استقطاب مسيحي:
ما هي حركة “جنود الرب” في لبنان؟

استقطاب مسيحي:

ما هي حركة “جنود الرب” في لبنان؟



تتصاعد التخوفات داخل المجتمع اللبناني، من تحولات حركة “جنود الرب” المسيحية، باتجاه ممارسة أدوار أمنية في تأمين المسيحيين وأنشطتهم وممتلكاتهم، انطلاقاً من أفكار عقائدية، بما قد يؤدي إلى تصاعد النزعة الطائفية في بعض المناطق، وتحديداً “الأشرفية” في بيروت، التي تتركز فيها أنشطة تلك الحركة. ويكتنف الحركة الناشئة حالة غموض وضبابية على مستوى مصادر التمويل والهيكل التنظيمي، في ظل دعم بعض الأطراف والشخصيات المسيحية لأنشطتها، وفي المقابل تنصلت بعض الأحزاب ذات التوجه المسيحي من “الحركة” وتحديداً حزب “القوات اللبنانية”.

فقد أثار تصاعد نشاط مجموعة شبابية ذات طابع ديني تدعى “جنود الرب”، حالة من الجدل مدفوعة بتخوفات كبيرة من احتمالات تصاعد التوترات الطائفية على الساحة اللبنانية خلال الفترة المقبلة، التي يمكن أن تتحول إلى اقتتال طائفي، وتكرار تجربة الحرب الأهلية اللبنانية.

ورغم ظهور هذه الحركة منذ عام 2020، وتأسيس صفحة لها عبر موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، إلا أن نشاطها ظل افتراضياً ومقتصراً على أبعاد دينية، ولكن خلال الأشهر القليلة الماضية، بدأ أن ثمة تصاعداً في دور الحركة بالشارع اللبناني.

مشهد ضبابي

يمكن التطرق إلى الأبعاد الرئيسية لتشكيل مجموعة “جنود الرب” في ضوء طبيعة خطابها وتوجهاتها الفكرية، على النحو التالي:

1- حركة دينية ذات أبعاد مجتمعية: يتضح من خلال نشاط الحركة أنها “دينية” تقوم على أساس ديني في جوهر تشكيلها، وينتسب أعضاؤها إلى الدين المسيحي؛ إلا أنها ليست حركة دعوية بشكل كامل يقتصر نشاطها على الشؤون الدينية، ولكن يتخطى دورها إلى الأبعاد المجتمعية، المتعلقة بالطائفة المسيحية في لبنان، وإن غلب على خطابها البعد الحماسي في مخاطبة المسيحيين في لبنان، من خلال بعض العبارات مثل نشر عبارة “لسنا بحاجة لكنيسة تُماشي العالم، بل لكنيسة تهزّ العالم”، في أحد منشورات صفحة الحركة عبر “فيسبوك” بتاريخ 15 ديسمبر 2022.

2- غياب هيكل تنظيمي محدد: من خلال بعض مقاطع الفيديو التي تبثها الحركة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فإن عدد أعضاء هذه الحركة بالعشرات، وتذهب بعض التقديرات إلى أن عدد المنتسبين لها يقترب من 300 فرد، وهي أعداد تحتاج إلى عملية تنظيم محددة، خاصة مع تنظيم فعاليات ومسيرات، وهم يرتدون قمصاناً سوداء ويرفعون الصليب، إلا أن الهيكل التنظيمي لهذه المجموعة غير واضح. وقد أشار أحد مقاطع الفيديو التي نشرتها الحركة عبر القناة الرسمية على موقع “يوتيوب”، إلى اسم “جوزيف منصور” ووصفته بـ”القائد”، في حين أشارت تقارير إعلامية محلية إلى أن منصور هو مؤسس الحركة. وربما يُعد هذا اتجاهاً متعمداً من قبل مؤسسي هذه الحركة، بما يُضفي مزيداً من الغموض حول الحركة ونشأتها وأنشطتها.

3- ضبابية مصادر تمويل الحركة: انطلاقاً مع حالة الغموض التي تكتنف هذه الحركة،فإن عملية تمويل أنشطتها غير واضحة حتى الآن، وهنا يثار الجدل وتبادل الاتهامات حول من يقف وراء الحركة، ويُقدم تمويلات لها. إذ اتهمت النائبة بولا يعقوبيان، في إحدى المقابلات التلفزيونية “أنطون الصحناوي” بالوقوف وراء الحركة، إلا أنه أصدر بياناً لنفي هذه الاتهامات، مؤكداً اللجوء إلى القضاء لمواجهة ما وصفه بـ”الحملة المفضوحة والمكشوفة” ضد شخصه.

