استضافت العاصمة القطرية “الدوحة” منتدى الطاقة العربي الثاني عشر في الفترة (11-12) ديسمبر الجاري تحت شعار “الطاقة والتعاون العربي” وبمشاركة عدد من الوزراء والمسؤولين العرب بالإضافة إلى متخصصين في مجال الطاقة. وقد ناقش هذا الحدث الذي تم تنظيمه من قِبل منظمة الأقطار العربية المصدرة للنفط (OPEC) عدداً من الموضوعات، في مقدمتها التطورات الدولية في أسواق الطاقة العالمية وانعكاساتها على قطاع الطاقة العربي، وموضوعات الطاقة والبيئة والاستدامة. ويأتي انعقاد هذا الحدث في ظل عدد من التطورات الراهنة التي يشهدها المجتمع الدولي والتي ألقت بظلالها على أسواق الطاقة العالمية.
سياقات حاكمة
ثمة العديد من السياقات المحيطة بانعقاد منتدى الطاقة العربي في قطر، وهي السياقات التي يمكن استعراضها كما يلي:
1- التطورات العالمية التي تشهدها أسواق الطاقة: حيث شهد مستوى الإنتاج العالمي من النفط والغاز الطبيعي في الآونة الأخيرة تغيرات جذرية ناجمة عن صراعات جيوسياسية حادة في مناطق الإنتاج الرئيسة، فقد أدى نشوب الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير 2022 إلى انقطاع معظم تدفقات الغاز الروسي إلى أوروبا، وصاحب ذلك ارتفاع في أسعار الغاز الأوروبي في العام نفسه بنسبة 148% مقارنة بعام 2021. كما أثرت الحرب في قطاع غزة على إنتاج الشرق الأوسط من النفط والغاز، مما أدى إلى اضطراب أسواق الطاقة العالمية وتأثر أسعار خامي النفط والغاز العالميين، إذ بلغت أسعار العقود الآجلة لخام برنت ذروتها عند 92 دولاراً للبرميل في 18 أكتوبر الماضي، أي بزيادة تفوق 7 دولارات. كما ارتفعت الأسعار الفورية للغاز الطبيعي المُسال في آسيا بنسبة تجاوزت 48% لتصل إلى حوالي 19 دولاراً لكل مليون وحدة حرارية بريطانية في 18 أكتوبر الماضي، وذلك مقارنة بنحو 12.8 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية في جلسة 6 أكتوبر الماضي.
وتجدر الإشارة إلى وضع البنك الدولي ثلاثة سيناريوهات رئيسة حول تعطل إمدادات النفط جراء حرب غزة وما سيصاحبها من ارتفاع أسعار الخام، حيث يتوقع انخفاض الإمدادات بنحو نصف مليون برميل في أدنى السيناريوهات، وأن تصل إلى أقصاها عند 8 ملايين برميل يومياً، ومن المقرر أن تصاحب ذلك زيادة أسعار النفط لما يتراوح بين 93 دولاراً عند أقل نقطة، و157 دولاراً للبرميل.
2- انعقاد مؤتمر المناخ “كوب 28” والتحول الدولي تجاه الطاقة المتجددة: حيث تسعى دول العالم في إطار مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ (cop28) إلى رسم مسار للعمل المشترك للحد بشكل كبير من الانبعاثات وحماية الأرواح وسبل العيش، وقد أكدت الدول المشاركة في إطار هذا الحدث على ضرورة خفض الانبعاثات بمقدار النصف تقريباً بحلول عام 2030، والوصول بها إلى مستوى الصفر بحلول عام 2050. مشيراً إلى أنّ توليد الجزء الأكبر من الغازات الدفيئة ناجمٌ عن حرق الوقود الأحفوري مثل الفحم والنفط والغاز لتوليد الكهرباء والحرارة، إذ يمثل أكثر من (75%) من انبعاثات الغازات الدفيئة العالمية وحوالي (90%) من جميع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
ومن الجدير بالذكر أنّ وزير الدولة لشؤون الطاقة القطري سعد بن شريدة الكعبي قد أشار في إطار منتدى الطاقة العربي الثاني عشر إلى ضرورة التوجه نحو مصادر الطاقة المتجددة، مع مراعاة أهمية المنتجات التحويلية التي تعتمد على مشتقات النفط والغاز بسبب الطبيعة المتقطعة للمواد المتجددة. ويأتي توجه المسؤول القطري في ظل اعتماد دول الخليج بشكل رئيس على إيرادات الموارد النفطية التي تعد بمثابة المساهم الأكبر في الناتج المحلي الإجمالي. فعلى سبيل المثال، ارتفعت إيرادات الموارد النفطية كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي في دولة الإمارات العربية المتحدة لتسجل (15.7%) عام 2021، كما سجلت المملكة العربية السعودية نسبة (23.7%) في العام ذاته مقارنة بنحو (16%) عام 2020 وفقاً لبيانات البنك الدولي.
3- استمرار التأثيرات الإقليمية للحرب في غزة: وذلكبعد انتهاء الهدنة واستخدام الولايات المتحدة حق النقض “الفيتو” ضد مشروع قرار بمجلس الأمن الدولي يقضي بالوقف الفوري لإطلاق النار، وهو الأمر الذي من المحتمل أن يسبب تفاقماً في أوضاع أسواق الطاقة الدولية والإقليمية وارتفاع أسعار النفط إلى نحو (150) دولاراً للبرميل. وذلك نظراً لتمتع المنطقة بأكثر من (50%) من احتياطيات العالم النفطية، واستحواذها على ثلث المعروض العالمي من النفط.
