اهتمام متنامٍ:
مرتكزات الاستراتيجية الهندية تجاه منطقة الشرق الأوسط

اهتمام متنامٍ:

مرتكزات الاستراتيجية الهندية تجاه منطقة الشرق الأوسط



تكتسب منطقة الشرق الأوسط، ولا سيما منطقة الخليج العربي، أهمية استراتيجية للهند بشكل مطرد منذ انتخاب رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، حيث سعت نيودلهي إلى توثيق علاقاتها الاقتصادية والأمنية والعسكرية مع دول المنطقة، في ظل اعتمادها على مصادر الطاقة من المنطقة، بالتوازي مع تطلع العديد من الدول العربية إلى القوى الآسيوية الصاعدة لتنويع علاقاتها العسكرية والسياسية، وهو ما تكشفه عديد من الزيارات العربية والهندية المتبادلة، وآخرها الزيارة الثالثة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لنيودلهي في ٢٥ يناير الجاري للمشاركة كضيف رئيسي في عيد الجمهورية الهندية، وتعزيز العلاقات الثنائية التجارية والاقتصادية وتوسيع التعاون العسكري والأمني بين البلدين.

محاور رئيسية

على الرغم من اهتمام الهند بمواصلة تدفق النفط العربي لاستمرار نموها الاقتصادي، وطموحها للتحول من قوة متوسطة في النظام الدولي إلى قوة كبرى، فإن الاستراتيجية التي تتبناها الهند تجاه منطقة الشرق الأوسط أضحت أكثر تركيزاً على توسيع مجالات علاقاتها وشراكاتها مع دول المنطقة في مجالات جديدة، تحقق فيها نيودلهي طفرات تدفع الدول العربية للبحث عن أطر تعزيز التعاون المشترك معها. وتتمثل أبرز محاور العلاقات العربية-الهندية فيما يلي:

1- تعزيز التعاون الفضائي بين الهند والإمارات: تتطلع نيودلهي التي أضحت إحدى القوى الفضائية الرائدة في العالم؛ إلى تعزيز تعاونها الفضائي الثنائي مع بعض دول منطقة الشرق الأوسط، التي لديها طموح لاكتشاف الفضاء الخارجي. فخلال مشاركته في حوار أبوظبي للفضاء خلال الفترة من ٥ إلى ٦ ديسمبر الفائت، أكد الدكتور جيتندرا سينغ وزير الدولة للفضاء والعلوم والتكنولوجيا في الهند، خلال الجلسة الافتتاحية، أن “حوار أبوظبي للفضاء حدث عالمي ضخم، ومنصة ستقدم مخرجاتها للعالم الكثير من الحلول التي ستسهم في حل الكثير من التحديات التي تواجه قطاع الفضاء”، وأضاف: “دولة الإمارات من الدول المهمة في قطاع الفضاء؛ بفضل الإنجازات الكبيرة والنجاحات التي حققتها مشروعاتها، ومن بينها مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ، وبرنامج الإمارات لرواد الفضاء”، منوهاً بأن “نجاحات دولة الإمارات تضعها في مكانة متميزة بين اللاعبين الرئيسيين في هذا القطاع عالمياً”.

2- إبرام مذكرات تفاهم مع السعودية بشأن الطاقة المتجددة: مع بروز الهند كدولة رائدة عالمياً في مجال الطاقة المتجددة، حيث أصبحت ثالث أكبر دولة منتجة لها عالمياً، والرابعة في إنتاج طاقة الرياح، والخامسة في إنتاج الطاقة الشمسية، أضحى التعاون في مجال الطاقة المتجددة بين الهند والدول العربية أحد محاور الشراكة الهندية-العربية.

وفي هذا السياق، قام وزير التجارة والصناعة الهندي بيوش جويال، بزيارة السعودية، في 19 سبتمبر الماضي، للمشاركة في اجتماع لجنة الاقتصاد والاستثمار في مجلس الشراكة الاستراتيجية السعودي–الهندي، وتضم لجنة الاقتصاد والاستثمار في مجلس الشراكة، عدة مجموعات عمل متخصصة في الطاقة، والزراعة، والأمن الغذائي، وتقنية المعلومات، بالإضافة إلى المجموعة المشتركة للصناعة.

وقد اتخذت هذه المجموعات خلال الفترة الماضية خطوات إجرائية عديدة، منها توقيع مذكرة تفاهم للتعاون في مجال الطاقة المتجددة بين الطرفين، إلى جانب مذكرتي تعاون بين مركز الملك عبد الله للدراسات والبحوث البترولية (كابسارك)، ومراكز الأبحاث الهندية، نتج عنهما عقد 3 ندوات مشتركة، وورشتا عمل، وإنتاج 24 بحثاً يخص الأنشطة المشتركة.

