اقتراب حذِر:
محددات الموقف الأمريكي من الاحتجاجات السورية

اقتراب حذِر:

محددات الموقف الأمريكي من الاحتجاجات السورية



تشهد مدينة السويداء احتجاجات ضد الظروف الاقتصادية المتدهورة منذ ٢٠ أغسطس الفائت، والتي لا تزال مستمرة حتى الآن، وذلك بعد إصدار السلطات، في منتصف الشهر ذاته، قراراً بمضاعفة أجور ومعاشات التقاعد في القطاع العام مع خفض دعم الغاز، بينما يمر الاقتصاد السوري بحالة من التدهور بسبب سنوات من الحرب، وتعرضه لعدد لا يُحصى من العقوبات الدولية. وقد تطور الاستياء من الاقتصاد السوري المنهار بسرعة إلى المطالبة بإسقاط النظام السوري.

وعلى الرغم من أن إسقاط النظام لم يعد هدفاً معلناً للإدارة الأمريكية بقيادة الرئيس جو بايدن، الذي أعلن في السابق عندما كان نائباً للرئيس الأسبق باراك أوباما أن “الأسد يجب أن يرحل”؛ فإن الإدارة الأمريكية انخرطت بصورة غير مباشرة في دعم التظاهرات ضد النظام، على نحو بدا جلياً في التغريدات التي أصدرتها السفارة الأمريكية في 14 سبتمبر الجاري.

وفي رؤية واشنطن، فإن دعم الاحتجاجات يخدم في نهاية الأمر الأهداف الأربعة الرئيسية للسياسة الخارجية الأمريكية تجاه سوريا، والتي تتمثل في: عدم صعود تنظيم داعش مرة ثانية وتهديده للمصالح الأمريكية، ودعم وقف إطلاق النار محلياً، واستمرار المساعدات الإنسانية للسوريين المتضررين من الحرب الأهلية منذ عام ٢٠١١، وأخيراً مساءلة النظام السوري عن انتهاكاته غير الإنسانية والضغط عليه من خلال العقوبات.

ملامح رئيسية

مع استمرار الاحتجاجات الشعبية في سوريا، أبدت الولايات المتحدة الأمريكية قلقاً عميقاً إزاء الأوضاع في السويداء ودير الزور في سوريا، ودعت واشنطن جميع الأطراف إلى ضبط النفس والبحث عن حل سلمي لتجنب المزيد من الخسائر البشرية. وتتمثل أبرز ملامح الموقف الأمريكي من الاحتجاجات السورية راهناً فيما يلي:

1– تواصل جمهوري مع قيادات الاحتجاجات: أشارت تقارير عديدة إلى إجراء اتصالات أمريكية مع الزعامة الروحية الدرزية في السويداء، حيث تواصل النائب الجمهوري فرينش هيل مع الشيخ حكمت الهجري، أحد الزعامات الروحية المؤيدة للاحتجاجات، للاستفسار عن حقيقة ما يجري في المدينة، والأوضاع الأمنية فيها، وخاصة بعد إطلاق النار على المتظاهرين أمام فرع حزب البعث في السويداء.

وقال عضو الكونجرس لشبكة “سي بي إس” الإخبارية الأمريكية، إنه ناقش مع الهجري “إحباط السكان المحليين، واحتجاجاتهم السلمية”، وأن الهجري أبلغه بأن قوات النظام السوري “تقطع الوصول إلى المياه والكهرباء” في المدينة. كما اتهم الشيخ حكومة الأسد ووكلاء إيران والمتحالفين معها بالاتجار بالمخدرات غير المشروعة (الكبتاجون) في المنطقة لتحقيق مكاسب مالية للنظام السوري.

ويأتي هذا الاتصال بعد زيارة لهيل مع اثنين آخرين من أعضاء مجلس النواب، بن كلاين وسكوت فيتزجيرالد، إلى منطقة في شمال سوريا تسيطر عليها المعارضة، والتي تعد أول زيارة معروفة من قبل مشرعين أمريكيين لسوريا منذ ست سنوات. ويُعد هيل من أبرز أعضاء الكونجرس الأمريكي المناهضين للتطبيع مع نظام الأسد، ويرعى تشريعاً يتطلب من إدارة الرئيس جو بايدن وضع استراتيجية مع باقي الوكالات الأمريكية لتعطيل تجارة النظام السوري في الكبتاجون.

2- تأييد حق الشعب السوري في التظاهر: نشرت السفارة الأمريكية بسوريا تغريدات على موقع “إكس”، في ١٤ سبتمبر الجاري، تعبر عن دعم الولايات المتحدة الأمريكية لحق الشعب السوري في التظاهر. وقد أشارت إلى قلق واشنطن بشأن التقارير حول استخدام النظام السوري للقوة في السويداء. وانتقدت في تغريدات سابقة قرارات الرئيس السوري التي زادت من الأزمات الاقتصادية التي يواجهها السوريون، من أجل تحويل ملايين الدولارات كل شهر لتأجيج آلة الحرب ضد السوريين.

