جلسة استماع:
ما هي ملفات زيارة الرئيس الأمريكي “جو بايدن” للشرق الأوسط؟

جلسة استماع:

ما هي ملفات زيارة الرئيس الأمريكي “جو بايدن” للشرق الأوسط؟



نظّم مركز “العالم العربي للأبحاث والدراسات المتقدمة”، بالقاهرة، بتاريخ 6 يوليو 2022، جلسة استماع بعنوان “ما هي ملفات زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للشرق الأوسط؟”، واستضاف المركز الدكتور كريم حجاج، أستاذ ممارس في كلية الشؤون العالمية والسياسة العامة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة (كمتحدث رئيسي في الجلسة)، كما شارك في الجلسة عدد من الخبراء والباحثين المتخصصين في مجالات مختلفة، وهم: الدكتور محمد عز العرب، والدكتور محمد عباس ناجي، والأستاذ حسين معلوم، والأستاذ أحمد عليبة، والأستاذ عمرو عبدالعاطي، والأستاذ محمد الفقي، والدكتور حمدي بشير، والأستاذ علي عاطف، والأستاذ هيثم عمران، والأستاذة ميرفت زكريا.

دوافع رئيسية

يُحدد “حجاج” دوافع زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للشرق الأوسط خلال الأيام القليلة المقبلة، والتي جاء أبرزها كالتالي:

1- التعامل مع تداعيات الحرب الأوكرانية: ربما هذا هو أهم دوافع زيارة بايدن للمنطقة، وتحديداً للتعامل مع انعكاسات الحرب الروسية الأوكرانية، وبالأخص على مستوى أزمة النفط، وارتفاع الأسعار عالمياً، ومدى التوافق مع دول الخليج وخاصة السعودية على تخفيض الإنتاج.

2- اقتراب موعد انتخابات التجديد النصفي للكونجرس: الولايات المتحدة مقبلة على انتخابات نصفية في الكونجرس خلال شهر نوفمبر المقبل، في ظل الأجواء والظروف السياسية المحيطة بهذه الانتخابات والتي تُعد ضاغطة بشدة على الحزب الديمقراطي، وهناك توقعات بخسارة الحزب لمجلسي الشيوخ والنواب، وربما هذا معتاد، ويتعلق بدوران السياسة الأمريكية، باعتبار أن الطرف الحاكم المسيطر على البيت الأبيض يخسر الانتخابات النصفية في الكونجرس، ولذا فإن الزيارة محاولة من الإدارة الأمريكية لتقليل هذه الخسارة.

3- التعامل مع تحولات السياسة الأمريكية بالشرق الأوسط: هناك تحولات عميقة في السياسة الأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط، وهي نوع من إعادة التموضع في الإقليم وليس انسحاباً أمريكياً من المنطقة، ويترتب على ذلك تداعيات عميقة، منها وجود نوع من الفراغ الأمني في المنطقة، وبالتالي فزيارة بايدن محاولة للتعامل مع هذا الأمر، بما يستدعي شكلاً من أشكال الترتيبات الأمنية في المنطقة، وهو عنوان مهم خلال الزيارة، إضافة إلى إعادة ترميم علاقات الولايات المتحدة مع دول الخليج، التي أصابها جزء كبير من التصدع خلال العام الماضي.

قضايا إشكالية

في ضوء الدوافع التي تطرق لها “حجاج”، والمحطات الثلاث لجولة الرئيس الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط، فإن جدول الأعمال المتوقع والقضايا الرئيسية خلال كل محطة على حدة يشير إلى التالي:

1- زيارة إسرائيل وغلبة الإطار الثنائي للعلاقات: المحطة الأولى من الزيارة تأتي على خلفية تحولات مهمة في الداخل الإسرائيلي من حيث سقوط الائتلاف الحاكم، وتشكيل حكومة مؤقتة. حتى قبل سقوط الائتلاف الحاكم لم تكن هناك توقعات بحدوث اختراق كبير على صعيد عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية، وبالتالي فالتركيز سيكون على العلاقات الثنائية الأمريكية الإسرائيلية على وجه التحديد. وهناك قضيتان خلال زيارة بايدن:

