أسفرت الانتخابات الرئاسية التركية التي أجريت جولتها الثانية في ٢٨ مايو الجاري، عن فوز الرئيس رجب طيب أردوغان على مرشح المعارضة كمال كيليجدار أوغلو، حيث حصل على 52.2٪ من الأصوات مقابل 47.8% للأخير. ويمكن القول إن رئاسة أردوغان التي ستمتد لخمس سنوات سوف يكون لها تأثيرات مباشرة على اتجاهات السياسة الخارجية التركية، ومن ثم مستقبل التحالف بين تركيا والولايات المتحدة الأمريكية في ظل القضايا الخلافية العالقة بين الحليفين الاستراتيجيين.
ملفات عديدة
رغم الشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا، ومشاركتهما عضوية حلف الناتو، ووجود قواعد عسكرية أمريكية وتابعة للحلف على الأراضي التركية؛ فإن العلاقات بين الحليفين خلال العقدين الأخيرين، ولا سيما بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في ٢٠١٦، واتهام أنقرة لواشنطن بدعمها، شهدت مزيداً من التوتر في ظل تحول أنقرة إلى قوة متوسطة في النظام الدولي، ورغبة أردوغان في تحويلها إلى قوة مؤثرة في التحولات الإقليمية والدولية، وهو ما دفعه إلى تبني سياسات تتعارض مع الرؤى والمصالح الأمريكية دولياً وفي منطقة الشرق الأوسط، والتعاون مع خصوم ومنافسي الولايات المتحدة الأمريكية، وهو النهج الذي يتوقع أن يزيد خلال السنوات الخمس القادمة. وتتمثل أبرز القضايا الخلافية التي ستؤثر على مستقبل العلاقات الأمريكية-التركية خلال فترة حكم أردوغان الجديدة فيما يلي:
1- موقف أنقرة من انضمام السويد للناتو: أوقفت تركيا طلب السويد بالانضمام إلى حلف الناتو، حتى تفي استكهولم بمطالب أنقرة بتسليم صحفيين وناشطين مرتبطين بحركات كردية، ولا سيما حزب العمال الكردستاني، تعتبرها الحكومة التركية تنظيمات إرهابية. وفي محاولة للامتثال لمطالب أنقرة قام البرلمان السويدي بتعديل دستور البلاد أواخر العام الماضي لتعزيز قوانين مكافحة الإرهاب. وقد أثار الرئيس الأمريكي جو بايدن قضية انضمام السويد للحلف خلال اتصاله الهاتفي في ٢٩ مايو الجاري مع أردوغان لتهنئته بالفوز في جولة الإعادة بالانتخابات الرئاسية التركية.
وعلى الرغم من نفي مسئولي الإدارة الأمريكية، وآخرهم وزير الخارجية أنتوني بلينكن في ٣٠ مايو الجاري، ربط صفقة أسلحة أمريكية لتركيا بموافقتها على انضمام السويد لحلف الناتو، فإن تصريح الرئيس الأمريكي حول اتصاله بأردوغان وتطرق الحديث إلى انضمام استكهولم للحلف وصفقة مبيعات المقاتلات الأمريكية من طراز “إف-١٦” لتركيا يوضح أن هناك ربطاً بين المسألتين، وهو ما أكد عليه وزير الخارجية التركي مولود تشاويش أوغلو أكثر من مرة، الذي قال إن المسئولين الأمريكيين أبلغوا نظراءهم الأتراك بأن إنهاء عرقلة تركيا لانضمام السويد إلى حلف الناتو من شأنه تشجيع المشرعين الأمريكيين على الموافقة على صفقة بيع مقاتلات “إف-١٦” لأنقرة.
2- التباين حول صفقة مقاتلات “إف-١٦”: بعد أن أوقفت الولايات المتحدة الأمريكية في عام ٢٠١٩ مشاركة تركيا في برنامج الطائرات الأمريكية المقاتلة من طراز “إف-٣٥” بعد حصولها على أنظمة الدفاع الجوي الروسية الصنع من طراز “إس-٤٠٠”، طالبت أنقرة بشراء ٤٠ طائرة جديدة من طراز “إف-١٦” و٧٩ مجموعة تحديث لطائراتها القديمة من الطراز نفسه في أكتوبر ٢٠٢١ في صفقة تبلغ قيمتها ٢٠ مليار دولار. ورغم تفضيل الرئيس جو بايدن إتمام الصفقة، حيث أعرب مراراً وتكراراً عن تفاؤله بأنه يمكن أن يحصل على موافقة الكونجرس على مبيعات المقاتلات الأمريكية لأنقرة، وإعلانه في قمة الناتو في يونيو ٢٠٢٢ في مدريد أن بيع المقاتلات الأمريكية لن يكون “مقايضة” لانضمام السويد وفنلندا إلى حلف الناتو؛ فإن عدداً من المشرعين الديمقراطيين، وفي مقدمتهم رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ السيناتور الديمقراطي بوب مينينديز، يرفضون إتمام الصفقة الأمريكية، بسبب ما اعتبروا أنه “عدوانية” في السياسة الخارجية التركية في شرق البحر الأبيض المتوسط، ونحو الأكراد السوريين، ولقمع أنقرة وسائل الإعلام المستقلة وأحزاب المعارضة، وتعاملاتها مع روسيا.
