ملفات ضاغطة:
ما هي التحديات التي تواجه أداء مجلس القيادة الرئاسي اليمني في المناطق المحررة؟

ملفات ضاغطة:

ما هي التحديات التي تواجه أداء مجلس القيادة الرئاسي اليمني في المناطق المحررة؟



نظّم مركز “العالم العربي للأبحاث والدراسات المتقدمة”، بالقاهرة، بتاريخ 26 مارس 2024، جلسة استماع بعنوان “ملفات ضاغطة: ما هي التحديات التي تواجه أداء مجلس القيادة الرئاسي اليمني في المناطق المحررة؟” واستضاف المركز الدكتور علي الصراري، المستشار السياسي والإعلامي لرئيس مجلس الوزراء اليمني (كمتحدث رئيس في الجلسة)، كما شارك في الجلسة عدد من الخبراء والباحثين المتخصصين في مجالات مختلفة، وهم: الدكتور محمد عز العرب، والأستاذ عمرو عبد العاطي، والأستاذ كرم سعيد، والأستاذ حسين معلوم، والدكتور هيثم عمران، والأستاذ محمد عمر، والأستاذة نادين المهدي، والأستاذ سيد غريب، والأستاذ عصام البدري، والأستاذة ثريا فتحي.

أهمية استراتيجية

تطرق الصراري خلال الجلسة إلى الأهمية الاستراتيجية لليمن الذي صارت له أهمية لدى الجميع في ضوء ما يشهده من تطورات، وخاصة بعد الأحداث الأخيرة المتعلقة بالبحر الأحمر جعلت اليمن ذا تأثير كبير على كثير من المجريات بالمنطقة، بالإضافة إلى موقع اليمن وسيطرة جماعة موالية لإيران وهي جماعة الحوثي، الأمر الذي أحدث نقلة كبيرة في تمدد النفوذ الإيراني الذي هو نقيض للدولة العربية، فمشروع طهران يقوم في الأساس على إقامة كيانات طائفية موالية لإيران تتبع أهدافها وتنفذ أجندتها.

صعود مريب

وعن نشأة جماعة الحوثي، أوضح الصراري أن جماعة الحوثي ترفع شعارات أيديولوجية طائفية وليس لديها مشروع سياسي وإنما خطة تتناقض مع وجود الدولة. فرغم أنهم سيطروا على العاصمة صنعاء وعلى المؤسسات الحكومية بما فيها مؤسسات الجيش والأمن، لكنهم حتى الآن لم يعلنوا أنفسهم كدولة حتى لا يتحملوا المسؤولية، بل يكتفون بتعيين مشرفين على هذه المؤسسات، لذا فإن هذه الجماعة لا تريد أن تندمج في الدولة.

ونشأت الجماعة كمجموعة ارتبطت بجهاز المخابرات اليمني في عهد الرئيس السابق علي صالح الذي أراد تشكيل مجموعة تتبنى المذهب الزيدي وتوالي النظام لمجابهة الجماعات السلفية التي انتشرت في اليمن ولها علاقة بالإخوان المسلمين والجماعات السلفية الموجودة في السعودية، ثم صار لدى الجماعة معهد كبير في صعدة (معقل الجماعة)، وبدأت تدريس المذهب الزيدي الذي تعرض للإضعاف منذ ثورة 26 سبتمبر 1962 في اليمن، وبدأ نفوذ الجماعة في الزيادة في ظل وجود شباب طامح داخل الجماعة للوصول إلى الحكم، وعدم الاكتفاء بالدور الذي أراده علي صالح فقط، فقد اعتقد هؤلاء أنه يمكن إحياء المذهب الزيدي مرة أخرى، وإعادة السيطرة للجماعة أو للهاشميين مرة أخرى في اليمن.

وبدأت بعد ذلك الجماعة تبحث عن مصادر لتمويلها ودعمها، وقد تواصلت مع إيران لتحقيق هذا الهدف باعتبارها دولة تقوم على المذهب الشيعي المقارب للزيدية رغم وجود خلافات بين المذهبين، وقد استغلت طهران ووفرت التدريب العسكري والسلاح والقليل من المال لتقوية الجماعة التي تنتمي إلى التيار الجارودي، وهو تيار متشدد وأصولي ويميل إلى العنف، وهذه الصفات قربته من المذهب الاثني عشري الموجود في إيران.

