نظّم مركز “العالم العربي للأبحاث والدراسات المتقدمة”، بالقاهرة، بتاريخ 10 مارس 2024، جلسة استماع بعنوان “حافة الهاوية: ما هي مسارات المواجهة بين الجيش السوداني والدعم السريع في السودان؟” واستضاف المركز لواء دكتور أمين إسماعيل مجذوب مدير إدارة الدراسات القومية بالأكاديمية العليا للدراسات الاستراتيجية والأمنية (كمتحدث رئيس في الجلسة)، كما شارك في الجلسة عدد من الخبراء والباحثين المتخصصين في مجالات مختلفة، وهم: الدكتور محمد عز العرب، والدكتور محمد عباس ناجي، والأستاذ كرم سعيد، والأستاذ عمرو عبد العاطي، والأستاذ حسين معلوم، والأستاذ محمد عمر، والأستاذ علي عاطف، والأستاذة ميرفت زكريا، والأستاذة نادين المهدي، والأستاذة نهلة عبدالمنعم.
أطراف الصراع
وتطرق أمين مجذوب خلال الجلسة إلى أطراف الصراع البارزة في السودان في ظل استمرار الحرب منذ أبريل 2023 بين الجيش السوداني والدعم السريع، وهي:
1- الجيش السوداني: يعد الطرف الأساسي في الصراع الجاري لأنه سمح منذ البداية بصعود وتمدد قوات الدعم السريع منذ عهد الرئيس السابق عمر البشير، وتحديداً تقوية دوره عام 2003 في أزمة إقليم دارفور، وكانت هناك توقعات بعدم احتمالية أي صدام بين الجيش والدعم السريع حتى بعد ثورة ديسمبر 2018 والإطاحة بالبشير، لكن حدث خلاف ذلك بتمرد الدعم السريع على الجيش في أبريل 2023، فقد حصل الدعم السريع طوال السنوات الماضية على وجود قوي داخل العاصمة الخرطوم والمؤسسات، وهو ما سهل له عملية التمرد والاستيلاء على العديد من المناطق والمؤسسات والمباني الحكومية والقواعد العسكرية مثل قاعدة مروي الجوية الاستراتيجية.
2- قوات الدعم السريع: تُعد الفاعل الثاني في الصراع الجاري، فهي تأسست خلال حقبة الرئيس السابق البشير، ونجحت في تعزيز قوتها العسكرية وتطوير أساليب القتال خاصة سرعة الحركة والمرونة، ثم مَنَحَها دوراً سياسياً وعسكرياً سواء داخل المؤسسات أو الجيش، ومنح عناصرها رتباً عسكرية عالية ومن بينهم محمد حمدان دقلو “حميدتي” قائد الدعم السريع الذي حصل على رتبة فريق، وقد أدى منحهم الرتب العسكرية بشكل غير مدروس إلى أزمة بالدولة. كذلك قويت شوكة الدعم السريع خارجياً، فقد قاتل كمرتزقة في ليبيا منذ عام 2011 بخلاف تكوينه علاقات مع دول الخليج العربي بشكل فردي، والمشاركة في حرب اليمن ضمن عاصفة الحزم عام 2015. ومع ثورة ديسمبر 2018 عادوا للسودان بعد استدعائهم من قبل البشير للوقوف ضد الثورة لكن انقلبوا عليه.
وبعد ذلك أصبح للدعم السريع دور مهم، خاصة في ظل العلاقة الشخصية التي جمعت قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان وحميدتي منذ عهد البشير، والعمل معاً في منطقة جبل عامر وغيرها.
3- الحركات المسلحة: تعد أحد الفاعلين في الصراع الجاري بالسودان، وقد نشطت قوتها بعد الثورة على البشير، فقد كانت تعمل من أجل المال من خلال عملها كمرتزقة وخشيت من صعود الدعم السريع، والآن استغلت حربه ضد الجيش للوقف مع الأخير ضده بسبب حربه ضدهم خلال فترة البشير وتخشى من سيطرته على الدولة.
4- المرتزقة من دول الجوار: تقاتل هذه الفئة من أجل المال وقد جذبها الدعم السريع من بلدان عدة مجاورة للسودان في حربه ضد الجيش، خاصة من دول مالي وتشاد والنيجر وبوركينافاسو، وقد استغلت هذه الدول الحرب في السودان لإخراج هؤلاء المرتزقة وخاصة العرب إلى الصراع في السودان للتخلص منهم ومن إزعاجهم.
جذور الأزمة
وتطرق مجذوب إلى جذور الأزمة في السودان التي قادت إلى الحرب الحالية بين الجيش السوداني والدعم السريع، وتمثلت في التالي:
1- أحداث ديسمبر 2018: ساهمت ثورة ديسمبر 2018 التي بدأت باحتجاجات ضد البشير في استدعاء قوات الدعم السريع إلى العاصمة الخرطوم والمدن الرئيسية بعد أن كان منزوياً عن المدن، وقد أدى ذلك لتمدده في العاصمة، ثم بروز دوره في النظام الجديد وعلاقته مع البرهان وتعيينه نائباً لرئيس مجلس السيادة وما تبعه من شبكة العلاقات الخارجية التي كونها مع دول المنطقة حتى إسرائيل من بين الدول التي أقام معها علاقات مستغلاً التطبيع الذي قام به البرهان مع إسرائيل.
