مشاورات إقليمية مكثفة: ما لها وما عليها – الحائط العربي
مشاورات إقليمية مكثفة: ما لها وما عليها

مشاورات إقليمية مكثفة: ما لها وما عليها



لقاء قمة مصري- إماراتي- إسرائيلي في شرم الشيخ. إسرائيل تستضيف اجتماعاً يشمل وزير خارجيتها ونظرائه من الإمارات والبحرين، والمغرب ومصر وأميركا. لقاء قمة يستضيفه الأردن يجمع مصر والإمارات والعراق، ونقلت بعض وكالات الأنباء أن وزير الدولة السعودي حضره أيضاً. زيارة مسؤول إماراتي لإيران. زيارة الرئيس الأسد للإمارات واجتماعه وولي العهد ورئيس الوزراء. لقاءات سعودية إماراتية قطرية.

كل ذلك خلال أشهر قليلة، وبمعدلات أسرع خلال الأسابيع الأخيرة، ما دفع البعض للإسراع في الحديث عن محاور جديدة تتشكل في الشرق الأوسط، وفي الوقت نفسه جعلت هذه اللقاءات الكثيرة آخرين يستخفون بما نشهده على أساس أنه تحرك دون مضمون، وكلاهما مخطئ، فمن الأهمية عدم التسرع في استخلاص النتائج، لأن كل فعل له رد فعل كما علمنا علم الفيزياء، وقد تثبت التطورات أو تشكل قوة مضادة لها، كما أن الآثار الاستراتيجية للتطورات الأخيرة لن تتضح أو تستقر سريعاً، في ضوء الاضطراب العام في الساحة الدولية، والسيولة التي نشهدها في الشرق الأوسط.

مما لا شك فيه أن عديداً من الدول الشرق أوسطية تعيد ترتيب أوضاعها للتعامل مع التغيرات الدولية والإقليمية، أو تغير من أسلوب التعامل معها، أي إن أغلب هذه الدول تعتقد أن الشرق الأوسط يعاد ترتيبه، أو إنه في بداية مرحلة جديدة تفرض عليها التعامل مع واقع مختلف وبشكل جدي، ومن هنا نشهد مزيداً من التركيز على التعامل مع القضايا إقليمياً.

ويلاحظ أن أغلب الدول المشار إليها هم حلفاء أو أصدقاء للولايات المتحدة، حلفاء يجتمعون في الوقت الذي أكد فيه الحليف الأكبر أنه سيقف مع الأصدقاء ضد الإرهاب، وإنما لن يضحي بمواطنيه في معارك لا تعني أميركا بشكل مباشر، بل إن سياستها المعلنة في الشرق الأوسط هي تجنب تفاقم الأمور والكوارث الجديدة، ولا يخفى على أحد أن الولايات المتحدة متمسكة بعدم استخدام قوتها إلا في أصعب الظروف التي تمس المصلحة الأميركية المباشرة.

ويلاحظ أيضاً أن العلاقات الأمنية بين أميركا وحلفائها في الشرق الأوسط شهدت فتوراً وتبايناً في الآونة الأخيرة، كان ذلك حول توصيف بعض الجماعات في المنطقة بأنها جماعات إرهابية من عدمه، أو حجب بعض العتاد العسكري الأميركي عن بعضها، وسحب تكنولوجية عسكرية من ساحات أخرى، فضلاً عن قلق عديد منها من قرب التوصل إلى اتفاق حول إحياء الاتفاق النووي بين الدول دائمة العضوية وألمانيا وإيران، بخاصة إذا تم من دون ضبط السياسات الإيرانية الإقليمية الخشنة، وهو أمر بات قريباً، وهناك تحفظ حول ما يتردد عن رفع الحرس الثوري الإيراني من قوائم الإرهاب.

