عقدت “مجموعة التركيز الخاصة بأفريقيا”، التابعة للتحالف الدولي لمواجهة تنظيم “داعش”، اجتماعاً في عاصمة النيجر “نيامي”، خلال يومي 1 و2 مارس الجاري، وهو الاجتماع الثاني للمجموعة، بعد اجتماع المغرب في مايو 2022، على هامش استضافة الاجتماع الوزاري للتحالف الدولي آنذاك.
ويقود “مجموعة التركيز الخاصة بأفريقيا”، الولايات المتحدة وإيطاليا، إلى جانب المغرب والنيجر، بعد اتجاه التحالف إلى إنشاء المجموعة، بفعل النشاط المتزايد لتنظيم “داعش” في قارة أفريقيا، عقب تراجعه في مناطق نفوذه التقليدية في العراق وسوريا.
ويعكس الاجتماع الثاني للمجموعة في النيجر، الذي شهد مشاركة 38 من أعضاء التحالف الدولي والمراقبين، اتجاهاً متزايداً للانخراط في مواجهة تنظيم “داعش” في القارة الأفريقية.
ملامح رئيسية
وفقاً للبيان الختامي لاجتماع “مجموعة التركيز الخاصة بأفريقيا” في النيجر، إضافة إلى سياسات الدول التي تقود تلك المجموعة، والنشاط العملياتي لتنظيم “داعش”، يُمكن تحديد الملامح الرئيسية لرؤية المجموعة خلال الفترة المقبلة، وذلك على النحو التالي:
1- دعم المقاربات غير العسكرية: تمثل “مجموعة التركيز الخاصة بأفريقيا” محاولة لدفع الدول الأفريقية التي تشهد نشاطاً لتنظيمات إرهابية، بمشاركة شركاء إقليميين ودوليين، إلى تبني مقاربات غير عسكرية أو أمنية لمواجهة التنظيمات الإرهابية في القارة الأفريقية، وتحديداً على مستوى منطقة الساحل (مالي، والنيجر، وبوركينافاسو)، وشرق القارة الأفريقية، وبالأخص الصومال، من خلال التأكيد على أهمية محورية التركيز على المدنيين في جهود مكافحة الإرهاب.
وهنا، فإن اجتماع المجموعة الأخير ركّز على ضرورة مواجهة الخطاب المتطرف لتنظيم “داعش”، الذي يوجهه إلى المجتمعات المحلية، لاستقطاب عناصر جديدة، إضافة إلى دعم الاستقرار في المناطق المحررة من قبضة التنظيم.
وفي إطار ضعف قدرات بعض الدول الأفريقية اقتصادياً، بما يعرقل مخططات التنمية، وبالتالي محاولة التنظيمات الإرهابية وبالأخص تنظيم “داعش” التمدد وسط المجتمعات المحلية، فإن ثمة محاولات لدعم بعض الدول مادياً، وهو ما بدا جلياً في إعلان المبعوث الخاص لوزارة الخارجية الأمريكية في التحالف الدولي إيان مكاري عن تقديم بلاده نحو 5 ملايين دولار، لدعم دول غرب أفريقيا المتضررة من الإرهاب.
2- تعزيز جهود الدول الأفريقية: رغم الانخراط الأوروبي، وبالأخص الفرنسي، عسكرياً في بعض الدول الأفريقية، لمواجهة خطر التنظيمات الإرهابية، إلا أن التنظيمات الإرهابية أظهرت قدراً من التكيف، بما يوحي بأن معركة مواجهة الإرهاب في القارة الأفريقية طويلة الأمد، في ظل عوامل محفزة، تتعلق بهشاشة أنظمة الحكم، مع توالي الانقلابات العسكرية، كأحد انعكاسات النشاط الإرهابي، إضافة إلى ضعف القدرات العسكرية والأمنية.
