زيارة للرئيس الأميركي جو بايدن إلى المنطقة، إعلان الائتلاف الحكومي الإسرائيلي، إجراءات نيابية وانتخابات جديدة في إسرائيل، جولة لوليّ العهد السعودي في مصر والأردن وزيارة لتركيا، وقف إطلاق النار في اليمن، واتصالات ثنائية بين كل من الإمارات والسعودية وإيران في ظلال قدر غير قليل من البرود في العلاقات بين الولايات المتحدة ومصر والإمارات والسعودية، قبل أن تنفرج الأمور وتتطور مع تغليب أميركا المصلحة على المهاترة، زيارة خليجية لوزير الخارجية الروسي، أخبار غير مؤكدة عن اجتماع عسكريين عرب وأميركيين وإسرائيليين في شرم الشيخ، ونفي الإمارات مشاركتها أو حتى علمها عن أي اجتماع رسمي بهذا الشأن، ورفضها الدخول في خلاف ضد أحد، وتنويه أردني متحفظ ودقيق عن تأييده تعاوناً أمنياً على غرار الحلف الأطلسي في الشرق الأوسط وفقاً لشروط دقيقة، استضافة المنامة اجتماعاً ثانياً لمجموعة النقب، وهم وزراء خارجية إسرائيل والبحرين ومصر والإمارات، مع استمرار غياب الأردن عن المشاركة، وقيام الرئيس المصري بجولة خليجية، واستقباله قبل ذلك أمير قطر في القاهرة، وإعلان عن استئناف المشاورات السعودية الإيرانية من جانب وتنويه باستجابة إيرانية لمبادرة أوروبية لإحياء المفاوضات النووية مع طهران.
كل ذلك بعد الإعلان عن زيارة الرئيس الأميركي للمنطقة وقبل إتمامها، وهو ما يدفعني إلى طرح بعض الخلاصات المهمة، ومنها:
أولاً: أن العالم العربي أو جزء كبير منه جارية إعادة تشكيله ذاتياً أو من الخارج أو كلاهما، عن عمد أو بمحض الصدفة، وهذا التشكيل ينصب مرحلياً على غرب آسيا، وينعكس على العالم العربي بأكمله، أي أننا في مرحلة تقسيم وإعادة تشكيل حساسة، يجب متابعتها والتعامل معها من دون التسرع في افتراض النتائج أو التهوين من خطورة ما يتم التخطيط له.
ثانياً: إعادة التشكيل الجارية تعكس عدم ارتياح الأطراف عامة لأسس العلاقات الخارجية القائمة بالفعل، بدعم خارجي أو كتجمع عربي، بخاصة من قبل العرب، أي أن العرب قلقون من علاقاتهم مع الدول الكبرى، بخاصة في المجال الأمني، وغير مرتاحين لترتيباتهم الإقليمية العربية ومؤسستها الرئيسة غير المؤثرة (جامعة الدول العربية على سبيل المثال)، وهي فرصة سانحة للأطراف غير العربية في المنطقة لتوسيع رقعة نفوذها لاستغلال الفراغ العربي، بما في ذلك حديث إسرائيل عن خريطة أمنية شرق أوسطية جديدة الآن وليس بعد السلام العربي الإسرائيلي الشامل كما كان مفترضاً.
ثالثاً: على الرغم من صعوبة الاستغناء عن الدور الأميركي كلياً، بل والرغبة بالحفاظ عليه وعلى وجوده، فإن هناك أيضاً تقديراً عاماً بأن الدعم الأميركي غير مضمون أو مستقر ولا يمكن الاعتماد عليه كثيراً، بصرف النظر عن توافر الغالبية في الكونغرس للجمهوريين أو الديمقراطيين، ومن يتولى منصب الرئاسة، في ضوء التوجه الانعزالي داخل المجتمع الأميركي.