ومن جهتها، كانت إيران تبحث عن جيوب في المنطقة العربية تتعامل معها لأن إيران لا تستطيع ولا تريد أن تتعامل مع مؤسسات سياسية مثل الدولة أو الأحزاب السياسية، بل تريد مجرد “دكاكين” تتعامل معها، وكان الحوثيون أحد هذه الدكاكين، ووجدوا أن الجماعة مناسبة، فهي تبحث عن الدعم وإيران مستعدة لتقديم ذلك لهم.

وبعد ذلك، استمرّ نفوذ الجماعة في الزيادة، وزادت علاقاتهم مع المعارضة اليمنية واستغلوا أحداث 2011، رغم أنهم كانون يخفون أي مظاهر أو نية للاستيلاء على السلطة، ومع رحيل نظام علي صالح وتولي نائبه عبد ربه منصور هادي رئاسة الدولة، ظلوا معارضين للمبادرة الخليجية لحل الأزمة، واستمروا في العمل ضد الحكومة حتى قيامهم بانقلاب سبتمبر 2014 ثم الدخول في حرب ضد الحكومة الشرعية بدعم من الرئيس السابق علي صالح الذي سهل لهم الاستيلاء على معسكرات ومؤسسات الدولة، ثم خاضوا حرباً ضد الحكومة التي طلبت تدخل التحالف العربي الذي قادته السعودية منذ مارس 2015.

تحديات متنوعة

وتطرق الصراري إلى أبرز التحديات التي تواجه مجلس القيادة الرئاسي منذ تشكيله منذ قرابة عامين، وتتمثل في التالي:

1- الوضع المعقّد في مناطق الحكومة الشرعية: فشلت الحكومة الشرعية منذ نجاحها في استعادة الكثير من المناطق من أيدي جماعة الحوثي بعد تدخل التحالف العربي، في فرض سلطة مركزية وإقامة مركز سياسي موحد للدولة.

2- عدم مركزية القوات المسلحة اليمنية: يوجد أكثر من فصيل مسلح تابع للحكومة الشرعية، وهم غير خاضعين لوزارة الدفاع التابعة للحكومة، وهذا الأمر أدى إلى تشرذم القوة العسكرية للدولة والحكومة الشرعية، وبالتالي إضعاف موقف مجلس القيادة الرئاسي في مجابهة جماعة الحوثي، وأيضاً عدم ضبط الأوضاع الأمنية والعسكرية في الدولة.

3- تدفّق التمويل للجماعات العسكرية المختلفة وليس الدولة: يوجد العديد من التمويل سواء الداخلي أو الخارجي للكيانات المسلحة التي تقبل بالحكومة الشرعية والمجلس الرئاسي، وهذا التمويل من المفترض أن يذهب لوزارة الدفاع وليس لهذا الكيانات، وهذا الأمر خلق قيادات لا مركزية، وقضى على فكرة المركزية الواحدة الخاصة بالجيش وإيجاد غرفة عمليات واحدة.

4- تشكيل المجلس الرئاسي لاعتبارات مناطقية: حينما تم تشكيل المجلس الرئاسي كحل وسط بدلاً من الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي تم تشكيله من 8 شخصيات: 4 من الشمال، و4 من الجنوب، وهذا الأمر قد يضر بالمركزية ووحدة القرار السياسي.

5- تعدد مراكز القوى الحاكمة: تسببت الانقسامات السابقة وغيرها في تعدد مراكز القوى الحاكمة والإدارية في المناطق الموالية للحكومة الشرعية. فمثلاً توجد النخبة الحضرمية في حضرموت تسيطر على المحافظة، والمجلس الانتقالي الجنوبي في عدن، والنخبة الشبوانية في شبوة.. وغيرها، وهذا التعدد أدى إلى عدم استقرار سياسي وإداري ومالي واقتصادي.

6- سيطرة جماعة الحوثي على الموانئ الاستراتيجية: نجحت جماعة الحوثي في السيطرة على محافظة الحديدة وموانئها الاستراتيجية الخاصة بالنفط والغاز، وهذا الأمر حرم الحكومة الشرعية من موارد ضخمة توفرها الموانئ في الحديدة تكفي لدفع رواتب الموظفين، بجانب منع تصدير النفط والغاز، وكذلك عرقلة حركة الصادرات والواردات بشكل عام.

7- انهيار الوضع الاقتصادي والمالي: تسببت انتهاكات جماعة الحوثي ومنعها عمليات الاستيراد والتصدير واحتكار الموانئ في أزمة وانهيار اقتصادي دفع الحكومة الشرعية للاعتماد على الإصدار النقدي والسحب على المكشوف، ما أدى لانهيار العملة اليمنية، هذا بجانب عدم تحمل جماعة الحوثي لأي مسؤولية اقتصادية أو إدارية أو مالية عن المناطق الخاضعة لسيطرتهم، فهم يمارسون الحكم والسيطرة دون تحمل أي أعباء.

