خلافات قائمة
ما هو مستقبل العلاقة بين شبكة حقاني وحركة طالبان بعد تشكيل الحكومة؟

خلافات قائمة

ما هو مستقبل العلاقة بين شبكة حقاني وحركة طالبان بعد تشكيل الحكومة؟



أثار التشكيل الوزاري الجديد للحكومة الأفغانية المؤقتة بقيادة “الملا محمد حسن أخوند” العديد من التساؤلات حول ماهية الدور الذي ستلعبه “شبكة حقاني” في المرحلة القادمة، ولا سيما في ظل تداخل حضورها العسكري والسياسي على الساحة الأفغانية، من خلال توليها، كذراع عسكري رئيسي لحركة طالبان، أربع حقائب وزارية هامة (وزارة الداخلية، وزارة شؤون المهاجرين، وزارة التعليم العالي، وزارة الاتصالات والتكنولوجيا)، وهو أمر قوبل بانتقادات خارجية كبيرة، خاصة أن شبكة حقاني تصنف كتنظيم إرهابي من قبل الولايات المتحدة.

محدِّدات الازمة

بالرغم من العلاقات التاريخية التي تجمع حركة طالبان وشبكة حقاني، فإن السياق الراهن يُنتج عدداً من المعطيات المؤثرة على دور شبكة حقاني في المشهد الأفغاني. وعليه، يبدو حجم الدور الذي ستلعبه شبكة حقاني في ظل حكم طالبان مرتهناً بعددٍ من المحددات الرئيسية المتمثلة فيما يلي:

1- العلاقات مع حركة طالبان: رغم العلاقات التاريخية القوية التي ربطت بين حركة طالبان وشبكة حقاني؛ إلا أن هذا لم يمنع وجود بعض التوترات في العلاقة بينهما، سواء خلال فترة حكم طالبان الأولى لأفغانستان بسبب التشكيل الوزاري وسيطرة أغلب أعضاء الحركة على مقاليد الحكم، أو بسبب الخلاف الأبرز على الأداء العسكري الميداني في معركة “مزار شريف” التي وقعت عام 2001 بين قوات التحالف الشمالي والولايات المتحدة من جانب، وحركة طالبان والشبكة من الجانب الآخر. حيث أسفرت تلك المعركة عن هزيمة طالبان ثم سقوط العاصمة كابول في أيدي قوات التحالف الشمالي.

وانطلاقاً من هذا الأساس، لا يمكن ترجيح دوام استقرار العلاقات بين الطرفين، دون توقع نشوب بعض الخلافات التي من المُمكن أن تؤثر على حال السلطة والقيادة في أفغانستان خلال المرحلة القادمة، ولا سيما بعد تواتر أنباء خلال الأيام القليلة الماضية عن نشوب مُشاحنات وصلت إلى حد الاحتدام بالكلام والاشتباك بالأيدي بين “الملا عبدالغني برادر” و”خليل الرحمن حقاني”، وأتباعهما.

وعلى الرغم من نفي “برادر” لتلك الأنباء، خلال مقابلة له مع التليفزيون الحكومي، نُشرت على تويتر من قبل المكتب السياسي لطالبان في الدوحة يوم 16 سبتمبر 2021؛ إلا أن هذا لا يمنع وجود بعض المؤشرات التي من شأنها أن تلعب دوراً في توتر العلاقة بين الجانبين على المدى البعيد. فمن جهة أولى، تضم الحركة نهجين مختلفين؛ الأول، يتبناه “عبدالغني برادر”، والذي يؤكد على ضرورة التوسع في توظيف الخطاب الدبلوماسي خلال المرحلة القادمة. بينما الثاني يتبناه أعضاء “شبكة حقاني” الذين أرجعوا الانتصار الذي حققته الحركة إلى الهجمات والعمليات التي شُنت ضد الحكومة الأفغانية وقوات التحالف الدولي خلال العقدين الماضيين، مُشيرين إلى ضرورة استمرار توظيف النهج القتالي لضمان بسط النفوذ والسيطرة على مقاليد الحكم في البلاد.

