في 2 مايو2011 قُتِل أسامة بن لادن في أبوت أباد الواقعة على بعد120كم من إسلام آباد في عملية اقتحام أشرفت عليها وكالة المخابرات المركزية الأميركية ونفذها الجيش الأميركي، وفي 31 يوليو 2022 قُتِل في كابول أيمن الظواهري الذي استلم زعامة «القاعدة» بعد اغتيال ابن لادن بغارة جوية بطائرة مسيرة في عملية تمت بإشراف وتنفيذ الوكالة نفسها. وفي الوقت نفسه قامت المخابرات الأميركية بتحديد مكان أبو إبراهيم الهاشمي القرشي زعيم تنظيم «داعش» في إدلب واغتياله. وكان قد تولى زعامة التنظيم بعد قتل أبوبكر البغدادي في أكتوبر2019، وعدا ذلك العديد من العمليات المشابهة التي تكشف بوضوح عن نهج أميركي محدد في مكافحة الإرهاب يركز على التصفية الجسدية للقيادات، ولا شك أن هذه العمليات تعكس درجة عالية من القدرة على جمع المعلومات وتحليلها، ووضع الخطط لتحقيق الأهداف المحددة واختيار الوقت المناسب للتنفيذ الذي تم في كل الحالات المعروفة بأقصى درجات الدقة. ولا شك أيضاً أن للقضاء على قادة التنظيمات الإرهابية تأثيراً سلبياً على أدائها، لكن السؤال المهم حول مدى هذا التأثير وكفايته، إذ يسهل مثلاً بعد مرور أكثر من عقد على اغتيال ابن لادن استنتاج أن هذا الاغتيال وما أعقبه من عمليات مماثلة لم يؤد إلى تراجع واضح في الظاهرة الإرهابية، بل إن ثمة مؤشرات على مزيد من انتشارها في أماكن بعينها كما في أفريقيا على سبيل المثال.
تتوقف الإجابة على هذا السؤال على عوامل معقدة، فصحيح أن اختفاء القيادات لا بد وأن يحدث ارتباكاً و/أو تراجعاً في أداء تنظيمٍ ما، لكن درجة الارتباك أو التراجع تتوقف بالتأكيد على عدة عوامل لعل أهمها درجة النضج المؤسسي للتنظيم، بحيث يكون العمل معتمداً أساساً على الأداء المؤسسي ويكون دور القائد الفرد ثانوياً، بعكس حالات القيادة الكاريزمية التي يكون فيها التركيز على دور هذا القائد، ويرتبط بهذا عامل آخر وهو مدى وجود صف ثان يمكن أن يبرز من بين أفراده بسهولة من يكون مُعَداً بالفعل لتولي المسؤولية بكفاءة، فلا يكاد اختفاء القائد أن يُحْدِث أثراً، ذلك أن وجود الصف الثاني من القيادات الكفؤة دالة في قوة المؤسسة.
ومن الصعوبة التحقق من وجود هذين العاملين وتأثيرهما في تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، لكن الملاحظة العلمية لأنشطتهما الإرهابية تفضي إلى افتراض مفاده أن أثر اغتيال القيادات الفردية لم يكن حاسماً على أي منهما، وهو افتراض منطقي يتسق وما كشفت عنه الدراسات من أن الإرهاب وليد مجموعة معقدة من الظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تُفرز أفكاراً مُيَسرة للإرهاب ومناخاً حاضناً له. ويُضاف إلى ذلك مسألة غاية في الأهمية والخطورة وهي التوظيف السياسي للإرهاب من قبل قوى دولية عالمية وإقليمية لتحقيق مصالحها الحيوية. فالموقف من الإرهاب لدى البعض ليس موقفاً مبدئياً وإنما موقف عملي لا يمانع في استخدام الإرهاب لتحقيق غايات سياسية معينة. والمثال الأبرز على هذا هو توظيف «القاعدة» من قِبَل الولايات المتحدة ضد الاتحاد السوفييتي في أفغانستان في ثمانينات القرن الماضي، وهو توظيف ترتب عليه تغول «القاعدة»، وكذلك توظيف قوى عالمية وإقليمية لتنظيمات إرهابية في الصراعات الداخلية التي أعقبت الانتفاضات الشعبية العربية في مطلع العقد الثاني من هذا القرن، بل إن إدارة ترامب اتفقت مع «طالبان» وليس مع الحكومة الأفغانية التي تبنتها الإدارات الأميركية المتعاقبة عندما قررت الانسحاب من أفغانستان. فشكراً لأي جهد يُبذل في مكافحة الإرهاب على أن يتم ذلك في سياق نهج شامل يجتث مسببات الظاهرة ويوقف توظيفها سياسياً.
نقلا عن الاتحاد