أزمة عميقة:
ما واقع تنظيم “القاعدة” بعد 22 عاماً من أحداث 11 سبتمبر؟ 

أزمة عميقة:

ما واقع تنظيم “القاعدة” بعد 22 عاماً من أحداث 11 سبتمبر؟ 



يعيش تنظيم “القاعدة” واقعاً متخبطاً بعد 22 عاماً من أحداث 11 سبتمبر في الولايات المتحدة الأمريكية، في ضوء أزمة على مستوى القيادة العليا، بعد إعلان الرئيس الأمريكي مقتل زعيم التنظيم، وغياب جيل جديد من المنظرين، ومراوحة أيديولوجية بين استهداف الغرب والتركيز على القضايا المحلية، وتراجع أي دور عملياتي للقيادة المركزية للتنظيم مع إمكانية إعادة بناء الشبكات بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، فضلاً عن التفاوت بين نشاط الأفرع والجماعات المرتبطة بالتنظيم، واستمرار الصراع العنيف بين “القاعدة” و”داعش”، وأخيراً التحول باتجاه إعادة بناء الشبكات في الغرب عبر محاولة توظيف وقائع حرق المصحف بالسويد والدنمارك.

فعلى الرغم من مرور 22 عاماً على أحداث 11 سبتمبر، لا يزال السؤال الأبرز بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، والدول الأوروبية: هل يشكل تنظيم “القاعدة” تهديداً؟. ولا يتعلق هذا السؤال فقط بحدود قدرة التنظيم على تنفيذ عميات إرهابية داخل الولايات المتحدة والدول الغربية، بغض النظر عن حجمها وتأثيرها، ولكنه يتجاوز ذلك إلى حدود تهديد مصالح تلك الدول الخارجية.

ولكن بشكل عام، فإن العقد الماضي شهد تراجعاً ملحوظاً في عمليات التنظيم بالدول الغربية، باستثناء عمليات محدودة ترتبط بالتنظيم، مثل الهجوم على مقر جريدة “شارلي إبدو” بعد نشر رسوم مسيئة للرسول عام 2015، وعملية في قاعدة عسكرية بولاية فلوريدا الأمريكية عام 2019، وكلاهما ارتبط بفرع التنظيم المعروف بـ”القاعدة في جزيرة العرب”.

واقع متخبط

ويمكن الإشارة إلى واقع تنظيم “القاعدة” من خلال التطرق إلى عدد من الأبعاد الرئيسية التي ترتبط بالتنظيم، عقب أكثر من عقدين من جهود مكافحة الإرهاب، وأبرزها

1أزمة في القيادة العليا بعد مقتل الظواهري: يعيش تنظيم “القاعدة” على وقع أزمة تتعلق بفراغ تنظيمي على مستوى القيادة العليا، وتحديداً زعيم التنظيم، بعد مقتل أيمن الظواهري في غارة أمريكية بطائرة من دون طيار نفذت قصفاً على منزل كان يقطنه في العاصمة “كابول”، وفقاً لما أعلنه الرئيس الأمريكي جو بايدن، مطلع أغسطس 2022، في حين التزم التنظيم الصمت تجاه تأكيد أو نفي الرواية الأمريكية.

ويُشير مرور ما يزيد على عام دون توضيح الموقف من مقتل الظواهري، أو إعلان من يخلفه في زعامة التنظيم، إلى أزمة عميقة تواجه التنظيم خلال الفترة الحالية، ربما تتعلق بعدم وجود توافق على اسم زعيم التنظيم الجديد، خاصة مع بروز اسم “سيف العدل”، الذي يُعتقد أنه يقيم تحت الإقامة الجبرية في إيران، بما يفتح مجالاً للتشكيك في قيادته للتنظيم، واحتمالات ممارسة طهران نفوذاً على توجهات وقرارات التنظيم.

