جلسة استماع:
شواغل بكين: ما هي المصالح الصينية في المنطقة العربية؟

جلسة استماع:

شواغل بكين: ما هي المصالح الصينية في المنطقة العربية؟



نظّم مركز “العالم العربي للأبحاث والدراسات المتقدمة”، بالقاهرة، بتاريخ 21 ديسمبر 2022، جلسة استماع بعنوان “شواغل بكين: ما هي المصالح الصينية في المنطقة العربية؟”، واستضاف المركز السفير مجدي عامر، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق وسفير مصر الأسبق في الصين (كمتحدث رئيسي في الجلسة)، كما شارك في الجلسة عدد من الخبراء والباحثين المتخصصين في مجالات مختلفة، وهم: الدكتور محمد عز العرب، والدكتور محمد عباس ناجي، والأستاذ عمرو عبدالعاطي، والأستاذ حسين معلوم، والأستاذ محمد الفقي، والأستاذ كرم سعيد، والأستاذة ميرفت زكريا، والدكتور هيثم عمران، والأستاذة نورا بنداري، والأستاذة نادين المهدي.

دوافع عربية

يشير “عامر” إلى أهمية الصين بالنسبة للمنطقة العربية في عدد من الملفات الحيوية، مع دفع العلاقات العربية الصينية إلى مستويات غير مسبوقة، من خلال القمة العربية الصينية الأخيرة في السعودية، في ضوء التحولات الكبيرة التي شهدتها الصين خلال الأربعين عاماً الماضية، من دولة يعيش 80% من سكانها تحت خط الفقر إلى دولة عظمى.

ويُحدد مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق عدداً من دوافع الدول العربية للتقارب بشكل أكبر مع الصين خلال الفترة الحالية، وأبرزها:

1- توازن العلاقات العربية مع الغرب: تحاول بعض الدول العربية الاتجاه شرقاً، وتحديداً إلى الصين، لتحقيق قدر من التوازن في العلاقات العربية مع الغرب وتحديداً الولايات المتحدة الأمريكية،في ظل عدد من المتغيرات، أبرزها أن الولايات المتحدة باتت شريكاً غير موثوق فيه، خاصة عقب الانسحاب المفاجئ من أفغانستان عام 2021، كما أن بعض الدول العربية تواجه ضغوطاً من الولايات المتحدة في أكثر من ملف، مثل ملف الطاقة، ورفض دول الخليج الضغوط الغربية حول أسعار النفط. وبدا أن الدول العربية ترفض سياسة الضغط الأمريكي المباشر في قضايا وملفات معينة، دون مراعاة مصالح الجانب الآخر، وبالتالي فإن الصين يمكن أن تكون عنصراً لتحقيق التوازن في العلاقات العربية الغربية.

2- دعم صيني للقضايا العربية دولياً: تحتاج الدول العربية للصين من أجل دعم مستمر لبعض القضايا العربية دولياً، سواء على مستوى مجلس الأمن أو في المؤسسات الدولية المختلفة،خاصة وأن الصين لها مواقف سابقة تجاه القضية الفلسطينية على سبيل المثال، ورفض التدخل الغربي في الشؤون الداخلية للدول العربية كما هو الموقف من الأزمة الليبية،وهناك مثال بارز على الدعم الصيني لبعض القضايا العربية، مثل منع مناقشة الأوضاع في مصر عقب 2013 في مجلس الأمن، باعتبار أنها قضية داخلية، ولا مجال لمناقشتها في مجلس الأمن.

3- جذب استثمارات صينية جديدة: تمتلك الصين فوائض مالية كبيرة،وبالتالي تسعى الدول العربية إلى جذب مزيد من الاستثمارات الصينية خلال الفترة المقبلة، في ضوء الأزمات الاقتصادية العالمية، بعد تفشي جائحة كورونا، وتداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية، في ظل ما تعانيه بعض الدول العربية من أزمات وضغوط اقتصادية.

