيعة) للتوسع فى الدول العربية فى العراق وسوريا واليمن والبحرين وغيرها، وتتدخل تركيا فى سوريا والعراق، أما إسرائيل، فتحتل الضفة الغربية والقدس والجولان ومزارع شبعا، وربما لو تنازلت أى منها عن سياستها التوسعية ضد الأراضى العربية، يمكن أن تنضم إلى المنظمة الوليدة وإن كنت من واقع الخبرة والمعرفة لا أتوقع ذلك. لقد آن الأوان لأن يصير أمن العرب بيدهم لأن لديهم جميع القدرات اللازمة لحماية الأمن وزيادة.

نقلا عن الأهرام