جلسة استماع:
“مداخل تطوير العلاقات البينية العربية”

جلسة استماع:

“مداخل تطوير العلاقات البينية العربية”



نظّم مركز “العالم العربي للأبحاث والدراسات المتقدمة”، بالقاهرة، بتاريخ 9 نوفمبر 2021، جلسة استماع بعنوان “مداخل تطوير العلاقات البينية العربية”. واستضاف المركز الدكتور “أحمد يوسف أحمد” أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة والمدير السابق لمعهد البحوث والدراسات العربية التابع لجامعة الدول العربية كمتحدث رئيسي في الجلسة، بجانب مشاركة عدد من الخبراء والباحثين المتخصصين في مجالات مختلفة ومنهم: الدكتور محمد عز العرب، والدكتور محمد عباس ناجي، والأستاذ أحمد عليبة، والأستاذ عمرو عبدالعاطي، والأستاذ محمد بسيوني.

السياق المأزوم

انطلق الدكتور أحمد يوسف أحمد في تناوله للعلاقات البينية العربية الراهنة، بالتأكيد على أن الوضع العربي الحالي يعاني من تردٍّ بالغ. وبالرغم من أن تأزم الأوضاع العربية ليس بالأمر الجديد، فإن الوضع الراهن يُعتبر أكثر تردياً في ظل تشابك وتداخل العديد من العوامل التي عقّدت من إمكانية طرح آليات لتعافي النظام العربي، كما أطالت من أمد التأزم. وفي هذا الإطار، أشار إلى أن أزمة النظام العربي الراهن ترتبط بعددٍ من الأبعاد الرئيسية المتمثلة فيما يلي:

1 تهديد كيانات الدول العربية: حيث إن الدولة العربية الوطنية منذ نشأتها وهي تعاني من أزمة كبيرة جعلتها توصف -في الكثير من الأحيان- بالكيانات الهشة، ولا سيما مع تأثيرات الانتماءات الأولية (القبيلة، المذهب، العرق، الطائفة)، وهيمنتها على المشهد السياسي والمجتمعي في الكثير من الدول العربية، وهكذا جاءت موجة الانتفاضات الشعبية العربية، التي بدأت في تونس نهاية عام 2010، على كيانات (دول) ضعيفة بالفعل. كما تكشّفت في السنوات الماضية اتجاهات دافعة نحو تفتت الدولة العربية، وهو أمر محتمل حدوثه وغير مستبعد في السنوات القادمة في ظل الأزمات العميقة التي تعايشها أكثر من دولة عربية، وكذلك الانقسامات السياسية التي تواجهها أكثر من دولة مثل العراق وليبيا.

2- النقلة النوعية في الظاهرة الإرهابية: ربما يكون الإرهاب غير جديد على المنطقة، ولكن المرحلة الحاضرة شهدت بعض ملامح التغير في الظاهرة الإرهابية. أول هذه الملامح يتعلق بالتوظيف السياسي للإرهاب من قبل بعض الدول. ويتصل الملمح الثاني بقدرة الإرهاب على إنشاء دولته الخاصة، مثل ما جرى في حالة داعش في كل من العراق وسوريا، وبالرغم من هزيمة داعش إلا أن الإرهاب مستمر وقادر على الترويج لأفكاره وأدواته. ويشير الملمح الثالث إلى التعايش مع الإرهاب، وهو ما يجسده بوضوح اتفاق الرئيس الأمريكي السابق “دونالد ترامب” مع حركة طالبان في فبراير 2020، فالاتفاق يكشف عن أن الدولة العظمى في العالم حينما أرادت أن تخرج من أفغانستان لم تتفاوض مع الحكومة الأفغانية الشرعية التي ساهمت في تكوينها، وإنما تفاوضت مع حركة طالما تعاطت معها -هي والدول الغربية- على أنها حركة إرهابية وحاضنة لتنظيمات إرهابية.

3- تهديد الهوية العربية: حيث قام النظام العربي بصورة أساسية على فكرة العروبة، ولكن بمرور الوقت باتت هذه الهوية تواجه مهددات عديدة، بعض هذه المهددات جاءت من داخل النظام العربي، ولا سيما من جانب تيارات الإسلام السياسي السني، ثم بعد ذلك من تيار الإسلام السياسي الشيعي الذي تزايد حضوره عقب الثورة الإيرانية عام 1979، وربما يكون التيار الشيعي، المؤيد لإيران، هو الأخطر على العروبة لأنه يعارض بصورة كاملة الهوية العربية. وبالرغم من أن التيار السياسي السني يُمثل تهديداً أيضاً للعروبة، إلا أنه قد يكون في مرتبة تالية في الخطورة، خصوصاً أنه قد ظهرت بعض الاتجاهات داخل الإسلام السياسي السني تحاول التوفيق مع فكرة العروبة. وبخلاف المهددات الداخلية، كانت هناك أيضاً مهددات خارجية ترتبط برؤية القوى الدولية للمنطقة، وطرح مشروعات للمنطقة تقوض من فكرة الهوية العربية، وذلك على غرار المشاريع والمبادرات الشرق أوسطية.

4- تفاقم الاختراق الخارجي للدول العربية: فمنذ نهاية السبعينيات من القرن الماضي تزايد الاختراق الخارجي للوطن العربي بأكثر من معنى، فالثورة الإيرانية كان لها مشروع توسعي في المنطقة، ونجحت في إقامة نفوذ في أكثر من دولة عربية، كما أن الولايات المتحدة بعد غزوها العراق باتت أكثر حضوراً وتدخلاً في قضايا المنطقة، كما تبنت تركيا نهج التدخل الإكراهي في أكثر من دولة عربية، مثل سوريا والعراق وليبيا. ولعل النموذج السوري الحالة الأهم لهذا الاختراق الخارجي للنظام العربي، حيث يبدو أن التفاوض على تسوية الأزمة سيكون بين ثلاثة أطراف رئيسية، هي روسيا وتركيا وإيران، وليس من بينهم أطراف عربية.