ومن جهة ثانية، يبدو أن غياب المؤسسات والقوانين الحازمة والضابطة للعلاقة بين القوى السياسية والعسكرية من شأنه أن يولد الخلافات بين أتباع كل طرف، ولا سيما في ظل شبكة العلاقات العائلية والشخصية التي تُسيطر على التشكيل الوزاري الجديد. فـ”عبدالغني برادر” القائم بأعمال نائب رئيس الوزراء هو زوج أخت مؤسس حركة طالبان، وصديق شخصي لزعيم الحركة الحالي، كما أن “مولوي يعقوب” القائم بأعمال وزير الدفاع هو النجل الأكبر لمؤسس الحركة. بينما على الجانب الآخر، فإن “سراج الدين حقاني” القائم بأعمال وزارة الداخلية هو نجل مؤسس شبكة حقاني، وكذلك فإن “خليل الرحمن حقاني” القائم بأعمال وزارة شؤون المهاجرين، هو شقيق مؤسس الشبكة.

2- الدعم الباكستاني: تذهب العديد من التحليلات إلى أن شبكة حقاني هي الذراع الاستخباراتية الرئيسية لباكستان في أفغانستان، وذلك استناداً إلى طبيعة العمليات التي تقوم بها الشبكة، وتقسيمها الداخلي، وأسلوبها الخاص في القتال والتنقل، والتي تدلل على تلقي أعضائها دعماً وتدريباً خاصاً على يد خبراء ومختصين يُرجح أنهم من الاستخبارات الباكستانية.

فنظراً للجوار الجغرافي بين كلٍّ من أفغانستان وباكستان، ساهمت الشبكة من جانبها في تأمين الحدود الباكستانية خلال فترة الغزو السوفيتي لأفغانستان، بينما قدمت باكستان ملاذاً آمناً لأعضاء شبكة حقاني عقب الغزو الأمريكي لأفغانستان. كما تدرك باكستان أن دعمها لحقاني يؤمن مصالحها الخاصة، ويمنحها ثقلاً موازياً لتنامي النفوذ الإيراني والهندي في أفغانستان. وبالتالي، فإن مدى استمرارية دور شبكة حقاني في أفغانستان مرتبط -في جانب منه- بمواصلة تلقي الدعم من المخابرات الباكستانية مالياً ولوجيستياً.

3- العلاقة مع تنظيم “القاعدة”: رغم التعهد الظاهري والمُعلن لشبكة حقاني بقطع علاقاتها مع التنظيمات الإرهابية الأخرى، وفقاً للاتفاق القائم بين طالبان والولايات المتحدة عام 2020؛ إلا أن المرحلة القادمة من حكم أفغانستان قد تشهد استراتيجية جديدة من التعاون والتنسيق الضمني مع تنظيم القاعدة، إذ إن العلاقة مع تنظيم القاعدة تعد علاقة طويلة الأمد رسختها الأيديولوجيا الدينية المتطرفة المُشتركة، وأثمرت عن العديد من المكاسب بالنسبة للجانبين. ورغم كون الشبكة جزءاً من المظلة الأوسع لحركة طالبان التي تدين بالولاء لتنظيم القاعدة، إلا أن الشبكة تتميز بخصوصية قيادية وعملياتية. كما أنه وفقاً لتقرير أصدره مجلس الأمن في مايو 2021 فإن الشبكة تُعتبر مركزاً للتواصل والتعاون مع الجماعات الإرهابية الأجنبية الإقليمية، وحلقة الوصل الأساسية بين طالبان والقاعدة.

وانطلاقاً من رغبة القاعدة في استعادة نفوذها ومواجهة المد الداعشي بعد انسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان، ونظراً لغلبة النهج القتالي على فكر قادة شبكة حقاني، مقارنة بفكر أغلب قادة حركة طالبان المُستحدث والأكثر ميلاً للدبلوماسية والبراجماتية السياسية؛ فإنه ليس ببعيد أن تنجح القاعدة في إعادة إحياء علاقتها بأعضاء شبكة حقاني، لا سيما أن الشبكة قد تسعى على المدى البعيد لتعزيز ثقلها العسكري على الساحة الأفغانية أمام نفوذ طالبان السياسي والدبلوماسي الذي بدأت تكتسبه مؤخراً.

