الضغط المتبادل:
مغزى التصعيد العسكري الأخير بين إسرائيل وحزب الله

الضغط المتبادل:

مغزى التصعيد العسكري الأخير بين إسرائيل وحزب الله



جاءت الاشتباكات العسكرية بين حزب الله اللبناني وإسرائيل، خلال الفترة من 4 إلى 6 أغسطس الجاري، لتعيد التأكيد على معادلة الضغط المتبادل بين الطرفين ضمن استراتيجية التصعيد المحكوم، التي يحاولان عبرها توجيه رسائل محددة مع تجنب الانجرار بوتيرة متسارعة إلى حرب شاملة تستدعى سيناريو حرب 2006. فالاشتباكات تشير إلى رغبة حزب الله في استخدام ورقة المواجهة مع إسرائيل كأداة لخدمة مصالحه في الداخل اللبناني المحتدم بالعديد من الأزمات، فضلاً عن محاولات إيران استخدام الحزب كأداة للضغط على إسرائيل. ومن جانبها، تسعى الأخيرة إلى فرض المزيد من الضغوط على الحزب والعمل على تعزيز الاستياء الداخلي من سياساته، التي ترى اتجاهات عديدة أنها تؤثر بالسلب على مصالح الدولة اللبنانية.

دلالات رئيسية:

بدأ التصعيد العسكري بين حزب الله وإسرائيل مع الإعلان عن إطلاق ثلاث قذائف، في 4 أغسطس الجاري، من داخل الأراضي اللبنانية، يعتقد أن بعض الفصائل الفلسطينية الموجودة بلبنان مسئولة عنها، باتجاه شمال إسرائيل، حيث سقطت واحدة منها داخل الأراضي اللبناني واثنتان في منطقة مفتوحة، لترد إسرائيل بقصف مدفعي وغارة بالطيران على بعض المواقع في الجنوب اللبناني. وذكر الجيش اللبناني أن المدفعية الإسرائيلية قصفت ست مناطق جنوب لبنان بـ92 قذيفة. كما أشار الجيش الإسرائيلي إلى أن “طائرات حربية إسرائيلية شنت غارات على المناطق التي أطلقت منها القذائف الصاروخية من لبنان نحو الأراضي الإسرائيلية”.

وبعد هذه الهجمات الإسرائيلية، قام حزب الله بإطلاق 19 صاروخاً، في 6 أغسطس الجاري، سقط ثلاثة منها في الأراضي اللبنانية و6 قذائف في مناطق مفتوحة في إسرائيل، فيما تمكنت منظومة القبة الحديدية من التصدي لعشرة صواريخ، وردت إسرائيل بقصف مدفعي محدود.

هذه الهجمات المتبادلة تأتي ضمن سياق لبناني، وكذلك إقليمي، محتدم بأزمات وتعقيدات عديدة. وعليه، فإن هذا التصعيد العسكري يستدعي عدداً من الدلالات الرئيسية التي يتمثل أبرزها في:

1- المواجهة المحدودة: رغم أن اتجاهات عديدة أشارت إلى إمكانية تكرار سيناريو حرب لبنان 2006 والدخول في مواجهة عسكرية واسعة، إلا أن طبيعة الهجمات الأخيرة تكشف عن تمسك الطرفين، حزب الله وإسرائيل، بمعادلة التصعيد المحكوم التي تتجنب المغامرة بالانخراط في مواجهة عسكرية موسعة، ويدلل على هذا التوجه أن هجمات الطرفين كانت في مناطق غير مأهولة بالسكان، حيث أعلن حزب الله في بيان له، أنه قام باستهداف محيط مواقع إسرائيلية في مزارع شبعا، في 6 أغسطس الجاري، بصليات صاروخية من مناطق حرجية بعيدة تماماً عن المناطق السكنية حفاظاً على أمن المواطنين. كما أشار الأمين العام للحزب حسن نصر الله، في خطابه بعد ذلك بيوم واحد بمناسبة ذكرى حرب 2006، إلى أن “رسالتنا للعدو أنكم قصفتم أرضاً مفتوحة فقصفنا أرضاً مفتوحة.. ولا تراهنوا على الانقسام اللبناني حول المقاومة لأنه ليس بجديد”، وأضاف أن “الهدف من الرد على الغارات الإسرائيلية المباشرة كان في إطار تثبيت المعادلات القديمة التي أراد العدو إسقاطها”.

2- سياسة الهروب إلى الأمام: رجحت أغلب التقديرات قيام مجموعات فلسطينية موجودة داخل الأراضي اللبنانية بشن الهجوم الأول، إلا أن هذا الأمر لا يستبعد إمكانية استخدام حزب الله لهذه الهجمات، والتصعيد مع إسرائيل، كنوع من أنواع الهروب إلى الأمام، وأداة للتغطية على الأزمات التي بات يواجهها الحزب داخل لبنان، والاتهامات الموجهة إليه بالتسبب في الأزمات التي يواجهها لبنان، بالاشتراك مع النخب السياسية الموجودة. فضلاً عن محاولة اتجاهات عديدة الربط بين الحزب وحادث انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس 2020، بالإضافة إلى السياسة الخارجية للحزب والتي جعلت أطرافاً وقوى عديدة تنظر إليه كأداة لخدمة المصالح الإيرانية، دون أن يأخذ في الحسبان مصالح الدولة اللبنانية.