4- تنصل أطراف مسيحية من الحركة: بعد تصاعد الجدل حيال حركة “جنود الرب”، وربط البعض بينها وبين حزب “القوات اللبنانية”، الذي تحول إلى حزب عقب الحرب الأهلية اللبنانية، إذ كان يمتلك مليشيات مسلحة، قبل التوجه للعمل السياسي؛ تنصل الحزب من الحركة الناشئة، وأكد النائب عن “القوات اللبنانية”، غسان حاصباني، عدم وجود علاقة تنظيمية تربط حزبه بأي تنظيمات، من بينها “جنود الرب”، واصفاً إياهم بأنهم “شباب متحمسون لديهم طابع ديني ومذهبي ومدعومون من مراجع سياسية”، ولكن لم يُشر “حاصباني” للمراجع السياسية التي تدعم هذه الحركة.

5- دعم شخصيات دينية للحركة: في مقابل التنصل من حزب “القوات اللبنانية”، فإن حركة “جنود الرب” تُبرز من خلال حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي، وجود شكل من أشكال الدعم من قبل شخصيات دينية مسيحية في لبنان، لأنشطتها خلال الفترة المقبلة، إذ نشر حساب الحركة على موقع “فيسبوك” منشوراً بعنوان “شكر خاص للأب روجيه كرم على مباركته لمجموعة من جنود الرب”، بتاريخ 13 نوفمبر 2022، كما نشرت قناة الحركة على موقع “يوتيوب” مقطع فيديو يتضمن تسجيلاً صوتياً لشخصية دينية تدعى “موريس خوري” قالوا إنه يُقدم دعماً لـ”جنود الرب”.

6تأييد من بعض الأطراف المسيحية: كان لافتاً وجود دعم من بعض الأطراف المسيحية لحركة “جنود الرب” وأنشطتها، وتحديداً فيما اعتبروه حماية للمسيحيين، إذ أصدرت “الجبهة المسيحية” بياناً (5 ديسمبر 2022) أكدت خلاله أحقية المسيحيين في حماية أمن مناطقهم وأهلهم بالتعاون مع القوى الأمنية، من العصابات التي تخصصت في السرقة للبيوت والسيارات والمحال التجارية.

وحمل بيان “الجبهة” خطاباً طائفياً موجهاً لحزب الله، بتحميله مسؤولية الحملة ضد “جنود الرب”، إضافة إلى الوضع الأمني والاقتصادي المتدهور في لبنان، وقالت في بيانها:إن الحملة التي شنتها صحيفة “الأخبار” الناطقة باسم مليشيا حزب الله على أبناء الأشرفية، وبخاصة على شباب جنود الرب وشركة الأمن التي تعمل بالتنسيق مع النائب نديم الجميل وأحزاب وأهالي الأشرفية والأجهزة الأمنية، تُثبت انزعاج تلك المليشيا وشل قدراتها في انتهاك أمن المجتمع المسيحي وكرامته”.

تحولات الدور

من خلال تتبع بعض أنشطة “جنود الرب” العلنية خلال الأشهر القليلة الماضية، يتضح ملامح عامة لاتجاهات نشاط الحركة على النحو التالي:

1- تنظيم حملات ذات أبعاد دينية: ثمة اتجاه رئيسي في أنشطة “جنود الرب” يتعلق بتنظيم حملات وأنشطة ذات أبعاد عقائدية، مثل التحذير من الاحتفال بـ”الهالوين”، إذ نشر حساب الحركة عبر “فيسبوك” تدوينة مطولة لحث المسيحيين على الامتناع عن الاحتفال بـ”الهالوين”، وذكرت: “أي مأساة أشاهد اليوم، ومسيحيونا يحتفلون بعيد الشيطان الهالوين، ماذا حدث لإيماننا؟ إننا نحتضر روحياً، هذا هو يوم إله الموت (ساماهين) عند شعب السلت. حيث تجوب أرواح الموتى الأرض، وأنه يجب إرضاؤها كي لا تصنع شراً. كيف يمكن للمسيحيين الاحتفال بعيد الشيطان، وقد جاء المسيح كي يخلصنا من حضوره القاتل للروح”.

وقد امتدت الحملات الدينية إلى مواجهة المثليين في العاصمة بيروت، وتحديداً في منطقة الأشرفية، إذ أشارت تقارير إعلامية إلى تخريب أعضاء “جنود الرب” نصباً من الزهور في نهاية شهر يونيو 2022، إضافة إلى تصدي هذه الحركة للزواج المدني. وهنا تطرقت بعض التقارير الإعلامية المحلية إلى كتابة أعضاء هذه المجموعة عبارات دينية على الجدران في منطقة الأشرفية.