وهنا، فإن انتقادات وُجهت للتدخل العسكري الأوروبي، والفرنسي على وجه الخصوص، في ملف مكافحة الإرهاب، بصورة أدت إلى عدم تطوير القدرات العسكرية والأمنية للدول الأفريقية، في ظل الاعتماد بصورة أساسية على القوة العسكرية الغربية. ولكن مع تراجع الانخراط الفرنسي في مالي العام الماضي، بعد توترات مع السلطات الانتقالية، وإلغاء الاتفاقية العسكرية من جانب واحد، إضافة إلى التوترات مع السلطات الانتقالية في بوركينافاسو، ورفض المكونات المحلية في الدولة الوجود الفرنسي، تحولت الرؤية الغربية إلى الاتجاه لبناء قدرات الدول لمكافحة الإرهاب.
إذ ركز البيان الختامي للمجموعة عقب اجتماعات نيامي على عدد من الملفات الرئيسية لمواجهة “داعش”، منها: أمن الحدود، وجمع القياسات الحيوية للإرهابيين والمشتبه بهم، وحماية أدلة ساحة المعركة، ومكافحة دعاية وتمويل “داعش”.
3- تفعيل إشراك الأطراف الإقليمية: يرتبط بالتحولات في استراتيجية بعض الدول الغربية تجاه ملف الإرهاب في أفريقيا، سواء عبر تحركات فردية لبعض الدول مثل فرنسا والولايات المتحدة، أو من خلال بعثات الاتحاد الأوروبي لبناء قدرات الدول التي تشهد نشاطاً إرهابياً، بروزاتجاه متزايد بإشراك الأطراف الإقليمية في جهود مكافحة الإرهاب، بدلاً من الانخراط العسكري الغربي في العمليات العسكرية.
ويتوافق هذا مع رؤية التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، حينما أقدم على الانسحاب من العمليات العسكرية مع الجيش العراقي لمواجهة “داعش”، مع استمرار تقديم الدعم والاستشارات والتدريب لتعزيز قدرات الجيش العراقي لاستكمال المواجهات مع التنظيم.
ويبدو أن الاجتماع الأخير لـ”مجموعة التركيز الخاصة بأفريقيا” يدفع باتجاه توسيع نطاق الشراكات الإقليمية بين الدول الأفريقية خلال الفترة المقبلة، إذ أشار البيان الختامي إلى أن “الاجتماع سلّط الضوء على مختلف مبادرات مكافحة داعش في القارة، وسهل المناقشة الإقليمية”.
ويتضح أن المغرب تسعى إلى دور أكثر فاعلية في دعم جهود بعض الدول الأفريقية في ملف الإرهاب، من خلال الرئاسة المشتركة لـ”المجموعة الخاصة بأفريقيا”. ونقلت تقارير إعلامية مغربية عن إسماعيل الشقوري مدير القضايا الشاملة بوزارة الشئون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، أن “بلاده مستعدة لمشاركة تجربتها في مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف مع الدول الأفريقية، على أساس استراتيجيتها الشاملة للوقاية من الإرهاب والتطرف العنيف ومكافحتهما”.
4- مواجهة انخراط مجموعة “فاجنر”: ركز البيان الختامي لـ”مجموعة التركيز الخاصة بأفريقيا” على مواجهة النفوذ المتزايد لمجموعة “فاجنر” في القارة الأفريقية خلال الفترة الحالية، بعد الانخراط مع السلطات الانتقالية في مالي، لمواجهة التنظيمات الإرهابية، سواء مجموعات “داعش”، أو جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” التابعة لتنظيم “القاعدة”.
وتطرق البيان إلى أن “انتشار الشركات العسكرية الخاصة في إفريقيا يؤدي إلى زعزعة الاستقرار داخل دول أفريقية معينة، ويوفر ظروفاً على الأرض تصب في صالح داعش وغيرها من المنظمات الإرهابية والعنيفة المتطرفة”.