3- محاصرة حزب الله: يشير التصعيد العسكري الأخير إلى رغبة تل أبيب في فرض المزيد من الضغوط على حزب الله، والعمل على زيادة الاستياء اللبناني الداخلي من سياسات الحزب. وفي هذا السياق، حاولت المؤسسات الإسرائيلية تصدير صورة للحزب بأنه لا يراعي مصالح الشعب اللبناني، ويسعى إلى جر لبنان إلى حرب ستكون تكلفتها باهظة على الشعب. فقبل التصعيد العسكري الأخير، صرح رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، في 11 يوليو الفائت، بأن “الدولة اللبنانية توجد على حافة الانهيار، مثلها مثل جميع الدول التي تستولي عليها إيران وهذه المرة المواطنون اللبنانيون يدفعون الثمن”، وأضاف: “يجب الفهم أن اللبنانيين يدفعون ثمناً باهظاً بسبب استيلاء إيران على دولتهم”.

4- إدارة الصراع بين طهران وتل أبيب: يأتي التصعيد العسكري الأخير بين إسرائيل وحزب الله، الوكيل الرئيسي لإيران بالمنطقة، في سياق تفاقم حدة الصراع بين إيران وإسرائيل. فعلى مدار الشهور الماضية، وجهت إيران اتهامات إلى إسرائيل بالقيام بعمليات تخريبية للمنشآت النووية الإيرانية. وفي المقابل، وجهت إسرائيل اتهامات مضادة لإيران بالتورط في الهجوم على ناقلة نفط تشغّلها شركة “زودياك ماريتايم”، المملوكة لرجل الأعمال الإسرائيلي إيال عوفر، قبالة سواحل سلطنة عمان، في 29 يوليو الفائت.
وفي هكذا سياق، يرجح أن تكون طهران قد استخدمت حزب الله، والتصعيد العسكري الأخير مع إسرائيل، لتوجيه رسالة لتل أبيب مفادها أن الأولى قادرة على تهديد الأمن الإسرائيلي بصورة مباشرة، ويعزز من ذلك الافتراض الخطاب الذي يتبناه الرئيس الإيراني الجديد إبراهيم رئيسي، والداعم للمواجهة العسكرية مع إسرائيل، حيث صرح، في 6 أغسطس الجاري أثناء استقباله في طهران أمين عام الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، أبو جهاد طلال ناجي، ومساعده أبو أحمد فؤاد، بأن “المقاومة هى السبيل الوحيد للانتصار على إسرائيل”، وأضاف: “كلما تعززت الوحدة والتعاون بين مختلف فصائل المقاومة فإن نتائج وانتصارات أكبر ستتحقق لتيار المقاومة”.

5-انعكاسات مفاوضات فيينا: لا يمكن الفصل بين التصعيد الأخير بين حزب الله وإسرائيل وتطورات الملف النووي الإيراني، حيث اعتادت طهران خلال العقود الماضية تبني سياسة “تشبيك الملفات”، ومن ثم، يبدو أنها تستخدم التصعيد مع إسرائيل، عبر وكيلها في لبنان حزب الله، كورقة للضغط في المفاوضات النووية مع القوى الدولية، وكذلك لدفع الولايات المتحدة إلى تخفيف العقوبات المفروضة عليها، وخصوصاً مع وصول الرئيس الإيراني الجديد إبراهيم رئيسي إلى سدة الحكم ورغبته في تعزيز الموقف الإيراني في المفاوضات.

6- رسائل بينيت: تستبطن الهجمات المتبادلة بين إسرائيل وحزب الله رغبة رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت في إثبات جدارته لقيادة الحكومة الإسرائيلية، لاسيما في ظل الانتقادات التي توجهها أطراف عديدة له، بما في ذلك رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو الذي سبق أن أشار، في 13 يونيو الماضي، إلى أن “حكومته قامت بعمليات جريئة جداً في عمق العدو، ووصلت إلى طهران”، وأضاف، مشككاً في حكومة بينيت، أن “الحكومة القادمة لن تستطيع المصادقة على أى عمليات داخل إيران لمنعها من التسلح النووي”.

وفي هكذا سياق، ربما حاول بينيت، عبر الهجمات على الجنوب اللبناني، توجيه رسالة لأطراف عديدة، سواء داخل إسرائيل أو خارجها، بأنه قادر على حماية الأمن الإسرائيلي، ولعل هذا ما كشف عنه في تصريحاته، في 8 أغسطس الجاري، أثناء جلسة الحكومة الأسبوعية، حينما ذكر أن “إسرائيل لن تقبل بأن يتم إطلاق الصواريخ على أراضيها بصرف النظر عن من يطلق هذه الصواريخ”.

خلاصة القول، رغم خطورة التصعيد الأخير بين حزب الله وإسرائيل، وحديث اتجاهات عديدة عن إمكانية تكرار سيناريو حرب 2006، إلا أن السياقات الراهنة تفرض قيوداً على حدوث مثل هذا السيناريو، فليس من مصلحة الطرفين في الوقت الحالي الدخول في مواجهة عسكرية موسعة، ولعل هذا ما يفسر حرصهما على وضع حدود لعملية التصعيد، وتجنب استهداف المناطق المأهولة بالسكان، والاكتفاء برسائل الضغط المتبادل المحسوب الذي يمكن عبره تحقيق أهداف ومصالح كل طرف.