4- الاستفادة من التقدم العلمي بالصين: حققت الصين قفزة علمية وتكنولوجية كبيرة خلال السنوات الماضية، من خلال الاهتمام الشديد من قبل الدولة بالتعليم، وتمكنت من تحقيق نهضة تعليمية كبيرة، إذ باتت بعض الجامعات الصينية من أفضل الجامعات عالمياً، كما أن الصين تُصنف ضمن أكثر ثلاث دول إنفاقاً على البحث العلمي إلى جانب الولايات المتحدة واليابان، كما تشهد الصين قفزة على المستوى التكنولوجي، من خلال تقنية (5G)، وتوسع الشركات التكنولوجية في الصين خلال الفترة الماضية، وباتت دول عديدة تهتم بالاستفادة من هذه القفزة التكنولوجية، إضافة إلى أن التكنولوجيا الصينية أرخص من نظيرتها الغربية، حتى إن الولايات المتحدة الأمريكية تمارس ضغوطاً على مختلف الدول لعرقلة التعاون في المجال التكنولوجي.

5- استفادة بعض الدول من القروض الصينية الميسرة: يمكن فهم التقارب العربي الصيني في ضوء ما توفره تلك العلاقات المتنامية من استفادة بعض الدول العربية النامية والتي قد تواجه مشاكل اقتصادية للحصول على قروض صينية ميسرة، في ظل الفوائض المالية. ورغم أن الصين تُقدم هذه القروض بفائدة أعلى نسبياً من المؤسسات الغربية، إلا أن هناك ميزة تتعلق بأن سداد القروض يمتد لسنوات أطول.

كما يمكن الإشارة إلى بُعد مهم فيما يتعلق بالقروض الصينية، يتصل بقدرة الصين على ضخ أموال كبيرة، مقارنة بالمؤسسات الغربية التي لا تميل إلى تقديم تسهيلات للحصول على القروض.

وساد اتجاه في النقاش إلى أن الصين تُغرق بعض الدول في إطار ما يُسمى “مصيدة الديون”، ولكن السفير “عامر” اعتبر أن هذا يأتي في إطار الدعاية الغربية ضد الصين.

مصالح بكين

يرى “عامر” أنه بقدر ما توفره العلاقات العربية الصينية من أهمية للدول العربية، فإن ثمة اهتماماً صينياً بالمنطقة العربية لتحقيق مصالحها، مع الإشارة إلى اتجاه الصين للاهتمام بمختلف مناطق العالم خلال الفترة الماضية. ولعل العلاقات مع الدول العربية توفر جملة من المصالح للصين، أهمها:

1- الحفاظ على إمدادات البترول: بدأ الاهتمام الصيني الكبير بالمنطقة العربية بحلول عام 1993، وتحديداً بعد النهضة الاقتصادية الكبيرة، والاحتياج لاستيراد كميات كبيرة من البترول، وبالتالي اللجوء إلى دول الخليج لتأمين حصص كبيرة. ومنذ التسعينيات من القرن المنصرم قفزت العلاقات التجارية مع بعض دول الخليج وتحديداً السعودية إلى 600 ضعف تقريباً. وهنا فإن الاهتمام الصيني المتزايد بالمنطقة العربية، يتعلق بالحفاظ على إمدادات البترول، لاستمرار النهضة الاقتصادية الكبيرة في الصين، إذ إن نصف كمية البترول المستوردة من الدول العربية تأتي من السعودية وحدها.

2- تأمين مشروع الحزام والطريق: يتعلق الاهتمام الصيني بالمنطقة العربية بتأمين مشروع الحزام والطريق لإعادة إحياء “طريق الحرير” القديم، والذي أطلقته الصين عام 2013، وهنا فإن العلاقات أخذت منحى متقدماً أكثر، إذ ترى الصين من خلال هذا المشروع أن عليها لعب دور أكبر دولياً من خلال مبادرات عالمية، وتحتاج الدول العربية لتنفيذ هذا المشروع سواء برياً أو بحرياً لوصول البضائع والمنتجات الصينية إلى أوروبا. ويمكن الإشارة إلى أن مشروع الحزام والطريق لا يتعلق فقط بالاقتصاد والتجارة، وإنما بإحياء الدور الصيني بالمعنى الحديث من خلال التكنولوجيا والفضاء والبنية التحتية والأبعاد الثقافية.