ولكن يتوقع أن تكون هناك انفراجة في صفقة “إف-١٦” لتركيا، في حال إحداث أنقرة تغييرات في موقفها من انضمام السويد لحلف الناتو، الأمر الذي قد يُشجع المشرعين الأمريكيين على الموافقة على الصفقة، ولا سيما مع موافقة الكونجرس في ١٧ أبريل الفائت –بحسب تقارير عديدة- على مبيعات بقيمة ٢٥٩ مليون دولار لتحديثات برامج المقاتلات الأمريكية “إف-١٦” إلى أنقرة، وتصريح رئيس لجنة الشئون الخارجية بمجلس النواب النائب الجمهوري مايكل مكول، في ٢٥ مايو الجاري، بأنه منفتح على الموافقة على الصفقة الأكبر البالغة ٢٠ مليار دولار.
3- معارضة واشنطن للضربات التركية ضد الأكراد: تعارض أنقرة الإدارة الذاتية التي يقودها الأكراد في شمال شرق سوريا، حيث تنظر إليها على أنها تهديد رئيسي يزيد من إثارة النزاعات الانفصالية بين الأكراد، ولذلك تشن من حين لآخر هجمات برية ضد “وحدات حماية الشعب الكردية” السورية، التي تشكل العمود الفقري لمليشيا “قوات سوريا الديمقراطية”، الحليف الرئيسي للولايات المتحدة الأمريكية في هزيمة تنظيم “داعش” الإرهابي، حيث تساوي أنقرة بين “وحدات حماية الشعب الكردية” و”حزب العمال الكردستاني” المحظور، والذي تصنفه أنقرة على أنه تنظيم إرهابي.
4- رفض التطبيع مع النظام السوري: اتّفقت تركيا وسوريا، في ١٠ مايو الجاري، على مواصلة الحوار من أجل تطبيع العلاقات في اجتماع رباعي في موسكو ضم روسيا وإيران، والذي من شأنه مساعدة الرئيس التركي على تحقيق تعهداته الانتخابية بإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، التي كانت قضية رئيسية في الانتخابات الرئاسية التركية، ومواجهة النفوذ الكردي في شمال شرق سوريا، حيث بنى أردوغان ائتلافه الانتخابي حول التعهد بمكافحة الإرهاب بحزم. وقد كانت تلك القضايا محور نقاش وزيرى الخارجية السوري والتركي في موسكو.
وتعارض الولايات المتحدة الأمريكية توجه القوى الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط لإعادة العلاقات مع نظام الرئيس السوري بشار الأسد، فقد أعربت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن عن عدم موافقتها على خطوات حلفائها لإعادة إحياء العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية مع سوريا، أو التعبير عن دعمهم لـ”إعادة تأهيل” نظام الأسد. وقد طالبت جميع الدول بالتفكير “مرتين” قبل التقارب مع النظام السوري.
5- الدعم العسكري الأمريكي لليونان: رغم عضوية تركيا واليونان في حلف الناتو، فإن العلاقات بينهما تشهد العديد من التوترات، الأمر الذي دفع أردوغان للتلميح بشن عمل عسكري ضد اليونان أكثر من مرة خلال العام الماضي. ولذلك سيكون لموافقة الإدارة الأمريكية على صفقة تتضمن ما لا يقل عن ٣٠ مقاتلة أمريكية من طراز “إف-٣٥” إلى اليونان التي طلبتها الحكومة اليونانية في ٣٠ يونيو الماضي، تأثيرات على مستقبل العلاقات الأمريكية-التركية، لأن تلك الصفقة سيكون لها بلا شك تداعيات كبيرة على ميزان القوى في بحر إيجه وشرق البحر الأبيض المتوسط، حيث ستعطي القوات الجوية اليونانية ميزة تكنولوجية على نظيرتها التركية، وسيظل هذا هو الحال، حتى لو حصلت تركيا على صفقة مقاتلات “إف-١٦”.
سياسة مزدوجة
لا يزال وصف مجلس العلاقات الخارجية في تقرير له صدر في نوفمبر ٢٠١٨ تركيا بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية على أنها “لا صديق لا عدو”، والذي عدله مؤلف التقرير ستيفن كوك في السنوات الأخيرة إلى “عدو أكثر من صديق” مناسباً لتوصيف العلاقات الأمريكية-التركية راهناً. ورغم توتر العلاقات الأمريكية-التركية، وتزايد توقعات استمراره خلال سنوات حكم الرئيس أردوغان الخمس القادمة في ظل تبني أنقرة سياسات تتحدى المواقف والمصالح الأمريكية في بعض القضايا الدولية، وليس أقلها الموقف من الحرب الروسية-الأوكرانية، ورفض أنقرة الانضمام إلى التكتل الغربي في فرض عقوبات على روسيا، ورفض انضمام السويد لحلف الناتو؛ فإن واشنطن وأنقرة ستعملان على إيجاد طرق لتسوية الخلافات، ولا سيما التقارب التركي-الروسي، وتوسيع حلف الناتو، والوضع في سوريا؛ لتحقيق المصالح المشتركة نظراً لحاجة كل منهما للأخرى، حيث لا تزال الدولتان ملتزمتين بعضويتهما في حلف الناتو بالدفاع عن بعضهما بعضاً حتى مع خلافاتهما.