أهداف إسرائيل من كل ذلك واضحة تماماً، منها الضغط على أميركا لوضع ضوابط للاتفاق النووي الإيراني، وطرح جهودها وقدراتها في الشرق الأوسط بديلاً كلياً أو جزئياً للغطاء الأمني الأميركي، أو باعتبارها قناة فاعلة ومؤثرة في الساحة الأميركية لتجنب مزيد من التفاقم في العلاقات العربية مع إدارة بايدن، وإعادة جدولة الأولويات العربية بحيث لا تحظى القضية الفلسطينية على مكانة عالية وضاغطة، بخاصة في ضوء التآلف الحكومي الغريب في إسرائيل بين أقصى اليسار وأقصى اليمين، وبذلك تجعل نفسها ولأول مرة طرفاً إقليمياً فاعلاً ومقبولاً في الشرق الأوسط.

وتزامنت مع هذا بوادر تحسن في العلاقات التركية الخليجية، وتباطؤ في مسار المهادنة التركية مع مصر، وتثبيت تركيا سيطرتها على مواقعها داخل الأراضي السورية، الحليف الأكبر لروسيا في المنطقة، في الوقت الذي تنشط دورها في الوساطة بين روسيا وأوكرانيا من خلال اتصالات مع قمة الدولتين، واستضافة اجتماعات على مستوى وزراء الخارجية.

كل هذه الأحداث تؤكد على أن منطقة الشرق الأوسط تشهد تطورات وتغيرات ستكون لها آثار مهمة على المصالح العربية، ومن ثم على العالم العربي كتكتل سياسي، نشهد كل ذلك وللأسف الشديد نجد العالم العربي غير متحمس أو غير قادر على الاجتماع على مستوى القمة، بل إن اجتماع القمة العربي أجل مرة أخرى إلى شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، بدلاً من أن تكثف المشاورات بغية تقييم ما تشهده من تطورات، حتى وإن لم يتوافر توافق حولها.

الأمور مازالت غير واضحة، وتحتاج لمزيد من الوقت، قبل الإقرار بأن هناك تحولات جوهرية ومستقرة، وإنما ليس من الخطأ الانتهاء إلى أن هناك عدم ارتياح شرق أوسطي للسياسات الأميركية الأمنية، وأن البعض يريد تعويض الغطاء الأمني الأميركي أو دعمه بترتيبات أمنية إقليمية، وأعتقد أن الولايات المتحدة لا تمانع ذلك، كما يمكن استخلاصه من التصريحات الأخيرة لرئيس الأركان الأميركي.

وهناك توجهاً عربياً متزايداً للتحاور والتشاور في ما بين الدول العربية المتفقة في الرأي حول قضايا بعينها، وهو شيء أشجعه، فيجب أن نتحاور وتناقش القضايا في حموتها، وسعدت أن أرى عدداً من الدول العربية تشارك في أكثر من اجتماع وتجمع، وهو يعكس أنها تتحرك وتبادر، وإنما يجب التنويه بأن هذه المشاورات يجب أن تكون استراتيجية المنظور وبعيدة عن صفقات قصيرة الأجل، بخاصة مع دول غير عربية.

وأوكد على ضرورة تنشيط المشاورات العربية الجامعة، ليخدم كل مسار على الآخر، فكيف يعيد تشكيل الشرق الأوسط أو نشهد بوادر نحو ذلك، ويظل عالمنا العربي منقسم غرباً وشرقاً، شمالاً وجنوباً.

ولا أخفي انزعاجي من غياب الطرف والموضوع الفلسطيني عن الاجتماعات كافة، وهو أمر يتطلب مراجعة فلسطينية أولاً، وإنما كذلك من قبل الأطراف العربية، فمهما احتدت وتفاقمت القضايا الأخرى مازال الحق الفلسطيني قائماً ومشروعاً، ويجب أن تظل القضية ضمن أولوياتنا كحق أصيل، فضلاً عن أن أي توترات حولها لها انعكاسات في مختلف أنحاء العالم العربي، وهو ما جعل وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن يطالب الإسرائيليين والفلسطينيين بضبط الأمور، وتجنب الإجراءات الاستفزازية في الأسابيع المقبلة، التي تتزامن فيها الأعياد الإسلامية واليهودية، والمطلوب هنا تحرك فلسطيني عربي، بخاصة مع مصر والأردن والسعودية ومعها الجزائر رئيس القمة المقبلة.

نقلا عن اندبندنت عربية