2- إبراز حماية المسيحيين وممتلكاتهم: تأسيساً على الرؤية العقائدية لهذه الحركة، فإن أنشطتها لم تتوقف إلى حد العالم الافتراضي فقط، وإنما لتصورات حركية لأداء هذا الدور من خلال تقديم دور أمني في تأمين مناطق المسيحيين ومحلاتهم من خلال تسيير دوريات أمنية ليلية، وفقاً لما أعلنته الحركة، إذ نشرت مقطعاً مصوراً لسيارة مدنية، تجوب بعض الشوارع ليلاً، بعنوان: “جنود الرب، العين الساهرة، عين ع التعاليم وعين عالأمن”، خلال شهر نوفمبر 2022، وهو الدور ذاته الذي أثنت عليه “الجبهة المسيحية”.

3- تحولات الدور إلى العنف: لكن الحدث الأبرز الذي ارتبط بـ”جنود الرب” خلال الأشهر القليلة الماضية، الدخول في صدام عنيف بتاريخ (10 ديسمبر 2022)، لم يتضح ما إذا تم استخدام أسلحة نارية أو بيضاء، مع مجموعة من الشباب يستقلون مجموعة من الدراجات النارية في منطقة الأشرفية ببيروت، وذكرت الحركة “أنه عند الساعة ٧:٤٥ مساء هذا اليوم دخلت حوالي خمسون دراجة نارية إلى ساحة ساسين في الأشرفية، حيث تقام احتفالات لعيد الميلاد المجيد، وقاموا بحركات استفزازية مما اضطر لتدخل عناصر من جنود الرب لمنعهم، والتصدي لهم، وتسجل سقوط عدد من الجرحى من المعتدين، وحضرت على الفور عناصر من مخابرات الجيش وانتشرت في المكان“.

اللافت أن ثمة تحولات في دور “الحركة” باتجاه ممارسة العنف أو افتعال صدامات عنيفة، بصبغة طائفية، والاتجاه إلى ممارسة دور الأجهزة الأمنية.

4- تركز النشاط على منطقة الأشرفية: يتركز نشاط “جنود الرب” سواء افتراضياً أو حركياً في الشارع، في نطاق منطقة الأشرفية في بيروت، اعتماداً على أنها منطقة من أكثر المناطق كثافة للمسيحيين، إضافة إلى أن الحركة تأسست في تلك المنطقة، ولا يتضح في أنشطة الحركة امتدادها خارج تلك المنطقة حتى الآن، وإن كانت تحولات دور “جنود الرب” من حيز الأنشطة الدينية إلى الحركية والدخول في صدامات عنيفة سواء بأبعاد طائفية أو عمليات تأمين المسيحيين في تلك المنطقة، أخذت حيزاً من الثناء والدعوة إلى تطبيق تلك التجربة في بعض المناطق الأخرى بلبنان، إذ نشرت صفحة الحركة على “فيسبوك” منشوراً لأستاذ جامعي يدعى “عماد شمعون”، قال فيه: “أنتم نموذج يُحتذى، ويجب تعميمه على جميع المناطق اللبنانيّة: مِن الأشرفية إلى النبطيّة، إلى طرابلس، إلى سعدنايل وبدنايل وصولاً إلى زحلة”.

5- تبني خطاب حماسي لاستقطاب عناصر جديدة: فقد بدا أن خطاب الحركة ربما يسعى إلى استقطاب وجذب عناصر جديدة لها، عبر نشر عدد من التدوينات على موقع “فيسبوك”، لتوجيه الخطاب إلى المسيحيين، وذكر أحد المنشورات: “أنت مسيحي؟ إذن ممنوع الاستسلام، ممنوع الإحباط، ممنوع أن لا تقاوم وتصمد، ممنوع الاستقالة من واجبك المقدس في المحافظة على إرث أجدادك وشهدائك، هذه أرضك، أرض القديسين والصلبان المزروعة على قمم جبالنا والمغروزة في صخور ودياننا، قاوم فالمقاومة فخر الشعوب الحرة”، وذلك بتاريخ (5 أكتوبر 2022). كما حملت بعض المنشورات دعوات لحث المسيحيين على الاتحاد فيما بينهم، والتأكيد على أنهم أصحاب هذه الأرض (يقصد لبنان)، مع بعض العبارات الطائفية تجاه غير المسيحيين.

تخوفات متصاعدة

وأخيراً، فإن تجربة الحرب الأهلية في لبنان تدفع باتجاه النظر إلى تحركات وأنشطة حركة مثل “جنود الرب” بمزيد من القلق والحذر، خوفاً من اندلاع اقتتال طائفي، بعض النظر عن حجم وطبيعة هذا الاقتتال، إلا أنه قد يندلع خلال الفترة المقبلة حتى في نطاقات محدودة، بما يزيد من تعقيدات المشهد اللبناني سياسياً ومجتمعياً، حال تمكن الحركة من تنظيم صفوفها بصورة أكبر وقدرتها على استقطاب عدد من الشباب المسيحي، في ظل تصاعد دور وأنشطة “جنود الرب” في منطقة الأشرفية، في مقابل تصاعد حدة الخطاب الطائفي من بعض الأطراف في لبنان تجاه “الحركة”.