إشكاليات متعددة:
ما هي التحديات التي تواجه الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود؟

إشكاليات متعددة:

ما هي التحديات التي تواجه الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود؟



يواجه الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، الذي تم انتخابه لمرة ثانية في منتصف مايو 2022، حزمة من التحديات التي تؤثر على أداء حكمه، ومن أبرز تلك التحديات التعامل مع ميراث الفوضى الممتدة جراء الهجمات الإرهابية من التنظيمات المسلحة، واقتتال قوات الأمن، والتناحر الداخلي، سواء داخل الحكومة أو بين الحكومة المركزية والسلطات في الأقاليم، واحتمالية خسارة المساعدات الخارجية ما لم تتولَّ السلطة حكومة جديدة خلال الفترة القصيرة المقبلة، فضلاً عن إشكاليّة الجفاف الحاد الذي يضرب البلاد، إذ جرت الانتخابات وسط أسوأ موجة من الجفاف يشهدها الصومال منذ أربعين عاماً، تجعل خمسة ملايين من أبناء البلاد عرضة لخطر المجاعة، كالتي شهدتها البلاد عام 2011 وأودت بحياة 260 ألف شخص، نصفهم من الأطفال. علاوة على التحدي الأكبر وهو مواجهة حركة الشباب المتطرفة، المرتبطة بتنظيم “القاعدة”.

فقد استطاع حسن شيخ محمود الفوز في الاقتراع الذي جرى في 15 مايو الجاري، برئاسة جمهورية الصومال الاتحادية للمرة الثانية، وسط إطلاق نار من قوات الأمن ابتهاجاً بالنتائج. وبعد انتخابات ماراثونية، طال انتظارها في هذا البلد المضطرب الواقع في منطقة القرن الأفريقي، واقتصر التصويت فيها على نواب البلاد؛ حصل الرئيس الصومالي السابق على 214 صوتاً، مُقابل 110 أصوات للرئيس المنتهية ولايته محمد عبد الله فرماجو.

وكان شيخ محمود قد تفوق على الرئيس المنتهية ولايته في الجولة الثالثة من الانتخابات التي جرت في ظل إعلان حظر التجوال في العاصمة مقديشيو، وسط تأمينات مُشددة. وسبق أن تولى شيخ محمود الرئاسة في الصومال، من عام 2012 إلى عام 2017، قبل أن يُهزم -آنذاك- أمام فرماجو. وتعتبر هذه هي المرة الأولى التي يفوز فيها رئيس سابق برئاسة الصومال للمرة الثانية منذ 62 عاماً.

انتخابات مُؤجلة

لم تُجْرَ في الصومال انتخابات تقوم على مبدأ صوت واحد لشخص واحد، منذ أكثر من خمسين عاماً، وتحديداً منذ عام 1969. وتبع ذلك العام انقلاب عسكري وحكم غير مستقر تضمن نزاعاً عسكرياً بين مليشيات ومتطرفين إسلاميين. وتعد هذه هي المرة الثالثة فقط التي يتم فيها انتخاب الرئيس بطريقة غير مباشرة؛ حيث أُجريت الانتخابات السابقة في كينيا وجيبوتي المجاورتين. وتتبع الانتخابات الصومالية نظاماً مُعقداً، غير مباشر، يختار بموجبه المشرّعون في الولايات، ومندوبون عن العشائر، نواب البرلمان الوطني الذين يختارون بدورهم الرئيس.

وقلص البرلمان عدد المترشحين لمنصب الرئيس، من ستة وثلاثين إلى أربعة مترشحين، في الجولة الأولى من التصويت، التي أُجريت تحت حراسة قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي، والتي تم نشرها في الصومال لمواجهة الحركات المسلحة والمتطرفة. وتنافس في تلك الجولة، رئيس ولاية بلاد بنط سعيد عبد الله دني، والرئيس المنتهية ولايته محمد عبد الله محمد المعروف باسم فرماجو، والرئيس السابق حسن شيخ محمود، ورئيس الوزراء السابق حسن علي خيري.

