جلسة استماع:
ما هي التأثيرات البيئية لغرق السفينة البريطانية “روبيمار” في خليج عدن؟

جلسة استماع:

ما هي التأثيرات البيئية لغرق السفينة البريطانية “روبيمار” في خليج عدن؟



نظّم مركز “العالم العربي للأبحاث والدراسات المتقدمة”، بالقاهرة، بتاريخ 5 مارس 2024، جلسة استماع بعنوان “ما هي التأثيرات البيئية لغرق السفينة البريطانية “روبيمار” في خليج عدن؟”. واستضاف المركز الدكتور عبدالحفيظ النهاري نائب رئيس الدائرة الإعلامية في حزب المؤتمر الشعبي العام اليمني (كمتحدث رئيس في الجلسة)، كما شارك في الجلسة عدد من الخبراء والباحثين المتخصصين في مجالات مختلفة، وهم: الدكتور محمد عز العرب، والدكتور محمد عباس ناجي، والأستاذ كرم سعيد، والدكتور حمدي بشير، والأستاذ محمد عمر، والأستاذ علي عاطف، والأستاذة ميرفت زكريا، والأستاذة نادين المهدي، والأستاذة نهلة عبدالمنعم، والأستاذة ثريا فتحي.

تداعيات خطرة

وتطرّق الدكتور عبد الحفيظ النهاري إلى التداعيات الخطرة لغرق السفينة روبيمار البريطانية التي تعرضت للغرق في خليج عدن بعد استهدافها من قبل جماعة الحوثي في اليمن يوم 18 فبراير 2024، ومن بين هذه التداعيات:

1- التسبب في أضرار بيئية خطرة: تحمل السفينة روبيمار حوالي 41 ألف طن أسمدة بجانب حمولة نفطية، ومع بدء تسرب المياه إلى السفينة عقب غرقها سيؤدي ذلك لتداعيات بيئية خطرة بالنسبة لليمن، والإضرار بالثروة السمكية التي يعتمد عليها اليمنيون.

2- تضرر الدول المشاطئة للبحر الأحمر: لن يتوقف التأثير البيئي لغرق روبيمار على اليمن فقط، وإنما سينتقل إلى الدول المشاطئة على البحر الأحمر، والإضرار سواء بالثروة السمكية أو الشعب المرجانية والحياة البحرية بشكل عام نظراً لقلة عمق البحر الأحمر وسهولة انتقال الملوثات عبره، هذا بخلاف إمكانية وقوع حوادث مستقبلية في الفترة المقبلة بسبب استمرار الحوثي في استهداف السفن مما يُضاعف من الكوارث البيئية.

3- التأثير على حركة الملاحة في البحر الأحمر: سيؤدي غرق السفينة روبيمار أو غيرها إلى تأثر حركة الملاحة في البحر الأحمر بسبب الخوف من الاصطدام بها، خاصة وأن مضيق باب المندب يتميز بمياهه الضحلة، وأنه غير عميق، وهذا الأمر قد يؤدي لغرق المزيد من السفن العابرة، ومضاعفة الخسائر سواء البيئية أو المادية بخلاف تعطيل حركة التجارة العالمية.

4- الإضرار بالاحتياجات الغذائية لليمنيين: يمثل البحر الأحمر مصدر رزق كبيراً لمئات الآلاف من الأسر اليمنية التي تعتمد على صيد الأسماك، ويقدر عدهم بما بين 2 – 3 ملايين فرد، وبالتالي سيتسبب غرق روبيمار أو غيرها لاحقاً في الإضرار بالأحياء البحرية وبالتالي عملية الصيد.

5- غلق موانئ الحديدة: يوجد ثلاثة موانئ استراتيجية في الحديدة، وما تقوم به جماعة الحوثي أدى لغلق هذه الموانئ ومنع دخول المساعدات الغذائية لليمنيين بخلاف تعطل حركة التجارة، فالكتلة السكانية الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي تقدر بحوالي 20 مليون نسمة، وهذا سيؤدي إلى ضرر بالغ بهذه الكتلة من الشعب اليمني، هذا بخلاف أن تصنيف الولايات المتحدة للحوثي جماعة إرهابية بسبب استهداف حركة الملاحة الدولية سيمنع تسليمها أي مساعدات دولية لإعانة الشعب اليمني وهو ما سيفاقم من المعاناة التي يعيشون فيها منذ عشر سنوات.

