مبادرة "بازوم":
محاولات تشكيل قوة إقليمية لمكافحة الإرهاب في الساحل

مبادرة "بازوم":

محاولات تشكيل قوة إقليمية لمكافحة الإرهاب في الساحل



دعا رئيس النيجر محمد بازوم، إلى تشكيل قوة عسكرية إقليمية لمواجهة خطر تزايد أنشطة الجماعات الإرهابية في منطقة الساحل (31 مارس 2022)، عقب مباحثات مع نظيره النيجيري محمد بخاري، دون تقديم تفاصيل محددة. وارتبطت دعوة بازوم بمحاولة محاكاة قوة المهام المشتركة التي تتشكل من النيجر وتشاد والكاميرون ونيجيريا، وتقودها الأخيرة لمواجهة التنظيمات الإرهابية، وتحديداً فرع “داعش” المسمى “ولاية غرب إفريقيا” في منطقة بحيرة تشاد، والتي تنفذ عمليات متواصلة هناك، كان آخرها العملية التي انطلقت نهاية شهر مارس الماضي.

ويُمكن الوقوف على طبيعة دعوة رئيس النيجر، والرغبة في إشراك نيجيريا في قوة إقليمية لمواجهة التنظيمات الإرهابية في منطقة الساحل، في ضوء التهديدات المتزايدة.

مبادرة فردية

يبدو أن ثمة رغبة من رئيس النيجر في إشراك نيجيريا في جهود مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل خلال الفترة المقبلة، بعدما اعتبر أن قوة المهام المشتركة التي تواجه الإرهاب في بحيرة تشاد، حققت نجاحات منذ تأسيسها، بقيادة نيجيريا. ومن غير الواضح حتى الآن، آليات مبادرة بازوم لتشكيل قوة عسكرية إقليمية في منطقة الساحل، إذ لم يُقدم البيان الرسمي الصادر عن مؤسسة الرئاسة في النيجر أي تفاصيل إضافية بخلاف الدعوة إلى تشكيل تلك القوة، على الرغم من عمل قوة مجموعة “G5″، التي تتشكل من قوات دول مالي وبوركينافاسو وموريتانيا والنيجر وتشاد، عام 2017 بهدف مواجهة النشاط المتزايد للعنف والإرهاب. ولم تتضح استجابة الأطراف الفاعلة لمبادرة بازوم رغم مرور بضعة أيام على إطلاقها، سواء من دول الساحل المعنية بمواجهة الإرهاب، أو حتى الجانب النيجيري، بما يعكس أنها مبادرة فردية، يسعى رئيس النيجر إلى تسويقها، وتحديداً على مستوى نيجيريا بشكل أولي، ويمكن فهم هذا التوجه، من خلال مقارنة القدرات العسكرية للجيش النيجيري مقارنة بجيوش دول مجموعة “G5″، كما يوضح المخطط التالي:

يُصنف مؤشر “Global Fire Power” في آخر تحديث مطلع عام 2022، الجيش النيجيري في المركز الـرابع على مستوى إفريقيا، بفارق ثمانية مراكز عن الجيش التشادي الذي جاء في المركز الـ13، في حين كان جيش بوركينافاسو في التصنيف الأقل في المركز الـ31 على مستوى إفريقيا، بما يُشير إلى قدرات الجيش النيجيري مقارنة بقدرات جيوش مجموعة “G5”.

عوامل محفّزة

يمكن تفسير مبادرة بازوم في إطار عدد من العوامل التي تؤثر على منظومة الأمن في منطقة الساحل، وتشكل تهديدات متصاعدة خلال عام 2022، كالتالي:

1- استمرار تصاعد معدلات العنف خلال 2021: منذ عام 2016 تشهد إفريقيا بشكل عام تصاعداً في وتيرة العنف المرتبط بالجماعات المتشددة، وخلال عام 2021 سجلت أحداث العنف المبلغ عنها في منطقة الساحل 2005 بعدما كانت 1180 عام 2020، وفقاً لإحصائيات مشروع بيانات النزاعات المسلحة “ACLED”، كما يوضح المخطط التالي:

وتُشير بيانات أحداث العنف في منطقة الساحل إلى أنّ 58% من إجمالي تلك الأحداث وقعت في بوركينافاسو خلال 2021، بعدما كانت أغلب العمليات تتركز في مالي خلال عام 2020. وتُشير التوقعات إلى استمرار تزايد معدلات العنف المرتبطة بالجماعات المتشددة في منطقة الساحل خلال عام 2022.