2- استغلال الفترة الانتقالية: استغل الدعم السريع الفترة الانتقالية التي تم الاتفاق عليها بعد الثورة في دعم وجوده وكسب شرعية سياسية وتعزيز قدراته العسكرية، ثم دوره بالتحالف مع الجيش في تنفيذ ما عُرف بانقلاب 25 أكتوبر 2021 ضد المكون المدني والإطاحة بحكومة عبد الله حمدوك، ثم الدخول في سلسلة أزمات متواصلة قادت لتقوية دور الدعم السريع، وعلى رأسها الاتفاق الإطاري السياسي في ديسمبر 2022 بشأن فترة انتقالية وإجراء إصلاحات في القوات المسلحة ودمج قوات الدعم السريع تدريجياً في القوات المسلحة، فقد أراد حميدتي تنفيذ عملية الدمج على مدار 20 عاماً، ما يعني فعلياً رفض الدمج وتعزيز قوته بينما أراد الجيش أن يكون الدمج خلال عامين فقط، فيما طرحت الأمم المتحدة فترة خمس سنوات كفترة ملائمة، ومن هنا بدأ الخلاف بين الجيش والدعم السريع.
مشروعات متصارعة
أكد مجذوب أن الصراع على السلطة بعد ثورة ديسمبر قاد لخلافات بين الأطراف الفاعلة ورغبة كل منهم في الاستفراد بها، ما أدى لبروز عدة مشروعات تمثلت في:
1- مشروع البرهان والقوى الإسلامية: حيث أرادوا التفرد بالحكم واستغلال الفترة الانتقالية لعودة النظام السابق.
2- مشروع التيار المدني: أراد السيطرة هو الآخر على السلطة عبر استغلال الدعم السريع وجذبه إلى جانبه، وهو ما قاد إلى تمرد أبريل 2023، فقد كان من المخطط رئاسة حمدوك مجدداً للحكومة مع تولي حميدتي رئاسة الدولة.
3- مشروع حميدتي الشخصي: أدرك حميدتي قوته في السودان وأهميته لدى معظم الأطراف ما دفعه لتشكيل مشروع شخصي خاص به للوصول إلى السلطة.
وأمام هذه المشروعات الثلاثة حدث صدام قاد لحرب أبريل 2023، بما يصعب معه تحديد من المتسبب في إطلاق الرصاصة الأولى للحرب، فالكل تورط فيها من خلال مشروعه الخاص به.
الوضع الحالي
وبالنظر إلى الوضع الحالي على الأرض في ظل استمرار الحرب بين الدعم السريع والجيش نجد التالي:
1- التدخل الخارجي: توجد تدخلات في أزمة السودان الحالية منذ بدء الحرب وحتى قبلها من خلال نوعين: أولهما، تدخل حميد: وهذا التدخل قامت به بعض الدول والمنظمات الإقليمية من أجل إنهاء الحرب، مثل مصر ومنبر جدة ولقاء المنامة ومؤتمر دول جوار السودان في القاهرة وكذلك الاتحاد الافريقي. وثانيهما، تدخل غير حميد: قامت به بعض الأطراف الدولية ودول جوار السودان مثل إثيوبيا وتشاد والنيجر ومالي وكينيا وأوغندا، فهؤلاء لديهم علاقات مع حميدتي سواء تصدير المرتزقة إليهم أو الحصول على الذهب الذي يتم تهريبه خارج السودان من قبل الدعم السريع والذي يقدر بحوالي 20-30 مليار دولار سنوياً.
2- الوضع العسكري: الدعم السريع يسيطر بشكل كامل على دافور عدا مدينة الفاشر وحوالي 40 % من العاصمة الخرطوم، وكذلك كردفان، كما يحاول التمدد شمالاً للتحكم في معابر السودان مع دول الجوار ودخول بور سودان للوصول إلى البحر، حيث يحظى الدعم السريع بميزة الانتشار وسرعة التحرك ولكن ليس بسط السيطرة بشكل تام، فهو يصل لبعض المناطق لكن لا يفرض سيطرة عليها ثابتة مثل الجيش الذي يسيطر على باقي السودان، حيث يميل الوضع العسكري لصالحه.
ويحاول الدعم السريع استغلال أي هدنة لتوسيع نطاق سيطرته وانتشاره، فقد عقدت 14 هدنة من قبل ولم يلتزم بها، لكن الجيش فطن لهذا الأمر ولهذا لم يلتزم بالقرار الصادر عن مجلس الأمن بشأن وقف القتال خلال شهر رمضان، وأمام فشل الدعم السريع في الكثير من المناطق لجأ لسياسة الأرض المحروقة.