8- قمع جماعة الحوثي للخاضعين تحت سيطرتها: تقوم جماعة الحوثي بقمع المدنيين الخاضعين لسيطرتها بشدة، ومنعهم من أي احتجاج أو المطالبة بحقوقهم والضغط عليهم لتحمل مسؤوليتهم تجاه المواطنين، وهذا الأمر فاقم من الضغوط على الحكومة الشرعية.

9- تَوَاطُؤ الغرب مع تمدد سيطرة الحوثي: تَوَاطَأ الغرب بقيادة واشنطن تجاه سيطرة جماعة الحوثي على اليمن، وخاصة الحديدة وموانئها الاستراتيجية، فقد فرض الغرب عام 2018 اتفاق استوكهولم ومنع التحالف العربي والحكومة الشرعية من السيطرة على الموانئ الاستراتيجية، وهذا الأمر سمح للحوثي بالحصول على المزيد من الأسلحة من إيران، وبالتالي استمرار الحرب بخلاف السيطرة على مفاصل الاقتصاد اليمني، هذا بجانب منع التوصل إلى اتفاق سلام وإنهاء الحرب لأنه إن فقد الحوثيون الحديدة كانوا سيقبلون بالسلام بسبب تحجيم قدراتهم.

10- عرقلة عملية السلام: منذ سنوات تواجه عمليات السلام وإنهاء الحرب بين الحوثيين والحكومة الشرعية عرقلة مستمرة، وهذا من قبل الجماعة، فهي لا تريد السلام وهي ليست طرفاً يصلح للسلام أو التفاوض معه، لأنهم لا يقبلون الشراكة حيث يرون أنهم على حق وغيرهم على باطل انطلاقاً من أسس دينية أيديولوجية.

استهداف الملاحة

وتطرق الصراري إلى توظيف الحوثي للبحر الأحمر الذي يمثل أهمية استراتيجية واقتصادية وسياسية لدول المنطقة العربية، من أجل فك الضغط الذي يتعرض له، وتحويله لورقة مهمة، على النحو التالي:

1- التعاون مع إيران للحضور في البحر الأحمر: كانت لدى طهران بالتعاون مع جماعة الحوثي خططٌ للحضور في البحر الأحمر منذ سنوات عبر تزويدهم بأسلحة بحرية، وتطوير قدراتهم العسكرية البحرية بشكل لم يكن موجوداً حتى في حكومة الرئيس السابق علي صالح، لأن اليمن لم يكن يركز على القدرات البحرية، وهذا الأمر أكد وجود مخططات قديمة للحضور الإيراني في البحر الأحمر.

2- استغلال حرب غزة لتعزيز الحضور الداخلي: استغلت جماعة الحوثي حرب غزة التي بدأت في 7 أكتوبر 2023 بين فصائل المقاومة الفلسطينية وإسرائيل، وأرادت توظيف الحرب لصالحها من أجل تعزيز حضور إيران في المنطقة، وأيضاً رفع شعبية الجماعة التي انهارت في الداخل اليمني، وتخفيف الضغط الذي تتعرض له بسبب الأوضاع الاقتصادية والسياسية والأمنية المتردية منذ عشر سنوات ورفض الجماعة تحمل أي مسؤولية.

3- تجنيد الشباب اليمني في صفوف الجماعة: على وقع الضربات البريطانية والأمريكية التي تعرضت لها جماعة الحوثي بسبب استهدافها الملاحة في البحر الأحمر، استغلت ذلك بجانب حرب غزة لحشد المزيد من الشباب للانضمام إليها بزعم مواجهة هذه القوى وكذلك إسرائيل، لكن في الحقيقة هي تحشدهم من أجل تعزيز سيطرتها وشن عمليات مستقبلاً للسيطرة على المزيد من الأراضي اليمنية.

مواقف متباينة

وأوضح الصراري أنّ موقف المجتمع الدولي -وخاصة الغرب- كان متبايناً تجاه الأزمة في اليمن ودعم الحكومة الشرعية ومجلس القيادة الرئاسي، على النحو التالي:

1- دعم الغرب لبقاء جماعة الحوثي: حرص الغرب بقيادة واشنطن على بقاء جماعة الحوثي بدرجة معينة، وعدم إضعافها لاستغلالها في تعزيز حضورها بالمنطقة واستنزاف الدول العربية، وحتى إيران لا يريد الغرب إضعافها لتحقيق الغرض ذاته؛ إلا أن أحداث غزة الأخيرة نبهت واشنطن وحلفاءها إلى خطورة هذا النهج، ومع هذا لم يتغير موقفهم تجاه الجماعة فالضربات البريطانية الأمريكية لجماعة الحوثي بسبب هجماتهم في البحر الأحمر ما زالت محدودة وغير فعالة ضد مواقع ومراكز الجماعة، هذا بخلاف عدم دعم الحكومة الشرعية بشكل حقيقي لإنهاء خطر الجماعة، سواء على اليمن أو المنطقة والمجتمع الدولي.

