مستقبل العالم العربى فى ظل المتغيرات الإقليمية والدولية «١» – الحائط العربي
مستقبل العالم العربى فى ظل المتغيرات الإقليمية والدولية «١»

مستقبل العالم العربى فى ظل المتغيرات الإقليمية والدولية «١»



هذا هو عنوان الندوة التى نظمتها لجنة الشئون العربية والخارجية التى يرأسها الابن العزيز الأستاذ حسين الزناتى وكيل نقابة الصحفيين ورئيس تحرير مجلة علاء الدين، والتى أدارها باقتدار الابن الوفى الدكتور أبوبكر دسوقى عضو اللجنة ومستشار تحرير مجلة «السياسة الدولية» العريقة، وحضرها لفيف من أعضاء النقابة والنخبة المهتمة بالموضوع، وقد شرفت بدعوتى من السفير عزت سعد مدير المجلس المصرى للشئون الخارجية والدكتور مغاورى شلبى الخبير الاقتصادى، للحديث فى هذه النقابة العتيدة ممثلة السلطة الرابعة وقلعة حرية الرأى، كما شرفت بلقاء نقيبها القدير الأستاذ خالد البلشى، وقد بدأت حديثى الذى طُلب منى أن يدور حول التحولات العربية والإقليمية بعرض الفرضية التى ينطلق منها تحليلى، ومفادها أن مصادر التحول فى النظام العربى تنبع بالأساس من محيطه الإقليمى وإطاره العالمى، أما معطياته الذاتية فقد تمتعت عبر الزمن بثبات لافت فى طبيعتها بغض النظر عن الاختلاف فى التفاصيل، وبما أن الثبات يعنى الجمود فإنه قد يقود إلى التدهور، ولأُفَصل فى شرح هذه الفرضية.

