أبعاد مترابطة:
ما هي دوافع الصومال للانضمام إلى جماعة شرق أفريقيا؟

أبعاد مترابطة:

ما هي دوافع الصومال للانضمام إلى جماعة شرق أفريقيا؟



ثمة دوافع أمنية واقتصادية وسياسية تحفز الصومال للانضمام إلى مجموعة دول شرق أفريقيا، تتمثل في حاجة الصومال إلى المساعدة العسكرية والتعاون الأمني في مجال مكافحة الإرهاب في وقت تتجه قوات الاتحاد الأفريقي “أتميس” للانسحاب التدريجي بداية من يونيو الماضي، الأمر الذي يثير مخاوف الصومال من حدوث فراغ أمني تستغله التنظيمات الإرهابية، فضلاً عن الحاجة الاقتصادية للانضمام إلى السوق الاقتصادية المشتركة وزيادة الصادرات في البنية التحتية والقطاعات المختلفة وجذب الاستثمارات الخارجية، ودعم مكانة الصومال وتعزيز دوره كلاعب مؤثر في معالجة التحديات الإقليمية.

ففي 24 نوفمبر الجاري، تم الإعلان عن انضمام الصومال كعضو ثامن في مجموعة شرق أفريقيا، حيث وافق زعماء المنظمة خلال القمة العادية الثالثة والعشرين لرؤساء الدول التي عقدت في أروشا بتنزانيا في اليوم نفسه بعد مفاوضات ناجحة استمرت ما يقرب من عام. وهو ما يثير التساؤلات حول دوافع الصومال للانضمام إلى المنظمة.

دوافع عديدة

أعرب الصومال لأول مرة عن رغبته في الانضمام إلى مجموعة شرق أفريقيا في عام 2012، ولكن تم رفضه بسبب مشاكله الداخلية مع حركة الشباب، وعدم وجود بيئة سياسية قانونية مستقرة في ذلك الوقت، ومن ثم يمكن القول إن ثمة جملة من العوامل التي دفعت الصومال للانضمام إلى هذا التكتل في هذا التوقيت، على النحو التالي:

1- التصدي للتهديدات الأمنية وخاصة من التنظيمات الإرهابية، حيث أكد وزير الدفاع الصومالي عبد القادر محمد نور جامع، في تصريحات له خلال يوليو الماضي، على أهمية انضمام بلاده إلى قوات التدخل السريع لشرق أفريقيا “إيساف”، داعياً في الوقت نفسه مجلس الشعب للمصادقة على معاهدة الانضمام إلى التكتل. وأوضح جامع أن انضمام الصومال إلى قوات إيساف يُعد ضرورة ملحة بسبب التغيير في عملية الدفاع الدولي، والحاجة للتعاون بعد تزايد التهديدات الأمنية في العالم والمنطقة والبلاد. وأكد أن هذه المعاهدة ستسهل من المساعدة العسكرية التي تحتاجها البلاد لمكافحة الإرهاب من دول المنطقة. ويشير الخبراء إلى حاجة الصومال للتعاون الأمني مع دول المجموعة في ظل مخاوف متزايدة من أن يؤدي الانسحاب التدريجي الذي تنفذه حالياً قوة حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي “أتميس” من البلاد إلى فراغ أمني تستغله التنظيمات الإرهابية في إعادة سيطرتها على المناطق الرخوة في الصومال.

2- تدفق الاستثمارات إلى قطاعات متعددة، حيث يعزز انضمام الصومال لهذا التكتل من الوصول إلى السوق الاقتصادية في شرق أفريقيا، ويُتوقع أن يجلب الانضمام استثمارات كبيرة للصومال في مجال البنية التحتية والمرافق وقطاع الزراعة وصيد الأسماك والطرق التي تربط الصومال بدول الإقليم. ويُشير خبراء إلى أنّ من شأن الانضمام أن يتمتع رجال الأعمال في الصومال بحرية حركة تمكنهم من الوصول إلى أسواق جديدة. كما يشير خبراء إلى أن انضمام الصومال لهذا التكتل من شأنه أن يعزز من فرص زيادة الصادرات الصومالية والتجارة البينية وحركة السلع والخدمات، ويزيد من وتيرة الإنتاج المحلي. ويرى بعض الخبراء أن الصومال سوف يستفيد من هذا الانضمام في تنفيذ مشاريع البنية التحتية، بما في ذلك تطوير الطرق، والسكك الحديدية، ومبادرات الطاقة، وتعزيز الاتصال، ودفع النمو الاقتصادي. وقد أكد الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود أن انضمام الصومال لمجموعة شرق أفريقيا يضفي الشرعية على الأصول التي يحتفظ بها الصوماليون في تلك الدول.