4- معضلة “داعش”: يُعد هذا الملف نقطة فارقة في تحديد مستقبل حركة طالبان بصفة عامة، وشبكة حقاني بصفة خاصة. لا سيما أن العلاقة بين كلٍّ من الشبكة وتنظيم داعش قد شابها بعض الغموض، على خلفية تنسيق كل منهما مع الآخر لشن الهجمات الإرهابية ضد القوات الأفغانية، والأجنبية في أفغانستان، فضلاً عن انتماء العديد من أعضاء تنظيم “داعش خراسان” سابقاً إلى شبكة حقاني، وتنظيمات أخرى موالية لها.

كما أُثيرت الشكوك حول غضّ شبكة حقاني الطرف عن الهجوم الأخير الذي شنه التنظيم في مطار كابول (26 أغسطس 2021)، لسببين، أولهما: أن الهجوم لم يكن عشوائياً بل كان مُخططاً له جيداً، وتم في المحيط الذي من المُفترض أن يكون تحت حماية قوات شبكة حقاني الخاصة (بدري 313). والسبب الثاني أن الهجوم يخدم مصالح الشبكة في تسريع عمليات الإجلاء للقوات والدبلوماسيين الأجانب، ويُبرر مواصلة أعمالهم العسكرية غير المشروعة تحت ستار فرض الأمن، وتأمين الممتلكات المحلية والأجنبية.

وفي ضوء ذلك، من المُنتظر أن تكشف لنا المرحلة القادمة ما إذا كان كل من حركة طالبان وشبكة حقاني سيُشكلان جبهة واحدة في مواجهة تنظيم “داعش خراسان”، أم أنه سيكون هناك تنسيق غير مُعلن بين شبكة حقاني والتنظيم، ولا سيما لوجود عدة قواسم مشتركة تجمعهما وتميزهما عن حركة “طالبان”، أبرزها تبني كل من تنظيم “داعش” وشبكة “حقاني” استراتيجية إقليمية ودولية عابرة للحدود تضع العمليات الخارجية ضمن أولوياتها، على عكس حركة “طالبان” التي تتبنى استراتيجية محلية لا تتجاوز حدود أفغانستان. كما تتشابه التكتيكات القتالية والعملياتية بين شبكة “حقاني” وتنظيم “داعش”، سواء من حيث الجمع بين العمليات الانتحارية والعمليات الانغماسية، أو من حيث تبني أساليب قطع الرؤوس والتمثيل بالجثث لإرهاب الخصوم.

أضف إلى ذلك أن الاتفاق الذي تبنته حركة “طالبان” مع الولايات المتحدة الأمريكية عام 2020، يمثل تهديداً لنفوذ كل من شبكة “حقاني” وولاية خراسان، ولا سيما في ظل تصنيفهما على قوائم الإرهاب، على عكس طالبان غير المُصنفة كحركة إرهابية، وهو ما يُنذر على المدى البعيد باحتمالية تحييد الحركة لشبكة حقاني عن المشهد السياسي والأمني لبسط سيطرتها الكاملة على الساحة الأفغانية، بحجة التزامها ببنود الاتفاق المُبرم.

ختاماً، يظل انتهاج شبكة “حقاني” أياً من تلك المسارات متوقفاً -إلى حد كبير- على طبيعة الاستراتيجية التي ستتبناها حركة طالبان خلال المرحلة القادمة، وما إذا كانت ستعمد إلى احتكار السلطة وتحييد دور الشبكة تدريجياً لكسب الاعتراف والدعم الدولي لحكومتها، أم أنها لن تستطيع فك ارتباطها بشبكة حقاني والاستغناء عنها لما تتمتع به الشبكة من ثقل وقوة عسكرية في مواجهة المد الداعشي، وحملات التمرد والاحتجاج الداخلي المُحتملة. ومع كل ذلك فإن الشبكة ستظل بمثابة حليف إشكالي بالنسبة لحركة طالبان وحساباتها السياسية.