واستطاع شيخ محمود أن ينال 110 أصوات في الجولة الثانية، ليواجه فرماجو الذي حصل على 83 صوتاً، لتتم المواجهة بينهما في الجولة الثالثة التي فاز فيها شيخ محمود بالرئاسة. وسبق أن خاض كل منهما الجولة النهائية للانتخابات من قبل، التي جرت في عام 2017، وفاز حينها فرماجو.

وتأجلت هذه الانتخابات لأكثر من عام نتيجة المشاحنات والخلافات في الحكومة؛ لكنها تمت خلال هذا الشهر تحت ضغط الضرورة لضمان استمرار برنامج صندوق النقد الدولي، البالغ قيمته 400 مليون دولار.

رهان سياسي

استقبل المؤيدون نتيجة الانتخابات وفوز شيخ محمود بالهتاف وإطلاق النار في الهواء، في أنحاء العاصمة مقديشيو، وذلك بعد جولات ثلاث من التصويت على مدار اليوم، شارك فيها 327 نائباً. ويأمل الكثيرون من أبناء الصومال في أن يضع انتخاب شيخ محمود حداً لأزمة سياسية استمرت 15 شهراً، منذ انتهاء ولاية الرئيس فرماجو، في فبراير 2021، وعدم انتخاب خليفة له منذ ذلك الحين.

وقد تعهد الرئيس الجديد، الذي أدى اليمين الدستورية بعد وقت قصير من إعلان النتائج النهائية والذي سوف يستمر في منصبه لمدة أربع سنوات قادمة، بتحويل الصومال إلى “بلد ينعم بالسلام، ومتصالح مع العالم”. لكن الواقع يُشير إلى أنه سيرث من سلفه تحديات كثيرة، نتيجة الإشكاليات المتعددة الجوانب التي يُعاني منها الواقع الصومالي؛ وهي تلك التي يمكن إجمالها في التالي:

فوضى سياسية

1- التعامل مع ميراث الفوضى الممتدة، جراء الهجمات الإرهابية من التنظيمات المسلحة، واقتتال قوات الأمن، والتناحر الداخلي، سواء داخل الحكومة، أو بين الحكومة المركزية والسلطات في الأقاليم، وهي إشكالية ممتدة يُعاني منها الصومال، الذي لا يستطيع إجراء تصويت شعبي بسبب انعدام الأمن، وعدم سيطرة الحكومة سيطرة كاملة على أي مكان خارج العاصمة.

ويعاني الصومال، منذ أواخر عام 2020، حالة من الاحتقان السياسي، نتيجة للخلافات بين الحكومة من جانب، ورؤساء الأقاليم والمعارضة من جانب آخر، حول بعض التفاصيل المتعلقة بآلية إجراء الانتخابات؛ حيث أدخلت إدارة الرئيس المنتهية ولايته فرماجو البلادَ في حالة استقطاب شديدة، خاصة في ظل قراراته المتخبطة خلال العامين الأخيرين بوجه عام، وبعد الأزمة الأخيرة مع رئيس الحكومة حسين روبلي أواخر العام الماضي بوجه خاص. وبالتالي، يبدو أن إحدى أولويات الرئيس الجديد يجب أن تكون تغيير طريقة الانتخاب، إضافة إلى صياغة دستور جديد، وضبط الأمن في البلاد، وتوسيع الشراكة بين كافة المكونات السياسية في البلاد.

مساعدات خارجية

2- احتمالية خسارة المساعدات الخارجية، ما لم تتولَّ السلطة حكومة جديدة خلال الفترة القصيرة المقبلة، والمساعدات التي يمكن أن تخسرها “الدولة”، التي تتراكم عليها الديون، عبارة عن حزمة مساعدات لمدة ثلاث سنوات، بقيمة 400 مليون دولار، من صندوق النقد الدولي. والمفترض أن تنقضي المهلة المقررة لهذه المساعدات بحلول هذا الموعد؛ إلا أن الحكومة الصومالية طلبت تمديد المهلة ثلاثة أشهر (حتى 17 أغسطس القادم)، وما زالت تنتظر رد الصندوق. إذ يعاني الصومال من الزيادة المفرطة في تضخم أسعار الغذاء والوقود، التي تسببت بها الحرب في أوكرانيا، وهي المعاناة التي تصيب عدداً كبيراً من الصوماليين، حيث يعيش أكثر من 70% منهم على أقل من 1.9 دولار في اليوم.

