مصر وأولوية الدائرة العربية – الحائط العربي
مصر وأولوية الدائرة العربية

مصر وأولوية الدائرة العربية



تحتل الدائرة العربية أهمية وأولوية كبيرة فى دوائر السياسة الخارجية المصرية خاصة فى السنوات الأخيرة، وذلك انطلاقا من أن تعزيز العلاقات العربية البينية له انعكاسات إيجابية كبيرة لمصلحة الشعوب العربية، كما أن وجود موقف عربى موحد سوف يدعم قوة العرب التفاوضية فى تفاعلات النظام الدولى خاصة فى ظل التطورات العالمية الحالية الناتجة عن الحرب الروسية الأوكرانية, وتزايد حدة الاستقطاب بين المعسكر الغربى الذى تقوده أمريكا ومعها حلفاؤها خاصة أوروبا وكندا واليابان, وبين المعسكر الشرقى الذى تقوده روسيا وتتضامن معها الصين، والذى له ارتدادات عديدة اقتصادية وإستراتيجية على الشرق الأوسط، وهو ما يفرض ضرورة التنسيق وتوحيد الرؤى العربية لتقليل خسائر تلك التفاعلات وتعظيم المكاسب العربية.

ولذلك ترتكز الإستراتيجية المصرية على دعم وتعزيز العلاقات العربية من خلال عدة محاور ومسارات‪،‬ أولها: تصفير الأزمات العربية وتنقية الأجواء من أى خلافات، وهو ما انعكس فى تطبيع العلاقات المصرية القطرية وتجاوز تحديات المرحلة السابقة، وتجسد فى زيارة وزيرى الخارجية والمالية القطريين الشيخ محمد عبدالرحمن آل ثانى وعلى أحمد الكوارى للقاهرة مؤخرا ولقائهما الرئيس السيسى والمسئولين المصريين وأفضت إلى مخرجات مهمة كان من أبرزها تشكيل اللجنة العليا المشتركة المصرية القطرية كآلية مؤسسية للتنسيق والتشاور وتطوير العلاقات الثنائية، خاصة فى شقها الاقتصادى، مع الإعلان عن استثمارات قطرية فى مصر بقيمة خمسة مليارات دولار. ولاشك أن تدعيم العلاقات المصرية العربية من شأنه أن يسهم فى تعزيز التنمية فى الداخل فى ظل نجاح برنامج الإصلاح الاقتصادى وتحول مصر لبيئة واعدة وجاذبة للاستثمارات الأجنبية وعلى رأسها الاستثمارات العربية فى ظل المشروعات القومية الكبرى فى محور التنمية فى قناة السويس والعاصمة الإدارية الجديدة وغيرها من المشروعات التى تستقطب الاستثمارات العربية، خاصة القطرية والسعودية والإماراتية وغيرها مع مناخ الاستقرار السياسى والأمنى الذى تتمتع به البلاد. كما أن تعزيز العلاقات الثنائية بين مصر وأشقائها العرب يساعد فى تحقيق التنمية العربية التى من شأنها أن ترتقى بمستوى وطموحات الشعوب العربية، وتسهم فى تجفيف بيئة العنف والإرهاب من خلال المنظور التنموى. ولهذا نجد نماذج تطوير العلاقات على المستوى الثنائى بين مصر والسعودية ومصر والإمارات ومصر وقطر وغيرها، حيث تتوافق رؤى التنمية فى مصر مع رؤى التنمية فى الدول العربية مثل رؤية 2030 فى السعودية، وهذا يعزز من تحقيق الازدهار الاقتصادى والنهضة الشاملة فى الدول العربية.

وثانيها: التنسيق والتشاور السياسى العربى لمواجهة التحديات المشتركة وأبرزها استمرار بعض الصراعات السياسية والنزاعات العسكرية فى بعض الدول العربية، كما هو الحال فى ليبيا وسوريا واليمن والسودان, وذلك من خلال زيادة وفاعلية الدور العربى فى إدارة هذه الأزمات بما يسهم فى تحقيق التسوية السياسية السلمية لها وبما يحافظ على وحدة وسيادة هذه الدول ويدعم الدولة الوطنية العربية ومؤسساتها الشرعية، وبالتالى تقليل الأدوار الخارجية غير العربية فى تلك الأزمات والتى أدت لإطالة أمدها وتعقدها. ولهذا تسعى مصر إلى بلورة موقف عربى قوى وموحد يسهم فى دعم القضايا العربية خاصة القضية الفلسطينية وقادر على مواجهة التدخلات الخارجية فى شئون دول المنطقة والتى تزعزع الأمن القومى العربى. وفى هذا السياق فإن اللقاءات المكثفة الأخيرة والتحركات المصرية العربية، مثل زيارات الرئيس السيسى لكل من السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت واستقباله الرئيس الجزائرى عبدالمجيد تبون وانعقاد قمة العقبة الرباعية التى ضمت مصر والعراق والإمارات العربية والأردن، واستقبال الرئيس السيسى رئيس المجلس الرئاسى الليبى محمد المنفى وبعده رئيس مجلس السيادة السودانى الفريق عبدالفتاح البرهان، تأتى فى إطار ما توليه مصر من أهمية كبيرة وأولوية للدائرة العربية وتعزيز التعاون والعمل العربى المشترك سواء على المستوى الثنائى أو المستوى الجماعى من خلال تفعيل وتطوير التجارة البينية والتعاون الاقتصادى، وكذلك تنسيق المواقف العربية لمواجهة التحديات المختلفة.

وثالثها: قاطرة القلب الصلب، القائمة على التعاون بين الدول الصلبة مثل مصر والسعودية والإمارات العربية، لتقود قاطرة العمل المشترك والحفاظ على النظام الإقليمى العربى بعد الهزات الكبيرة التى تعرضت لها المنطقة خلال العقد الأخير خاصة فى مرحلة ما بعد ما عرف بالربيع العربى والتى أدت لهشاشة وضعف الكثير من الدول العربية وانتشار الصراعات والحروب وإعاقة عملية التنمية وتصاعد خطر الإرهاب وزيادة التدخلات الخارجية والإقليمية فى المنطقة والتى تحولت لساحة للاستقطاب والصراع بين هذه القوى الخارجية مما انعكس سلبا على القضايا العربية.

وفى ظل عالم قائم على المصالح, ومع تزايد حدة الاستقطاب العالمى, ليس هناك بديل آخر أمام العرب سوى التعاون المشترك وتوظيف الموارد والثروات العربية، البشرية والطبيعية، بما يعظم من قوة الدول العربية على الخريطة الاقتصادية العالمية, وكذلك تعزيز التنسيق والتشاور والتحرك لحل الأزمات العربية وتنسيق المواقف إزاء التطورات العالمية، لأن استمرار الانقسامات والخلافات وغياب التعاون العربى لن يصب فى مصلحة العرب وله تكلفة باهظة سلبية، وهذا ما تدركه مصر، ولذلك تعطى الأولوية للدائرة العربية فى سياستها الخارجية وجسدته التحركات المصرية المتواصلة على المستوى العربى.

نقلا عن الأهرام