المستفيدون من التصعيد

وتطرق النهاري إلى أبرز المستفيدين من تصعيد الحوثي في البحر الأحمر، وهم كالتالي:

1- إيران: تريد طهران استمرار المعركة والتصعيد في البحر الأحمر، فقد أدركت أن عسكرة البحر الأحمر تجعل وضعه هشاً بدرجة كبيرة، لأن تضاريس اليمن تسمح بالسيطرة عليه بشكل كبير، ووجود الحوثي التابع لها في اليمن يكفل لها هذا الأمر، ولهذا تستغل إيران الهجمات التي تنفذها الجماعة ضد السفن وخلط الأوراق والضغط على الدول الغربية بشكل خاص والاقتصاد العالمي وحركة التجارة بشكل عام من خلال أوراق بسيطة وسهلة لدى الحوثي مثل بعض الصواريخ والطائرات المسيّرة والزوارق المفخخة، كما أنها تضمن لإيران أيضاً محدودية الصراع وعدم انتقاله إليها، والحصول على أكبر قدر من المكاسب من الدول الغربية.

2- الولايات المتحدة والدول الغربية: تُعد من المستفيدين من عسكرة البحر الأحمر حتى وإن تضرروا بعض الشيء لأنهم يريدون تعطيله للإضرار بالصين والتأثير على طريق الحرير الصيني وعرقلة وارداتها من النفط من دول المنطقة بجانب الحضور بأكبر قدر عسكرياً في المنطقة، ولهذا اضطرت بكين لإرسال أسطول بحري ولو بشكل رمزي إلى المنطقة لعدم ترك الغرب يستفرد بالمنطقة ويضر بتجارتها وخططها الاقتصادية.

3- جماعة الحوثي: تُعتبر جماعة الحوثي من أبرز المستفيدين من التصعيد في البحر الأحمر، فهي استغلت حرب غزة الخامسة لتعزيز شرعيتها وشعبيتها في الداخل اليمني بخلاف تحسين صورتها أمام الشعوب العربية، كما تريد الحصول على اعتراف دولي بها، وأن يتم الجلوس والتفاوض معها وليس التعامل معها كمليشيا أو منظمة إرهابية.

مواجهة فاشلة

وتطرّق النهاري إلى أسباب إخفاق التدخلات الدولية والتحالفات البحرية التي أعلن عنها لمنع تهديدات جماعة الحوثي في البحر الأحمر وحماية حركة الملاحة الدولية، وتمثلت هذه الأسباب في التالي:

1- صعوبة التضاريس الجغرافية اليمنية: يتميز اليمن بتضاريس جغرافية صعبة ووعرة مكّنت الحوثيين من سهولة تنفيذ العمليات الصاروخية واستهداف السفن في البحر الأحمر وبحر العرب وخليج عدن، وسرعة الاختباء بعد التنفيذ، هذا بجانب توفير جبال اليمن مخازن طبيعية للحوثيين لتخزين الأسلحة المتطوّرة ومنع استهدافها أو ضربها من قبل القوات البريطانية والأمريكية أو غيرهما، وقد أُنشئت هذه المخازن الاستراتيجية والسرية منذ عهد الرئيس السابق علي عبد الله صالح والتي سيطر عليها الحوثيون لاحقاً.

2- ضعف جدوى الضربات الأمريكية والبريطانية: لم تؤثر الضربات الأمريكية والبريطانية التي استهدفت جماعة الحوثي منذ مطلع عام 2024 رداً على استهدافهم للسفن البحرية، فمن ناحية لا تريد الولايات المتحدة الدخول في “أفغانستان جديدة” والتورّط في حرب واسعة باليمن، لذا تنفذ ضربات محدودة بالتعاون مع بريطانيا التي ليس لديها هي الأخرى القدرة أو الرغبة على خوض حرب واسعة.

3- الخوف الغربي من خوض حرب واسعة ضد إيران: تُعد طهران المحرض والداعم الرئيس لجماعة الحوثي لإشعال جبهة البحر الأحمر، ومع هذا لم توجه لها الدول الغربية أي ضربات عسكرية مباشرة أو حتى عقوبات وإجراءات قوية، فهي تريد أن يكون الصراع والاشتباك محدوداً ولا يتعدى المستوى الحالي.

4- سماح الدول الغربية بسيطرة جماعة الحوثي على البحر الأحمر: ساهمت الدول الغربية في سيطرة جماعة الحوثي على محافظة الحديدة الاستراتيجية على البحر الأحمر، حينما تمّ منع قوات الشرعية اليمنية عبر اتفاق استكهولم من دخول الحديدة وطرد الحوثيين من هذه المنطقة الاستراتيجية، فقد كانت الدول الغربية تريد استغلال هذا الأمر والسعي هي للسيطرة على موانئ الحديدة الثلاثة الاستراتيجية، لكن تركت الحديدة للحوثيين مما مكّنهم من تقوية أنفسهم عسكرياً والحصول على أسلحة عبر البحر من إيران بخلاف نشر ألغام بحرية، وقد قام مشروع “مسام” لنزع الألغام الذي تولته السعودية بدور كبير في تطهير جزء كبير من هذه الألغام سواء البحرية أو البرية.

5- امتلاك الحوثيين أسلحةً متقدمة: أدى وجود الحوثي في الحديدة لامتلاك صواريخ متقدمة متوسطة وطويلة المدى وتطوير أجهزة التوجيه الخاصة بها.

