نظّم مركز “العالم العربي للأبحاث والدراسات المتقدمة”، بالقاهرة، بتاريخ 25 أكتوبر 2023، جلسة استماع بعنوان “سيناريوهات معقدة: ما المسارات المحتملة للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة بعد طوفان الأقصى؟”. واستضاف المركز السيد نبيل عمرو، وزير الإعلام الفلسطيني الأسبق (كمتحدث رئيسي في الجلسة)، كما شارك في الجلسة عدد من الخبراء والباحثين المتخصصين في مجالات مختلفة، وهم: الدكتور محمد عز العرب، والدكتور محمد عباس ناجي، والأستاذ عمرو عبدالعاطي، والأستاذ محمد الفقي، والأستاذ كرم سعيد، والدكتور حمدي بشير، والأستاذ حسين معلوم، والدكتور هيثم عمران، والأستاذ محمد عمر.
تداعيات التصعيد
تطرق “عمرو” إلى بعض تداعيات الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، عقب عملية “طوفان الأقصى” لاستهداف المستوطنات الإسرائيلية في غلاف القطاع، وأبرزها:
1- عملية عسكرية واسعة النطاق ومفاجِئة: عملية حماس تتسم بالمفاجأة لمن فعلوها وللعالم كله، ولم يكن يتصوّر أحد أن يؤدي الاقتحام الذي قامت به حماس لهذه النتائج، من حيث عدد القتلى والأسرى وفترة الاشتباك داخل إسرائيل، وحدث سابقاً في عملية الشاطئ، ولكنها كانت أقل كثيراً من حيث النتائج، والمردود الذي حدث.
2– الكشف عن مخططات التهجير: هذه العملية لم يكن لها ردود فعل بهذه الكثافة، ولكنّ إسرائيل كشفت عن مخططات شاملة، من خلال طرح قضية التهجير، وتحدث في ذلك نائب وزير الخارجية السابق، والمقصود مصر والأردن، من خلال الرغبة في اجتياز الفلسطينيين الحدود والذهاب لسيناء، ومن ثم القيام بدفع التكاليف، وذلك برز مع بداية العمل العسكري الإسرائيلي.
وهذا يشير إلى أن الفكرة كانت في السابق مطروحة كمخاوف، لتوزيع الفلسطينيين في إطار تسويات إقليمية، والحرب الأخيرة كشفت عن أهداف أبعد مما حدث، لدفع تغير ديموغرافي، وسابقاً اتجه سكان القطاع إلى سيناء خلال إحدى العمليات الإسرائيلية، ولكنهم عادوا مجدداً.
3- السلام العربي مع إسرائيل هش: ومن نتائج العملية، نبّه الهجوم وتداعياته، إلى أن السلام مع إسرائيل هش أكثر مما مضى، وفي نهاية المطاف وفي أوج عملية السلام يخرج طرح من هذا النوع مثل قضية التهجير، وبات التساؤل: أين عملية السلام؟. مصر الآن تحدثت بلغة مختلفة، لم يعد التهجير استنتاجاً، لم يعد في إطار التخويف.
ولم تعد القضية الفلسطينية تضامنية، ولكن باتت أمناً قومياً لدول المنطقة، وتحديداً في إطار مخططات التهجير والوضع الحالي.
4- التركيز على غياب الحل السياسي للقضية الفلسطينية: كما أن هجوم حماس وما تبعه من الرد الإسرائيلي، نبه العالم إلى ضرورة إيجاد حل سياسي حقيقي للقضية الفلسطينية، وإذا لم يتم التوصل لحل يرضي الفلسطينيين والعرب، فستظل المنطقة تتنقل من حرب إلى أخرى.
ويبرز أن سبب الحروب هو إهمال إيجاد حل سياسي يُرضي الفلسطينيين والعرب. الآن يتم الطرح بقوة، وحتى الداعمون لإسرائيل لن يتمكنوا من تفادي أن الحل السياسي للقضية القائم على حل الدولتين هو المخرج الوحيد، وليس ما وصلت إليه القضية، وفي نهاية المطاف تنشأ حالة في فلسطين بين الحين والآخر، تقول إن هذه التوجهات ليس لها معنى.
وبخلاف قطاع غزة، فإن الضفة الغربية، التي لا توجد فيها صواريخ أو وسائل قتالية، أشغلت الجيش الإسرائيلي سنوات، يذهبون إلى المخيمات بالأباتشي، والدفع بتعزيزات لمواجهة 10 مقاتلين.