2- تزايد عنف الجماعات المرتبطة بـ”القاعدة”: شهدت منطقة الساحل خلال عام 2021، زيادة في معدلات عنف الجماعات المرتبطة بتنظيم “القاعدة”، وتحديداً “جبهة تحرير ماسينا” التي تنشط في وسط مالي وباتجاه شمال بوركينافاسو خاصة مع الروابط التاريخية مع جماعة أنصار الإسلام، وتعمل تحت غطاء “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين”، وزادت المواجهات بين القوات العسكرية والأمنية مع جماعة نصرة الإسلام بنسبة 50% خلال عام 2021 مقارنة بعام 2020، وعمد تنظيم القاعدة إلى الاستفادة من الوضع القلق في منطقة الساحل، بالإعلان عن انضمام جماعة أنصار المسلمين في بلاد السودان في نيجيريا، إلى فرع التنظيم الإقليمي تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.

3- إعادة تموضع تنظيم “داعش” في الساحل: يسعى تنظيم “داعش” إلىإعادة ترتيب الصفوف في منطقة الساحل خلال عام 2022، بعد تراجع ملحوظ خلال النصف الثاني من العام الماضي، بعد مقتل أبو الوليد الصحراوي، قائد تنظيم “داعش” في الصحراء الكبرى. وبعد فترة تراجع استمرت لبضعة أشهر، أدخل التنظيم تغييرات هيكلية بفصل مجموعاته التي تنشط في المثلث الحدودي بين النيجر ومالي وبوركينافاسو تحت مسمى “ولاية الساحل”، عن فرعه المسمى “ولاية غرب إفريقيا”، بما يعكس اتجاه التنظيم إلى تحقيق قدر من الاستقلالية لمجموعاته في منطقة الساحل، لاستعادة نشاطه ونفوذه بالمناطق الحدودية بين الدول الثلاث، في إطار مرحلة جديدة للتنظيم في القارة الإفريقية، تعتمد على توسيع نفوذه الميداني، دون الاعتماد على السيطرة المكانية.

4- استمرار العوامل المغذية للعنف والإرهاب: لا تزال منطقة الساحل تشهد تحديات مركبة، من ناحية عدم الاستقرار السياسي بفعل الانقلابات العسكرية في مالي وبوركينافاسو، إضافة إلى هشاشة الوضع الاقتصادي المترتب على الأوضاع الأمنية والتغيرات المناخية، كما أن التداعيات الاقتصادية لتفشي جائحة كورونا أسفرت عن ضغوط اقتصادية كبيرة على دول الساحل، ولا يزال سقوط المدنيين جراء العمليات العسكرية لمواجهة التنظيمات الإرهابية قائماً، بما يشكل عبئاً إضافياً لدول الساحل، على اعتبار أن سقوط المدنيين يزيد من حالة الغضب الشعبي بما يسمح للتنظيمات باستمالة عناصر جديدة.

معوقات متعددة

وبخلاف عدم إبداء دول الساحل إضافة إلى نيجيريا استجابة واضحة لمبادرة بازوم، فإن ثمة عدداً من المعوقات المرحلية على المستوى القريب لتشكيل تلك القوة المشتركة، وأبرزها:

1- عدم الاستقرار السياسي بمنطقة الساحل: يمكن أن تُلقي حالة عدم الاستقرار السياسي المرتبطة بالانقلابات العسكرية بظلالها على أي مشاورات في سبيل تشكيل مثل هذه القوة، خاصة وأن تشكيلها يرتبط بالحصول على الاعتراف الإقليمي والقاري والدولي، مثلما حدث مع تشكيل قوة “G5″، وبالتالي فإن موقف المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا “إيكواس” من مالي بعد تأخر الانتهاء من المرحلة الانتقالية، قد يُشكل أزمة في سبيل أي مشاورات في هذا الإطار، إضافةً إلى التوترات بين الدول الغربية وأبرزها فرنسا مع المجلس الانتقالي في مالي.