6- استمرار الدعم الإيراني لجماعة الحوثي: تواصل إيران دعم جماعة الحوثي بصواريخ وقدرات عسكرية متقدمة، مع تزويدهم بخبراء لتدريبهم عليها وتجميع هذه الأسلحة وتقديم كافة أنواع الدعم اللوجستي، الأمر الذي يُساهم في إطالة أمد التصعيد في البحر الأحمر وتعويض مخزون الحوثي العسكري، سواء ما تم استخدامه أو استهدافه من قبل الضربات الأمريكية البريطانية.

مستقبل غامض

توقع النهاري أن مستقبل التصعيد في البحر الأحمر قد يأخذ المسارات التالية:

المسار الأول، استمرار التصعيد في البحر الأحمر بعد انتهاء حرب غزة: من المتوقع أنه في حال توقفت حرب غزة التي تتذرع بها جماعة الحوثي لاستهداف السفن في البحر الأحمر دعماً للشعب الفلسطيني كما تقول، فلن تتوقف الجماعة عن استهداف البحر الأحمر، بل ستكون هناك عمليات ومستويات أخرى من التصعيد، فقد كان أصلاً موجوداً منذ عشر سنوات في ظل تهاون المجتمع الدولي تجاهه، والذي اهتم به الآن بعد حرب غزة، وسيستمر التصعيد بتوجيه من إيران ضمن تصعيدها ومساومتها مع الدول الغربية لتحقيق أكبر قدر من المكاسب، ولن يتوقف التصعيد إلا بقرار من إيران وليس بقرار غربي، فالوضع الآن معقد ولن تجد إيران أفضل من ذلك لخلط الأوراق والاستفادة مما يجري بعيداً عن أراضيها أو تضرر مصالحها.

المسار الثاني، تمسك الحوثي بالحصول على شرعية دولية: تريد الجماعة الخروج من هذا التصعيد باعتراف دولي بها والتفاوض مع الولايات المتحدة علانية لتأكيد شرعيتها، فهناك منذ سنوات مفاوضات سرية وغير مباشرة بين الجماعة والغرب.

المسار الثالث، فرض إتاوات على شركات الملاحة الدولية: من المتوقع في حال استمرار التصعيد تحول الحوثي لفرض إتاوات على السفن لمنع استهدافها، فقد كشفت تقارير إعلامية عن دفع شركات الملاحة أموالاً لجماعة الحوثي لمنع ضرب سفنها خلال مرورها في البحر الأحمر، مما يعني استمرار الأزمة واستغلال الحوثي لذلك للحصول على أموال ضخمة.

المسار الرابع، استغلال الحكومة اليمنية الشرعية للأحداث وطلب الدعم الدولي: رأت الحكومة اليمينة الشرعية أن المجتمع الدولي توجه لضرب الحوثيين دون التنسيق معهم، وقد أتى ذلك بنتائج عكسية وعدم تحقيق أي انتصار، لذا ترى أن الحل هو دعمها للتخلص من جماعة الحوثي وإنهاء تهديداتها سواء لليمن أو للمجتمع الدولي، لكن الأخير يشكك في قدراتها فلم تنجز هذه الحكومة نصراً مهماً ضد الجماعة على مدار العشر سنوات الماضية، وهذا يرجع بشكل كبير نتيجة لتشرذم وتفكك مكونات الحكومة الشرعية والمكونات الرافضة لسيطرة الحوثي.

المسار الخامس، تعزيز سيطرة إيران على البحر الأحمر: ضمنت هذه الأحداث وجود موطئ قدم وسيطرة قوية لإيران على البحر الأحمر ومضيق باب المندب وبحر العرب وخليج عدن من خلال الحوثيين بخلاف سيطرتها على مضيق هرمز، فما يجري في المنطقة لم يضر إيران بل استفادت منه بشكل غير مسبوق وضمن وجود فاعل لها في البحر الأحمر والإضرار بالدول العربية، فهي تسعى منذ عام 2004 لتحقيق هذا الهدف.

المسار السادس، تضرر دول الخليج من التصعيد البحري: ستكون دول مجلس التعاون الخليجي من أكثر المتضررين بسبب التصعيد في البحر الأحمر، فهم متضررون منذ عشر سنوات بسبب سيطرة الحوثي على أجزاء واسعة من اليمن وسيزداد الضرر بسبب ما يجري في البحر الأحمر، وعرقلة صادراتهم من النفط والغاز الطبيعي، بخلاف تضرر حركة التجارة، هذا بجانب استغلال الحوثي للتصعيد وتوصيل رسائل بأنه قادر على ضرب عمق الدول الخليجية من خلال استهداف ميناء إيلات الإسرائيلي بصواريخ تمر من خلال المياه السعودية وكذلك توصيل رسالة بأن وصول صواريخه لإيلات يعني قدرتهم على الوصول لدول الخليج ذاتها.