5- القضية الفلسطينية أكبر تحدٍّ لإسرائيل: تستند وسائل الإعلام إلى المظاهر، تتحدث عن القتل والتفوق العسكري والتكنولوجي، ونضع تلك المظاهر فوق رؤوسنا ونشكو للعالم والاستيطان، لا بد من إلقاء نظرة موضوعية على واقع الداخل الإسرائيلي، وما أفرزته القضية الفلسطينية، إذ يعتبر المعهد الاستراتيجي الإسرائيلي، أن هناك 4 تحديات رئيسية تواجه إسرائيل، على رأسها عدم وجود حل سياسي للقضية الفلسطينية، مما يؤدي إلى أن إسرائيل منشغلة في كل الوقت، أولاً لمعالجة الوضع في غزة، ثم معالجة الوضع في الضفة، دون أن تطرح أي طرح سياسي لحل القضية الفلسطينية، فيما جاء الوضع الداخلي في المرتبة الثانية، ويتضح أن إيران ليست في مقدمة التحديات.
ومن مظاهر الوضع الداخلي المرتبط بالقضية الفلسطينية، بدأت تتعالى الأصوات التي ترى أن احتلال شعب لآخر يؤدي إلى توجيه مشاكل كبيرة لإسرائيل، والاستقطاب الداخلي وصل إلى حد تهديد أساسيات الدولة، خاصة مع صبغة اليمين المتشدد، الذي يفرض تغييراً جذرياً على إسرائيل.
6- بلورة موقف عربي لحل سياسي: إسرائيل تبتعد عن الحل السياسي وتعاني من غيابه، ومؤتمر القاهرة للسلام لم يكن مؤتمراً لبدء مفاوضات ودخول المساعدات، كان نقطة انطلاق يجب أن يُبنى عليها للحل السياسي. ويجب التوقف عنمطالبة أمريكا وأوروبا بحل القضية الفلسطينية، الآن الحالة العربية التي برزت بعد ما يحدث في غزة تستدعي الدفع إلى مسار سياسي جديد أفضل وأكثر عدلاً، من كل الذي طرح سابقاً.
7– عقم السياسات الأمريكية والإسرائيلية: مسيرة التطبيع بين الدول العربية وإسرائيل تؤدي إلى شيء أولي، وهو عقم سياسي أمريكي وإسرائيلي، فكيف تذهب لتفتش عن سلام مع السودان وتترك القمع الذي يتعرض له 7 ملايين فلسطيني، وهم إلى جانبك، ورافضون لإسرائيل، مع الرشاوى الاقتصادية، وفي إسرائيل بدأوا يقولون: ما دامت إسرائيل تحتل شعباً آخر، فستكون في أزمة دائمة.
والوضع الراهن أنتج موقفاً غربياً أمريكياً، وتبنى الرواية الإسرائيلية، مع معرفتهم أنها كاذبة، حتى الرئيس الفرنسي قال كلاماً لا يقال من رئيس دولة بشأن تشكيل ائتلاف دولي للقضاء على حماس كما حدث مع داعش.
مسارات معقدة
ويُقر “عمرو” بأن مسارات الحرب معقدة للغاية، ولا يمكن التنبؤ بها، ولكن ثمة بعض المحددات التي تبلورت مع بداية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، يمكن الإشارة إليها، كالتالي:
1- رغبة أمريكية في إعادة إسرائيل إلى “بيت الطاعة”: من خلال الدعم العسكري الأمريكي لإسرائيل، فإن واشنطن ترغب في إعادة الحكومة الإسرائيلية إلى بيت الطاعة الأمريكي، بعد كثير من التمردات، منها التوغل في العلاقة مع الصين، وهو ما أدى إلى زيارة وزير الخارجية الأسبق مايك بومبيو لإسرائيل للتحذير من اتفاقية تتعلق بإدارة الموانئ مع الصين، ولكن هناك مشروعات بمليارات الدولات بينهما، وهذا لا يُرضي الولايات المتحدة.
كما أن أمريكا طلبت من إسرائيل رسمياً أن تساهم في الحرب الأوكرانية، ولكنها رفضت وتعللت بوجود الروس على حدود إسرائيل، وبدأت أمريكا تتدخل ومنع نتنياهو من دخول البيت الأبيض.
وهناك تخوفات أمريكية على الجيش الإسرائيلي من أن يتفتت، قبل الحرب الحالية بعد امتناع ضباط الطيران عن التدريب وانضموا للحراك الشعبي، في إطار أزمة القضاء والرد عليها.
والمشهد الحالي يستدعي الإدارة الأمريكية إلى الحضور بغلاف التبني. وفي النهاية، يقود الأمريكان القرار السياسي الإسرائيلي، مع إطلاق اليد لهم بشأن غزة وحماس.
