كتبت منذ فترة طويلة ومراراً عن أهمية اتخاذ العالم العربي المبادرة في تشكيل مستقبل الشرق الأوسط، ملحاً أن أول خطوة في هذا السبيل هي طرح أفكار للمناقشة بين العرب، ثم السعي لبلورة مواقف متقاربة حولها، ثم التحاور حول هذه الآراء مع الأطراف غير العربية في المنطقة، ومن بعدها مع دول المناطق القريبة منا.
وسبق أن أعلنت أيضاً بصراحة تامة، أنني أؤيد الحوار والتفاوض في ما بين العرب والدول غير العربية بالمنطقة، حتى من لها سياسات نراها غير مشروعة أو تظل محتلة لأراضٍ عربية، لأن استمرار الأمر الواقع ليس من المصلحة، وإنما أكدت كذلك أن الحوار ليس غاية أو هدفاً، بل وسيلة يجب أن تستغل بجدية شديدة وصراحة تامة وبحسابات دقيقة، حتى لا يساء استغلالها لتثبيت باطل أو فرض أمر واقع. ونوهت أن هناك قضايا سيادية وإقليمية يجب أن تعامل بمنظور خاص وحسابات دقيقة، وعلى رأسها احتلال الأراضي، سواءً كانت الفلسطينية والعربية من قبل إسرائيل، أو المشرقية من قبل تركيا، أو الخليجية من قبل إيران، بتغليب القانون على القوة.
وحذرت من الانزلاق إلى مهاترات عربية- عربية في حالة وجود اختلافات في الرؤى أو الأولويات العربية، لأن عبث المقاطعة والخصام والتراشق العربي يخدم الطرف المعتدي على حقوق ومصالح شعوبنا.
لذا أشرت إلى أهمية النظر إلى كل دعوة للحوار بانفتاح وحذر ثاقب في الوقت نفسه، سعياً لاستغلال كل فرصة حقيقية متاحة، مع تقييم الدعوة للحوار بدقة وعناية، حتى لا تمس أسس الحوار الحق العربي، وللاتفاق على ترتيبات حوارية أو تفاوضية تخدم قضايانا.
نشرت مصادر إسرائيلية أخيراً أن الرئيس الأميركي، جو بايدن، سيزور تل أبيب قريباً، وبعدها بأيام معدودة سربت معلومات أخرى عن إمكانية الدعوة إلى اجتماع أميركي-إسرائيلي-عربي في إسرائيل أثناء الجولة، ثم تردد أنه يتم البحث عن مكان آخر للاجتماع، ثم أنه تم التراجع عن تلك الفكرة لصالح اجتماعات أميركية مع إسرائيل وغيرها مع أطراف عربية بمجلس التعاون الخليجي، والدول العربية المجاورة لإسرائيل.
حتى الآن لم تتأكد تلك المعلومات علناً من مصادر رسمية، وإنما من الطبيعي أن تسعى إسرائيل للاستضافة، لأن ذلك يساعدها في المسعى لعدم استئناف أميركا الاتفاق النووي مع إيران، وظاهر التقارب مع العرب يدعم موقف الحكومة الإسرائيلية المهددة بالتفكك.
ومن الطبيعي أن تسعى الإدارة الأميركية لترتيب اجتماعات جماعية تشمل العرب وإسرائيل، أو مع بعض العرب جماعة إذا تعذر ذلك، مما يقوي موقف الإدارة والحزب الديمقراطي داخلياً قبل الانتخابات النصفية للكونغرس الأميركي في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، بالإيحاء أن الولايات المتحدة استعادت نفوذها في المنطقة على حساب روسيا، وهو أمر ازداد أهمية بعد حرب أوكرانيا، كما أنها فرصة لترتيب العلاقات الأميركية-الإسرائيلية المضطربة نتيجة لتأييد بايدن استئناف الاتفاق النووي مع إيران، وكذلك حل الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية، الذي يعارضه بينيت صراحة، وقد زاد من صعوبة وتباين الموقف العودة إلى التوسع الاستيطاني والإسرائيلي، والاشتباكات التي حصلت في القدس خلال شهر رمضان، وأخيراً حادثة قتل الصحافية شيرين أبو عاقلة، والعنف الذي مارسته الشرطة الإسرائيلية خلال الجنازة.