تأثيرات محتملة
ثمة العديد من التأثيرات المحتملة لمنتدى الطاقة العربي الثاني عشر وهي التأثيرات التي يمكن استعراضها كما يلي:
1- عقد عددٍ من المبادرات المشتركة لتحسين فاعلية استخدام الطاقة: وذلك لتحقيق الانتقال العادل للطاقة واستفادة جميع الدول من مواردها الطبيعية في ظل التغيرات المتسارعة في قطاع الطاقة،بالإضافة لتحسين كفاءة استخدام الطاقة بقطاعات البترول والغاز بالدول العربية، وخفض الانبعاثات، ومشاركة أفضل التجارب والممارسات. فعلى سبيل المثال، أطلقت السعودية (81) مبادرة بهدف خفض الانبعاثات وإحداث تغيير إيجابي على المدى الطويل، ومن هذه المبادرات مبادرة “السعودية الخضراء” التي تستهدف تقليل الانبعاثات الكربونية بمقدار (278) مليون طن سنوياً بحلول عام 2030، وتمهيد الطريق نحو تحقيق الحياد الصفري بحلول عام 2060. وكذلك مبادرة “الشرق الأوسط الأخضر” التي تستهدف توحيد جهود جميع أصحاب المصلحة في المنطقة من أجل تفادي مخاطر تغير المناخ والتخفيف من تأثيراتها والتكيف معها.
ويأتي ذلك في ظل ارتفاع الاستهلاك العالمي من الطاقة بنحو (1.1%) خلال عام 2022، مع استمرار النفط والغاز والفحم في تغطية معظم الطلب على الطاقة (82%)، كما زاد استهلاك الطاقة الأولية عالمياً ليصل إلى (604) إكساجول في 2022 وفقاً لبيانات معهد الطاقة. وقد ارتفع الطلب على النفط بمقدار (2.9) مليون برميل يومياً، ليصل إلى (97.3) مليون برميل يومياً عام 2022. وقد أدى ارتفاع الأسعار إلى سعي العديد من الدول نحو جذب الطلب النفطي ومنها الولايات المتحدة التي سعت إلى الحصول على ما يصل إلى (3) ملايين برميل من النفط الخام لاحتياطي البترول الاستراتيجي (SPR) للتسليم في مارس 2024.
2- بحث سبل تعزيز دور الهيدروجين في مزيج الطاقة: حيث يُعد إدخال الهيدروجين المنخفض الكربون في الاقتصادات العالمية لتحقيق هدف الحياد الكربوني بحلول عام 2050 بمثابة أحد الحلول المتبعة في القطاعات الاقتصادية. وتمتلك الدول العربية إمكانات ضخمة يمكن استغلالها في الاستثمار بالهيدروجين، الذي أصبح في مقدمة مصادر الانتقال إلى الطاقة النظيفة، كما تُعد المنطقة هي الأرخص عالمياً في تكلفة إنتاج الهيدروجين الرمادي والأزرق التي تتراوح بين (1-1.5) دولار لكل كيلوجرام، كما تمتلك المنطقة موارد الطاقة المتجددة المستخدمة في إنتاج الهيدروجين الأخضر كطاقة الرياح التي تصل سرعتها في بعض المواقع إلى 11 متراً في الثانية، وهي من بين السرعات الأعلى عالمياً، كما تتوافر الطاقة الشمسية لأكثر من 3 آلاف و900 ساعة على مدار السنة، وهو المعدل الأعلى عالمياً.
وسيساهم هذا التوجه في تحقيق هدف تشكيل الهيدروجين ومشتقاته 12% من الاستخدام النهائي للطاقة بحلول عام 2050، ومن ثمّ تعزيز أمن الطاقة في العديد من الأسواق. ولعلّ هذا ما دفع 40 دولة حول العالم إلى إعلان خطط واستراتيجيات بشأن الهيدروجين حتى نهاية الربع الأول من عام 2022، وفق آخر تحديث للسوق العالمية من منظمة “أوابك”.
3- تعزيز الاستثمارات المعنية بتحوّل الطاقة: ومحاولة إيجاد وسائل لزيادة مشاركة القطاع الخاص في هذه الاستثمارات، بهدف تصفير الانبعاثات الكربونية بحلول عام 2050، حيث من المتوقع أن تشهد استثمارات القطاع الخاص عالمياً نحو (80%) من الاستثمارات المطلوبة وفقاً لتوقعات صندوق النقد الدولي. ومن المفترض أن يتم توجيه هذه الاستثمارات إلى الدول الناشئة والنامية التي تحتاج إلى ضخ نحو تريليوني دولار سنوياً في قطاع الطاقة حتى عام 2030. كما تحدد الاستراتيجيات الحكومية الحالية استثمارات في مجال الطاقة تصل إلى (98) تريليون دولار بحلول العام 2050، مع إعادة توجيه (24) تريليون دولار من الاستثمارات المخطط لها من الوقود الأحفوري إلى تقنيات تحول الطاقة حتى عام 2050.
وقد شهد الاستثمار العالمي في تقنيات تحول الطاقة ارتفاعاً بنحو (1.3) تريليون دولار خلال عام 2022، بزيادة (19%) على أساس سنوي، ومن الضروري زيادة استثمارات تحول الطاقة التراكمية إلى (131) تريليون دولار بين عامي 2021 و2050 من أجل تحقيق أهداف الحياد الكربوني وفقاً لبيانات الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (IRENA). ومن الجدير بالذكر أنه لتحقيق استثمارات تحول الطاقة عالمياً سيناريو 1.5 درجة مئوية يجب إعادة توجيه 0.7 تريليون دولار سنوياً من الوقود الأحفوري إلى التقنيات النظيفة.