كما يبرز عدم توافر أسماء بارزة من مجموعات التنظيم القديمة، التي شاركت في مواجهة القوات السوفيتية أو القوات الأمريكية لاحقاً، خاصة بعد تصفية أغلبهم خلال السنوات القليلة الفائتة في أكثر من ساحة للصراع بسوريا واليمن على وجه التحديد، وبعضهم قد يكون محل توافق داخل التنظيم، وتحديداً على مستوى الأفرع.

2- حدود نشاط “القيادة المركزية” بأفغانستان: واتصالاً باستهداف الظواهري في العاصمة الأفغانية، فإن التخوفات تصاعدت عقب انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان من تداعيات هذه الخطوة على استعادة “القيادة المركزية” للتنظيم، التي يُرجح أنها تتمركز بين أفغانستان وباكستان تاريخياً، نشاطها.

ورغم الجدل بشأن تأثيرات الانسحاب الأمريكي على تزايد التهديدات المرتبطة بتنظيم “القاعدة”، إلا أنه من غير المتوقع أن يؤدي هذا الانسحاب إلى نشاط عملياتي للتنظيم في نطاق “القيادة المركزية”، ولكن -في الوقت ذاته- من شأن هذه الخطوة أن تمنح التنظيم وقياداته حرية أكبر في الحركة، وقد اتضح هذا من خلال كثافة النشاط الإعلامي، من خلال نشر إصدارات للظواهري بصورة كثيفة عن الفترة التي سبقت الانسحاب الأمريكي.

وهنا، يمكن للتنظيم الاستفادة من تراجع الضغوط عليه، من خلال إعادة ترميم وبناء شبكاته، انطلاقاً من أفغانستان، دون دور في الداخل الأفغاني، أو التداخل مع النشاط العملياتي لحركة “طالبان” باكستان، التي استعادت نشاطها، عقب سيطرة حركة “طالبان” على الحكم في أفغانستان، مع الإشارة إلى روابط التنظيم التاريخية مع بعض التنظيمات الإسلاموية العنيفة في نطاق الجغرافيا الأفغانية والباكستانية، وتحديداً في الهند، ومحاولة توظيف أزمة كشمير، إضافة إلى أزمة الإيغور في الصين.

3- غياب جيل جديد من المنظّرين: تتخطى أزمة تنظيم “القاعدة” مقتل زعيمه “الظواهري”، وأحد مؤسسي التنظيم، إلى معاناة التنظيم في ظل غياب جيل جديد من المنظرين سواء على المستوى الاستراتيجي أو الفكري الأيديولوجي، عقب مقتل قادته “المنظرين” مثل أبو يحيى الليبي وأنور العولقي، أو المحسوبين على تيار “السلفية الجهادية”، ويساهمون في الإطار الأيديولوجي لتيارات العنف الإسلاموية، مثل أبو مصعب السوري، وإن كانت الأفكار التي صاغوها لا تزال حاضرة في مشهد مشروعات “الجهاد العالمي”.

وفي المقابل، كان بروز بعض القيادات للقيام بهذا الدور، مثل إبراهيم القوصي، القيادي في فرع التنظيم في اليمن، الذي يخصص بعض إصداراته في إطار التوجهات الأيديولوجية.

وتعتمد التنظيمات الإرهابية المتطرفة على المنظرين في الترويج لأفكار التنظيم، وجذب عناصر جديدة، وتحقيق قدر من التماسك الداخلي، خاصة في ظل الأزمات التي يعاني منها تنظيم “القاعدة”، واستمرار الضغوط الغربية على ملاحقة قيادات التنظيم في بعض البيئات التي تنشط فيها.

