على مدى أسبوع واحد، كانت هناك ثلاثة إعلانات إيرانية خاصة بإجراء تجارب إطلاق أو إنتاج صواريخ مطورة، وهو ما لا يمكن فصله عن تصاعد حدة التوتر بين إيران والدول الغربية، بسبب الاتهامات الإيرانية لتلك الدول بدعم الاحتجاجات الداخلية، فضلاً عن الرد على اتجاه واشنطن إلى استعراض قوتها في الخليج، إلى جانب توجيه رسائل مبكرة لإسرائيل بعد تكليف رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو بتشكيل الحكومة الجديدة.
أعلن قائد القوة الجوفضائية التابعة للحرس الثوري أمير علي حاجي زاده، في 11 نوفمبر الجاري، عن “صناعة صاروخ باليستي فرط صوتي تفوق سرعته سرعة الصوت”، مضيفاً أن “هذا الصاروخ له سرعة عالية ويمكنه المناورة داخل وخارج الغلاف الجوي”. وفي الواقع، فإن ذلك كان هو الإعلان الثالث من جانب القادة العسكريين الإيرانيين بشأن إطلاق أو إنتاج صواريخ. ففي 6 من الشهر نفسه، تم الإعلان عن اكتمال اختبار منظومة “باور 373” المطور بصاروخ “صياد 4B”. وقبل ذلك بيوم واحد، أعلنت إيران اختبار إطلاق صاروخ “قائم 100″، القادر على حمل أقمار صناعية.
دوافع عديدة
رغم أن اتجاهات عديدة تُشير إلى أن محاولات استعراض القوة من جانب إيران تكون، في بعض الأحيان، مبالغاً فيها؛ إلا أنه يمكن تفسير حرص إيران على اتخاذ هذه الإجراءات التصعيدية خلال هذه الفترة في ضوء اعتبارات عديدة، يتمثل أبرزها في:
1- توجيه رسائل مبكرة إلى إسرائيل: يبدو أن إيران تسعى في الفترة الحالية إلى توجيه رسائل مبكرة إلى إسرائيل، خاصة بعد إجراء انتخابات الكنيست الإسرائيلي في بداية فبراير الجاري، والتي أسفرت عن تحقيق تكتل رئيس الوزراء الأسبق بنيامين نتنياهو نتائج أهلته لتولي الحكومة الجديدة. وفي هذا الصدد، فقد ارتبط الإعلان عن فوز نتنياهو بالتأكيد على أن إسرائيل سوف تتبنى في عهده سياسة أكثر تشدداً مع إيران قد لا يمكن معها استبعاد أن تشن هجوماً على المنشآت النووية الإيرانية.
وفي رؤية طهران فإن نتنياهو هو الذي قام بتبني سياسة الاختراقات الأمنية لإيران، التي أسفرت عن استهداف العديد من المنشآت النووية والعسكرية، فضلاً عن بعض العلماء النوويين والقادة العسكريين، إلى جانب الاستيلاء على الأرشيف النووي الإيراني. وقد كان لافتاً أن نتنياهو أعلن، فور تسلمه خطاب التكليف بتشكيل الحكومة من الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتزوج، في 13 نوفمبر الجاري، أنه “سيعمل بحزم ضد إيران ومحاولتها الحصول على السلاح النووي”.
2- الرد على الدعم الغربي للاحتجاجات الداخلية: تصاعدت حدة التوتر بين إيران وبعض الدول الغربية بسبب الاتهامات التي وجهتها الأولى إلى الثانية بدعم الاحتجاجات الداخلية عبر آليات مختلفة. ويبدو أن هذا التصعيد سوف يتفاقم خلال المرحلة القادمة، ولا سيّما بعد أن قام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بعقد لقاء مع أربع ناشطات إيرانيات، في 11 نوفمبر الجاري، على هامش منتدى للسلام في باريس.
لكن الأهم من ذلك هو إشادة ماكرون بـ”الثورة التي يَقُدْنَها”، وهو ما دفع إيران إلى الرد بقوة، حيث قال المتحدث باسم وزارة الخارجية ناصر كنعاني إن “التصريحات التي نقلت عن ماكرون بشأن دعم ما يسمى بالثورة المزعومة في إيران التي تقودها مثل هذه الشخصيات، مدعاة للأسف والعار”. كما استنكرت إيران تصريحات المستشار الألماني أولاف شولتز، التي انتقد فيها تعامل السلطات الإيرانية مع المحتجين، داعياً إلى فرض مزيدٍ من العقوبات على إيران.