5- هشاشة التحالفات العربية: وهي سمة رئيسية للنظام العربي تاريخياً، فكل مشروعات التحالفات والوحدات لم تستمر كثيراً، حتى إن بعض الكيانات التي استمرت، مثل الجامعة العربية، عانت من الكثير من الإشكاليات التي أثرت على فعاليتها وقدرتها على القيام بدور هام في النظام العربي.

6- التباين في مفهوم الأمن القومي: يفترض مفهوم الأمن القومي العربي الاتفاق حول مصادر التهديد للأمن القومي، ولكن الإشكالية التي باتت تواجهها الدول العربية في العقود الماضية هي التباين في رؤية الدول العربية لمصادر تهديد أمنها الوطني، وترتيب هذه المصادر، فثمة دول ترى أن إسرائيل هي مصدر التهديد الأول للأمن القومي، بينما ترى دول أخرى أن إيران هي مصدر التهديد الأول للأمن القومي، ناهيك عن تهديدات الأطراف الإقليمية الأخرى، مثل تركيا، وفي هكذا سياق، يمكن القول إنه لا يوجد مفهوم واحد للأمن القومي العربي ولكن هناك مفاهيم مختلفة.

معضلة الوظيفية

أشار الدكتور “يوسف” إلى أنه بالرغم من حديث البعض عن ضرورة الانطلاق من المقاربة الوظيفية والاقتصادية كمدخل لتطوير العلاقات بين الدول العربية بعيداً عن الخلافات السياسية؛ إلا أن النهج الوظيفي (الوظيفية) لا يعد طريقة مضمونة للاندماج والتكامل بين الدول، وكون أن الاتحاد الأوروبي نجح في ذلك، فإن ذلك مرده إلى حالة التوافق السياسي التي هيمنت على الدول الأوروبية وحفزته على إقامة كيان تكاملي بينها، ولذا فإن ظهور اتجاهات سياسية جديدة أدى إلى إضعاف النموذج الأوروبي، وخاصة بعد الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي، كما أن تصاعد نفوذ تيار اليمين في أكثر من دولة أوروبية يمكن أن يهدد مشروع الاتحاد الأوروبي.

وفي هذا الإطار، لا يمكن المراهنة على تكرار نموذج الاتحاد الأوروبي في الحالة العربية طالما استمر غياب التوافق السياسي بين الدول العربية، والوظيفية ليس لها مستقبل في المنطقة في حال دامت المشكلة السياسية، وهذه الإشكالية ظهرت بصورة رئيسية مع تأسيس جامعة الدول العربية، وتمسك الدول المفرط بمفهوم السيادة الوطنية، وهو أمر ألقى بظلاله السلبية على إمكانية التوافق السياسي بين الدول العربية. وحتى حينما لجأت الدول العربية لتطوير صيغ للتعاون الاقتصادي فيما بينها، فإن هذا النهج لم ينجح كثيراً إلا في حالات استثنائية، وخصوصاً مع المشكلات في المنظومة الاقتصادية للدول العربية وتراجعها، وكذلك التفاوت الشديد بين الدول العربية.

أدوات الإصلاح

خَلُصَ الدكتور “أحمد يوسف” إلى أن إصلاح الأوضاع العربية الراهنة عملية معقدة، ولكنها مع ذلك ليست مستحيلة. وفي هذا الإطار، يتعين التركيز على عدد من الأدوات الممكنة والمتمثلة فيما يلي:

1- مواجهة الأطروحات التي تتحدث عن إعادة هيكلة العلاقات القائمة في المنطقة، بحيث يتم الابتعاد عن إطار العلاقات العربية البينية، والاستعاضة عنها بعلاقات بين الدول العربية ودول المحيط غير العربي. حيث لا يمكن إغفال أن هذا التوجه، في حال تزايده، سيكون له تأثير سلبي عميق على النظام العربي.

2- إصلاح أوضاع الدول العربية يجب أن يمر عبر المدخل السياسي وليس الاعتماد بصورة حصرية على المدخل الاقتصادي؛ لأن هذا المدخل محكوم برؤية براجماتية من جانب الدول، وبالتالي قد ترى دولة عربية ما أن مصلحتها الاقتصادية مع دول أخرى غير عربية. ولكنّ هذا الأمر لا يعني استبعاد المدخل الاقتصادي، إذ يمكن الاستعانة بالأدوات الاقتصادية لتحقيق قدر من التقارب بين الدول العربية، ولعل هذا ما ظهر مثلاً في مشروعات الطاقة، وخاصة الغاز والكهرباء، المشتركة التي أعلنت عنها دول عربية في الآونة الأخيرة.

3- ضرورة إعادة تأسيس الفكرة العربية، وهو الأمر الذي يتطلب وجود سياسيين وأحزاب سياسية مقتنعين بها في العديد من الدول العربية، وكذلك الدور المهم للإعلام والثقافة التي تؤكد على الهوية العربية المشتركة.

4- إعادة تأسيس فكرة الأمن القومي العربي من خلال إيجاد قدر من الاتفاق بين الدول حول مصادر التهديد، وهذا الأمر يتطلب أن يأخذ في الحسبان تخوفات وهواجس الدول العربية المختلفة، ورؤيتها للتهديدات الإقليمية.