4- المراوحة الأيديولوجية في توجهات “القاعدة”: رغم تراجع التركيز على استهداف الغرب في الخطاب القاعدي، إلا أنه لا يزال مكوناً رئيسياً في أيديولوجيا تنظيم “القاعدة”، وأحد المبادئ الحاكمة لتأسيس التنظيم بالأساس، من خلال التركيز على مواجهة ما تعتبره بعض الأدبيات “العدو البعيد”، المتمثل في الولايات المتحدة والدول الغربية، باعتبارها الحائل الرئيسي أمام تطبيق “الشريعة الإسلامية” وفقاً لرؤيتهم، إذ يدعمون الأنظمة الحاكمة في الدول التي يشكل المسلمون الأغلبية فيها.

وعقب أحداث 11 سبتمبر 2001، وسلسلة عمليات في دول أوروبية، تراجع التركيز على استهداف الغرب، في مقابل الانخراط في قضايا محلية في بعض الدول، وخاصة عقب الاحتجاجات التي شهدتها المنطقة العربية عام 2011، وما صاحبها من تصاعد المد الإسلاموي على اختلافه، بما ساهم في تبني التنظيم أجندة غارقة في المحلية بحكم المتغيرات، وساعد ذلك اتجاه التنظيم إلى اللا مركزية في العلاقة بين “القيادة المركزية” وقيادات الأفرع المختلفة، مع الإبقاء على خصوصية إصدار التوجيهات العامة.

وباتت أيديولوجيا تنظيم “القاعدة” تتسم بالمراوحة بين الاتجاهين، وتوظيف كل منهما في سياق قضايا بعينها، بما يسمح للتنظيم محاولة الاستفادة من الاتجاهين معاً، ولكن مع استمرار التركيز على القضايا المحلية، في ظل انشغال الأفرع المختلفة بالقضايا الداخلية.

5- محاولات إعادة بناء الشبكات في الغرب: بدا لافتاً في منتصف أغسطس الفائت، محاولة توظيف تنظيم “القاعدة” وقائع حرق المصحف في السويد والدنمارك، من خلال بيان يدعو للثأر، ضمن الأبعاد الدعائية، من خلال تكرار إصدار بيانات للتفاعل مع بعض الأحداث المستجدة التي تهم المسلمين، ولكن البيان (13 أغسطس 2023) حمل توجهاً جديداً للتنظيم، ليس فقط للدعوة إلى الثأر، ولكن دعا بشكل صريح المسلمين في الدول الغربية إلى تشكيل خلايا لتنفيذ عمليات إرهابية.

وحدّد التنظيم في البيان عدداً من التوجهات العامة في هذا الإطار، على أن تضم الخلية 3 أفراد، ضمن ما وصفه بـ”النفير العام”، لانطلاق عمليات جهادية كبرى. وبالنظر إلى عدم تخصيص التنظيم هذه الدعوة للمسلمين في السويد والدنمارك، فإنها تشمل المسلمين في مختلف الدول الغربية، بما يعكس محاولات “القاعدة” إعادة بناء شبكاته في الدول الغربية، والتي تعرضت لضربات منذ العقد قبل الفائت، بعد سلسلة عمليات إرهابية في عدد من الدول الأوروبية، عقب أحداث 11 سبتمبر.

كما برز في سياق هذه الدعوة، رغبة “القاعدة” في تشكيل خلايا عديدة، سواء داخل الدولة الواحدة، منعاً لكشفها وتفكيكها من قبل الأجهزة الأمنية، إضافة إلى تجنب إسقاط الخلايا جميعها حال كشف إحدى تلك الخلايا، واستخلاص المعلومات من عناصرها.