3- ممارسة دور سياسي أكبر على الساحة الإقليمية، حيث تزايد اهتمام الصومال بالانضمام إلى هذا التكتل مع وصول الرئيس حسن شيخ محمود إلى السلطة، والذي يتطلع لتحقيق مصالحة داخلية ودور أكبر للصومال على الساحة الإقليمية. وفي هذا السياق، يشير خبراء إلى تجدد آمال الصومال في الانضمام إلى هذا التكتل بعد قبول جنوب السودان المضطرب بنفس القدر في عام 2016، ثم جمهورية الكونغو الديمقراطية التي تعاني أيضاً من صراعات متعددة داخل حدودها في عام 2022. ومع عودة الرئيس حسن شيخ محمود، الذي بدأ المحاولة الأولى للانضمام إلى مجموعة شرق أفريقيا خلال فترة ولايته الأولى في عام 2012، جدد الصومال محاولته للانضمام إلى الكتلة، وتم إرسال بعثة تحقق في يناير من هذا العام (2023) للتحقق من استعداده للانضمام لهذا التكتل. وفي أغسطس الفائت، شارك المسؤولون الصوماليون في مفاوضات مع مسؤولي مجموعة شرق أفريقيا، وبعد ذلك تمت صياغة تقرير وإرساله إلى مجلس الوزراء قبل إحالته إلى قمة رؤساء الدول.

تحديات كبيرة

بالرغم من الفرص والإمكانيات التي يمتلكها الصومال للاستفادة من انضمامه إلى مجموعة شرق أفريقيا، ثمة جملة من التحديات التي تواجه الصومال، من أهمها:

1- تنامي التهديدات الأمنية ورخاوة الحدود الجغرافية، حيث إن الصومال لا يزال بلداً غير مستقر أمنياً، ولا سيما في ظل الأنشطة المتنامية للجماعات الإرهابية، وخاصة حركة شباب المجاهدين، والتي تمثل تهديدات حقيقية أمام جهود التنمية والأنشطة الاستثمارية والتجارية في هذا البلد والمنطقة. لذلك قد يمثل انضمام الصومال لباقي الدول الأعضاء في المنظمة تهديداً أمنياً، لأنه سيكون بإمكان هذه العناصر الإرهابية التنقل بحرية أكبر خارج الحدود الصومالية.

2- الهشاشة الفيدرالية والنزوع للانفصال من قبل الولايات الصومالية، حيث لا تزال بعض الولايات الصومالية ترفض الانضمام إلى مجموعة شرق أفريقيا، مثل أرض الصومال، إذ لا يزال هذا البلد يعاني من الهشاشة في بنيته الفيدرالية، ونزوع بعض الولايات الإقليمية للانفصال. ومن ثمّ يرى بعض الخبراء أن قرار انضمام الصومال إلى مجموعة شرق أفريقيا هو قرار متسرع لأنه كان يتعين على الحكومة الصومالية أولاً تحقيق قدر من المصالحة الداخلية، والقيام بإدخال إصلاحات سياسية وهيكلية في النظام السياسي لخلق استقرار سياسي يمهد للانضمام إلى هذا التكتل.

3- عدم تهيؤ البيئة الاقتصادية للانضمام إلى السوق الشرق أفريقية، حيث يرى بعض الخبراء أن الهدف الأساسي من تأسيس مجموعة شرق أفريقيا اقتصادي وتجاري، وبالتالي فإن الصومال لن يستفيد من الانضمام لهذا التكتل شيئاً حالياً نظراً لأوضاعه، فليست لديه خدمات وبضائع واسعة يتم تسويقها إلى هذه السوق المشتركة، وغاية ما لديه رأسمال تتطلع كل دولة في المنظمة لاستثماره في أراضيها. وثمة من يرى أنه كان ينبغي على الصومال أن ينتظر حتى يتهيأ اقتصادياً لهذا الانضمام، وأن المنظمة ربما كانت ترغب في التوسع والوصول إلى المزيد من الأسواق والحصول على خط ساحلي أكبر، لكن التحديات التي تأتي مع الصومال قد تفوق فوائد انضمامه إلى المجموعة.

فرص واعدة

وفي المجمل، ثمة فرص واعدة أمام الصومال للاستفادة من انضمامه إلى مجموعة شرق أفريقيا، حيث ستوفر عضوية الكتلة للصومال آفاقاً واسعة للتكامل الإقليمي والاقتصادي، وتوفر له منصة هامة للتجارة والاستثمار، إضافة إلى خلق فرص عمل والتنويع الاقتصادي، وسيعزز انضمام الصومال من مكانته كلاعب نشط في شؤون شرق أفريقيا من خلال دبلوماسية نشطة ودور أكثر تأثيراً في معالجة التحديات الإقليمية، بما في ذلك القضايا الأمنية، وحل النزاعات المحلية والوطنية والإقليمية. إضافة إلى أن هذا الانضمام يعزز من فرص التعاون الأمني في مجال مكافحة الإرهاب.

وبرغم ذلك، ثمة تحديات يتعين على الصومال تجاوزها حتى يستفيد من عضويته في مجموعة شرق أفريقيا، ولا سيما تحقيق الاستقرار السياسي والمصالحة الداخلية، وتعزيز السيطرة الأمنية ومكافحة إرهاب حركة الشباب، وتحقيق الاستفادة القصوى من ثروات الصومال وموارده المتنوعة بما في ذلك أراضيه الواسعة الصالحة للزراعة، وتعزيز قدراته وإمكاناته الذاتية في مواجهة الأوضاع المعيشية المتدهورة مثل المجاعة والنزوح والفقر.