نظّمت قيادات جماعة الإخوان زيارة ثانية إلى أفغانستان في خلال أقل من شهرين، مما أثار التساؤلات حول دوافع التقارب بين الإخوان وطالبان، والتي ارتكز أغلبها على رغبة الجماعة في توفير مكان بديل لعناصرها المطاردين في بعض الدول، وهو ما يمكن لطالبان توفيره مقابل دعم مالي وسياسي لموقفها دولياً، ودعم هذا الطرح تكرار الاجتماعات خلال الآونة الأخيرة بين قيادات الإخوان ووزيري الدفاع والداخلية لطالبان، بما يوحي بترتيبات أمنية للحاضنة الآسيوية الجديدة للجماعة.
يُنذر التقارب المتنامي بين طالبان والإخوان عن تعاون محتمل بينهما على أصعدة متعددة؛ إذ استقبلت الحركة في 4 يناير الجاري وفداً من أبرز قيادات الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين المحسوب على جماعة الإخوان والمدرج على لائحة الإرهاب في مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين، وتعد هذه الزيارة هي الثانية من نوعها خلال أقل من شهرين، ما يشي بأن أفغانستان ستكون ملاذاً للإخوان خلال المرحلة المقبلة تأسيساً على تشابه البنى التنظيمية والأيديولوجية للطرفين، إلى جانب رغبة الجماعة في التربح من النتائج السياسية والدعوية المرتبطة بتحول طالبان من حركة سرية إلى سلطة حاكمة.
اعتبارات عديدة
تُثير اللقاءات المتكررة بين قيادات الإخوان ومسؤولي طالبان خلال الآونة الأخيرة التساؤلات حول ماهية التقارب بينهما، وإلى أي مدى يُمكن للجماعة توظيف الظروف الراهنة للاستفادة من صعود حركة طالبان لسدة الحكم في أفغانستان، وهو ما يُمكن تفسيره عبر الآتي:
1- توفير ملاذ بديل للدول التي تغيّرت مصالحها مع الإخوان: تزداد القيود ضد عناصر الجماعة في بعض الدول التي تريد تغيير نمط علاقاتها الخارجية لاختلاف مصالحها في الوقت الحالي عما كانت عليه سابقاً، كتركيا على سبيل المثال، إذ ألقت سلطاتها في ديسمبر الفائت القبض على حاكم المطيري رئيس حزب «الأمة» الكويتي المحظور والمحسوب على الجماعة، ومن ثم يحتاج الإخوان لتوسيع دوائر نفوذهم داخل الدول التي لا ترفض أنظمتها أو تتعارض مصالحها الخارجية مع أهدافهم، وذلك بما يضمن لهم إيجاد بدائل لاستضافة القيادات وحماية العناصر المُطاردة.
2- تطوير المصالح الاقتصادية للإخوان داخل أفغانستان: إن قدرة جماعة الإخوان على تطوير علاقات التعاون مع طالبان سيزيد من فرصهم للاستثمار داخل أفغانستان، إلى جانب استخدام الخبرات السابقة للحركة في دعم العمليات المالية التي قد تحتاجها الجماعة لتمويل أنشطتها السرية، وبالأخص مع التضييق على كياناتها الاقتصادية، ومضاعفة الرقابة على أموال التبرعات التي تجمعها الهيئات التابعة لها في الدول الغربية.
وعلى الرّغم من رواج هذا الطرح نظراً للظروف الإقليمية الحالية، فإن طالبان لا تزال ترغب في الحفاظ على بنود الاتفاقية المبرمة مع واشنطن في فبراير 2020 والتي تقضي بعدم تحول البلاد لمعسكر يُؤوي الجماعات المتطرفة أو يدعمهم مالياً، وبالتالي فإن الرؤى الدولية حول استغلال الاضطراب الأمني في المنطقة سيؤثر على فرص الاستفادة الاقتصادية للجماعة في أفغانستان فيما يخص المشروعات أو الجمعيات المُعلنة.
3- توظيف الصورة الذهنية لحالة طالبان بما يخدم طموح الجماعة: تركز الوسائل الإعلامية لجماعة الإخوان خلال تغطية الزيارات المستمرة بين الطرفين على الترويج لتفوق طالبان على الولايات المتحدة بعد سنوات من الكفاح المسلح، بما يعني أن الجماعة تستخدم هذا الخطاب لدعم عناصرها إزاء حالة الأفول التي يعانيها التنظيم في بعض الدول من جهة، لدعم الروابط مع الفروع التي لا تزال تحاول من أجل الوصول للسلطة في بلدان أخرى من جهة ثانية.