3- الوضع الإنساني: الوضع الإنساني في السودان صعب للغاية فقد أصبحت مؤسسات الدولة والمستشفيات والمدارس خارج الخدمة بجانب تعثر مواسم الزراعة سواء المحصول الشتوي أو الصيفي على مدار عامين وخاصة في ولاية الجزيرة، وهذا سيخلق فجوة غذائية ضخمة خلال عامي 2024 و2025، وهو ما ينذر بمجاعة وأزمة إنسانية غير مسبوقة.
ولمنع تفاقم هذه الأزمة تم الاتفاق على إدخال المساعدات الغذائية عبر معبر أرقين مع مصر، وكذلك ميناء بور سودان، لكن الدعم السريع يريد ممرات أخرى خاصة عبر تشاد وذلك من أجل الحصول على الأسلحة، كذلك يصر على التمسك بموقفه وعدم تنفيذ اتفاق مايو 2023 مع الجيش بشأن الخروج من المدن ومنازل المواطنين والمنشآت الحكومية وهو ما يعرقل دخول المساعدات وعدم فاعلية قرار مجلس الأمن بشأن وقف إطلاق النار خلال شهر رمضان ودعم إدخال المساعدات.
السيناريوهات المستقبلية
تطرق اللواء دكتور مجذوب إلى عدة سيناريوهات بشأن مسار الحرب الحالية بين الجيش السوداني والدعم السريع وتمثلت في:
1- انتصار أحد الأطراف: في حال انتصر الجيش السوداني على الدعم السريع قد يحدث انفصال دارفور عن السودان لأنها حاضنة الدعم السريع فمن المستحيل تحقيق نصر تام عليه واجتثاثه، أما في حال هزيمة الجيش أمام الدعم السريع فسيدخل السودان في حرب أهلية.
2- استمرار الصراع بين الطرفين: في حال حدوث ذلك ستستمر الحرب لفترة طويلة بين الطرفين ما يقود لانهيار السودان وبروز أزمات كبيرة، وهذا سيناريو غير مرغوب فيه.
3- انتهاء الصراع عبر التفاوض: وهذا السيناريو مقبول وقد يتم التفاوض بين الطرفين والوصول لاتفاق يشبه “اتفاق الطائف” في حالة لبنان، وسيتم ترك الدعم السريع في دارفور بقواته مع بدء فترة انتقالية ودمج قواتهم في الجيش ثم إجراء انتخابات، ولكن مشاركة الدعم السريع في العملية السياسية بدون دمجه في القوات المسلحة سيكون صعباً كذلك فلا يمكن استبعاده من المعادلة.
4- حدوث تدخل دولي وفرض وصاية على السودان: وهذا احتمال وارد، وقد يحدث وسيكون خطيراً جداً بالنسبة للسودان ودول المنطقة.
مستقبل المفاوضات
رغم مرور عام على الحرب بين الدعم السريع والجيش إلا أن مفاوضات عدة جرت بين الطرفين سواء “منبر جدة” بداية من مايو 2023 وما تلاه من جولات حتى علقت المفاوضات في أغسطس 2023، حيث اتفق المشاركون في منبر جدة على وقف إطلاق النار، وخروج الدعم السريع من منازل المواطنين والمؤسسات الحكومية ومعسكرات وقواعد الجيش لكن لم يلتزم بذلك، ومع تعثر “منبر جدة” عقد لقاء المنامة بين الطرفين لبحث تقاسم السلطة بينهما والإطاحة بالمدنيين من المعادلة السياسية لكن سُرب الاتفاق وفشلت هذه الجولة، والآن عاد المدنيون للصورة عبر عدة جولات خارجية أجروها في إثيوبيا ومصر ودول أخرى ولقاء ممثلي المنظمات الإقليمية والدولية.
وبالتالي، مستقبل المفاوضات يشير إلى أنها غير فعالة ما لم يكن هناك وسطاء أقوياء وراغبون في الفعل، لأن “منبر جدة” الذي قادته واشنطن والرياض كان غير فعال، إذ إن السعودية غير قادرة على فرض إرادتها على الأطراف المتصارعة، وكذلك الولايات المتحدة لا تريد حسم الحرب وترغب في تركيع السودان عبر إطالة أمد الصراع وإضعاف الدولة، لكن يمكن لمصر بالتعاون مع أطراف أخرى خاصة تركيا حل الأزمة، فمصر تملك أوراق ضغط قوية، فقد زار البرهان مصر مرتين منذ بدء الحرب آخرها نهاية فبراير 2024، تلاها زيارة لوفد “تقدم” المدني برئاسة رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك يوم 7 مارس 2024، وتحدث عن طرحهم على مصر استضافة لقاء مباشر بين البرهان وحميدتي لإنهاء الحرب.