2– تجنب أمريكا لسيناريو الحرب الإقليمية: الدعم العسكري الأمريكي لإسرائيل، يأتي في جانب منه، مواجهة احتمالات التحول إلى حرب إقليمية، وأمريكا لا تريد ذلك، ولكن في الوقت نفسه ترغب في أن تُصدّر للداخل الإسرائيلي أن حاملتي الطائرات الأمريكية والخبراء الأمريكان، الذين يقودون العمليات، هم من حموا إسرائيل.
وكان لافتاً لأول مرة في التاريخ أن يذهب بايدن وبلينكن إلى غرف العمليات التي تؤدي إلى العمل العسكري المباشر، إذ إن أمريكا معنية بشكل رئيسي بالجيش وأجهزة الأمن، فالدعم الأمريكي للدولة العبرية، ولكن ليس للحكومات المتعاقبة، وهي العمق الاستراتيجي لأمريكا في الشرق الأوسط، وتحضر عندما تتعرض الدولة للخطر كما حدث في حرب أكتوبر.
أمريكا لا تريد حرباً إقليمية في الشرق الأوسط، ولكن تريد التركيز على استهداف حماس فقط. تعتبر حماس هي التي أفسدت التطبيع السعودي الإسرائيلي في مراحله الأخيرة، وقبل هذه العملية كانت هناك محادثات وصلت إلى مستوى متقدم.
والآن يتم النظر إلى توقيت العملية، بصرف النظر عن دور إيران، بأن هذه العملية ضربت المجهود الأمريكي للتطبيع، ولكن ليس معناه أنها أُلغيت، ولكن يمكن استئناف المفاوضات عقب انتهاء العملية في غزة.
3- خلاف داخل إسرائيل حول إدارة الحرب: هناك اختلاف داخل إسرائيل على كيفية إدارة الحرب، فوزير الدفاع غالانت كانت لديه رغبة في بدء حرب استباقية على قطاع غزة، في إطار عملية شاملة ضد حزب الله في لبنان، وحماس في غزة، والجبهة الشمالية في سوريا، وضربوا مطارات في سوريا أكثر من مرة، في ظل سيطرة مليشيات إيرانية على الوضع هناك.
4- تصاعد طرح خنق غزة لا الحرب البرية: مقابل الرغبة الإسرائيلية في إطلاق حرب برية في غزة، فلا أحد متأكد من نتائج ذلك لا أمريكا ولا إسرائيل، ومن يوقف الحرب البرية حتى الآن هي أمريكا، في ضوء الخسائر المتوقعة لهذه الخطوة.
ولكن في المقابل، هناك مقترح معروض على نتنياهو الآن من قبل جنرال سابق، وهو خنق وقتل غزة من دون عملية برية أو دخول جندي واحد، من خلال القصف الجوي، إذ ستكون هناك خسائر حال الإقدام على الحرب البرية.
ولكن خنق غزة ووضعها في حدود 50 كم، وهي محاصرة بحراً وجواً وبراً، سيطيل أمد الحرب ويزيد من الخسائر.
5- رغبة إسرائيل في استعادة الثقة بالجيش: لا يوجد أحد في شمال القطاع، وهذه المنطقة يمكن أن تكون رأس الجسر للتدخل البري، وربما يكون التدخل البري في هذه الحالة حذراً، بدلاً من الاحتلال لغزة، في ظل وجود خسائر متوقعة.
على المستوى العسكري، فالجيش الإسرائيلي متعجل لإعادة الصورة القديمة للجيش الإسرائيلي، الذي لا يقهر. هذه إحدى الأزمات في داخل إسرائيل، هم يريدون تقديم صورة للنصر، لكي يستطيعوا مواجهة المجتمع الإسرائيلي.
وسيكون هناك لجان عقب انتهاء الحرب لكشف القصور الجذري، ولكن لا بد من النصر والثأر أولاً، وهي محاولة لاستعادة الإنسان الإسرائيلي ثقته في أيقونته المتمثل في الجيش، خاصة مع خسائر كبيرة، وهناك ضباط كبار وقعوا في الأسر.
استشعار الخطر
ويرى وزير الإعلام الفلسطيني الأسبق، أن النتيجة الإيجابية الوحيدة للوضع الحالي، هي استشعار العرب الخطر، لم يعد السلام مع إسرائيل نقطة أمان استراتيجي، ربما يكون هناك تطبيع على المستوى السياسي ومناقشات حول الغاز والأمن، وأشياء أخرى؛ ولكن تنبه العرب إلى أن الوضع أصعب بكثير من الاعتماد على الاتفاقيات لضمان الأمن القومي، خاصةً أن الحديث عن الاقتصاد والممرات الاقتصادية يستلزم الهدوء، ويمثل مؤتمر القاهرة للسلام نقطة انطلاق لمسار الحل السياسي.