4- تدعيم الترتيبات الأمنية لمسار التعاون بين الطرفين: إن اللقاءات المستمرة بين قيادات جماعة الإخوان ووزيري الدفاع والداخلية لطالبان، يشير إلى تطور التعاون بين الطرفين ضمن واجهات دينية ومسارات قتالية، فيما تتجه بعض التأويلات إلى أن هذه اللقاءات المتكررة هي مقدمة للترتيبات الأمنية لنقل بعض عناصر الإخوان إلى أفغانستان، ومن جهة أخرى ستتيح هذه اللقاءات فرصة لتناقل الخبرات العسكرية بينهما، وبالأخص بعد سيطرة طالبان على بعض الأسلحة المتطورة التي خلفتها القوات الأمريكية قبل رحيلها في أغسطس 2021.
5- اعتماد طالبان على مؤسسات الإخوان لمواجهة النقد الفقهي لها من الهيئات الدينية الكبرى:أشار وزير الخارجية أمير خان متقي إلى أن التعاون مع الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين هو فرصة لطالبان من أجل التقارب مع العالم الإسلامي، ويكشف ذلك عن انتقائية تحاول من خلالها طالبان الاعتماد على الكيانات الدينية للإخوان من أجل مواجهة الانتقادات الموجهة لهم من الأزهر الشريف وهيئة كبار العلماء بالسعودية؛ إذ انتقدت قيادات الهيئتين مخالفة قرار طالبان بمنع تعليم البنات لتعاليم الشريعة الإسلامية وغيره من المسائل الفقهية.
6- إبراز التوافق حول المواقف الدولية وتجاوز الملفات الجدلية: ركز الطرفان على تقديم الدعم في الملفات الدولية الشائكة مثل الخلافات الأخيرة بين طالبان وباكستان؛ إذ أعلنت جماعة الإخوان كامل دعمها للحركة ورفضها لتوجه إسلام أباد حول إعادة اللاجئين الأفغان إلى بلادهم، فيما لم تتطرق البيانات المعلنة للطرفين إلى القضايا الجدلية المرتبطة بالقيود التي فرضتها طالبان على المجتمع الأفغاني ولا سيما النساء.
7- استغلال التصعيد السياسي بين القوى الكبرى دولياً: إزاء حالة التصعيد السياسي المرتبطة بملفات حرب غزة من جهة، وحرب أوكرانيا والصراع حول بحر الصين الجنوبي من جهة أخرى، يُمكن لطالبان استغلال هذا الاضطراب وما يفرزه من استقطاب في المنطقة لتقليل حدة الأزمات الاقتصادية التي تعانيها عبر مضاعفة تعاونها مع التيارات التي تدعمها الدول الصديقة ذاتها ولا سيما قطر التي تستضيف قيادات الجانبين وتلعب دوراً شائكاً في الوساطات الدولية، وذلك من أجل الحصول على دعم مالي ودبلوماسي تجاه ملفاتها الإقليمية الشائكة.
وفي هذا الإطار، حرص السفير الأفغاني إلى قطر، محمد نعيم وردك، على حضور اجتماع الجمعية العمومية لاتحاد علماء المسلمين في 7 يناير الجاري بالدوحة، بدعم من رئيس وزراء قطر ووزير خارجيتها.
الملاذ الآمن
وختاماً، يمكن القول إن الزيارات المتكررة خلال الآونة الأخيرة بين الإخوان وطالبان تنم عن تفاهمات لاستفادة الجماعة من الظروف الحالية لطالبان، وبالأخص في ملف الملاذ الآمن للعناصر المطاردة لتخفيف الضغط على الدول المستضيفة وخاصة تركيا التي تغيرت مصالحها الدولية مؤخراً، ومن جانبها تسعى طالبان لتقديم أدوار دولية عبر هذا الملف من أجل زيادة دعمها مالياً ودبلوماسياً.
وفيما يخص موقف الولايات المتحدة الأمريكية إزاء هذا التعاون فإنه يرتبط بمدى تحقق مصالحها في المنطقة من عدمه، مع الأخذ في الاعتبار أن بقاء كابول كبؤرة مضطربة أمنياً مع الالتزام بعدم تهديد المصالح الأمريكية وفقاً لاتفاق الدوحة 2020 لا يضر واشنطن بقدر ما يضر القوى الدولية الأخرى وبالأخص روسيا والصين.