لم يتضح بعد شكل الاجتماعات القممية المقبلة، أو الدول العربية التي قد تشارك فيها، وإنما تم التمهيد للزيارة باتصال الرئيس بايدن بالعاهل الأردني الملك عبدالله، وعقد مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان محادثات مع مصر، وجهود أميركية متواصلة لإعادة الاستقرار في علاقاتها مع الإمارات والسعودية من خلال لقاءات واتصالات متعددة، أعلن بعض مضامينها وظل جزء منها في الإطار الرسمي المحكوم.
قد تختلف أولويات وحسابات وحساسيات الدول العربية في ما يتعلق بالاجتماعات المقبلة، وأعتقد أن هناك رغبة عربية جامعة في تطوير العلاقات مع إدارة الرئيس بايدن والولايات المتحدة، ودرجات متفاوتة من الاهتمام أو القلق من السياسات الإيرانية، وتأييداً عربياً عاماً للقضية الفلسطينية، مع حساسية خاصة تجاه تلك القضية من قبل الأردن لمسؤولياتها تجاه القدس، وكذلك لدى مصر ارتباط بدورها التقليدي في هذا المجال.
وستشكل القمة سابقة أولى لحضور قيادات عربية إلى إسرائيل، إذا تقرر استضافتها لاجتماع جامع، كما أرى أن الغياب الفلسطيني إذا استمر، سيحقق لإسرائيل نجاحاً إضافياً في سعيها الدؤوب إلى تسليط الأضواء على القضايا الشرق أوسطية غير المرتبطة بالنزاع العربي- الإسرائيلي.
وهذا يفرض على المسؤولين التفكير في أفضل أسلوب للحفاظ على قنوات للحوار، ومع تقدير دقيق لجدوى الاجتماع بإسرائيل، أو بدائل أخرى توفر إطاراً مناسباً للحوار، ومن دون أن يكون على حساب الحق العربي في النزاع العربي- الإسرائيلي، ومن ضمن البدائل والسبل عقد الاجتماع الأميركي العربي الإسرائيلي في دولة عربية، على أن يشارك فيه أيضاً الرئيس أبو مازن، ويصدر عنه بيان عن القضايا الإقليمية معد مسبقاً، ويشمل دعم حل الدولتين، وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، خصوصاً 242 و339.
كما من البدائل عقد الاجتماع في مقر القنصلية الأميركية بالقدس الشرقية المغلقة حالياً، وهي تعد أراض أميركية، وتعكس عدم اعتراف أميركي أو عربي بضم القدس الشرقية، على أن يشمل الحضور (أبو مازن)، ويصدر بياناً عن الأوضاع الإقليمية عامة متضمناً تأييد حل الدولتين، إضافة إلى القضايا الأخرى محل الاهتمام المشترك.
هذا ومن البدائل أيضاً عقد اجتماعات عربية أميركية خارج إطار زيارة بايدن لإسرائيل، لتشمل العلاقات مع أميركا والقضايا المشتركة المرتبطة بالخليج مع دول مجلس التعاون أو غيرها، وأوصي في جميع الأحوال بأن يتم تنسيق عربي مسبق، بخاصة بين الدول الفاعلة والنشطة في المنطقة، حفاظاً على مصالحنا، واستعداداً لدور أميركي مختلف عما مضى، وأخذاً في الاعتبار أن الجانب الإسرائيلي سيكون الحاضر مباشرة أو الحاضر الغائب، وسيطالب بمقابل حال استضافته للقمة، أو حتى إذا تعذر توسيع الاتصالات العربية الإسرائيلية الآن، لاهتمامه وإصراره أن يلعب دور رئيس في تشكيل الشرق الأوسط الجديد.
نقلا عن اندبندنت عربية