6- تفاوت نشاط أفرع التنظيم: بعيداً عن “القيادة المركزية” لتنظيم “القاعدة، فإن ثمة تفاوتاً بين الأفرع والجماعات المرتبطة بالتنظيم، على مستوى النشاط العملياتي، إذ يمكن تصنيفها وفقاً لمستوى النشاط كالتالي، أولاً: الأكثر نشاطاً، جماعة نصرة الإسلام والمسلمين في منطقة الساحل، وحركة الشباب في الصومال، إذ يبرز أن الصومال ومنطقة الساحل من أكثر مناطق أفريقيا تسجيلاً للأنشطة العنيفة المرتبطة بالتنظيمات الإرهابية. وثانياً: متوسطة النشاط، فرع التنظيم في اليمن، الذي حاول منذ العام إعادة ترتيب الصفوف مجدداً، وبدء مرحلة جديدة من العنف بالتركيز على المكونات العسكرية في جنوب اليمن. وثالثاً: ضعيفة، تنظيم حراس الدين في سوريا، وهو مرتبط بالتنظيم، ويواجه ضغوطاً مزدوجة من قبل هيئة تحرير الشام وضربات التحالف الدولي لمواجهة “داعش”، بقيادة الولايات المتحدة، إضافة لفرع القاعدة في شبة القارة الهندية، الذي تأسس رسمياً عام 2014، إلا أن عملياته محدودة.

7- استمرار الصراع مع تنظيم “داعش”: منذ عام 2013، دخل تنظيم “القاعدة” في صراع مع تنظيم “الدولة الإسلامية” في العراق، على خلفية الأزمة مع تنظيم “جبهة النصرة”، وإعلان الأخير مبايعة أيمن الظواهري، إلا أن الأول رفض الامتثال لتوجيهات الظواهري نفسه، واشتدت الخلافات والتوترات بين تنظيم “الدولة الإسلامية” عام 2014، بعد إعلان ما وصفه بـ”الخلافة” المزعومة.

وانتقل الخلاف بين “القاعدة” و”داعش” إلى جغرافيا خارج سوريا في أكثر من دولة تشهد نشاطاً للتنظيمات الإرهابية، وخاصة مع إعلان بعض التنظيمات والجماعات الموالية لتنظيم “القاعدة” مبايعة “داعش”، وسعي الأخير إلى توسيع نفوذه وقيادة مشروع “الجهاد العالمي” بغض النظر عن اختلاف الاستراتيجيات والتكتيكات مع تنظيم “القاعدة”.

ورغم خسارة تنظيم “داعش” الأراضي التي كانت تحت سيطرته في العراق وسوريا، بحلول 2017 و2019، على الترتيب، ومقتل زعيمه أبو بكر البغدادي أواخر عام 2019، إلا أنه ظل منافساً لتنظيم “القاعدة”، وتحديداً على مستوى القارة الأفريقية، التي تشهد صراعاً عنيفاً بين الجماعات المرتبطة بين التنظيمين، وتحديداً في منطقة الساحل، خاصة عقب إعادة هيكلة “داعش” فرعه المسمى “ولاية الساحل” عام 2022، قبل أن يتمكن من مضاعفة المساحات التي كانت تحت سيطرته خلال عام 2023، وفقاً لتقرير خبراء الأمم المتحدة، بعد تعمد استهداف مناطق سيطرة فرع “القاعدة” المعروف بـ”جماعة نصرة الإسلام”.

جدل القدرة

ورغم التراجع الكبير في عمليات تنظيم “القاعدة” لاستهداف الولايات المتحدة والدول الغربية، فإن التنظيم لا يزال يشكل تهديداً من خلال إمكانية تنفيذ بعض الأفراد الموالين له أو المتأثرين بالخطاب الدعائي واستدعاء المظلومية للتنظيم، عمليات وإن كانت محدودة في الغرب، مع استمرار الجدل حول قدرة التنظيم على تنفيذ عمليات أو عدم الرغبة لتجنب إثارة الدول الغربية ضد التنظيم مجدداً، في ظل خسائر كبيرة تكبدها خلال العقدين الماضيين، بعد هجمات 11 سبتمبر.

ولكن يظل التهديد كبيراً بالنسبة لمصالح الدول الغربية، وإن كانت الاستجابة مختلفة للتعاطي مع أفرع التنظيم، من خلال تركيز العمليات على أفرع التنظيم في سوريا واليمن والصومال، مقابل انخراط متراجع على مستوى الأفرع الأخرى في أفريقيا على وجه الخصوص.