وقد نشر النائب الجمهوري عن ولاية ساوث كارولينا، جو ويلسون، الذي يُعد من أبرز المهتمين بالملف السوري وأحد أبرز المشرعين الأمريكيين الداعمين لمشروع قانون لمنع التطبيع مع نظام الأسد، تغريدة على حسابه بموقع “إكس”، في ٢٥ أغسطس الفائت، يدعم فيها الاحتجاجات ضد نظام الأسد، مشيراً إلى أن “سوريا ليس لها مستقبل، ولن تستقر أبداً في عهد الأسد”.

3- دعم مساعي المعارضة لتحقيق حل سياسي: ذكرت السفارة الأمريكية في سوريا على حسابها بموقع “إكس”، في ٤ سبتمبر الجاري، أن إيثان جولدريتش، كبير المسئولين الأمريكيين عن الملف السوري في وزارة الخارجية الأمريكية، ناقش المظاهرات التي تشهدها دير الزور والسويداء خلال اجتماع مع نشطاء المعارضة السورية في تركيا، وقد أكد على دعم الولايات المتحدة الأمريكية للمعارضة السورية في تحقيق حل سياسي عادل وشامل يتفق مع قرار مجلس الأمن رقم ٢٢٥٤، الذي اتخذه المجلس في جلسته المنعقدة في ١٨ ديسمبر ٢٠١٥ باعتباره الحل الوحيد للأزمة السورية.

وقد سبق أن أعلنت الإدارة الأمريكية التزامها الحازم بتنفيذ القرار، حيث أكدت السفيرة الأمريكية لدى منظمة الأمم المتحدة، ليندا توماس جرينفيلد، خلال إيجاز في مجلس الأمن الدولي بشأن الوضع السياسي في سوريا، في ٢٣ أغسطس الفائت، على مطالب السوريين السلمية بالتغيير السياسي المتوافق مع القرار الدولي رقم ٢٢٥٤، الذي يدعو لإنهاء الحرب والانخراط مع المعارضة السورية بشأن التعديلات الدستورية.

4- ضغوط الأمريكيين السوريين على الإدارة: استغل ثلاثة نشطاء أمريكيين سوريين لقاءهم بالرئيس الأمريكي جو بايدن خلال حملته لجمع التبرعات، في ٢٧ يونيو الماضي، لإعادة انتخابه لفترة رئاسية ثانية، لمناشدته لبذل المزيد من الجهد للضغط على النظام السوري وحماية المدنيين السوريين من الهجمات المستمرة من القوات السورية والروسية. وقد أشار النشطاء إلى أن الرئيس لا يهتم بمحنة السوريين فحسب، بل يبدو أنه يريد فعل المزيد حيال ذلك، ولكنهم ذكروا أن تصريحات الرئيس بشأن سوريا لا تتطابق مع السياسات الحالية لإدارته.

وتأتي ضغوط النشطاء السوريين الأمريكيين لدفع إدارة الرئيس بايدن نحو إجراء تغييرات في سياستها تجاه سوريا، ضمن قلق داخلي أمريكي من سياسة بايدن تجاه الملف السوري، حيث يرى كثيرون أنها تفتقر إلى المبادرة والاستعداد للانخراط بعمق في الدبلوماسية اللازمة للتفاوض على نهاية عادلة للأزمة السورية. ولذلك، يتوقع أن يدفع استمرار المظاهرات المعارضة لنظام الأسد في السويداء وعدد من المدن السورية إلى مزيد من ضغط المشرعين الجمهوريين والديمقراطيين على إدارة بايدن لإحداث تحولات في سياساتها تجاه سوريا.

حدود التدخل

رغم تغريدات السفارة الأمريكية في سوريا، ودعم بعض المشرعين الأمريكيين للاحتجاجات التي تشهدها بعض المدن السورية بعد القرارات التي اتخذت في منتصف أغسطس الفائت، والتي تزيد من الأزمات الاقتصادية التي يعاني منها السوريون؛ فإن أبرز مسئولي الإدارة الأمريكية لم يصدروا حتى الآن بيانات عامة تعلن عن تقديم الدعم العلني للتظاهرات، حتى لا يستغل النظام هذا الدعم للترويج لرواية أنها مدعومة من الخارج، وتبرير استخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين. وهناك قلق أمريكي من أن يكون للدعم الأمريكي العلني للاحتجاجات الشعبية في المدن السورية تأثيرات عكسية على الحراك الذي يشهده الشارع السوري راهناً، ولا سيما أن المحتجين يرفعون شعارات تعارض التدخل الخارجي، ومن ثم التدخل الأمريكي.