خطر الجفاف

3- تصاعد أزمة الجفاف الحاد، فقد جرت الانتخابات وسط أسوأ موجة من الجفاف يشهدها الصومال منذ أربعين عاماً، والتي تجعل خمسة ملايين من أبناء البلاد عرضة لخطر المجاعة. وقد حذرت وكالات الأمم المتحدة من كارثة إنسانية ما لم يتم اتخاذ إجراءات مُبكرة؛ حيث تخشى المنظمة الدولية من تكرار مجاعة عام 2011، التي أودت بحياة 260 ألف شخص، نصفهم من الأطفال.

وصاحب هذه الموجة تدمير أعداد كبيرة من الماشية وجفاف الأراضي. ورغم خطورة الأزمة الراهنة غير المسبوقة بهذا الشكل، فإنها لم تجذب الاهتمام العالمي حتى الآن، مع استمرار التركيز على الحرب الروسية في أوكرانيا. وترك أكثر من نصف مليون شخص منازلهم، خلال الشهرين الأخيرين، بحسب تقارير المنظمات الإغاثية التابعة للأمم المتحدة، مما دفع الحكومة الصومالية لإصدار استغاثات للمجتمع الدولي، لتقديم مساعدات للملايين من الأشخاص الذين تضرروا بسبب الجفاف الذي يجتاح البلاد.

الحركة المتطرفة

4- مواجهة حركة الشباب المتطرفة، فالحركة المرتبطة بتنظيم “القاعدة”، التي تخوض تمرداً في البلاد منذ 15 عاماً مضت، تسيطر على أجزاء كبيرة من الصومال، وتشن هجمات متكررة في مقديشيو وأماكن أخرى. ويبدو أن هذه الإشكالية ستكون هي المهمة البارزة التي ستواجه الرئيس الجديد؛ فلطالما حذر المجتمع الدولي الحكومة الصومالية من أن الفوضى السياسية، التي مرت بها البلاد خلال العامين الأخيرين، سمحت للحركة باستغلال الوضع وتنفيذ هجمات متكررة على نطاق واسع.

وتدعم الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي الحكومة الصومالية في حربها ضد الحركة عبر قوات من 18000 جندي حسب إشارة سعيدة محمد عمر في كتاب “إشكالية بناء الدولة في الصومال، 2020”. ورغم ذلك، قامت الحركة في الانتخابات السابقة بتهديد وخطف كبار العشائر، وأدانتهم بالمشاركة في انتخابات تعتبرها الحركة “غير إسلامية”. وهذه المرة كان رد فعلها أكثر صمتاً، وسط مخاوف من أن يكون أعضاؤها أو المتعاطفون معها يخططون للحصول على مقاعد برلمانية، أو شراء دعم بعض النواب، لتقويض النظام من الداخل، خصوصاً بعد انتشار أخبار عن شبهات فساد في شراء أصوات الناخبين في الانتخابات الأخيرة.

سياسات متوازية

خلاصة القول، إن الأوضاع غير العادية التي يمر بها الصومال تكشف الإشكاليات المتعددة التي تعاني منها البلاد؛ ومن ثمّ تؤثّر في طبيعة التحديات الكثيرة التي سوف يواجهها الرئيس الجديد حسن شيخ محمود، والتصدي لها، بعد أن تم انتخابه واستمراره في منصبه لمدة أربع سنوات قادمة. ومن غير المتصور أن يتمكن شيخ محمود من معالجة الإشكاليات المطروحة أمامه، معالجة جذرية، دون توسيع الشراكة بين كافة المكونات السياسية في البلاد، ومحاولة إصلاح الاقتصاد؛ والأهم محاولة كسب ثقة شركاء الصومال الدوليين، والدول المانحة، عبر الشفافية المطلوبة في كيفية إدارة المساعدات الخارجية.