حدود التغيير:
مستقبل السياسة الإيطالية في المنطقة بعد فوز اليمين المتطرف

حدود التغيير:

مستقبل السياسة الإيطالية في المنطقة بعد فوز اليمين المتطرف



أسفرت نتائج الانتخابات التشريعية الإيطالية المبكرة، التي أُجريت في ٢٥ سبتمبر الفائت، عن فوز متوقع لتحالف أحزاب اليمين المتطرف بالأغلبية على حساب الأحزاب التقليدية في مجلسي النواب والشيوخ، حيث حصل على نحو ٤٤٪ من الأصوات، ويأتي في صدارته حزب “إخوة إيطاليا” بقيادة جورجيا ميلوني، التي من المتوقع أن تكون أول رئيسة للوزراء في إيطاليا بعد نجاحها في تشكيل حكومة إيطالية ستكون الأكثر يمينية منذ الحرب العالمية الثانية.

وقد اعتبرت عدة تحليلات أوروبية أن فوز تحالف اليمين المتطرف في إيطاليا، بعد انتصاره بأسبوعين في الانتخابات السويدية، يُمثل “زلزالاً سياسياً كبيراً” في أوروبا كلها، حيث سيؤدي إلى تغييرات هائلة في إيطاليا، العضو المؤسس للاتحاد الأوروبي وثالث أكبر اقتصاد في منطقة اليورو.

قضايا رئيسية

مع فوز ميلوني وتحالفها اليميني المتطرف في الانتخابات الإيطالية، تُثار التساؤلات حول تداعيات ذلك على علاقات إيطاليا مع حلفائها بمنطقة الشرق الأوسط بعد فترة من تعزيز روما لتلك العلاقات مع بعض دول المنطقة في ظل أزمة الطاقة التي تعاني منها معظم الدول الأوروبية في أعقاب الحرب الروسية-الأوكرانية، والتعاون الأمني والاقتصادي بين إيطاليا وعدد من دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث يتبنى التيار المتطرف الأوروبي أفكاراً ومواقف ومقاربات قد تؤثر على مستقبل العلاقات الإيطالية-العربية. وتتمثل أبرز القضايا التي ستتقدم السياسة الخارجية للحكومة الإيطالية الجديدة تجاه منطقة الشرق الأوسط فيما يلي:

١- مواجهة الهجرة غير الشرعية: على مدى سنوات، انتقدت جورجيا ميلوني سياسات الهجرة الإيطالية، فقد وصفتها بأنها متساهلة للغاية، وأنها تخاطر بتحويل البلاد إلى “مخيم للاجئين في أوروبا”. وقد أوضحت منذ فترة طويلة أن وقف تدفقات الهجرة عبر البحر الأبيض المتوسط هو إحدى أولوياتها. ولذلك، يتوقع أن تصبح قضية الهجرة أحد المجالات التي يمكن لميلوني أن تحقق فيها تغييراً جذرياً وبسهولة كبيرة. فقد دعت في السابق لإغلاق الحدود الإيطالية لحماية البلاد مما تعتبره “أسلمة” أوروبا. وعلى غرار الأحزاب والحركات اليمينية المتطرفة الأخرى في أوروبا، نددت ميلوني بالتحول الإثني الحاصل في إيطاليا، ودعت إلى فرض حصار بحري على سواحل ليبيا، عبر تفعيل مهمّة أوروبية لوقف قوارب المهاجرين غير الشرعيين منها تجاه روما. ودعت إلى إنشاء ما يسمى “النقاط الساخنة” في أفريقيا يتم فيها تقييم من هو لاجئ حقاً، ومن ثم توزيع اللاجئين على دول الاتحاد الأوروبي السبع والعشرين. ويتوقع كثيرون أن تستأنف ميلوني جهود ماتيو سالفيني زعيم حزب “الرابطة” اليميني المتطرف، خلال فترة توليه منصب وزير الداخلية في عام ٢٠١٨ لتفكيك مرافق وخدمات الاستقبال العامة لطالبي اللجوء.

٢- الحفاظ على اتفاقات الغاز مع دول المنطقة: وعدت ميلوني بالدفاع عن المصالح الوطنية أولاً في معالجة تكاليف الطاقة في إيطاليا الناجمة عن الحرب الروسية في أوكرانيا، ولذلك يتوقع أن تحافظ الحكومة الإيطالية الجديدة على اتفاقيات الغاز التي وقعتها الحكومة السابقة مع دول بشمال أفريقيا لتأمين إمدادات بديلة كافية من الغاز لتعويض أي نقص خلال الشتاء إذا أوقفت روسيا جميع الصادرات إلى روما، ولا سيما الاتفاق الذي وقعته حكومة ماريو دراجي مع الجزائر خلال القمة الجزائرية-الإيطالية الرابعة في ١٨ يوليو الماضي، بزيادة إمدادات الغاز الجزائري إلى روما، التي تُعد أكثر الدول الأوروبية اعتماداً على الغاز الروسي، حيث تستورد ما يقرب من ٩٥٪ من الغاز الذي تستهلكه. وقد كان لافتاً أنه في أعقاب نتائج الانتخابات, أبرمت شركة “إينيل” لإدارة الطاقة والسلع العالمية اتفاقية مع شركة الطاقة الحكومية الجزائرية “سوناطراك” في ٢٨ سبتمبر الفائت، بموجبها ستدفع الشركة الإيطالية المزيد مقابل الغاز الطبيعي الذي ارتفعت أسعاره العالمية خلال هذا العام.