رابعاً: هناك اهتمام وتركيز على تحقيق نتائج محددة وملموسة قابلة للتنفيذ خلال الزيارة المقبلة، حتى إن كانت غير طموحة، بصرف النظر عن التصريحات الرنانة السابقة أو الجديدة عن استراتيجية العلاقات والصداقات طويلة الأجل، ما يحمل في طياته دلالات على فقدان الثقة بين الجانبين الشرق الأوسطي والأميركي، واهتماماً عربياً بشكل خاص بتأمين مصالحه من أي تردد أميركي، ومن ناحية أخرى هناك في الساحة الأميركية والغربية من يرى أن الجانب العربي لن يوفر المطلوب منه غربياً برفع إنتاجه البترولي لضبط الأسعار، نظراً إلى أن مستويات الضخ اليومي وصلت أو اقتربت من الحدود القصوى الممكنة، ومن ثم فمن المتوقع التوصل إلى صفقات عربية أميركية محدودة أمنياً وبترولياً، وإنما ليس على مستوى الطموحات.
خامساً: المعادلات والموازنات والمواءمات الشرق أوسطية أصبحت متعددة الاتجاهات وليست حصرية على التوجه الغربي، فهناك تنامٍ في العلاقات العربية مع توسع الصين في الأسواق العربية واعتمادها المتزايد على الطاقة الشرق أوسطية العربية والإيرانية، وتعاون في إطار مجموعة “أوبك+” الذي جمع روسيا مع عدد من مصدري البترول في هذا التجمع الوقودي الحاكم لتحديد سعر الطاقة عالمياً.
سادساً: إذا كانت المنطقة تنظر بمزيد من الاهتمام إلى توسيع علاقاتها الخارجية وتنويعها بين الدول الكبرى، ففي مقابل ذلك نجد توجهها نحو مزيد من التعاون الإقليمي بين دول متفقة في التوجهات، ولو مرحلياً، بدلاً من التوجه الإقليمي العربي التقليدي، وينوه في هذا الخصوص إلى أطراف الاتفاقات الإبراهيمية، أو مجلس التعاون الخليجي بعد قمة العلا، والتشاور المتنامي بين مصر والإمارات والسعودية، وكذلك مع الأردن والعراق.
سابعاً: تُنشر أخبار عن تباين في المواقف حتى بين الدول العربية المتوافقة في الرأي، فمصر والأردن أول من أبرما اتفاقات سلام مع إسرائيل، إلا أن الأردن غاب عن اجتماعي النقب والبحرين، وحضرت مصر اجتماع المنامة، لكن نُشرت أنباء عن تحفظها وكذلك السعودية على فكرة إنشاء تجمع شرق أوسطي مثل حلف الشمال الأطلسي يستهدف إيران، والإمارات العربية أثارت تحفظات عدة حول التصرفات الإيرانية ولم تخفِ علاقاتها مع إسرائيل بعد الاتفاقات الإبراهيمية بما في ذلك في المجال الأمني، ومع هذا، نفت الإمارات مشاركتها أو حتى علمها بأي اجتماع عسكري جماعي رسمي تضمّن الولايات المتحدة والعرب وإسرائيل، وهو ما نقلته الصحف الإسرائيلية.
ثامناً: على الرغم من وجود اتصالات عربية مع تركيا وكذلك مع إيران، فالعنصر المشترك في الغالبية العظمى من الاتصالات والمشاورات الأخيرة كان إسرائيل وهي الحاضر الغائب دائماً، رغبة بتأمين دورها الإقليمي.
تاسعاً: لم يتخذ مجلس التعاون الخليجي موقفاً جماعياً من كل ذلك، وحتى في ما يتعلق بإسرائيل، والكويت الأكثر تحفظاً، وقطر شبه غائبة عن المشاورات الإقليمية الأخيرة على الرغم من تعاملها مع إسرائيل و”حماس” سابقاً، وعمان تفضل الدور الهادئ بعيداً من الأضواء، على الرغم من قيامها مسبقاً بعقد مشاورات مع إسرائيل واستضافتها اجتماعات إيرانية أميركية.
عاشراً: من المنتظر ترتيب الرئيس بايدن لقاء ما أو زيارة للسلطة الفلسطينية، ومن اللافت للنظر ندرة وضعف الاتصالات العربية الفلسطينية في هذه المرحلة، وكانت أبرزها اتصالات أردنية فلسطينية، فضلاً عن عدم توافر مشاورات عربية سورية، بينما المنطقة تخطو نحو إعادة التشكيل.
علينا كدول وطنية وكعرب التفكير والتأمل في هذه الخلاصات وغيرها، لأن العالم يتغير بما في ذلك منطقتنا، ويجب اختيار أفضل السبل لتحديد مسارنا وتأمين مصالحنا الوطنية والإقليمية.
نقلا عن اندبندنت عربية