الأولى: تتعلق بالملف الإيراني، وتحديداً مستقبل التعاون في ضوء رغبة أمريكا في إنهاء المفاوضات فيما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني. وثمة خلاف عميق بين أمريكا وإسرائيل، فالطرف الإسرائيلي لديه نوع من القلق الشديد بالنسبة لتوجه الإدارة الأمريكية في التعامل مع الملف النووي الإيراني والخطر المتمثل في توجهات إيران في المنطقة بشكل عام، فالطرف الإسرائيلي يعيب على الإدارة الأمريكية لأن الإدارة وعدت إسرائيل بالتوصل لاتفاق أطول من ناحية المدى الزمني لفرض القيود على البرنامج وأعمق من حيث حجم هذه القيود، وبالتالي فالمهمة الأساسية خلال الزيارة تقليل حجم هذه الخلافات، ويمكن توقع الإشارة إلى الالتزام التقليدي الأمريكي بأمن إسرائيل، مع إطلاق يد إسرائيل في التعامل مع التهديدات باعتبارها غير ملتزمة بالاتفاق النووي.

الثانية: الخطوات الخاصة فيما يتعلق بالمزيد من إدماج إسرائيل في المنطقة العربية، وهنا سيكون التركيز على ما يتعلق بمنظومة الدفاع الجوي وربط نظام الدفاع الجوي الإسرائيلي والأنظمة الأخرى في هذا الشأن، مع محاولة إضفاء طابع سياسي على هذه الخطوات، وإمكانية إدخال السعودية في هذا النظام. في المقابل، يتجنب بايدن أي ضغوط فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية على الحكومة الإسرائيلية الحالية، وبالتالي لا يتوقع حدوث اختراق في هذا الملف.

2- زيارة الضفة والاتجاه لخطوات رمزية: المحطة الثانية في زيارة بايدن تأتي في ظل أن الحزب الديمقراطي مؤمن بضرورة تحقيق تسوية سلمية للقضية الفلسطينية، وأن صيغة حل الدولتين إطار حاكم لهذه التسوية، ويبدو أن تقييم الإدارة الأمريكية استقر على ضرورة استمرار المعطيات لإحراز تقدم في الحفاظ على حل الدولتين، من خلال الحفاظ على كيان السلطة الفلسطينية، واستعادة العلاقات الأمريكية مع السلطة، وتحجيم الضرر الناتج عن فترة ترامب. وهناك اعتبار مهم هو أن القضية تنال اهتماماً متزايداً داخل الحزب الديمقراطي، وخاصة لدى القواعد المنتمية للتيار التقدمي داخل الحزب، وبالتالي فالقضية الفلسطينية تمثل شأناً داخلياً في الحزب الديمقراطي وتزداد أهمية، ولذا فإن بايدن لا يستطيع تجاهل القضية، ولا بد من خطوات ولو رمزية في هذا الملف.

كما أن عقد لقاء ثنائي في بيت لحم له دلالة رمزية أكثر من رام الله، إضافة إلى زيارة المستشفى الفلسطيني في القدس الشرقية، ورفع مستوى التمثيل الأمريكي تجاه السلطة الفلسطينية، من خلال رفع مستوى مكتب المصالح الأمريكية في القنصلية الفلسطينية لمكتب الشؤون الفلسطينية المزمع تأسيسه، وتكون له صلاحيات الاتصال ورفع تقارير مباشرة إلى الخارجية وليس من خلال السفارة الأمريكية في القدس، وهي خطوات متواضعة لإرضاء التيار التقدمي في الحزب الديمقراطي، عوضاً عن إعادة فتح القنصلية الأمريكية في القدس الشرقية كما كان الوضع عليه قبل قدوم إدارة ترامب، ولكن هذا واجه رفضاً إسرائيلياً شديداً.

3- زيارة السعودية وإعادة ترميم العلاقات الثنائية: المحطة الأساسية لبايدن خلال جولته الخارجية، تأتي على خلفية تصدع شديد بين واشنطن والسعودية، سياسياً وأمنياً، على خلفية قضية جمال خاشقجي، والفتور بين الجانب الأمريكي والجانب الخليجي عموماً بسبب إعادة التموضع الأمريكي في المنطقة، والإحساس الخليجي بأن الدور الأمريكي والمظلة الأمريكية لدول الخليج بدأت تتراجع، والتحول المتمثل في الإقدام على المفاوضات مع إيران، وهذا له تداعيات مستقبلاً على أمن دول الخليج، وقد أوجد اهتزازاً في الثقة، وكان لهذا تداعيات على توجهات السعودية فرأينا تعميق التعاون العسكري مع الصين.