2- عدم وضوح الموقفين الروسي والصيني: رغم أن الصين وروسيا تعترفان بالحكومة الشرعية اليمنية، إلا أنهما تتمسكان بعلاقات قوية مع إيران، وعدم التضحية بالعلاقات معها أو الضغط عليها بسبب تصرفات جماعة الحوثي ومنع تهديداتها.

3- تمسك الهند بالحضور في البحر الأحمر: ضمن التنافس الصيني الهندي تريد نيودلهي منافسة بكين في مشروع طريق الحرير الصيني عبر مشروع منافس أعلن عنه الرئيس الأمريكي جو بايدن، وهو سيمر بالدول الثرية، وبالتالي فإشعال البحر الأحمر سيضر بمخططات الصين تجاه طريق الحرير، ولهذا عززت الولايات المتحدة وكذلك الهند من حضورها عسكرياً في البحر الأحمر وحلفائها عبر عمليات عسكرية مختلفة.

4- تمسك إيران بدعم جماعة الحوثي: تتمسك إيران بدعم جماعة الحوثي للحضور في المنطقة العربية ودعم وجودها في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، ولهذا تواصل تقديم الدعم العسكري والمالي للجماعة من أجل تعزيز قوتها وسيطرتها.

5- استمرار الدور السعودي في اليمن: لن ينتهي دور السعودية في اليمن، فكلاهما يحتاج الآخر في ظل الحدود الشاسعة بين الجانبين، وضرورة السيطرة عليها، هذا بجانب وجود مصالح مشتركة، وكذلك من مصلحة السعودية الحفاظ على دور مهم في اليمن لمنع انتقال التهديدات إليها، كما يحتاج اليمنيون إلى السعودية لاعتبارات اقتصادية وسياسية وأمنية، حيث يوجد حوالي 2 مليون يمني يعملون في السعودية، ومستقبلاً سيحتاج اليمنيون إلى المملكة لدعمهم في عمليات إعادة الإعمار والتنمية، لكن السعودية تريد الخروج من مأزق الحرب والتحول من طرف في الحرب إلى وسيط ورعاية مفاوضات السلام بين الأطراف اليمنية بما فيهم جماعة الحوثي.

رؤية مستقبلية

يمكن القول إنه من الصعب احتواء جماعة الحوثي في المكون اليمني لأنهم لا يريدون ذلك بالأساس، فهم يرفضون إعلان أنفسهم كتيار سياسي، فهم لديهم تصورات خارج إطار السياسة وبشكل مستقل عن اليمن، لذا من الأفضل تحجيمهم واجتثاثهم عبر تدمير قدراتهم العسكرية واستعادة المناطق الحيوية التي يسيطرون عليها خاصة الحديدة، وحرمانهم من الموارد الاقتصادية والمالية وعائدات الموانئ، وهذا سيقود لإضعافهم وعودتهم إلى كهوف صعدة والانزواء بعيداً كما كانوا في السابق، بجانب ضرورة دعم الحكومة الشرعية الممثلة في المجلس الرئاسي لتحقيق هذه الأهداف.

كذلك، إذا حدث توافق بين إيران والغرب فسيتم إضعاف دور جماعة الحوثي في اليمن، لأنها بدون الدعم الإيراني ستنهار، كما أن القبائل اليمنية تتحين لحظة ضعف الجماعة لتنقض عليها بسبب الانتهاكات التي تمارسها بحق القبائل الواقعة تحت سيطرتها.

أيضاً يجب منع الحوثي من الاستحواذ والسيطرة على موارد اليمن وتلبية شروطه في ذلك، فهو يريد الحصول على 80% من إيرادات النفط والغاز والسيطرة على إيرادات الموانئ والمناطق الثرية خاصة الغنية بالنفط مثل مأرب، وعدم تحملها مسؤولية دفع أي رواتب للموظفين، وإن حدث ذلك فلن يُنهي الحرب بل سيعني استمرارها وتوحش قدرة وقوة الجماعة، ولن يكون هناك استقرار أو انتهاء للأزمة اليمنية.