ومن دون شك، فإن هذا التصعيد يدعم السردية التي يتبناها النظام منذ بداية الاحتجاجات، والتي تقوم على أن ما يحدث يمثل “مخططاً خارجياً لتقويض دعائمه عبر عناصر إيرانية، ووقف التقدم الذي يحققه”. ومن هنا، فإنه سعى عبر الإجراءات التي اتخذها على صعيد تطوير قدراته الصاروخية إلى الرد من هذه الزاوية، معتبراً أن الإعلان عن إنتاج صاروخ فرط صوتي، وإطلاق صاروخ قادر على حمل أقمار صناعية، يمثل رداً على “محاولات منعه من تحقيق مزيد من التقدم”، وهي مزاعم لا تتسامح مع المعطيات الموجودة على الأرض.
3- استعراض القدرات في مواجهة واشنطن: تتابع إيران بالطبع التحركات العسكرية الأمريكية في المنطقة، على غرار تنفيذ طلعات بواسطة قاذفات من طراز “بي 52” الاستراتيجية بمرافقة طائرات مقاتلة من 13 دولة من منطقة الشرق الأوسط، في 11 نوفمبر الجاري، وقبلها الإعلان عن وجود الغواصة “يو. إس. إس. ويست فيرجينيا” في بحر العرب، في 20 أكتوبر الفائت، حيث قام قائد القيادة المركزية الأمريكية الجنرال إريك كوريلا بزيارتها، والتي تعد -حسب تقارير عديدة- قسماً من “الثالوث النووي الأمريكي”.
هنا، تدرك إيران أنها الطرف المستهدف من هذه التحركات العسكرية والنووية الأمريكية، باعتبار أن هذه التحركات تهدف إلى توجيه رسائل ردع إليها في ظل استمرار أزمة الاتفاق النووي وتعثر المفاوضات في فيينا، فضلاً عن عدم استبعاد اتجاه إيران إلى محاولة استهداف المصالح الأمريكية مجدداً في المنطقة، ولا سيما بعد أن اتهمتها اتجاهات عديدة بالمسئولية عن مقتل المواطن الأمريكي ستيفن ترول في بغداد في 8 نوفمبر الجاري، وهي العملية التي أعلن تنظيم يسمى “سرايا أهل الكهف” مسئوليته عنها.
ولذا، لا يمكن استبعاد أن يكون حرص إيران على توجيه هذه الرسائل الصاروخية محاولة من جانبها لتأكيد قدرتها على رفع كُلفة أي عمل عسكري قد تتعرض له، أو أي مواجهة قد تنخرط فيها خلال المرحلة القادمة.
4- تبني سياسة مزدوجة مع وكالة الطاقة الذرية: كان لافتاً أن التصعيد الصاروخي الإيراني توازى مع محاولات إيرانية لإعادة تجديد الاتصالات مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بعد أن أعلنت طهران، في 11 نوفمبر الجاري، موافقتها على استقبال وفد من الوكالة لتقديم إجابات بخصوص الأسئلة التي طرحتها الوكالة بشأن وجود آثار يورانيوم في بعض المنشآت غير المعلن عنها.
ويبدو أن إيران تستهدف استباق الاجتماع المقبل لمجلس محافظي الوكالة الذي قد يصدر قراراً ينتقد فيه عدم تعاونها مع الوكالة في هذا الملف تحديداً. وهنا، فإن إيران تسعى إلى تأكيد الفصل التام بين خلافها مع الوكالة والدول الغربية حول بعض الجوانب الفنية في برنامجها النووي، وبين إصرارها على تطوير قدراتها الصاروخية، وهي المقاربة نفسها التي تبنتها في السابق في التعامل مع الانتقادات الغربية التي وُجهت لها بعد إجرائها تجارب عديدة لإطلاق صواريخ باليتسية، حيث إنها ترفض رؤية تلك الدول القائمة على أن ذلك يمثل انتهاكاً لقرار مجلس الأمن رقم 2231 الخاص بالاتفاق النووي، زاعمة أن الصواريخ الباليستية التي تقوم بتطويرها تختلف عن الصواريخ التي حدد القرار الأممي مواصفاتها. إلا أن هذه المزاعم لا تحظى بقبول من جانب تلك الدول التي سوف تعتبر ذلك مؤشراً على إصرار إيران على الاستمرار في انتهاك القرار الأممي والاتفاق النووي.
استحقاقات قادمة
ختاماً، لا يبدو أن التصعيد بين إيران والدول الغربية سوف يتوقف عند هذا الحد، إذ إن ثمة استحقاقات عديدة قد يكون لها دور في تفاقم هذا التصعيد خلال المرحلة القادمة، على غرار اجتماع مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهو التصعيد التي سوف يُنتج ارتدادات مباشرة على العديد من الأزمات الإقليمية في المنطقة، ولا سيما في كل من العراق وسوريا، في ظل حرص إيران على تأكيد نفوذها مع تشكيل الحكومة الجديدة في العراق، واستمرار الهجمات الإسرائيلية ضد المواقع التابعة لها في سوريا.