3- دعم سياسي عربي للصين في المؤسسات الدولية: تحتاج الصين للدعم السياسي العربي في بعض المؤسسات الدولية، وليس مجلس الأمن، إذ إن الصين تمتلك حق “الفيتو”، وإنما على مستوى مؤسسات دولية أخرى، لمواجهة الضغوط الغربية وتحديداً من الولايات المتحدة على الصين. وأحدث مثال أزمة تايوان والزيارات الأمريكية الأخيرة، وكان موقف الدول العربية واضحاً في دعم الصين، والتأكيد على مبدأ “الصين الواحدة”، كما أن الصين تحتاج لدعم عربي في قضايا داخلية لمواجهة أي تدخل غربي في الشأن الداخلي للصين، مثل قضايا حقوق الإنسان والأزمات في بعض أقاليم الصين.

4- استثمار الفوائض المالية الصينية: انطلاقاً من امتلاك الصين فوائض مالية كبيرة،وتحديداً بالدولار، فإن هناك حاجة إلى استثمار هذه الأموال، سواء من خلال استثمارات في مشروعات معينة تخدم مصالحها، مثل الموانئ أو صناعات البتروكيميات، أو صناعات تدعم قطاعات حيوية صينية، أو من خلال منح القروض لبعض الدول العربية بتيسير في السداد. كما أن الصين ترغب في زيادة حجم التبادل التجاري مع الدول العربية، وتحديداً في الخليج، في ظل التوازن بين الصادرات والواردات بينهما، بينما هناك تراجع في هذا التوازن بين الصين ودول عربية عديدة.

5- دعم الهيمنة التكنولوجية الصينية: يأتي الاهتمام الصيني بالمنطقة العربية في إطار دعمالهيمنة التكنولوجية الصينية، في ظل اهتمام كبير من قبل بعض الدول العربية، وتحديداً في منطقة الخليج، بالتكنولوجيا الصينية، خاصة أن الصين تهتم بهذا المجال وتقدم تسهيلات واهتماماً خاصاً لتشجيع إنشاء الشركات في هذا القطاع، وهذا مكمن التخوف الأمريكي وتحديداً على مستوى نشر تكنولوجيا (5G) الصينية في العالم، باعتبارها مسألة “حياة أو موت”، إذ إن الصين تدرك أن من خلال هذه التكنولوجيا يمكن أن تتخطى الولايات المتحدة الأمريكية.

اعتماد متبادل

وأخيراً، يرى مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق أن العلاقات العربية الصينية تعتمد على المصالح المشتركة، وما يمكن أن يقدمه كل منهما للآخر، وتحديداً فيما يتعلق بمواجهة الضغوط الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن من غير المتوقع أن يتحول التقارب الاقتصادي الكبير، والدعم على المستوى السياسي، إلى دور صيني عسكري أو أمني بمفهومه الواسع في المنطقة العربية، لمحاولة ملء الفراغ الأمريكي في المنطقة. ولا يمكن حتى الآن تصور أن الصين يمكن أن تنافس الدور الأمريكي، وربما لا ترغب أيضاً بصورة أساسية لأنه ليس في أولويات الصين حالياً حتى عام 2050 على الأقل، كما أنها لا ترغب في زيادة الضغوط الأمريكية عليها.

واستبعد “عامر” دوراً فعالاً للصين في بعض الأزمات العربية المستدامة، وربما تكون هناك محاولات لتعيين مبعوث صيني في منطقة أو قضية محددة، ولكن دون تدخل حاسم عسكرياً على سبيل المثال. ورغم أن الصين تمتلك قاعدة عسكرية في جيبوتي، إلا أن الدور العسكري الخارجي يقتصر خلال الفترة الحالية على تأمين المصالح، وإجلاء الرعايا من بعض المناطق، ولكن من دون استبعاد تفعيل دور عسكري مستقبلاً لتأمين مصالحها، ولكن ليس على المدى القريب المنظور.