تقاطع المسارات:
محاولات الجزائر تعزيز دورها كـ”فاعل إقليمي”

تقاطع المسارات:

محاولات الجزائر تعزيز دورها كـ”فاعل إقليمي”



في أعقاب التغيرات السياسية التي شهدتها الجزائر، بعد الإطاحة بنظام “بوتفليقة”، وتولي الرئيس عبد المجيد تبون السلطة، في عام 2019؛ حملت السياسة الخارجية للجزائر ملامح بارزة تتضح أهم معالمها في محاولة تفعيل مكانتها كـ”فاعل إقليمي” في شمال أفريقيا وجنوب المتوسط.

ففي ضوء التحديات السياسية والأمنية التي تفرض نفسها، على الصعيدين الإقليمي والدولي، وفي إطار كافة تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، وخاصة تلك المتعلقة بمجالات الطاقة؛ تبدو محاولات الجزائر لتصدر المشهد كـ”فاعل أفريقي”، حيوي ومؤثر، سواء بالنسبة لدول جوارها الجغرافي في شمال أفريقيا ومنطقة الساحل الأفريقي، أو بالنسبة إلى دول جنوب أوروبا.

وتعتمد الجزائر في محاولاتها تلك على عدة اعتبارات، منها ما تمتلكه من موارد كبيرة للطاقة، وخاصة الغاز الطبيعي؛ إضافة إلى موقعها الاستراتيجي المتميز، كونها إحدى أهم الدول في شمال أفريقيا، التي تربط دول شمال المتوسط بعمق القارة الأفريقية، حيث الصحراء الكبرى ودول الساحل الأفريقي الغنية بالموارد الطبيعية.

واللافت في إطار مساعي صانع القرار السياسي لتعزيز دور الجزائر كـ”فاعل إقليمي”، هو الدخول على خط عدد من الملفات الإقليمية والدولية، وتحديداً تلك التي لها تأثير مباشر على مستقبل علاقاتها السياسية والاقتصادية والأمنية، مع محيطها الجغرافي.

وبالتالي، تتقاطع مسارات السياسة الخارجية للجزائر؛ التي تتسم، في المرحلة الحالية، بالنشاط والاستباقية، عبر التعاطي مع القضايا المتداخلة، على أكثر من جانب:

فهناك مسار التفاعل مع أزمات دول شمال أفريقيا، حيث أسهمت التحولات الراهنة التي طرأت على دول الجوار الإقليمي للجزائر، في تعرض دوائرها الجيوسياسية لتحديات أمنية، أهمها تلك التي تتمثل في انهيار الدولة في ليبيا، وطول المرحلة الانتقالية في تونس، فضلاً عن قضية الصحراء الغربية، والمشكلات المثارة مع المغرب بشأنها، ثمّ تبعات دخول القوى الدولية الكبرى على خط هذه الأزمات المحيطة بالدولة الجزائرية. وتطرح هذه القضايا تحديات أمام الدور الإقليمي الذي تحاول أن تلعبه الجزائر في حل النزاعات الإقليمية للدول المجاورة.

ومن ثم تجد الجزائر نفسها مضطرة إلى تنشيط وتفعيل دورها الإقليمي، بشكل يتناسب مع إمكاناتها، خاصة المتعلقة بالطاقة، في جنوب المتوسط وشمال أفريقيا؛ فهي وإن كانت أكبر مُصَّدِر للغاز في أفريقيا إلا أنها -في الوقت نفسه- تضع نصب عينها الوضع التنافسي سياسياً، خصوصاً مع مصر، في منطقة الشمال الأفريقي؛ سواء فيما يتعلق بالملف الليبي، أو فيما يخص “طلب الانضمام” إلى مجموعة “بريكس”، وغير ذلك من الملفات.

وهناك مسار التفاعل مع إشكاليات دول الساحل الأفريقي، حيث يدفع الموقف الجزائري غير المُرَحِّب بفرنسا، خصوصاً في جوارها الجنوبي، إلى بحث الجزائر عن آليات جديدة لتعزيز دورها في منطقة الساحل. أضف إلى ذلك أن الجزائر تحاول التركيز على الأسواق الأفريقية، التي باتت المكان الأنسب لتصدير منتجاتها، بعد أن واجهت معوقات كبيرة في اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، وفي ظل غزو المنتجات الآسيوية، وخصوصاً من الصين والهند، منطقة التبادل التجاري العربية.

ومن ثمّ تحاول الجزائر التركيز على الأسواق الأفريقية، في ظل علاقاتها المتوازنة سياسياً واقتصادياً مع دول القارة؛ خصوصاً مع دخول اتفاقية التبادل الحر بين الدول الأفريقية حيز التنفيذ، منذ نهاية 2020، مما يسمح بتحقيق الاندماج الإقليمي والتكامل الاقتصادي.