إذا نظرنا للوطن العربى كنظام إقليمى فإن حال هذا النظام ومستقبله يتوقف على ثلاثة أنواع من المتغيرات، أولها ينبع من أوضاعه الذاتية، وثانيها يرتبط بمحيطه الإقليمى الذى تبرز فيه بصفة خاصة ثلاث قوى إقليمية رئيسية هى تركيا وإيران وإسرائيل، أما النوع الثالث فهو إطاره العالمى الذى ينطوى بسبب موازين القوى على تأثير واضح للقوى العظمى والكبرى على النظم الفرعية الإقليمية ومنها النظام العربى، وبالنسبة للنوع الأول من المتغيرات ناقشت ثلاثة ملامح انطوى عليها تطور النظام العربى، أولها ما يمكن تسميته بظاهرة الأزمات الدورية فى النظام وآليات التعافى منها مع زيادة ملحوظة عبر الزمن فى مُدَد التعافى كما سيجئ، والثانى ظاهرة قدسية السيادة الوطنية التى أُسس عليها النظام منذ نشأته ومازالت تحكمه حتى الآن، والثالث ظاهرة الصراعات أو الخلافات المُزْمنة بين وحداته التى لازمته منذ نشأته وحتى الآن. وبخصوص الملمح الأول (الأزمات الدورية) تعرض النظام منذ نشأته فى كل عقد تقريبًا لهزيمة من عدو خارجى، أو أزمة بين وحداته (هزيمة ١٩٤٨ فى الحرب العربية ـ الإسرائيلية الأولى ـ هزيمة ١٩٦٧ـ الانقسام المصرى العربى حول التسوية السلمية مع إسرائيل فى نهاية سبعينيات القرن الماضى ومعظم ثمانينياته ـ الغزو العراقى للكويت ١٩٩٠ـ الغزو الأمريكى للعراق ٢٠٠٣ وهكذا)، غير أن الملاحظ أن النظام كان يمتلك آليات للتعافى، فتم التوصل لمعاهدة الدفاع العربى المشترك فى ١٩٥٠ التى أحدثت نقلة نوعية فى نظام الجامعة العربية بتأسيس مجلس الدفاع العربى المشترك الذى يستطيع اتخاذ قرارات ملزمة بأغلبية الثلثين، غير أن التعافى الأهم حدث بعد ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢ وقيادتها مرحلة التحرر العربى من الاستعمار باقتدار، وبعد هزيمة ١٩٦٧ التأم شمل النظام العربى رغم تناقضاته بعد أقل من٣ أشهر على الهزيمة فى قمة الخرطوم، وتم إقرار الإطار السياسى لإعلاء اعتبارات الأمن القومى العربى بعد إزاحة التناقضات العربية للخلف، وأهمها الصراع المصرى – السعودى حول ثورة اليمن، والاتفاق على استراتيجية للمواجهة السياسية وأخرى لدعم دول المواجهة تم الالتزام بهما حتى قيام حرب أكتوبر المجيدة، ثم تبلورت آلية استعادة التضامن العربى عقب معاهدة السلام المصرية – الإسرائيلية مع تطورات الحرب العراقية – الإيرانية التى انطوت على احتمالات خطيرة لم تكن مواجهتها ممكنة مع وجود مصر خارج الصف العربى، فأُعيدت الُلحمة له ما بين قمتى عمان ١٩٨٧ التى أقرت عودة العلاقات المصرية ـ العربية على الصعيد الثنائى، والدار البيضاء ١٩٨٩ التى شهدت عودة مصر لمؤسسات العمل العربى المشترك، وأمكن بعد جهد جهيد تحقيق المصالحة الكويتية ـ العراقية فى قمة بيروت ٢٠٠٢، أما الغزو الأمريكى للعراق وتداعياته التى اشتبكت مع تداعيات الانتفاضات الشعبية العربية فى مطلع العقد الثانى من هذا القرن فمازال النظام العربى يعانى من آثارها، ويُلاحظ كما سبقت الإشارة أن مُدَد التعافى آخذة فى الزيادة عبر الزمن، فقد تراوحت من سنتين لأربع فى هزيمة ١٩٤٨، ووصلت إلى ٦ سنوات فى هزيمة ١٩٦٧، واقتربت من العقد فى الخلاف المصرى العربى بعد معاهدة السلام مع إسرائيل، ومضت ١٢ سنة قبل أن يمكن تحقيق المصالحة بين الكويت والعراق، أما تداعيات الغزو الأمريكى للعراق وما لحقها من تداعيات الانتفاضات الشعبية العربية فقد استمرت حتى الآن لعقدين كاملين دون أن تظهر بوادر الخلاص.

أما الملمح الثانى الحاكم للتفاعلات العربية فهو تقديس السيادة الوطنية الذى أُسست عليه الجامعة العربية أصلًا، لدرجة أن ميثاقها كان يعفى الدول التى لم توافق على قرار ما من الالتزام به حتى ولو كان قد اتُخذ بالإجماع عدا صوت الدولة المعترضة، ورغم أن نص المادة الخاصة بالتصويت قد عُدل بحيث يسمح بعد إجراءات معقدة باتخاذ قرارات بأغلبية الثلثين إلا أن ظاهرة عدم الالتزام بقرارات الجامعة حتى بالنسبة لمن وافقوا عليها بقيت مشكلة بلا حل رغم كل الجهود المخلصة التى بُذِلَت فى هذا الشأن، وتُعَد هذه الظاهرة مسئولة عن جمود النظام العربى، إما بمعنى الفشل فى تطويره مؤسسيًا كحالة إنشاء محكمة العدل العربية المنصوص عليها فى الميثاق، والتى ظلت حائرة على جدول أعمال مجلس الجامعة ما لا يقل عن خمسة عقود دون أن تصل إلى بر السلامة، أو فى تفعيل التطوير المؤسسى المهم الذى تم، كما فى حالة معاهدة الدفاع العربى المشترك التى لم يُقَدر لها أن تُطَبق تطبيقًا كاملًا مرة واحدة بسبب الحساسيات الوطنية الفائقة من تموضع قوات عربية من دول ما فى أراضى دولة عربية أخرى كما حدث فى تنفيذ قرارات القيادة العربية المشتركة التى أسستها قمة القاهرة ١٩٦٤.

نقلا عن الأهرام