3- مواصلة التنسيق مع مصر لمواجهة الإرهاب: هناك اهتمام هندي متصاعد بالجهود العربية لمواجهة الإرهاب، نظراً لقرب منطقة الشرق الأوسط من الهند، فأي صعود للأيديولوجيات الراديكالية المتطرفة في بعض الدول العربية ستكون له تأثيرات مباشرة على نيودلهي. ولذلك سعت الهند إلى تعزيز تعاونها الأمني مع دول منطقة الشرق الأوسط لمواجهة الإرهاب بالمنطقة. فخلال زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى نيودلهي، اتفقت الهند ومصر على تعزيز التعاون المشترك في المجال الأمني لمواجهة الإرهاب والعنف، انطلاقاً من قناعة مصرية وهندية من أنه لا تنمية دون استقرار أمني. وفي ٨ يناير الجاري، أعلنت السلطات الهندية القبض على عنصرين من خلية تابعة لتنظيم “داعش” على صلة بشخصيات في سوريا.

4- تطوير العلاقات الثنائية مع سوريا: حافظت الهند خلال السنوات الماضية على علاقاتها مع نظام الرئيس السوري بشار الأسد، فقد استمر التمثيل الدبلوماسي وبعض المشاريع الاقتصادية بين الهند وسوريا، وأبدت الأولى استعدادها للتعاون الاقتصادي مع الثانية في مجال إعادة الإعمار. وخلال زيارة وزير الخارجية السوري فيصل المقداد إلى الهند في 18 نوفمبر الماضي، أبدى نائب الرئيس الهندي جاغديب دانخار استعداد نيودلهي للتعاون مع النظام السوري في مجال الطاقة المتجددة، والأدوية والأسمدة، والطيران المدني والتدريب المهني.

ولمواجهة الوضع الإنساني المتدهور في سوريا، وزيادة عدد الأشخاص الذين باتوا في حاجة للمساعدات الإنسانية من ١٤,٦ مليون شخص في العام الفائت إلى ١٥,٣ مليون شخص متوقع خلال العام الجاري، أعلنت المندوبة الدائمة للهند لدى منظمة الأمم المتحدة روتشيرا كامبوج، في ٢٢ ديسمبر الفائت، عن تقديم نيودلهي تسهيلات ائتمانية للنظام السوري بقيمة ٢٨٠ مليون دولار من أجل بناء محطة للطاقة ومعمل للحديد والصلب في سوريا، بجانب شحنات الأغذية والأدوية التي يتم إرسالها من وقت لآخر للنظام السوري لمواجهة الارتفاع في أسعار الغذاء في أعقاب الحرب الروسية–الأوكرانية، واحتواء تداعيات جائحة كوفيد-١٩.

5- تقديم مساعدات إنسانية للفلسطينيين: تبرعت الحكومة الهندية، في ٢٢ يوليو و٣١ أكتوبر الماضيين، بـ٢,٥ مليون دولار لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا) بهدف دعم برامجها وخدماتها التي تشمل التعليم والرعاية الصحية والإغاثة والخدمات الاجتماعية للاجئين الفلسطينيين. وقد قدمت نيودلهي ٢٠ مليون دولار لدعم خدمات الأونروا الأساسية في الشرق الأوسط منذ عام ٢٠١٨. وتجدر الإشارة إلى أن الهند حلال تسلمها رئاسة مجلس الأمن في ديسمبر الفائت أكدت على دعمها للمفاوضات المباشرة بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل بشأن جميع قضايا الحل النهائي باعتبارها أفضل آلية للتوصل إلى حل الدولتين.

6- دعم الجزائر في المنظمات الدولية: أعلن السفير الهندي بالجزائر غوراف أهلواليا، في ١٦ يناير الجاري، أنه في ظل دعم الجزائر بقوة للهند للفوز بمقعد غير دائم بمجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة خلال الفترة ٢٠٢١-٢٠٢٢، فإن نيودلهي ستدعم الجزائر للفوز بالمقعد نفسه خلال الفترة ٢٠٢٤-٢٠٢٥. وقد أكد أيضاً على دعم بلاده لانضمام الجزائر إلى مجموعة “بريكس”، بعد تقدمها بطلب رسمي للانضمام للمجموعة في ٧ نوفمبر الماضي. وكشف أن دول “بريكس” حالياً بصدد مناقشة معايير الانضمام وفق أسس ستكون فيها العضوية مفتوحة للدول الجديدة التي تقدمت بطلب الانضمام للمجموعة.

دبلوماسية نشطة

من المتوقع مع تحول منطقة الشرق الأوسط إلى ساحة لمنافسة القوى العظمى في ظل اهتمام صيني بتوسيع نطاق نفوذها وشراكاتها في المنطقة، أن تتبنى الهند تحت رئاسة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، سياسة أكثر نشاطاً في المنطقة. ولكون الهند، التي تتطلع لأن تكون قوة عالمية مؤثرة، ثالث مستهلك للطاقة بعد الولايات المتحدة الأمريكية والصين، فإنها لن تسمح لإمداداتها من الطاقة بالتعرض للخطر. ولذلك فإن استقرار المنطقة، ومنع نشوب صراعات جديدة في الدول المجاورة، وضرورة مواجهة الحركات المتطرفة والإرهابية، يدخل ضمن المصالح الهندية الرئيسية في منطقة الشرق الأوسط خلال السنوات القادمة.