2- محددات الرؤية النيجيرية لتحقيق أمن الساحل: في حالة تطور مبادرة بازوم إلى مرحلة المشاورات والمباحثات مع مختلف الأطراف الفاعلة، فإنها يمكن أن تصطدم بموقف نيجيري غير مرحب، في ضوء ترتيب الأولويات مرحلياً بتزايد التهديدات المتصلة بتنظيم “داعش” وجماعة “بوكو حرام”، مقابل تراجع أولوية المشاركة في أمن منطقة الساحل بشكل عام، مع الأخذ في الاعتبار أن نيجيريا رفضت خلال مشاورات تشكيل قوة المهام المشتركة في منطقة بحيرة تشاد، التنازل عن قيادة تلك القوات، وهو موقف قد يتكرر بإصرار نيجيريا على قيادة القوة الإقليمية التي دعا إليها بازوم، بما يمثل عقبة أمام تشكيلها.

3- تعدد الفاعلين الدوليين في منطقة الساحل: يمكن أن ينعكس الانشغال الروسي بالحرب في أوكرانيا، على سرعة إتمام الاتفاق مع مالي بشأن نشر عناصر “فاجنر”، ومع ذلك فإن هذا لا يمنع استمرار انخراط روسيا في منطقة الساحل، كما أن فرنسا لا تزال تسعى لتعزيز موقعها في المنطقة، من خلال الدفع باتجاه نقل تمركزها العسكري إلى دول النيجر، فضلاً عن اتجاه نيجيريا إلى تعزيز التعاون مع الولايات المتحدة، من خلال صفقات أسلحة متعددة، إضافة إلى مطالبة الرئيس محمد بخاري نظيره الأمريكي بنقل مقر قيادة القوات الأمريكية “أفريكوم” إلى القارة بدلاً من مقرها الحالي في أوروبا، وبالتالي يؤثر تعدد الفاعلين الدوليين في منطقة الساحل على التأثير في صنع القرار في دول المنطقة.

4- تداخل بين القوات المشتركة في منطقة الساحل: قد يؤثر تعدد القوات المنتشرة في منطقة الساحل على تشكيل مثل تلك القوة الإقليمية، في ظل وجود قوات مجموعة “G5″، إضافة إلى قوات حفظ السلام في مالي “MINUSMA”، وقوة المهام المشتركة “MNJTF” لمواجهة جماعة بوكو حرام، فهناك أزمة من ناحية التنسيق بين عمل كل تلك القوات على الرغم من اختلاف مهامها، غير أنه من الأهمية تحقيق قدر من التكامل، وإضافة قوة جديدة قد يمثل عبئاً أكبر، بالصورة التي تدفع إلى عدم الإقدام على تشكيل هذه القوة الجديدة وفقاً لمبادرة بازوم، مع الوضع في الاعتبار أن ثمة دولاً تشارك بجنود في هذه القوات مثل النيجر وتشاد، والأخيرة لجأت إلى سحب عدد من قواتها من منطقة مثلث الحدود بين النيجر ومالي وبوركينافاسو، والدفع بها في سياق عمليات قوة المهام المشتركة في بحيرة تشاد.

مستقبل غامض

وأخيراً، فإن دعوة رئيس النيجر إلى تشكيل قوة إقليمية لمكافحة الإرهاب في منطقة الساحل، تمثل إدراكاً لطبيعة التهديدات والمخاطر التي تشهدها منطقة الساحل الإفريقي وانعكاساتها على منطقة غرب إفريقيا بشكل عام خلال السنوات الماضية، حال عدم القدرة على تحجيم نشاط التنظيمات الإرهابية، ولكن يبقى أن مبادرة بازوم مرهونة بمدى تفاعل دول منطقة الساحل خلال الفترة المقبلة، وموقف القوى الدولية منها، حال تَمَكّن من الدخول في مرحلة جادة من المباحثات والمشاورات مع دول الساحل.