وهناك مسار التفاعل مع دول شمال البحر المتوسط، أو بالأحرى التفاعل مع الشراكة الأورومتوسطية؛ حيث ساهمت تداعيات الحرب في أوكرانيا على أسواق النفط والغاز، في اتجاه الأنظار الدولية، خصوصاً الأوروبية منها، إلى ضفة المتوسط الجنوبية، وهو ما زاد من أهمية الجزائر، ليس فقط بصفتها مورداً للغاز إلى إيطاليا وإسبانيا ودول جنوب أوروبا، ولكن أيضاً كـ”لاعب رئيسي”، كونها تحتل المركز الثالث في إمداد أوروبا بالغاز، بعد روسيا والنرويج. بل إن ما يجري هناك، في شرق أوروبا، دفع الجزائر إلى التحكم الواضح في تحديد إيطاليا، بديلاً عن إسبانيا، بصفة “الموزع الرئيسي” للغاز الخاص بها في أوروبا.

فقد قررت الجزائر، بشكل لافت للنظر، تغيير اتجاهها الاستراتيجي نحو إيطاليا، التي باتت، اعتباراً من الخميس 26 مايو الماضي، “الموزع الحصري للغاز في أوروبا”، بعد أن كانت شريكة في هذا مع إسبانيا. جاء ذلك بعد إعلان الرئيس الجزائري أن “إيطاليا ستكون الموزع للغاز الجزائري إلى أوروبا، بعد زيادة الإمدادات إليها”، خلال مؤتمر صحفي في روما مع نظيره الإيطالي سيرجيو ماتاريلا. ويأتي القرار الجزائري في إطار أزمة دبلوماسية متصاعدة مع إسبانيا، وذلك بعد تبني مدريد، أواخر مارس الماضي، مبادرة “الحكم الذاتي” المقترحة، منذ عام 2007، من جانب المغرب لإيجاد تسوية لمشكلة الصحراء الغربية المتنازع عليها منذ عام 1975 بين المغرب وجبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر.

وهكذا، عبر هذه المسارات، التي تتقاطع في إطار السياسة الخارجية، تسعى الجزائر إلى البحث عن تحالفات دولية وإقليمية جديدة، لأجل تعزيز حضورها خارج المنطقة المغاربية؛ وذلك عبر عدد من المشروعات العملاقة، التي تستهدف الربط مع مستويات دولية وإقليمية أعلى.

وتكفي الإشارة -كأمثلة- إلى مشروعات أنابيب الغاز إلى إيطاليا، والطريق العابر للصحراء الأفريقية، فضلاً عن محاولة الانضمام إلى مجموعة “بريكس” الهادفة إلى تعزيز التعاون السياسي والاقتصادي بين أعضائها؛ إذ تتطلع الجزائر للانضمام إلى المجموعة، في مسعى لتعزيز حضورها، ليس فقط الاقتصادي ولكن السياسي أيضاً، خارج محيطها المغاربي والأفريقي، خاصة أن مسألة عضوية المجموعة ترتبط بالعلاقات الدولية والحسابات الاستراتيجية والتحالفات، بالنظر إلى ما يشهده العالم من تحولات جيوسياسية راهناً.

وفيما يلي قائمة بأبرز الموضوعات التي تتناول الدور الإقليمي للجزائر:

1- انخراط متزايد: كيف تستعد الجزائر للقمة العربية القادمة؟

2- التوجه شرقاً: أبعاد زيارة وزير خارجية الجزائر للأردن ولبنان

3- دوافع أمنية: لماذا تسعى الجزائر إلى التوسط في الأزمة التونسية؟

4- تغير المواقف: الدلالات السياسية لزيارة الرئيس التونسي إلى الجزائر

5- تراكم الخلافات: لماذا وصل التوتر بين الجزائر والمغرب إلى مستوى قطع العلاقات؟

6- مواصلة التصعيد: دوافع عدم تجديد الجزائر لعقد الغاز المار بالمغرب

7- رسائل الردع: إجراء مناورات الأسد الأفريقي 2022 على الحدود الجزائرية المغربية

8- ملف الصحراء: لماذا تنامت وتيرة التنافس المغربي-الجزائري حول استمالة موريتانيا؟

9- محاور جديدة: التنافس المغربي-الجزائري حول الغاز النيجيري

10- نفوذ أفريقي: ما أهداف الجزائر من مشروع الطريق “العابر للصحراء”؟

11- انفتاح ملحوظ: لماذا زار الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون تركيا؟

12- حليف الخصم: لماذا يطالب الكونجرس الأمريكي بفرض عقوبات على الجزائر؟

13- تثبيت الشراكة: دوافع الاهتمام الروسي بالدور الإقليمي للجزائر

14- الانحياز شرقاً: دلالات مشاركة الجزائر في المناورات الروسية “الشرق 2022”

15- تعزيز التفوق: دوافع اقتناء الجزائر للطائرات بدون طيار الصينية

16- ترقب حذر: مستقبل العلاقات الجزائرية الفرنسية بعد إعادة انتخاب ماكرون

17- دبلوماسية الأنابيب: لماذا زار رئيس الوزراء الإيطالي الجزائر؟

18- تصعيد متوازٍ: تعليق الجزائر اتفاقية الصداقة والعلاقات التجارية مع إسبانيا

19- عوامل هجينة: المحددات الحاكمة لرفع الجزائر أسعار الغاز إلى أوروبا