ورغم أن البيان لم يذكر مجموعة “فاجنر” العسكرية الخاصة، إلا أن ثمة اتجاهاً داخل التحالف الدولي لمواجهة تلك المجموعة الروسية، داخل القارة الأفريقية خلال الفترة المقبلة، واستغلال الانشغال الروسي بالحرب في أوكرانيا، لملاحقة المجموعة العسكرية، وتبلور هذا الاتجاه عقب تشديد الولايات المتحدة العقوبات على المجموعة، واتهامها بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان. ووفقاً لبيان وزارة الخزانة الأمريكية، أواخر يناير الماضي، فإن “أفراد فاجنر انخرطوا في نمط مستمر من النشاط الإجرامي الخطير في جمهورية أفريقيا الوسطى ومالي، شمل الإعدام الجماعي والاغتصاب وخطف الأطفال والاعتداء الجسدي”.
5- تحذير من آثار تصاعد الحركات الانفصالية: اعتبرت الأطراف المشاركة في اجتماع “مجموعة التركيز الخاصةبأفريقيا”،أن انتشار الجهات الفاعلة غير الحكومية، مثل الحركات الانفصالية، يؤثر على الجهود المبذولة لمكافحة تنظيم “داعش” في القارة الأفريقية، وفقاً للبيان الختامي للمجموعة.
إذ تشهد القارة الأفريقية تصاعداً في عدد حركات التمرد الانفصالي على خلفية صراعات ممتدة لسنوات، تجدد بعضها خلال العام الماضي، سواء في جمهورية الكونغو، بعد هجمات حركة “إم 23″، بما قد يصب في صالح فرع “داعش” المسمى “ولاية وسط أفريقيا”، إضافة إلى تصاعد التوترات بمنطقة الساحل، وتحديداً في شمال مالي، بين السلطات الانتقالية وحركات أزوادية، والأخيرة تتهم السلطات الانتقالية بتعطيل تنفيذ مخرجات اتفاق السلام، برعاية جزائرية، بما يهدد حالة الاستقرار في شمال مالي، وينذر بتصاعد التهديدات الأمنية، خاصة عقب إعادة تموضع لمجموعات “داعش” بالمثلث الحدودي بين مالي والنيجر وبوركينافاسو خلال عام 2022.
ويمثل فتح بعض الدول الأفريقية جبهة لمواجهة كيانات انفصالية عنيفة تشتيتاً للجهود في مكافحة التنظيمات الإرهابية، وربما يسعى التحالف الدولي عبر الدول المشاركة فيه، إلى محاولة تهدئة جبهة المواجهة على مستوى الحركات الانفصالية، وإنهاء حالات التوتر، لإعادة تركيز الدول الأفريقية على مواجهة تنظيم “داعش”.
أبعاد سياسية
وأخيراً، فإنه على الرغم من سعى المجموعة إلى مواجهة نشاط تنظيم “داعش” في القارة الأفريقية، خلال الفترة المقبلة، في ظل تصاعد الأنشطة الإرهابية، المرتبطة بمجموعاته في أكثر من دولة سواء موزمبيق، أو الكونغو، أو منطقة بحيرة تشاد، أو المثلث الحدودي بين مالي والنيجر وبوركينافاسو، فإن ثمة أبعاداً سياسية لبعض الأطراف المشاركة في المجموعة.
ويتضح أن بعض الدول الغربية قد تلجأ إلى التحالف الدولي والمجموعة لتوظيف ملف الإرهاب في الصراع والتنافس على النفوذ في أفريقيا، وتحديداً للضغط على روسيا، بعد انخراط مجموعة “فاجنر” في عمليات عسكرية ببعض الدول.
وعلى الرغم من محاولات بعض الأطراف الإقليمية، مثل المغرب، مواجهة الارتدادات المحتملة للنشاط الإرهابي في منطقة الساحل بشكل خاص، على أمنها، إلا أنها تسعى أيضاً لتعزيز نفوذها في القارة الأفريقية، من خلال ملف الإرهاب، عبر عرض تقديم الدعم ونقل التجربة إلى الدول التي تشهد نشاطاً إرهابياً.