٣- حماية المصالح الإيطالية في ليبيا: يتوقع العديد من المراقبين في إيطاليا أن تسير الحكومة الإيطالية الجديدة على سياسات الحكومة السابقة لحماية المصالح الإيطالية في ليبيا، ولا سيما في قطاع الطاقة، حيث تمتلك روما استثمارات كبيرة فيه، مع عدم تأييد أي من الحكومتين المتنافستين (حكومة عبدالحميد الدبيبة، وحكومة فتحي باشأغا)، ورفض الأعمال الأحادية المزعزعة للاستقرار الليبي. وستكون قضية الهجرة غير الشرعية أيضاً المحرك الرئيسي لسياسة الحكومة الإيطالية الجديدة تجاه ليبيا، حيث يتوقع أن تسعى إلى عقد صفقات مع الأخيرة لوقف عبور قوارب المهاجرين من السواحل الليبية، حيث يتخذها عدد من المهاجرين غير الشرعيين نقطة عبور لإيطاليا بحكم التقارب الجغرافي بين البلدين، وحالة الانفلات الأمني في ليبيا التي تشهد نشاطاً مكثفاً لتهريب البشر.

٤- الاهتمام بملفات الحريات وحقوق الإنسان: أشارت ميلوني في تغريدة على حسابها بموقع “تويتر”، في الأول من أكتوبر الجاري، إلى تركيز السياسة الإيطالية تجاه منطقة الشرق الأوسط على قضايا حقوق الإنسان والحريات الدينية، بجانب أمن الطاقة واستقرار منطقة البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط. ومع استمرار الاحتجاجات التي تشهدها إيران بعد وفاة مهسا أميني في أعقاب اعتقالها في ١٣ سبتمبر الفائت بسبب اتهامها بارتداء الحجاب بشكل غير مناسب من قبل شرطة الأخلاق؛ أشادت ميلوني، في ٢٨ من الشهر نفسه، باحتجاجات النساء الإيرانيات والدفاع عن حقوقهن وحرياتهن على الرغم من إشادتها سابقاً في عام ٢٠١٨ بدور إيران وحزب الله اللبناني، أحد أبرز وكلاء طهران المسلحين في المنطقة، وحكومة بشار الأسد، في الدفاع عن المجتمع المسيحي في سوريا. وفي عام ٢٠١٤، شجبت تعامل الجيش الإسرائيلي مع الأطفال في غزة، والهجمات العسكرية ضد مستشفى وملعب في مخيم للاجئين بالقطاع.

٥- تعزيز العلاقات الإيطالية-الإسرائيلية: تعهدت ميلوني بدعم إسرائيل، حيث أشارت إلى علاقتها بحرب “الليكود”، وتحدثت عن زيارات سابقة لها لإسرائيل، وسعت إلى التقليل من شأن الجذور الفاشية الجديدة لحزبها، وأدانت القوانين المعادية لليهود، وتحدثت عن معاداة السامية، وذكرت أنها تعتزم زيارة تل أبيب قريباً للتركيز على تعزيز التعاون والشراكة بين البلدين في مجالات يأتي في مقدمتها تزويدها بالغاز الطبيعي عبر شرق البحر الأبيض المتوسط. وتؤكد على حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها. وتتوقع تقارير إسرائيلية أن ميلوني لن تنقل السفارة الإيطالية من تل أبيب إلى القدس، في التزام بقرار الحكومات الإيطالية السابقة بعدم نقل السفارة في ضوء معارضة الاتحاد الأوروبي لتلك الخطوة، واعتبارها قضية حساسة تستوجب التعامل مع شركاء روما في الاتحاد.

متغيرات أساسية

على الرغم من حالة القلق التي تنتاب عدداً من المحللين حول تأثيرات فوز اليمين المتطرف في الانتخابات الإيطالية على قضية الهجرة بالنسبة لروما، فإنه لن تحدث تحولات جذرية في السياسة الإيطالية تجاه منطقة الشرق الأوسط لثلاثة أسباب رئيسية؛ يتمثل أولها في أن قضية الحد من الهجرة غير الشرعية من منطقة شمال أفريقيا لأوروبا هي قضية تتفق عليها كافة الأحزاب السياسية بصرف النظر عن انتماءاتها السياسية والأيديولوجية. ويتعلق ثانيها بأن روما لم تكن فاعلاً أوروبياً قوياً في كثير من ملفات منطقة الشرق الأوسط المعقدة والمتعددة إلا الملف الليبي، ولم تستثمر الحكومات الإيطالية السابقة الكثير من الموارد والجهد لتوثيق العلاقات مع دول عربية إلا تلك التي قد توفر لها بديلاً عن الغاز الروسي في أعقاب الحرب في أوكرانيا. بينما ينصرف ثالثها إلى تعدد التحديات الداخلية والأزمات المتوقعة لعلاقات إيطاليا مع الاتحاد الأوروبي كمؤسسة، والتي ستفرض نفسها بقوة على أجندة الحكومة الإيطالية الجديدة، وتستحوذ على مجمل اهتمامها.