وقد كان هذا مصدر انزعاج شديد لدى دوائر الإدارة الأمريكية، حيث التوجه الصيني للتعاون مع السعودية في مجال الصواريخ الباليستية، وشراء طائرات مقاتلة صينية، وإنشاء السعودية برنامجاً نووياً. وعقب الحرب الروسية الأوكرانية تنبهت الإدارة الأمريكية إلى أهمية العلاقة مع السعودية، خاصة بعد أزمة النفط العالمية، وتجاوزت أزمة جمال خاشقجي، وكان ذلك من خلال لقاءات ثنائية معلنة وغير معلنة بين مسؤولين أمريكيين وولي عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان، فيما بدا أنه تمهيد لاستعادة العلاقات.

وهناك ثلاثة ملفات أساسية مطروحة على جدول أعمال زيارة بايدن إلى السعودية، هي:

أولاً: الأزمة اليمنية، وهي من الموضوعات شديدة الحساسية بالنسبة للحزب الديمقراطي، وهناك معارضة لأي انخراط أمريكي إلى جانب السعودية في إطار التدخل العسكري في اليمن. فهناك قلق شديد بسبب التداعيات الإنسانية، واتجاه لقطع أي دعم أمريكي للسعودية في ملف حرب اليمن، مع دعم جهود الحفاظ على الهدنة وإمكانية مدها، لإتاحة الفرصة لجهود التسوية، ولكن هذا لا بد أن يكون بمقابل، وربما يدفع السعودية نحو زيادة الدعم الأمريكي العسكري واللوجيستي والاستخباراتي.

ثانياً: زيادة إنتاج النفط، التقارير التي تحدثت عن لقاء مدير الاستخبارات الأمريكية مع ولي عهد السعودية أشارت إلى أنّ ثمة تفاهماً لإقدام السعودية على زيادة إنتاج النفط للتعامل مع التداعيات الناتجة عن الحرب في أوكرانيا، ولكن هناك رغبة أمريكية للضغط على السعودية لتجاوز اتفاق أوبك +، من أجل زيادة معدلات إنتاج النفط بصورة أكبر، وربما يكون ذلك إحدى نقاط الخلاف بين الطرفين، إذ ترغب دول الخليج -وعلى رأسها السعودية والإمارات- في الحفاظ على العلاقات مع روسيا، في ظل تردد سعودي بالتضحية بالعلاقات مع روسيا.

ثالثاً: إدماج السعودية في المسار الإبراهيمي، هناك خطوات مهمة في هذا الملف، فثمة زيارات متبادلة بين الطرفين على مستوى رجال الأعمال، ووجود صفقات استثمارية وتجارية بين الطرفين، وبايدن لديه رغبة في زيادة الزخم حيال الاتفاقيات الإبراهيمية بإدماج السعودية، وتوسيع عبور الطائرات الإسرائيلية في الأجواء السعودية، وربما تكون هناك رحلات مباشرة بين الطرفين لنقل عرب إسرائيل، ولكن يبدو أن هناك رغبة سعودية في التريث حيال هذا الملف، كما أن الإدارة الأمريكية لن تضغط بصورة أكبر على السعودية في هذا الأمر، وتكتفي فقط بالخطوات التدريجية، ولكن الجانب الأهم في هذا الملف هو الترتيبات الأمنية في البحر الأحمر.

تداعيات محتملة

يتطرق “حجاج” إلى عدد من التداعيات المحتملة لزيارة بايدن إلى منطقة الشرق الأوسط، والتي كان أبرزها:

1- تعاون دفاعي إقليمي وليس تحالفاً أمنياً: لسنا بصدد إنشاء تحالف أمني جديد في المنطقة، وهذا التحالف يقتضي إعلاناً سياسياً من الدول المشاركة، والاتفاق على توجيه هذا التحالف ضد طرف، على أن يكون هناك شكل رسمي بين الدول، ولكن هذا مستبعد، ولكن ربما المتاح أكثر تواضعاً من هذه الرؤية، من خلال ترتيبات أمنية إقليمية في إطار تعاون دفاعي بالصيغة التي طرحها وزير الدفاع الإسرائيلي، في إطار تحالف للدفاع الجوي في الشرق الأوسط برعاية أمريكية بين دول عربية وإسرائيل في مواجهة التهديدات الإيرانية، وهذا يسد ثغرة لأمريكا في المنطقة، وهو مشروع أمريكي قديم من خلال ربط منظومات الدفاع الجوي في المنطقة، ولكن ثمة اتجاه إسرائيلي لإضفاء الطابع السياسي على الترتيبات الأمنية. في المقابل، فإن دول الخليج لديها تحفظات على توجيه هذا التعاون ضد إيران، من أجل تجنب أي استفزاز للجانب الإيراني. وربما ينحاز بايدن إلى مسار دول الخليج وليس إلى الرغبة الإسرائيلية، إذ لا ترغب أمريكا في الدخول في مواجهة مع إيران، كما أن هذا التعاون يعزز عدم الانخراط الأمريكي تجاه الأمن الإقليمي للشرق الأوسط، ويمكن الإشارة إلى أن هذه الترتيبات تواجه فقدان الثقة في الوجود الأمريكي بالشرق الأوسط.

2- تحالف (I2U2) وإعادة تصور حدود الشرق الأوسط: هذا التحالف الرباعي بمبادرة أمريكية، ويضمّ الإمارات وإسرائيل والهند، ويعكس الاهتمام بمنطقة غرب آسيا، ويأتي في إطار التوجه الأمريكي لإنشاء تجمعات وتحالفات دولية جديدة ضد النفوذ الصيني، وهو يمثل امتداداً للتوجه الأمريكي بإعادة تصور الحدود الجغرافية للشرق الأوسط، فيما يُطلق عليه منذ عهد جورج بوش الابن “الشرق الأوسط الكبير”، وهي إعادة صياغة للحدود الجغرافية للإقليم، ومطلوب جهد لرصد مسار هذا التحالف أو التجمع.

3- ترسيخ وتثبيت التفاعلات القائمة في الإقليم: زيارة جو بايدن لا تعكس رغبة أمريكية في الانخراط مجدداً بالشرق الأوسط، ولكنها تأتي لترسيخ وتثبيت التفاعلات القائمة، أي إنها تسعى لدفع تفاعلات الأمن الإقليمي وفك الارتباط أمنياً بالمنطقة، وإبقاء التفاعلات في القضايا الإقليمية الأمنية على مستوى ملف مكافحة الإرهاب لمنع تهديد المصالح الأمريكية، إضافة إلى الانخراط في مسار الملف النووي، وبالتالي من غير المتوقع إعادة انخراط أمريكا في الصراعات الإقليمية، كما أن زيارة بايدن لن تغير من ديناميكية بعض الملفات، أولاً: التوسع في مسار الاتفاقيات الإبراهيمية، والدفع نحو مزيد من التقارب والخطوات بين السعودية وإسرائيل، وثانياً: اتجاه دول الخليج للحوار مع إيران، ولن تؤثر الزيارة على مسار الانفتاح مع إيران، في ظل عدم رؤية أي توجه أمريكي لتعزيز المظلة الأمنية.

رؤية مشتركة

وأخيراً، يرى “حجاج” أن الدول العربية لم تبلور تصوراً مشتركاً للتعامل مع الوضع الجديد في المنطقة، من أجل تنسيق التحركات للتعامل مع التداعيات الإقليمية الجديدة، لكي تكون فاعلة في الشأن الإقليمي. ورهن نجاح زيارة بايدن للمنطقة، بمدى قدرة الدول على الحصول على مكاسب، فمثلاً إسرائيل ربما تحصل على مزيد من المساعدات المالية لتعزيز القدرات العسكرية، ولكن لن تعكس الزيارة تحولات كبيرة في السياسة الأمريكية تجاه التفاعل مع المنطقة خلال الفترة المقبلة، مع الإشارة إلى ضرورة تحقيق الدول العربية قدراً من التوازن في علاقاتها بين أمريكا والدول الكبرى الأخرى مثل الصين، خاصة أن إسرائيل لديها نموذج مهم في هذا السياق، من خلال مأسسة العلاقات مع أمريكا، وشرح وتفسير كل الجوانب مع الجانب الأمريكي من خلال لجان مشتركة عبر كل القنوات والمستويات.

ويستبعد “حجاج” ممارسة الصين دوراً أمنياً كطرف رئيسي في الشرق الأوسط، يعوض الفراغ الأمريكي، في ظل تحفظ صيني بالأساس، ولكنّ هناك دوراً نشطاً للصين في إطار مزيد من الانخراط الدبلوماسي.